الأخبار

حنين وتقرير المصير، زهير أندراوس

■ العروبة صدام الاستدعاء والمواجهة، عادل سمارة

■ حنين وتقرير المصير، زهير أندراوس

■ ” أحداث العراق في سياق استراتيجية الإحتواء”، الحلقة الثانية، المبادرة الوطنية الأردنية

■ حوار مع الباحث العراقي د. فاضل الربيعي: العراق يتعرض لمحاولة تقسيم وفصل إيران عن بلاد الشام، الوحدة الاخبارية

● ● ●

العروبة صدام الاستدعاء والمواجهة

عادل سمارة

 

لم يعد من معنى لقراءة الوضع العربي بالقطعة. بل أية قراءة بالقطعة هي قائمة على أرضية سايكس-بيكو اي هي قطرية وطائفية ومذهبية وعشائرية. لا تقوم بها سوى الأنظمة والقوى المرتعبة من المشهد فتقرر الانسحاب إلى الداخل ليس لاستجماع قوة الهجوم بل لاتقاء ما سيأتيها لو بعد حين. إنه طبعة من استدخال الهزيمة.

 وهذا يعني بلا مواربة بأن تجاهل المشروع النهضوي العربي لم يعد ممكنا. بكلام أوضح، فإن مشروع سايكس بيكو وصل إلى نهايته حسب قراءات  مختلف أطراف الصراع على الوطن العربي وليس في الوطن العربي وحسب. ووصل بلا شك نهايته من منظور عروبي.

صراع على الوطن العربي لأن الوطن العربي هو ساحة الانقسام والتقسيم بين مختلف القوى العالمية والإقليمية والمحلية غير العروبية.  بل الوطن العربي من الضعف بمكان بحيث لا يملك من أمره ما يصد به اضعف أعدائه مما يجعل المواجهة العروبية مع مختلف التيارات المعادية للعروبة أمر حتمي في تناقض تناحري مهما كان ميزان القوى مختلاً.  نعم ليس سوى الهجوم وبالهجوم وحده تتفجر القوة الكامنة.

إن العرب هم الأمة الوحيدة المستضعفة بين الأمم في الإقليم، مع أنها أكبر هذه الأمم، بل هي حتى اضعف من الأمة الكردية التي تتقدم على حساب العرب ولا حاجة للحديث عن تركيا الناتو ولا عن نجاح إيران في إنشاء دولة إقليمية قوية.  وهذا الضعف قائم على التفتيت الداخلي للعرب على اسس دينية وطائفية ومذهبية وقبائيلة وجهوية. لكل واحدة من هذه التحوصلات المعادية للعروبة نخبة تقود جمهورا من الجهلة والمضيعين والمتخلفين وتتحالف، من موقع الأداة الخائنة،  إما مع قوى إقليمية أو مع الاستعمار مباشرة بما فيه الصهيونية.

وأطراف وقوى الصراع هي:

  • انظمة وقوى الدين السياسي: وهذه تشن حربها ضدالأمة العربية حيث غدا مشروعها تفتيت كل قطر عربي من داخله بتحالف مع واشنطن من مدخل: “جربونا”. ورغم فشل الإخوان إثر احتضان واشنطن والاتحاد الأوروبي لهم ، إلا أن هذه القوى لم تقطع ولا يمكنها ان تقطع علاقتها بواشنطن. فعلى الأقل ما هو واضح تلك العلاقة لجناحيها مع واشنطن اي عبر الدوحة والرياض. هي نفسها تقوم بذلك من جهة وتزعم أن مشروعها توحيد مليار ونصف مسلم تحت ما يسمى “أمة الإسلام” من جهة نقيضة ثانية! فهل ينطلي هذا التناقض على ذي عقل؟

  • القطرية والطائفية والمذهبية: على أرضية قوى الدين السياسي والتي احتضنتها الدولة القُطرية فقد وصلت الدولة القطرية بنفسها وبهذه المذاهب والطوائف إلى درجة من الانحصار الانفجاري بحيث قررت نخبها الانفصال كل لوحده مفرِّطاً في كل ما لا يخصه من الوطن والأمة.وهو ما باشرت به كما نرى في العراق  وفي سوريا وليبيا واليمن. وما من شك بأن هشاشة الوضع الاقتصادي وتخلف التصنيع ووجود الاحتلال (حالة العراق) سمحت بتفكيك الطبقات إلى عناصرها الطائفية المذهبية الأولية بحيث صارت الطائفية مثابة مجتمع مغلق فيه مراتب طبقية خاصة به تتبادل الحماية من أسفل لأعلى والتمويل من أعلى لأسفل في حالة من الانحطاط الاجتماعي غير المسبوق. وهو ما وفر الجنود للقيادات الطائفية.

  • التغوُّل الإمبريالي: بعد انكفاءة المشروع الأمريكي عام 2006 وصمود سوريا تجددت هجمته عبر داعش والقاعدة ومختلف انظمة وقوى الدين السياسي وانكشاف ما يسمى بعد 2011 بالربيع العربي حيث توفرت فرصة إعادة تجربة التفكيك والتذرير عبر مشروع الشرق الأوسط الجديد. وبالتالي عادت الولايات المتحدة إلى موقع من يُرجى تدحله  لتجدها فرصة لتعميق اقتتال التوابع. وهذا يطرح السؤال الذي طالما تردد كثيرون  في إثارته: تُرى هل كانت في العراق مقاومة بمستوى طرد الاحتلال؟ أم أن الأمر كان إدارة صراع مزدوج بين القيادة الإمريكية وقيادات الطوائف؟ وبأن خروج امريكا كان هزيمة مالية أكثر منها ميدانية. واذا كانت هزيمة ميدانية، فإن الانتصار كان يحمل في أحشائه هزيمة وطنية اجتماعية تجلت بما حصل في الموصل.

  • الكيان الصهيوني: في هذا الفلتان العربي الهائل تمكن الكيان الصهيوني من التغلغل السري والعلني في الوطن العربي. فلم يعد خافياً التحالف الصهيوني العربي واليهودي سواء على مستوى علاقات الإخوان المسلمين بقيادة حكام قطر بالكيان الصهيوني والذي اثمر موقف مرسي المتصالح مع الكيان ولاحقا السلفية الوهابية عبر علاقات الحكم السعودي والإماراتي بالكيان الصهيوني والذي اثمر تمسك نظام السيسي بكامب ديفيد. هذا دون ان نشير إلى تشكيل دولة صهيونية في جنوب السودان كان نظام الدين السياسي شمال السودان هو مسببها الأساس ليبقى في السلطة. بيت القصيد ان هذه الفترة هي الذهبية في تاريخ الكيان. هناك جدل لم يتوقف بين الصهاينة  جوهره كيف يمكن للكيان الاستغناء عن الحماية الأمريكية. أي هل يمكنه وصول هذه الوضعية؟ وها هي حالة الوطن العربي توفر له ذلك. (طبعا بمساهمة الكيان نفسه) هو التذابح بين كافة انواع المتخلفين العرب والمسلمين. هذا التذابح الشامل هو الذي يُغني الكيان نسبيا ومؤقتا عن الاضطرار لاستخدام اسلحة الدمار الشامل. هل هذا معنى توجه الولايات المتحدة لركيز أكثر ضد الصين؟

  • وعلى مستوى القوميات غير العربية، فقد قدم غزو داعش وبقايا مرتدي البعث العراقي لمحافظات شمال العراق فرصة ليعلن الكرد دولتهم في العراق وليكشفوا على تحالفهم العميق والعتيق مع الكيان الصهيوني عبر تصدير النفط بتواطؤ تركيا، بمعنى أن قيادة الكرد قد أعلنت الحرب على العرب نيابة عن الكيان الصهيوني وبدعمه هو وتركيا. وهذا يزيد فرص استغناء الكيان النسبي عن الحماية الأمريكية ذلك الحلم الذي يقض مضاجع شمعون بيرس حيث حلم منذ عام 1985  بتجسيده اقتصاديا عبر مشروعه للشرق الأوسط .

يتضح من هذا أن أدوات الثورة المضادة مبنية وفاعلة ومتعددة وتمارس دورها بوضوح حتى لو ظهر شكلياً انعدام التنسيق بينها او حتى التناقض الشكلي بينها.

ولكي ندخل في تحديد أدق، لنشير إلى استدعاء الاستعمار الذي اصبح إيديولوجيا علنية كنقيض للمقاومة وتحمل المسؤولية الوطنية.

طبعاً كي لا نتعصب فلسطينياً، فإن اتفاق أوسلو هو أخطر اشكال استدعاء الاستعمار لأن الكيان هو استعمار استيطاني. كما أن إجراء انتخابات تحت ظل هذا الاستعمار هو تأكيد على التصالح معه وشرعنته. وهي “الديمقراطية” التي قلدتها الحكومة الطائفية في العراق ولننظر عراق اليوم!

أخطر استدعاء للاستعمار كان من المعارضة العراقية لنظام الرئيس صدام حسين سواء جناحها الذي كان في بريطانيا أو داخل العراق. وهي معارضة طائفية بامتياز من جهة وأممية من جهة ثانية. يا للطرافة. فما الفارق بين الحكيم والصدر والمالكي من جهة وبين حميد موسى (شيوعي) ومحمد جعفر (تروتسكي)؟

ودون تفاصيل تشكلت حكومة طائفية في العراق تحمل في أحشائها قدرا هائلا من الحقد الذي لا يتوفر إلا لدى متخلفي الطوائف. وهو حقد وضعها من الغباء بمكان الاعتقاد بأبدية سلطتها. فقد وصلت بها العنجهية والثأر إلى استلام الأسير صدام حسين من المحتل الأمريكي لكي تنال “فخر”إعدامه عشية عيد الأضحى! فهل هناك توفير وقود للطائفية أكثر من هذا؟ ألم يكن بوسعهم رفض إعدامه لتعدمه دولة الدم امريكا؟ او على الأقل الزعم بأنه مات بالذبحة الصدرية؟

ربما بشكل يومي كانت قنوات الطائفة الحاكمة في العراق تلعن صدام حسين وكأنها تقول للطائفة الأخرى: إكرهونا واحقدوا علينا علماً بأن تلك الطائفة بل وكل طائفة كارهة لغيرها. بل هي تقدم للأنظمة الحاكمة باسم السنة (وخاصة السعودية وقطر وكامل خليج الريع النفطي)  فرصة التحريك الطائفي، تقدمه قصداً. من أجل ماذا؟ حبذا لو يجب على هذا أحدً اليوم؟

قوبل الحقد الأعمى بحقد أعمى اشد منه من قبل قيادات السنة ووجهائهم مدعومين بقطيع مضاد يقتل ويموت كالهوام. فرَّط الأول بالعراق من أجل السلطة ففرط الثاني بالعراق من أجل السلطة ايضا. قطعان السنة مقابل قطعان الشيعة.وقطعان الكرد مقابل قطعان العرب. والقطعان غالباً من فيالق البطالة التي في أغلب الأحيان لم تحصل عن فقر بالموارد بل عن نهب للموارد وتفريط بها للاستعمار. هذه معادلة الفساد وتعميق التخلف وتوليد البطالة ورشوة العاطلين بالريع وتعميتهم بأن كل من ليس من طائفته او عشيرته او مذهبه او حتى حارته يستحق الذبح. وليس أخطر من مقموع جاهل إذا ما أمسك بيده قطعة سلاح  او حتى سكيناً. فكيف إذا اقترنت هذه الوحشية مع مخطط الخبث الصهيو أمريكي؟

وبالنتيجة، تمزيق العراق بين هذه القطعان :شيعة، سنة، كرد. بينما تهندس واشنطن تذابح هذه القطعان المتخلفة ويكون الربح الصافي للكيان الصهيوني وإسرائيل الجديدة في كردستان وتقوية للدور التركي ضد سوريا لتجديد الهجمة عليها قبل ان تتماسك تماماً.

وبقدر ما يستدعي المالكي العدو الأمريكي مجدداً، بقدر ما يستدعي عزت الدوري عبر السعودية نفس العدو الأمريكي ناهيك عن توليد داعش من تحت إبط المخابرات الأمريكية.  وبالقدر نفسه يستدعي البرزاني الاستعمار الصهيوني نيابة عن الاستعمار الأمريكي . هل نغامر بالقول بأن المالكي والدوري جاهزان، من أجل السلطة، للتسابق مع البرزاني على استدعاء الصهيوني؟ لِمَ لا؟

اين ستقف إيران من هذا؟ هل تراجع أخطائها في السماح للمالكي بكل ذلك التغول والفساد؟ وهل كان سبب ممالئة المالكي وربعه هو فقط لأنه لم ينضم إلى أعداء الدولة السورية؟ اي ألم تكن هناك طرقا أخرى لحفظ العراق؟ أم أن العراق كان يجب ان يبقى حديقة خلفية لإيران. بمعنى انه في اسوأ الأحوال فإن حصتها الطائفية من تقسيمه هي الكبرى؟ ولكن بالطبع، فالجريمة الكبرى  هي من عرب العراق وكل العرب الرسميين والمذهبيين والطائفيين والقطريين. من كل هؤلاء الذين يعملون بوعي ومصلحة وجهل معاً في خدمة مختلف انواع أعداء الوطن العربي.

على الصعيد السوري، وفي هجمة تمزيق سوريا يستدعي اللبواني كافة انواع الاستعمار وخاصة الكيان الصهيوني  باسم “المعارضة” السورية لتقديم الجولان للكيان الصهيوني كي يوصل الكيان هذه المعارضة إلى السلطة. أية سلطة؟ لا يهم.  المهم سلطة ما على طائفة ما على مذهب ما. وما الذي يمنع اللبواني وبطانته من هذا طالما أن هناك جيوشا من الجهلة والمرتزقة تديرها شبكة مخابرات مختلف دول الثورة المضادة.

قراءة هذا المشهد بأمسه ويومه لا تدع مجالا للشك بأن القطرية والطائفية والمذهبية ليست وطنية قط. وهي لا يمكن إلا أن تكون أداة للاستعمار. وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه بأن امريكا لا تزال قوية في المنطقة، وبأنها عبر القطريات والطوائف تمسك بكافة الخيوط فتقوي كلبا على آخر، أو تعيد تقوية كلب آخر على سابقه.

كم هنا وجوب التركيز على سوريا بحمايتها من جهة، وبالحرص النقدي على أن تبقى سوريا المقاومة والممانعة والعروبية. سوريا التي تطلق اللبرالية الجديدة تماماً وتقوي تماسكها الاجتماعي المافوق طائفي ومذهبي بمشروع اقتصاد تنموي متجه شرقا ولصالح الطبقات الشعبية. او على الأقل ليكون لكل طبقة اجتماعية حصنة من الاقتصاد بحجم دورها في الإنتاج وحجمها العددي.

وخارج حدودها لتكون سوريا قوة الهجوم المضاد ضد الصهيونية العربية وخاصة أنظمة الريع النفطي التي أعلنت ومارست هجمة محو القومية العربية. وعليه، لم تعد هناك من سواتر وتخفيات. وأن تكون سوريا قوة الهجوم لا يعني وحدها بل كافة القوى العربية في كل قطر عربي. القوى القومية والاشتراكية القادرة على العمل عبر ومع ومن أجل الطبقات الشعبية. (طبعا هذا يحتاج إلى تحليل و برنامج).

نقول سوريا، لأن مصر عملاق بلا سيقان، ولأن الجزائر في حالة انكفاء دفاعي.  للأسف ولكن ليس لليأس.

( *** )

حنين وتقرير المصير

زهير أندراوس

 

الرجل موقف، والموقف رجل، والحياة وقف عزّ، وعند الامتحان يُكّرم المرء أوْ يُهان، مقولات مأثورة ومُعبّرة وليست كليشهات في هذا الزمن الوضيع والخسيس، الفاسد، زمن المُنكر والمكروه، الذي باتت فيه المقاومة إرهابًا، والإرهاب المُنظّم الذي تُمارسه أمريكا وربيبتها إسرائيل أصبح شعار المرحلة، المقبول بخنوعٍ من قبل السواد الأعظم من الأنظمة الرسميّة العربيّة. مُضافًا إلى ذلك، ولكي لا نمتهن العقل البشريّ من الأهميّة بمكان التشديد في هذا السياق على أنّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ ليس حقل تجارب لقيادته من طرفي ما يُسّمى بالخط الأخضر، أوْ للأعراب الرجعيين، وبطبيعة الحال للإمبرياليين وحلفائهم الصهاينة، هذا من ناحية، أمّا من الجهة الأخرى، فإنّ ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المُهندّ. علاوة على ذلك، فإنّ الديماغوغيّة ومُخاطبة الإسرائيليين بلغةٍ تروق لهم، ومخاطبة العرب بعنتريّةٍ، لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، إلا نعتها بمرحلة ما بعد الانتهازيّة، واستغلال مشاعر الناس، للحصول على مكاسب سياسيّة ضيّقة. ولكن ما العمل؟ في زمن العولمة والإنترنت، الذي حوّل العالم إلى قرية صغيرةٍ، لا يقدر كائنًا مًن كان على إخفاء الحقيقة، وبالتالي عندما تنكشف تمامًا مثل انبلاج الفجر، تعود ككيدٍ مرتدٍ على من يُحاول التجارة بفلسطين وبقضية فلسطين، التي نعتبرها من أنبل وأعدل القضايا على مرّ العصور.

***

يوم الخميس قبل الفائت، وتحديدًا في التاسع عشر من شهر حزيران (يونيو) الجاري، نشرت على صفحتي الخاصّة في موقع التواصل الاجتماعيّ (فيس بوك) ما يلي: “بغضّ النظر عن مواقفها السياسيّة بالنسبة لسوريّة، وبصرف الطرف عن انتمائها الحزبيّ، نرى أنّ واجبنا الوطنيّ والأخلاقيّ يُحتّم علينا الارتقاء إلى مستوى الحدث، وتوجيه رسالة حادّة كالموس إلى الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا: هجومكم السافر والبذيء والسفيه والمسعور على النائبة حنين زعبي، هو هجوم فاشيّ لكونها عربيّة فلسطينيّة فخورة، وأبناء جلدتها في جميع أماكن تواجدهم، يقفون إلى جانبها، وتهديداتكم لن تُرعبنا ولن تُخيفنا”. انتهى الاقتباس. وبعد هذا النشر تعرّضت لعدّة معاتبات من قبل صديقاتي وأصدقائي على هذا الموقف، وعلى الرغم من ذلك، لم أقُم بشطب ما كتبته وما آمنت به، أنّه في حالة المواجهة بين أبناء شعبنا مع المؤسسة الصهيونيّة، علينا أنْ نقف سدًّا منيعًا مع بنات وأبناء جلدتنا بدون هوادة أمام محاولاتها الاستفراد بهذه القياديّة أوْ بذلك القياديّ، لأنّ التجربة علّمتنا أنّ الإعلام العبريّ، الكتيبة السابعة في جيش الاحتلال الإسرائيليّ، يعكس المزاج العام لما يُطلق عليه اسم الإجماع القوميّ الصهيونيّ، القائم على نفي الآخر، وعندما يشّن غزواته التي لا تختلف كثيرًا عن “غزوات” تنظيم داعش الإرهابيّ بامتياز، يُحاول شيطنة هذا القياديّ أوْ تلك القياديّة، وهدر دمّها، وهو يرقص على الدماء. ولكي أكون صادقًا أولاً مع نفسي، ومن ثمّ مع الآخرين، أرى من واجبي الأخلاقيّ والوطنيّ، أنْ أُشير في هذه العُجالة، إلى أننّي كتبت عدّة مقالات باللغتين العبريّة والعربيّة، دفاعًا عن النائبة زعبي، بسبب تعرّضها لهجومٍ محمومٍ من قبل المؤسسة الإسرائيليّة وأبواقها الإعلاميّة. ولكن هذا لم يشفع ليّ عند مُثقّفي البترودولار، فمن لندن، مرابط خيلنا، أطلّ علينا الأكاديميّ، نمر سلطاني، واتهمّني بأننّي أُعاني من عقدة النقص، لأننّي نشرت في (هآرتس) العبريّة أننّي سأُعلن براءتي من أمّتي العربيّة، لأنّها تتآمر على سوريّة قيادةً وشعبًا، زاعمًا أنّ النظام السوريّ يضطهد شعبه، على حدّ قوله. وهذا الزمان، وهنا المكان للتوضيح بأننّي نعم كتبت ذلك بالغة العبريّة، ولكن، ما تناساه الأكاديميّ الفّذ، وعن سبق الإصرار والترصّد، أننّي كتبت ذلك، قبل ذلك بكثير بلسان الضاد.

***

يوم السبت الفائت، استضاف برنامج (واجِه الصحافة) في القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيليّ النائبة زعبي، حول رفضها وصف عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة بأنّها عملية إرهابيّة. زعبي، من التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، حاولت الدفاع عن موقفها، ولكنّها صعقتني وأذهلتني عندما بدأت تُداهن وتُنافق للإسرائيليين، ربّما للتخلّص من الـ”ورطة” التي أوقعت نفسها فيها. النائبة القوميّة، قالت بالحرف الواحد، مخاطبةً الصهاينة: لا يوجد فرق بين الدم الفلسطينيّ والدم الإسرائيليّ، نعم لا يوجد اختلاف، ولكن المُقارنة والمُقاربة ليس في مكانها، ذلك أنّ الشعب الفلسطينيّ يقع تحت نير الاحتلال البغيض والأطول في التاريخ من قبل الإسرائيليين، ومن وحقّه، لا بلْ من واجبه اللجوء إلى كافة أشكال النضال، بما في ذلك الكفاح المُسلّح لكنس هذا الاحتلال، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الاحتلال هو أعلى مراحل الإرهاب. المساواة بين الضحيّة والجلاد، كما قالت زعبي، هي امتهان، واحتقار وابتذال للعقل البشريّ، ومحاولة بائسة ويائسة ومفضوحة لتمرير رسائل تلقى آذانًا صاغية من قبل الإسرائيليين، ولكنّ الأخطر من ذلك، أنّ زعبي بحديثها المذكور، ما زالت تعتقد أنّ هذا الكلام، الذي أقّل ما يُمكن أن يُقال عنه إنّه التعبير الأوضح عن ازدواجية المعايير، ما زالت تنطلي على أبناء الأمّة العربيّة بشكلٍ عامٍ، والشعب الفلسطينيّ، بشكلٍ خاصٍ، وهي في ذلك على خطأ.

***

ولكن نَكْي الجُرح، أيْ قَشره ولَم يَبْرأ بعد، تجلّى في أبشع صوره، عندما واصلت زعبي التملّق للإسرائيليين، في البرنامج عينه، عندما قالت وهذه ترجمة حرفيّة، في معرض ردّها على سؤال مًقدّمة البرنامج: يوجد حقّ لليهود في هذه البلاد، وأكثر من ذلك، زادت النائبة عن التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ: يوجد لديهم الحقّ في تقرير المصير في هذا الوطن! الحقيقة ذُهلت وصُعقت عندما سمعت هذه الأقوال في التلفزيون العبريّ، تصدر عن نائبة تنتمي لحزب يقول إنّه وطنيّ! إلى أين وصلنا؟ وحتى متى سنبقى نُداهن ولا نقول للأعور أعور بعينه، ذلك أنّ الاعتراف بحقّ اليهود في تقرير المصير في هذا الوطن، يقطع الطريق على حقّ تقرير المصير للشعب العربيّ الفلسطينيّ، ولكي لا نُتهّم بالشوشرة والمزايدة والمهاترة نقول للنائبة زعبي إنّ حقّ تقرير المصير لليهود في هذه البلاد، يعني، وبشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل بأنّك تتنازلين عن الحقّ المُقدّس، هو حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي شًردوا منها في النكبة المشؤومة عام 1948، ذلك أنّ الصهاينة يُعلنون جهارًا ونهارًا أنّهم لن يسمحون حتى للاجئ واحد بالعودة إلى داخل ما يُطلق عليه الخط الأخضر، والمحصلّة العامّة من هذا التصريح: اعتراف كامل وعلنيّ وعلى رؤوس الأشهاد بالدولة العبريّة، كدولة تقرير المصير لليهود، والأمر الثاني هو التنازل عن حقّ العودة، الذي نصّت عليه الشرعيّة الدوليّة في قرارها حامل الرقم 191، ذلك لأنّ العودة برأيي المتواضع جدًا، أهّم من الدولة، ولا يحّق لأيّ فلسطينيّ أنْ يُعيّن نفسه ممثلاً عن اللاجئين في الداخل أوْ في الشتات.

***

ولكي نضع النقاط على الحروف نُشدّد على أنّ ما ورد في المقالة لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال محاولة للتشهير بالنائبة زعبي، أوْ لا سمح الله تخوينها، فهي تبقى واحدة من أبناء شعبنا العربيّ الفلسطينيّ، وتوجيه الانتقادات لها بسبب هذا الموقف أوْ ذاك، لا يُفسّر على أنّه جاء من باب الجلد الذاتيّ، أوْ الانتقاص من دور النائبة زعبي في أكثر البرلمانات عنصريّة وحقد وكراهية للناطقين بالضاد. بناءً على ما تقدّم، فإنّ حنين زعبي، مُلزمة، أنْ تتُقدّم للمصوتين، وأنا واحد منهم، شرحًا كافيًا ووافيًا عن هذه المواقف المائعة والخطيرة، والدخيلة على كلّ عربيّ في هذه الديار يتخّذ من الوطنيّة نبراسًا.

( *** )

 

” أحداث العراق في سياق استراتيجية الإحتواء”

الحلقة الثانية

المبادرة الوطنية الأردنية

25/6/2014

 

في هذه الحلقة يتم التطرق للبعد الإقليمي في إحداث العراق، خاصة دور القوى الإقليمية الوازنة التابعة، في إستراتجية المركز الرأسمالي العالمي القائم على الإحتواء متعدد الأطراف، من خلال  أدوات متعددة وأساليب مختلفة، منها ما هو ظاهر وواضح ومنها ما هو معقد وخفي.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية، وحلفاءها واتباعها، قد أعادة الإعتبار إلى إستراتيجية الإحتواء متعدد الأطراف، بعدما تيقنت من فشل إنفاذ مخطط ” مشروع الشرق الأوسط الجديد /الكبير” على أبواب دمشق اليوم ، وفشل تابعها الكيان الصهيوني قبل ذلك على أبواب الجنوب اللبناني عام 2006 ، أي فشله في إنفاذ هذا المخطط نتيجة صمود محور المقاومة والممانعة والمدعوم بقوة من روسيا الإتحادية، ومن خلفها محور بريكس بتفاوت.

سيتم  التطرق للبعد الثاني في هذا الصراع، البعد الإقليمي، في هذه الحلقة بعدما تم التطرق إلى البعد الدولي في الحلقة الأولى.

البعد الإقليمي:

من هي القوى الإقليمية المنغمسة في  الصراع الدائر على الأرض العراقية ؟ وما هي أوزانها؟ وكيف يصنف دورها.

لا بد من تصنيف القوى الأقليمية إلى:

  1. قوى إقليمية تابعة ووازنة – تركيا السعودية والكيان الصهيوني – في المحصلة هي ليست صاحبة القرار بل هي منفذة للقرار، ومرجعية قرارها هوالمركز الرأسمالي، وتفاوت مواقفها ما هو إلاّ تعبير عن تفاوت مواقف وإجتهادات مراكز قوى  في المركز تم التطرق إليها في الحلقة السابقة.

    قوى إقليمية تابعة ولكنها غير وازنة – قطر الأردن، ولبنان الرسمي –

  2. قوى إقليمية مستقلة ووازنة – إيران وسوريا ولبنان الوطني المقاوم –

  3. قوى أقليمية وازنة مرتبكة – مصر الجزائر – لم يحسب لها حساب في هذا الصراع.

 

دور القوى الأقليمية الوازنة التابعة، لكل منها أحلامها الخاصة في هذا الصراع، ولكن الوظيفة الرئيسة المناطة بها في هذا الصراع تحديداً، هو كسر خط التواصل بين أطراف محور المقاومة والممانعة، من خلال تشكيل منطقة عازلة بين أيران من طرف وسوريا ولبنان من طرف أخر، وفي الوقت ذاته يخدم عرقلة مشروع خطوط الطاقة الواصلة بين أيران والعراق وسوريا، وبين العراق والأردن، نفط البصرى عبر ميناء العقبة، من خلال” دولة داعش الديموقراطية المدنية” الممتدة من حدود تركيا لحدود السعودية، ألا يفرض إختيار هذا الموقع الجغرافي لهذه الدويلة التسائل عن أهداف أخرى؟.

ما هي أحلام هذه الدول الأقليمية الوازنة التابعة؟

تركيا: صعّدت كقوة أقليمية في العقد الأخير بناء على قرار المركز الراسمالي لضرورات جيو سياسية، حيث تم ضخ روؤس أموال في السوق التركية، بعدما تم خصخصة القطاع العام وتم بيع ثروات المجتمع التركي للشركات متعدية الجنسيات، وبعدما تم وضع السوق التركي تحت هيمنة السوق الرأسمالي العالمي، حيث كلّفت تركيا، من قبل المركز، مع كل من إيطاليا واليمن بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد بداية هذا القرن، وتحت إدارة المدير التنفيذي بندر بن سلطان وحمد بن جاسم، اللذان تم إقصائهما بعد الفشل في إنفاذ المشروع على أبواب دمشق.

تركيا لديها مجموعة من الأحلام في مجالات مختلفة في العراق وسوريا:

جغرافية في منطقة الموصل وبالتفاهم مع مجموعة التبعية في سلطة إقليم كردستان العراق، حيث تكون كركوك من حصة الأقليم مقابل الموصل من حصة تركيا وكذلك حلب في سوريا.

مائية في السيطرة على مصادر المياه والأنهار التي تنبع من أراضيها وتتوجه إلى العراق وسوريا، حيث يتم تمكين ” مجموعات التبعية المسلحة ومنها داعش للسيطرة على مجاري الأنهار والسدود في العراق وسوريا، فما فعلته هذه المجاميع من نسف السدود، وإغراق مناطق من الأنبار، ومنع المياه عن أواسط وجنوب العراق، وفي سوريا السيطرة على مواقع المياه وسد الفرات ومحطات توزيع المياه، دليل واضح على شراكة التحكم التركي مع هذه المجاميع المسلحة التابعة في المياه، كأحد أدوات الضغط والتأثير على القرار السوري والعراقي.

نفطية التحكم في نفط شمال العراق وشرق سوريا بالتعاون مع مجموعة التبعية في أقليم كردستان ومجموعة التبعية المسلحة داعش في سوريا، من خلال التحكم بالتسويق، حيث تشتري تركيا برميل النفط المسروق من آبار النفط السورية بسبعة دولارات للبرميل الواحد،وتمرر نفط شمال العراق للتصدير عبر ميناء جيهان، ضد إرادة العراق وعدم إحترام سيادته على ثرواته، لا بل ربط إقليم كردستان مع السوق “الإسرائلي” عبر ميناء جيهان التركي.

إديولوجية تمكين الأخوان المسلمين من حكم الدول العربية

 

السعودية لديها الأحلام تتركز على التحكم بمجمل القرار العربي الرسمي والشعبي:

إديولوجية تحويل الإسلام السني إلى إسلام وهابي، ووهبنة المجتمعات السنية، عبر الثقافة والمجاميع المسلحة، حيث تحاول فرض هذه الآيدولوجيا على المجتمعات بالشراء وبالإرهاب المنظم، فبعدما أنجزت مهمة محاربة حركات التحرر الوطني العربي والعالمي، خلال القرن الماضي، حين تمكنت من شراء أحزاب ونخب عربية، وفي المقدمة منها حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح، التي وصلت إلى الحالة القائمة المتمثلة في السلطة، وتمييع مواقف الفصائل الأخرى، ألم تكن السعودية هي من  موّل حروب الثورات المضادة سابقاً – حرب اليمن الأولى والثانية وحرب ظفار –  والثورات المضادة حالياً، والمسماه “الربيع العربي”.

ألم تكن السعودية هي من دعم كل الحكومات والقوى في أوروبا المناهضة للأحزاب الشيوعية في بلدانها، وخاصة في إيطاليا وفرنسا واسبانيا، ألم يكن أحد اسباب سقوط الإتحاد السوفياتي، هو إعتماد سياسة الإغراق النفطية للأسواق العالمية من قبل السعودية، والتي أدت إلى إنخفاض حاد في ثمن برميل النفط، ليصل إلى أقل من عشر دولارات، مما أدى إلى أنهيار الدولة الروسية، بعدما عجزت عن الوفاء بإلتزامتها تجاه مؤسسات الدولة والمجتمع.

حرب خلف الأسوار تخوض السعودية منذ نشؤها حرب تناقض تناحري مع حركات التحرر الوطني العربي، وهي تعتبر صراعها مع هذه القوى صراع وجود – بالنسبة لآل سعود – في الحكم، فلم تهادن ولن تهادن، ومن من القوى الوطنية التي وقعت في هذا الشرك، حصدت نتائجه سريعاً وأسرع مما تصورت، في فلسطين والعراق وسوريا تحديداً، ومن يعتقد اليوم بأنه فهلوي بما فيه الكفاية ليستخدم قوى التبعية الوهابية المسلحة وتحت العناوين المختلفة، داعش والسلفية الجهادية …الخ، فهو واهم ولم يتعض من تجاربه السابقة،  قبل وقت قليل، ألم تشجع مجموعة الحكم في السعودية الكيان الصهيوني على شن حرب دموية على المقاومة اللبنانية عام 2006، ألم تدعم مجموعات التبعية في لبنان لشن حرب إعلامية مقيته ضد المقاومة، إعلامية فقط، بسبب عجز هذه المجموعات عن المجابهه العسكرية مع قوى المقاومة اللبنانية.

اليوم ألأ تدعم مجموعة التبعية الحاكمة في السعودية مجموعات التبعية المسلحة في حربها على العراق وسوريا، لماذا ؟ أليس إستمرا ر لصراع التناقض التناحري ذاته، وفي سياق تناقضها التناحري مع محور المقاومة والممانعة القائم والمفترض تطوره إلى حركة تحرر وطني، بفعل الصراع على الأرض، حيث تدل تجارب كثيره على وصول هذه التجارب، في المحصلة النهائية، إلى شرطية ربط مهمة التحرر الوطني بمهمة التحرر الإجتماعي، وتعبيره على الأرض الحالة العراقية، التي لا طريق أمامها إلاّ الانتقال إلى هذا الربط، حيث لمسنا تجربة فاشلة لمجموعات العملية السياسية، من عدم المقدرة على الحفاظ على وحدة المجتمع وسيادة العراق الوطني، وعدم مقدرة على الحفاظ على ثروات ومقدرات العراق.

الكيان الصهيوني صاحب المصلحة الرئيس في كل ما يحدث، حيث تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات وإضعاف الجيوش العربية، يخدم مشروع بقاءه، بعدما تيقن هذا الكيان من أن بقاءه ووجوده على هذه الأرض أصبح في دائرة الاستهداف، خاصة بعدما قدمت المقاومة اللبنانية نموذجاً حياً لهذا الاستهداف، فلم يعد يتأمل في التمدد، فإنتقل إلى الخطة ب ، خطة الحفاظ على الوجود، ومن هنا يفهم التحالف المعلن مع السعودية ودول الخليج الأخرى،شراكة حرب الوجود.

 

قوى التبعية غير الوازنة  قطر الأردن ولبنان الرسمي،

قطر فرض عليها تمويل كافة مخططات المركز سواء الخبيثة منها، التقرب من سوريا قبل الأحداث – قطر وتركيا الصداقة مع القيادة السورية – أو الدموية تسليح وتدريب قوى التبعية المسلحة الظلامية، ودعم منظومة الأخوان المسلمين لإستلام السلطة في كثير من الدول العربية،

الأردن فرض عليه المساهمة الفعلية استخباراتياً وتدريباً لقوى بشرية شكلت المجاميع المسلحة المقاتلة والمدمرة للدولة والمجتمع السوري، وقبل ذلك في الساحة العراقية، وفتح الحدود لإنتقال هذه المجاميع إلى سوريا.

لبنان الرسمي وجماعة الرابع عشر أذار، ساهما إعلامياً بشكل ٍ رئيس في الهجوم على سوريا، كما ساهما في تهريب السلاح إلى هذه المجاميع الهمجية، وحاولت جماعة الرابع عشر من أذار بناء حواضن لهذه المجاميع الظلامية، وخاصة في منطقة شمال لبنان.

القوى الأقليمية الوازنة المستقلة:

إيران، تعتمد قيادة إيران سياسة طويلة النفس مدروسة بدقة، تعرف ماذا تريد، وكيف تصل إلى ما تريد، فالقيادة الإيرانية تريد بناء دولة وطنية منتجة مستقلة ومقتدرة، فلم يعد يخفى على أحد إنجازاتها العسكرية، وصولاً إلى غزو الفضاء، والتمكن النووي، وقفزات هائلة في العلوم، وخاصة في مجال الطب وتكنولوجيا النانو، نقطة الضعف عند النظام الإيراني عدم عدالة توزيع الثروة المنتجة بيد الكادحين والمنتجين.

سياسة الدفاع خلف الأسوار تعتمد القيادة الإيرانية سياسة الدفاع خلف الأسوار، حيث ترجمت هذا التوجه بدعم مطلق للقوى المعادية للكيان الصهيوني والقوى المقاومة لهيمنة المركز الرأسمال على قرارها الوطني السياسي، وشكلت مع سوريا وحزب الله محور ما يعرف بمحور المقاومة والممانعة، ونجحت في هذا المشروع إلى حدٍ كبير، لا بل بفعل هذا المحور ولأسباب أخرى، إستردت روسيا الأتحادية دورها العالمي، فأصبحت بذلك قوة الدعم الرئيس في العالم لمحور المقاومة والممانعة.

مصلحة إيران في الصراع الدائر في العراق يتمثل في موقف معادي للتدخل الخارجي في العراق، بشكلية التدخل الأمريكي المباشر وغير المباشر، من خلال المجاميع المسلحة التابعة. مصلحة إيران تكمن في دعمها المباشر للقوى المناهضة للصهيونية، لأن التناقض بين إيران والكيان الصهيوني، هو تناقض تناحري أيضاً، كون هذا الكيان الصهيوني الوظيفي، يشكل هراوة في يد المركز الرأسمالي، لمنع الإستقلال الناجز لأي دولة ولأي مجتمع في منطقتنا، وهو ما استوعبته القيادةالإيرانيه منذ ثورتها.

سوريا الدولة المستهدفة والجبهة الأمامية لمحور المقاومة والممانعة، وعلى صخرة صمود الشعب والجيش العربي السوري ومؤسسات الدولة الوطنية، تصدعت هجمة المركز الرأسمالي واتباعه من مجاميع مسلحة وقوى سياسية، وعلى أثر هذا الصمود والإنتصار الإستراتجي لسوريا الوطنية، توسعت الهجمة تجاه العراق، ونتيجة ذلك توحدّت الحالة السورية مع الحالة العراقية في مجابهة المشروع ذاته الذي يستهدف الدولتين والمجتمعين، مما يستوجب توحيد مشروع المقاومة لهذه الهجمة، ووجوب وتكامل أدوات الصراع بينهما ضد هذا المخطط، وعلى كافة الصعد، الاقتصادية والسياسية والإجتماعية.

المقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله ملاحظة هامة في البدء، لا بد منها،  يبدو أن عملية  أنتقال حزب الله من مقاومة لبنانية إلى جزء رئيس من حركة التحرر الوطني العربي حصلت بالفعل وفي الواقع في سياق سيرورة الصراع مع العدو الصهيوني، وهي عملية لها تبعاتها على مجمل قوى التحرر الوطني العربي، وعلى الجميع أخذ هذا التحول في حساباته، تحول تمثل في  قرار المشاركة الفاعلة في الدفاع عن سوريا الوطنية، والإلتحام مع حركة تحرر وطني سوري آخذه بالتبلور على نارٍ هادئة؛ بعدما سقطت في معمعان المعارك قوى الكمبرادور والتبعية التي عشعشت في مفاصل الدولة السورية، وتم التخلص من وهم الصداقة مع قطر وتركيا.

في المحصلة صاحب القرار وصاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد/ الكبير وصاحب قرار  إستراتجية الإحتواء، هو المركز الرأسمالي، وأحلام قوى التبعية الوازنة ليس لها وزن حقيقي وقت الحساب النهائي، أما قوى التبعية غير الوازنة فالمشكلة الحقيقية وتداعيات هذه السياسات تتحملها شعوبها، وشعوبها فقط، وخاصة الشرائح الكادحة والمنتجة منها.

 

قوى أقليمية وازنة مصر والجزائر ولكنها غير فاعلة ومهمشة في الحسابات الكبرى،

مثال ساطع لإنحدار مواقع قوى كانت وازنة عندما كانت تتبني مهمات التحرر الوطني، وانحدارها  إلى مواقع هامشية في الصراعات الكبرى، بعدما تخلت عن مواقعها ومهماتها الوطنية، فهي بذلك خير مثال تاريخي لسيرورة قوى وطنية من الاستقلال إلى الهامشية، نتيجة نهجها المتذبذب – صفة تطلق على البرجوازية الصغيرة – في الحكم بعد الاستقلال.

 

ملاحظة: الحلقة الثالثة البعد المحلي

 

” كلكم للوطن والوطن لكم “

( *** )

 

فاضل الربيعي: العراق يتعرض لمحاولة تقسيم وفصل إيران عن بلاد الشام

الوحدة الاخبارية …

حوار مع الباحث العراقي د. فاضل الربيعي
حاوره: فهيم الصوراني -اذاعة صوت روسيا

نص الحوار:

سؤال: أنافش مع حضرتك آخر تطورات الأوضاع المتسارعة في العراق، مع استيلاء تنظيم داعش على بعض المناطق في العراق وما يشبه الحرب المفتوحة ضد رئيس الوزراء نوري المالكي، ما الذي يحصل الآن في العراق ولماذا هذه الحرب على رئيس الوزراء السيد المالكي؟

جواب: يجب الفصل بين أمرين رئيسيين، أولهما وجود أزمة سياسية مستعصية بدأت منذ عام 2003 وحتى اليوم، وهذه الأزمة ذات طابع بنيوي تتعلق بالعملية السياسية برمتها، وهذا الأمر مختلف عما جرى منذ عشرة أيام، عندما سيطر تنظيم داعش واتجه باتجاه تكريت والفلوجة، هذا الأمر منفصل كليا عن الأزمة، فالأزمة شيء وما حدث شيء آخر.
ما حدث بالضبط هو أن الجماعات الإرهابية بدأت بتنفيذ مشروع مخطط خطير لإنشاء دولة سنية تكون عازلة بين ايران وبلاد الشام ولبنان أي حزب الله، وهذه الدويلة السنية المتشددة تمتد من شرق سوريا تضم الحسكة ودير الزور والرقة ومن ثم شمال العراق الموصل وصولا إلى الأنبار والفلوجة، لذلك إذا ما تحقق هذا الهدف فإن ايران ستتقطع أوصالها في العلاقة مع بلاد الشام ومع حزب الله، هذا الحاجز الجغرافي هو جزء من مخطط شرق أوسطي جديد يراد له أن يحقق أكثر من هدف استراتيجي، وفضلا عن عزل ايران عن بلاد الشام ولبنان أي حزب الله سيكون إنشاء مثل هذه الدويلة بداية لإعادة تقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي وليس كما يقال بثلاث فدراليات سنية وشيعية وكردية وإنما بتسع فدراليات من بينها ما يعرف بدويلة المسيحيين في سهل نينوى، ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن تمركز عمليات الجماعات الإرهابية في منطقة تلعفر تحديدا يشير إلى أن هذا المخطط يهدف إلى استيلاء الجماعات الإرهابية على منطقة تلعفر ليصبح كل سهل نينوى تحت سيطرتها، وبالتالي عندما ترغم على ترك هذا المربع الجغرافي سوف تتدفق هجرة مسيحية من مسيحيي الموصل سيتم تمركزها في هذا السهل طبقا لمخطط جزيف بايدن، لذلك ما يجري في الحقيقة ليس مجرد أزمة سياسية بل هو جزء من مخطط شرق أوسطي قديم وجديد لإعادة تفكيك وترتيب العراق والمنطقة برمتها.

سؤال: إذا سلمنا بهذا التحليل لما يحصل بالمقابل كيف ستتصرف ايران بناءا على هذا النحو من تطور الأوضاع في العراق؟

جواب: حتى الآن نلاحظ أن هناك مبالغة وتهويل إعلامي وضجيج مخيف مغاير للحقيقة، عندما جرى تصوير داعش بأنها منظمة اخطبوطية قادرة على أن تستولي على العراق وسوريا ومصر والكويت، وهذا بالحقيقة جزء من الخداع الذي يمارسه الغرب، فتنظيم داعش الإرهابي حتى الآن لا يستطيع التمدد خارج الموصل، وكل ما يقوم به في تكريت وتلعفر والفلوجة والأنبار هو مناوشات ومحاولات تسلل، لذلك لا تبدو بغداد بحاجة لا لمساعدة طهران ولا لمساعدة القوات الأمريكية أو الفرنسية، بغداد بتقديري يمكنها عبر الحشد العسكري والشعبي الذي قامت به مؤخرا أن تواجه الجماعات الإرهابية، ولكن هذه معركة ستكون طويلة، ولا أتوقع أن تتدخل ايران أبدا، وايران تحسب الأمور بطريقة مختلفة، هي تريد لبغداد أن تمسك بزمام المبادرة وهي قد استعادت زمام المبادرة، والآن ايران تراقب المأزق التركي، فداعش الإرهابي يتلقى دعم تركي، بينما الجماعات التي تنتسب لحزب البعث والطريقة النقشبندية هي جماعات محسوبة على السعودية.
الايرانيون سيراقبون الوضع في العراق ويتركون كلا من السعودية وتركيا تغطس في المستنقع العراقي من دون أن تتدخل، ولا أظن أن هناك حاجة للتدخل الايراني، هناك تهويل ومبالغة بقوة داعش وبقوة هذه الجماعات، وهذه الأمور بتقديري يجب أن تحيلنا إلى المثال السوري ففي سوريا منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم المعارك متواصلة مع الجماعات الإرهابية، وما يجري في العراق هو معركة طويلة منذ سنتين أو أكثر مع هذه الجماعات ولم تتمكن من الحصول على موقع حقيقي لإقامة هذه الدويلة، وأتوقع أن تتحول الموصل للأسف الشديد في غضون سنتين أخريتين إلى حلب أخرى من حيث حجم التدمير ونوع طبيعة الاشتباكات العسكرية التي ستجري فيها، أما خارج الموصل فلن يكون الأمر أكثر من محاولات تسلل أو اشتباك أو محاولات للسيطرة المؤقتة على بعض المواقع. لا تستطيع داعش أن تسيطر على المواقع، لنتذكر أن كل مقاتليها لا يتجاوزون 8000 آلاف مقاتل، وهؤلاء إذا تمددوا على مساحة جغرافية واسعة فلن يتمكنوا من فرض سيطرتهم، بوجود حوالي مليون جندي عراقي غير الحشد الشعبي والميليشياوي.

سؤال: فيما يتعلق بالإصرار على تنحي رئيس الوزراء نوري المالكي واتهامه بالمسؤولية عن تفجر الأوضاع في العراق، برأيكم كيف سيكون مستقبله بناءا على الضغوط التي يتعرض لها العراق عموما والمالكي بشكل خاص لتقديم استقالته؟

جواب: مسألة تنحي المالكي تشبه تماما الدعوات التي كانت تصدر من المعارضة السورية وما يسمى أصدقاء سوريا مع القوى الدولية عندما استمرت ثلاث سنوات وهي تطالب الأسد بالتنحي ولكن في النهاية خرج الأسد منتصرا من المعركة ضد الجماعات الإرهابية، ولكن استخدام قضية إسقاط المالكي في الحقيقة يجري اليوم لأغراض لا علاقة لها بمسألة الفساد أو بمسألة الإقصاء والتهميش أو بمسألة الديمقراطية والديكتاتورية.
إسقاط المالكي أصبح جزءا من مشروع تركي سعودي لإعادة تفكيك وتركيب العراق سياسيا بما يضمن صعود جماعات من الاخوان المسلمين تمثل تركيا وقطر يريدون فرض أسامة النجيفي رئيسا للجمهورية باعتباره من واجهات الاخوان المسلمين، ويريدون لداعش التي تتبع عمليا لتركيا وتمولها قطر أن تشعل المناطق التي هي مناطق ثروات طبيعية ” النفط والغاز” ويراد أيضا للجماعات الموالية للسعودية أو المدعومة منها مثل جماعة عزت الدوري وجماعة النقشبندية أن تحتل موقعا في العملية السياسية، بحيث يصبح للسعودية ذراعا طويلة في العراق، ولنتذكر المملكة السعودية بالحقيقة اقترحت على ايران مقابل وقف الدعم عن هذه الجماعات أن تتمكن جماعات مؤيدة لها من الحصول على ما يعرف بالثلث المعطل في أي حكومة قادمة، أي الثلث قادر على تغيير أي موقف أو سياسة ينتهجها رئيس الوزراء نوري المالكي، فالمسألة ليست مسألة إسقاط المالكي وهذه ذريعة ومساومات سياسية، وفي النهاية ستوفر المعركة في البلاد فرصة للمالكي لكي يبرهن على أنه رجل قوي، وأنا شخصيا لا أعتقد أن هناك بين السياسيين العراقيين من يصلح بديلا عنه، ولنقلب الأسماء ونتأكد، فلا يستطيع لا أحمد الشلبي ولا الجعفري ولا سواهما أن يحل محل نوري المالكي، وهناك ازمة أخرى بتقديري على القوى السياسية أن تعالجها، فعندما جعلوا كل الأزمة في العراق في شخص رئيس الوزراء، وهذه الشخصنة هي تضليل، فالمشكلة في النظام السياسي العراقي الراهن بنيويا، فهذا النظام بالأصل هو فاسد أنشأه الأمريكيون على أسس طائفية، والمشكلة هي مشكلة النظام السياسي وليست المشكلة في شخص رئيس الوزراء، لذلك إذا كانت القوى السياسية العراقية جادة للبحث عن مخرج للأزمة السياسية فعليها أن تبدا من المربع الأول الذي يقول علينا أن نعترف بفشل العملية السياسية ونتجه إلى عملية سياسية جديدة وضياغة دسنور جديد والتوافق على الوطن الشامل الذي لا يقصي أحدا، وإعادة تفكيك وتركيب العملية السياسية بما يتسع لكل المعارضين السلميين والوطنيين وبذلك يسمح لنشوء قوى جديدة غير القوى الفاسدة التي أمكست بالسلطة منذ بداية 2003 وحتى اليوم وهي قوى فاسدة وغارقة بالجريمة والمال السياسي.

______

 

تابعوا مجلة “كنعان” الفصلية على الرابط التالي:

http://kanaanonline.org/quarterly

 

تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على:

  • “كنعان” بالعربية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-ar

  • “كنعان” بالانكليزية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-en

  • “فيس بوك” Facebook:

http://www.facebook.com/pages/Kanaan-Online/189869417733076?sk=wall

  • “تويتر” Twitter:

http://twitter.com/#!/kanaanonline

 

  • موقع “كنعان” من عام 2001 الى 2008:

http://www.kanaanonline.org/ebulletin.php

  • الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى “كنعان”.

  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان “كنعان” الالكتروني: mail@kanaanonline.org

 

 

كنعان النشرة الإلكترونية

Kana’an – The e-Bulletin

السنة الرابعة عشر ◘ العدد 3547

26 حزيران (يونيو) 2014

في هذا العدد:

اترك تعليقاً