الأخبارالأرشيف

حول انتصارات المقاومة

   منير شفيق

كان الدرس المتعلق بالإعلان عن هدف الحرب- العدوان من أهم الدروس التي حاولت قيادة الكيان الصهيوني تعلّمها من هزيمتها أو فضيحة جيشها في حرب تموز/يوليو 2006 على لبنان. وذلك بفضل المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله، كما بدعم الشعب اللبناني ومحور المقاومة والممانعة والجماهير العربية والإسلامية العريضة (بشبه إجماع سني وشيعي ومسيحي عربي).
تمثل الدرس المتعلق بالإعلان عن هدف الحرب – العدوان في ضرورة عدم الإعلان عن هدف أو أهداف الحرب مستقبلاً. فما دامت نتائج الحرب غير مضمونة النجاح، أو كانت محتملة الفشل، فلذلك من الضرورة عدم الإعلان عن هدف الحرب. وذلك تجنباً، في حالة الفشل في الحرب أي في تحقيق الهدف، من أن تنكشف الهزيمة انكشافاً صارخاً ومدوّياً. وهو ما حدث في حرب عدوان تموز/يوليو 2006 ضدّ لبنان حين أعلن أن الهدف هو القضاء على المقاومة ونزع سلاحها. ولما انتهت الحرب من دون تحقيق الهدف وخرجت المقاومة منها منتصرة وأقوى وأعزّ مكاناً، بدت الهزيمة الصهيونية مدوّية لا جدال فيها.

هذا والدرس طبّق حرفياً في الحرب التي شنّها الكيان الصهيوني ضدّ المقاومة في قطاع غزة في 2008/2009 ودامت 22 يوماً تخللها قصف وحشي واختراقات في بعض النقاط غير المحمية من المقاومة، فضلاً عن محاولات فاشلة لاقتحام بعض المواقع التي واجه فيها مقاومة شجاعة ومصممّة.

كان من الواضح بل المؤكد، والمدعّم بخطة الحرب وإدارتها أن الهدف غير المعلن منها هو الهدف نفسه الذي كان هدف حرب تموز/يوليو 2006 ضدّ المقاومة في لبنان. ولكنه في هذه المرّة لم يُعلن عنه. وبالطبع لا معنى للحرب، بهذا المستوى، إن لم يكن هذا هو الهدف.

أتاح عدم الإعلان عن هدف الحرب إلى أن ينكر من في قلبه مرض ضدّ المقاومة، أن العدو هُزِمَ هزيمة نكراء. وذلك بالرغم من أنه اضطر على وقف الحرب من جانبه، وبلا قيد أوشرط، كما لو كان في زيارة مجاملة ولم يكن في حرب حملت كل شروط الحرب، وأول هذه الشروط تحقيق النصر وفرض شروطه على المستهدَف كما على وقفها. ولا يمكن أن يكون الهدف أقل من تصفية المقاومة التي تجرأت على قصف عمقه حتى تل أبيب، وكلفته كثيراً من سمعته في نظر الرأي العام العالمي لا سيما الغربي الذي يهمه، بصورة خاصة.

الذين في قلوبهم مرض، أنكروا انتصار المقاومة في لبنان وهزيمة جيش العدو باستخدام قرار مجلس الأمن بالرغم من أنه حبر على ورق. أما بالنسبة إلى غزة فقد استمدوا حجتهم من عدم إعلان العدو هدفه من الحرب. ولم تطرف لهم عين وحجتهم تتهاوى أمام حقائق الحرب ونتيجتها، وطريقة الإعلان عن وقفها. ومن ثم استمرار المقاومة واستعداداتها بعد الحرب، بأكثر مما كانت عليه قبلها.

أما حرب 2012 التي امتدت إلى ثمانية أيام فقد كانت قصتها مختلفة لأنها لم تقع بمبادرة من العدو وإنما كانت مبادرة من المقاومة (حماس والجهاد) رداً على اغتيال القائد الفذ في قوات عز الدين القسّام أحمد الجعبري. وقد حدث هذا لأول مرة أن تنفجر حرب لمدة ثمانية أيام بمبادرة من المقاومة، عملياً، وقد سعى قادة الكيان الصهيوني لوقفها منذ اليوم الأول. ولم تتوقف إلاّ وفقاً لشروط وضعتها المقاومة وكان على رأسها وقف الاغتيالات، فضلاً عن استمرار تعزيز قوى المقاومة تسليحاً وتدريباً وحفر أنفاق. ويجب أن يذكر هنا أن حرب 2012، خلافاً لحروب تموز/يوليو 2006 و2008/2009 و2014 حظيت بدعم مصري – عربي (الجامعة العربية). وهو الذي لو توفر لتلك الحروب لخرجت بنتائج سياسية أكبر، ولوضِع الكيان الصهيوني في كل منها بمأزق سياسي ولم يقتصر مأزقه على الهزيمة العسكرية.

وبالمناسبة، ثمة عدد من المثقفين أو المحللين السياسيين أخطأوا وا زالوا يخطئون في تقويم ما تلا تلك الحروب من فترات هدنة. فقد اعتبروا ما ساد من هدنة بعد حرب تموز/يوليو 2006 أو حربي 2008/2009 و2012 تراجعاً عن المقاومة أو نكوصاً عن المراحل السابقة. ولكنهم لم يلحظوا أن تلك الهدن كانت مراحل وتعزيز التدريبات والدفاعات وخطط للمواجهة القادمة. ومن ثم تكون الهدنة والحالة هذه أرقى في مستوى المقاومة من مراحل العمليات المحدودة والاشتباكات الصغيرة وإن لم تتخللها معارك واشتباكات. فالإعداد للحرب يسمّى حرباً “باردة” أي هو حرب بكل معنى الكلمة عدا الاشتباك بالنيران. وهو ما أثبته ويثبته المستوى الذي وصله توازن القوى بين حزب الله والعدو الصهيوني في أثناء الهدنة الممتدة من 2006 حتى الآن، أو المستوى الذي وصله توازن القوى العسكري بين حماس والجهاد في قطاع غزة والعدو الصهيوني في أثناء الهدنة بين 2009 و2012 أو ما بين 2012 و2014، وما زال هذا القانون سارياً ما دام التسلح والإعداد للحرب مستمرين في ظل الهدنة أكانت معلنة أم غير معلنة. فها هنا ثمة معيار لا يخطئ في تقويم الوضع.

أما في حرب 2014 فقد برزت سمة الاشتباك القريب بين قوات جيش العدو المهاجمة وقوات المقاومة التي أعدّت دفاعاً إيجابياً. أي حافظت على المبادرة الهجومية بشكل لم يتوقعه العدو. ولم يتوقعه أحد خارج ميدان الحرب بأن يحدث كما تجلى من قِبَل قوات المقاومة بقيادة محمد ضيف وعدد من إخوانه القادة الميدانيين. فقد أعدّت الأنفاق إعداداً دفاعياً هجومياً سمح لإفقاد المهاجمين زمام المبادرة منذ اليوم الأول. وهنا يجب أن يلحظ أن الجيش الصهيوني كان قد أعدّ لواءين لمعارك الاقتحام البري في محاولة لتلافي النواقص الكبيرة التي صاحبت قواته البرية في الحروب السابقة. ولكن هذا الإعداد تحطم على صخرة الإعداد المقابل الذي كان قد قطع القائد أحمد الجعبري شوطاً كبيراً في تنفيذه قبل أن يستشهد في 2012. ووصل في العام 2014 إلى مستوى إنزال هزيمة ميدانية من خلال الاشتباك القريب أو الصفري.

ومع ذلك خرجت أصوات مريضة تنكر هزيمة الجيش الصهيوني وانتصار المقاومة عسكرياً ميدانياً بما يشبه الالتحام بالسلاح الأبيض. وها هنا استندت تلك الأصوات، أيضاً، إلى عدم الإعلان عن هدف الحرب الحقيقي: ألا وهو تصفية المقاومة، وتجريد قطاع غزة من السلاح. وهكذا مرّة أخرى يذهب البعض ليعامل الحرب كما لو كانت زيارة عابرة لا يُراد منها إلاّ ما حصل من مواجهات ودمار. وكفى ذلك مطلوباً.

نشر مركز اللغات والترجمة التابع لحركة الجهاد الإسلامي – قسم الترجمة ما أسماه استراتيجية الجيش “الإسرائيلي” في آب/أغسطس 2015.

بالطبع هذه الكراسة جديرة بالقراءة والتحليل. ولكن ما يمكن الاقتباس منها، لأغراض هذه المقالة ما ورد تحت عنوان: ما هو المطلوب من الجيش الإسرائيلي في مواجهة التنظيمات الإسلامية المسلحة. وقد صيغ كما يلي: أ- إنهاء المعركة بالانتصار وإملاء شروط إنهاء القتال. بـ- تقليص الضرر اللاحق بالجبهة الداخلية بشكل ملحوظ. جـ- خلق واقع أمني أفضل بعد الحرب وبحيث يكون من الصعب فيه على العدو إعادة بناء قوته من جديد. د- المحافظة على الشرعية لاستخدام القوة.

يكفي أن يدقق في الهدفين المطلوب تحقيقهما في كل حرب يخوضها الجيش الصهيوني ضدّ المقاومة. وذلك في الفقرتين (أ) و(جـ) من كراسة التعليمات. وهو ما كُرّر منذ تشكل الجيش الصهيوني وأصدر كراريس التعليمات أو الاستراتيجية. فهاتان الفقرتان تلازمان كل حرب. وقد شدّد عليهما فون كلاوزوفيتش واضع أسس علم الحرب الحديث. فسواء أعلنتهما قيادة الكيان الصهيوني هدفاً لحروبها أم لم تعلنهما فسيظلان من الأهداف الرئيسة والدوافع الأساسية لكل حرب بحجم الحروب التي شنّت في 2006 على المقاومة في لبنان أو في 2008/2009، و2014 في قطاع غزة.

ومن ثم ليخجل من نفسه كل من يشكك بانتصارات المقاومة في تلك الحروب.

اترك تعليقاً