الأرشيفعربي وعالمي

حرب كبيرة بعنوان صغير : النظام الدولي الجديد والحرب في أوكرانيا – د. لبيب قمحاوي

الأهداف من الحرب في أوكرانيا مختلفة بالنسبة للأطراف الرئيسية  المشاركة  فيها سواء  بشكل مباشرأو بشكل غير مباشر.  وعلى  أية  حال  تبقى أوروبا هي  الخاسر الأكبر من تلك  الحرب بغض النظر عن  مداها  الزمني  ونتائجها، والعالم  بشكل  عام  هو الكاسب  الأكبر إذا  ما  تمكن من  تسريع عملية  انهاء  نظام  القطب  الواحد  واستبداله  بنظام  متعدد  الأقطاب. 

تخوض أمريكا الآن حربها  الخاصة بها  في  أوكرانيا  من  خلال  الآخرين  وعلى حسابهم . الهدف من كل ذلك هو الحفاظ  ما أمكن  ولأطول مدة ممكنة على النظام الدولي أحادي القطبية السائد الآن بقيادة  الولايات  المتحدة.  هذه الحرب الكبيرة تجري الآن تحت عنوان  صغير هو “الحرب  في أوكرانيا ” .

 يقوم العالم الآن  وبألوانه المختلفة بحصاد نتائج  الحرب  في  أوكرانيا والنتائج  السلبية لسياسات الحصار المرافقة لها،  ويدفع  ثمن كل ذلك على شكل  ركود اقتصادي مرعب، وارتفاع جنوني في أسعارالمواد الأساسية، وانقطاع عشوائي في سلاسل التوريد الى آخر ذلك من  مصائب لا تزال  تتفاقم، وكل ذلك بهدف بقاء أمريكا على راس عالم انتهى زمانه ومَنْع عالم جديد متعدد  القطبية من  تبوأ مكانه الصحيح  في هذا  العالم،  وُجلَّ ما تفعله  أمريكا  الآن أو هي قادرة على فعله يبقى  محصوراً في تأخير المحتوم حيث لا مجال  لإلغاء ما هو قادم  .

أوروبا تدفع الآن بالطول والعرض  ثمن  أنانية  أمريكا  السياسية  المفرطة  ووحشيتها في الحفاظ على مصالحها دون أي اعتبار  لمصالح الآخرين  حتى  حلفائها . وأمريكا ما زالت تطالب أوروبا  بالولاء  المستمر  لها  ولسياساتها،  حتى  ولو كان ذلك ضد مصالح أوروبا  نفسها،  وهو  كذلك  .  وأوروبا  التي  يجري ارغامها يومياً وبكافة أساليب  الضغط  على  اتخاذ   قرارات  لا تتماشى  ولا تنسجم مع مصالحها تكاد تصل في معاناتها الى نهاية  المطاف في القدرة على الاحتمال، قبل أن  تنفجر الامور لدى شعوبها. وزعماء أوروبا سوف  يدفعوا ثمن تأييدهم الأعمى لأمريكا على حساب مصالح شعوبهم ورفاهيتهم . وفي الغالب فإن معظم القادة الأوروبيون الذين تمادوا في  دعم  سياسة  أمريكا  في أوكرانيا على حساب رخاء شعوبهم لن  يعُاد  إنتخابهم،  أو سوف  يسقطوا  واحداً تلو الآخر .

إن محاولات أمريكا الجارية الآن  لفرز العالم  الجديد  والتعامل  مع  دُوَلِهِ  بموجب الأسس الحاكمة للنظام  الدولي  القديم  أحادي القطبية  سوف  تفشل  لأن العالم قد تغير في مناحٍ  كثيرة، عدا عن كونه قيد التغيير في  مناح  أخرى  عديدة . من الواضح بل والمعترف  به أن لا أحد يستطيع التعامل مع  المستقبل  بأدوات  الماضي .

إن مغالاة  أمريكا  في اعتبار مصالحها فوق مصالح الآخرين وشراستها في تطبيق ذلك  المنظور ما  دفع العديد من الدول الى العمل على محاولة  الخروج  من  الطوق  الأمريكي الخانق، باستثناء القليل من حكام العرب الذين بالغوا في دخول  النفق الأمريكي في الوقت الذي تعمل فيه العديد من الدول ومنها دول عربية  على الخروج منه  تدريجياً،  كما  جرى  مؤخراً من قبل مصر  والسعودية   . 

تتميز الحرب في أوكرانيا،  عدا عن  كونها  المفتاح  لتغيير  النظام  الدولي  السائد، بأنها أول حرب استُعمْلِتَ فيها كافة أنواع الأسلحة والخيارات   بإستثناء الخيار النووي، ولم  تتقيد أمريكا وحلفائها بالاسلحة العسكرية  التقليدية والاستراتجية، بل شملت أيضاً كافة الأدوات المالية والاقتصادية  والتكنولوجية كأسلحة، كما أنها َغرَفَت  بشكل  شره  ونهم ما أمكنها من  ثروات المواطنين الروس  الشخصية  تحت كافة  الاعذار ودون أي اعتبار أو احترام  للحقوق الشخصية والملكية  الخاصة  .

وقاحة الموقف الأمريكي تميزت بالكيل بأكثرمن مكيال. فأمريكا التي احتلت اجزاءمن فيتنام ودمرت فيتنام واحتلت العراق ودمرته واحتلت  افغانستان ودمرتها وساهمت في احتلال سوريا وليبيا وتدميرهما،ودعمت  وما زالت تدعم اسرائيل التي احتلت فلسطين ولم ترى أي غضاضة في ذلك، والآن تتباكى على دولة أخلَّت بالتزامها تجاه جارتها الكبرى روسيا وقبلت  أن تكون مصدر خطر لأمنها مما دفع روسيا الى التدخل العسكري لحماية أمنها  .

إن المغالاة الأمريكية والأوروبية في تطبيق نظام العقوبات ضد الاتحاد  الروسي قد فتح أعين العديد من دول  العالم على  خطأ  وخطورة  ترك  الأمور  رهينة بيد أمريكا والغرب لأن  المقاطعة  المالية  والاقتصادية  أصبحت  سلاحاً  خطيراَ مدمراً وليس سياسة وممارسة مما سوف يدفع بالمزيد من  دول  العالم  للتحالف والقبول  بالخيارات  البديلة التي  تطرحها  الصين مثل  نظام  سبس (CIPS  ( البديل أو الموازي لنظام  سويفت، ومجموعة (BRICS) التي تجمع  في عضويتها الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا وتشكل  مجموعة الأساس في تطوير  نظام  دولي  جديد  متعدد  القطبية  .

من الواضح أن أمريكا سوف تقاتل حتى آخر أوكراني وحتى آخر نَفَسْ في  الاقتصاد الأوروبي وحتى آخرعربي وآخر دولارفي خزينة العرب،  والاستثناء من كل هذا وذاك هو”اسرائيل” و”الاسرائيليين” . فالموضوع بالنسبة لأمريكا هو حياة أو موت، والثمن سوف يدفعه الآخرون، علماً أن  نهاية نظام القطب الواحد سوف تشكل بداية النهاية بالنسبة لاسرائيل وهيمنتها العسكرية المفتوحة على  اقليم  الشرق  الأوسط  .

27/7/2022

lkamhawi@cessco.com