من هنا وهناك

خضر عدنان والنموذج الفردي في مقاومة السجان

 

بقلم/عبد الناصر فروانة

 

 

لست ممن يدافعون عن الخطوات الفردية في مواجهة السجان بما فيها الاضراب عن الطعام، لكنني في الوقت ذاته من المدافعين وبشراسة عن كل من يقاوم السجان الإسرائيلي بجوعه وعطشه، و يشرع سيف الاضراب عن الطعام في وجه سجانيه. معادلة صعبة وعلينا تفهمها.

فالخطوات الفردية قد تشعل القضية وتحقق حلولا فردية وجزئية، لكنها لا تعالج مشكلة عامة، ولا تؤدي إلى حلولٍ جذرية لهموم الجماعة. ولكن ان قرر فرد أن ينوب بمفرده عن الجماعة. وجب علينا كجماعة، داخل وخارج السجون، دعمه واسناده. وهناك نماذج فردية كثيرة ورائعة.

فحينما تعجز الجماعة عن التوصل الى اتفاق جماعي لخوض مواجهة موحدة ضد السجان، فان المنطق يبرر للفرد أن يقرر المواجهة بمفرده. وفي هذه الحالة تكون الظروف هي التي فرضت هذا الخيار. مع التأكيد على أن خيار الجماعية يجب أن يكون القاعدة دائما وأبدا. وحينما نفشل مجتمعين في اجادة استخدام أدوات المواجهة في التصدي للاعتقال الإداري وغيره من الانتهاكات، يطل علينا المعتقل الفلسطيني “خضر عدنان” ويشهر بجوعه وعطشه، السلاح الأكثر ألما وقسوة وتضحية، ويخوض الإضراب المفتوح عن الطعام، لينوب عن مئات المعتقلين الإداريين، بل وينوب عنا جميعا كمؤسسات وحقوقيين وناشطين في التصدي لسياسة “الاعتقال الإداري”. فينال احترامنا، ويحظى بتقديرنا واشادتنا. وكذلك يجب أن يستحوذ على اهتمامنا وأن نوظف قدراتنا وامكانياتنا لمساندته في معركته ضد السجان.

وهنا لا يهمني اسمه، ومن أي عائلة ينحدر، كما لا يعنيني لأي تنظيم سياسي ينتمي، ولكن ما يهمني أنه فلسطيني حر رغم الأصفاد الإسرائيلية التي تكبل يديه. فلم يسقط خيار المقاومة السلمية المشروعة حتى في أحلك الظروف وأقساها. فأشهر سلاح الأمعاء الخاوية في وجه سجانيه، وأعلنها ثورة خلف قضبان السجون. ليقدم لنا نموذجا فرديا هو الأروع في التضحية والفداء. فمن حقنا أن نفخر به، ومن حقه علينا أن نسانده في معركته ضد السجان.

ان معركة الأمعاء الخاوية، مثلها مثل أي معركة أخرى، ليست هدفا بحد ذاتها، بل هي الخيار الأخير، غير المفضل، الذي يلجأ إليه الأسرى، في غالب الأحيان، لنيل حقوقهم. ويعتبر الإضراب المفتوح عن الطعام من أقسى واصعب المعارك المشروعة خلف القضبان. وقد خاضت الحركة الوطنية الأسيرة عبر مسيرتها الطويلة عشرات الإضرابات، استمراراً  لمظاهر المقاومة المشروعة على الاحتلال، في سبيل انتزاع الحقوق، على قاعدة أن الحق يُنتزع ولا يُوهب. ويبقى من حق الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي اللجوء لكافة اشكال المقاومة السلمية المشروعة، بما فيها خوض الإضرابات عن الطعام ( الجماعية أم الفردية) في الذود عن كرامتهم والدفاع عن حقوقهم، والتصدي للانتهاكات الفاضحة التي يقترفها السجان ومن يقف خلفه بحقهم بما فيها “الاعتقال الإداري”. هذا الاجراء الذي يعد وفقا للاتفاقيات الدولية تدبيرا شديد القسوة، وإجراءً شاذاً واستثنائياً، والوسيلة الأكثر تطرفاً، التي يسمح القانون الدولي باللجوء إليه في الظروف الاستثنائية. فيما سلطات الاحتلال أساءت استخدامه وجعلت منه بديلا سهلا للإجراءات الجنائية، واصبح جزءا اساسياً من سياستها في تعاملها مع الفلسطينيين. إذ توسعت في استغلال وتطبيق أمر “الاعتقال الإداري”، الموروث من عهد الانتداب البريطاني، حتى أصبح على يديها، إجراءً عقابيٍاً جماعياً، ضد المواطنين الفلسطينيين.

“خضر عدنان” فلسطيني الهوية والانتماء، يبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاما، ويقطن بلدة عرابة في محافظة جنين في الضفة الغربية، اعتقل اداريا عدة مرات، وكان قد فجّر ثورة “الاضرابات الفردية” في السجون في السابع عشر من كانون أول /ديسمبر عام 2011، بعد أن فرضت عليه الظروف ذلك، احتجاجا على استمرار اعتقاله الإداري، دون تهمة أو محاكمة، واستمر اضرابه لمدة ستة وستين يوما متواصلة قبل أن ينتزع انتصارا ضّمِنَ له الحرية. هذا الاضراب الذي خاضه بثبات دون تراجع، وارادة لا تلين، واصرار غير مسبوق، أحدث حراكا نضاليا داخل السجون، وشكّل دافعا للآخرين لخوض اضرابات فردية مماثلة، فحققوا العديد من الانتصارات على المستوى الفردي والجمعي، مما أجبر سلطات الاحتلال على التراجع في الافراط في استخدام “الاعتقال الإداري”. الأمر الذي أدى الى تناقص لافت في أعداد المعتقلين الإداريين الى أكثر من النصف مع نهاية العام 2012.

وفي الثامن من يوليو/تموز 2014 أعادت سلطات الاحتلال اعتقاله اداريا، لمدة 6شهور، وبعد انتهاء المدة جددت له للمرة الثانية لمدة 4 شهور، وفي الخامس من آيار/مايو الماضي، قرر خوض الاضراب المفتوح عن الطعام، رفضا لاستمرار احتجازه التعسفي تحت ما يُسمى “الاعتقال الإداري واحتجاجا على التجديد له للمرة الثالثة، دون تهمة أو محاكمة وبلا مسوغ قانوني. ليقدم بذلك حالة نضالية فردية وفريدة، نوعية ومتميزة، في التضحية والفداء قلما شهدتها السجون في اسرائيل والعالم قاطبة. وهو لا يملك من القوة، سوى قوة الإيمان بالله، وعدالة قضيته، متسلحاً بإرادة فولاذية لا تنكسر وعزيمة لن تلين، وثقة لا تتزعزع، ثقة بنفسه و بإخوانه الأسرى ، وشعبه وأمته وأحرار العالم.

“خضر عدنان” … أنت الحر ونحن الأسرى وحتماً ستنتصر وسننتصر معك بإذن الله …

 

عبد الناصر فروانة
رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى

عضو اللجنة المكلفة بإدارة شؤونها بقطاع غزة

أسير محرر ، و مختص في شؤون الأسرى
0599361110
0598937083
Ferwana2@gmail.com
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان
www.palestinebehindbars.org

اترك تعليقاً