الأخبار

خطيئة مجلس الأمن والمُقدَّس الصهيوني! -عبداللطيف مهنا

على مدى الصراع العربي الصهيوني وحتى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2334 المتعلق بالتهويد، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق النقض “الفيتو” فقط 71 مرة لحماية الكيان الصهيوني من اقرار مشاريع قرارات دولية تدين جرائمه الاحتلالية المستدامة في فلسطين المحتلة. ما خلا هذا لم تستخدمه حيال قضايا أخرى عالجتها قرارات هذا المجلس إلا ثمان مرات، بحيث بدى وكأنما هى أوقفت استخدامها لهذا الحق “الغاشم” على حماية هذا الكيان الاستعماري الغاصب، منع ادانته،  جعله فوق المحاسبة ومنزلة المعصوم من المسائلة.

للمرة الأولى، وحيال القرار الأخير الصادرمؤخراً عن المجلس، اكتفت الولايات المتحدة بالامتناع عن التصويت، ولم يك هذا استنكافاً عن معهودها الذي درجت عليه، أو صحوة ضمير، وإنما لحماية اسرائيلها من نفسها وانقاذاً لها من سعارها التهويدي، أو درءاً لما تعتبره خطراً ديموغرافياً فلسطينياً عليها، ثم إن هذا أمر لم تقدم عليه سوى ادارة انتهت ولايتها وتحزم حقائبها لمغادرة البيت الأبيض، أو باتت في حل  مما كان ينقض عليها من ضغوطات أوتثنيها من حسابات. خطاب كيري لاحقاً أكَّد على كل هذا.

…هناك ملاحظتان تتعلقا باستقبال كل من الكيان الصهيوني وسلطة اوسلو الفلسطينية القابعة في قفص احتلاله لهذا الحدث وردود افعالهما عليه:
الأولى، هى أن السماح بمس العصمة التي تعَّودت عليها مدللة الولايات المتحدة والغرب الاستعماري من قبل مجلس الأمن قد افقد الصهاينة عقولهم. جن جنونهم بحيث انقلبت المعادلة ليتبدى وكأنما هم، لجهة موقع الآمر الناهي، الولايات المتحدة والولايات المتحدة هى اسرائيلها!

بادىء ذي بدء شن نتنياهو، الذي وصفه معلِّق من أهله هو ناحوم بارنياع ب”الضفدع الذي يريد أن يكون ثوراً”، حملة شعواء على الأمم المتحدة، التي هي من أوجدت ومنحت شرعيتها لكيانه الاستعماري الغاصب، وتوعدها بالمحاسبة واصفاً قرار مجلس امنها ب”السخيف”، وكان بيان لمكتبه قد وصفه ب”الحقير”، وكدفعة على الحساب أوقف دفع بدل العضوية السنوية، والتأشيرات لموظفي وكالاتها، و طرد الناطق الرسمي باسم الأونروا، وبالنسبة للدول التي تبنت تقديم القرار استدعى سفيريه لدى نيوزيلندة والسنغال للتشاور، وقيل عن تفكيره في اغلاق السفارتين أو تخفيض التمثيل، كما الغيت زيارة لوزير خارجية الأخيرة، وكذا خطط المساعدات الزراعية لها، وأُجِّلت زيارة لرئيس وزراء اوكرانيا، وكله تحت شعار نتنياهوي، “أولئك الذين عملوا ضدنا سيخسرون، لأنه سيكون ثمن سياسي واقتصادي لأعمالهم ضد اسرائيل”، وكله مع عدم التعرُّض للدول الدائمة العضوية…بعكس ولية النعمة الممتنعة عن التصويت، التي بات موقفها شبه المتفق عليه صهيونياً بأنه كان “هجراً لأسرائيل وخيانة لها”!

التقى نتنياهو السفير الأميركي الجديد والصهيوني جداً، أما سفيره في واشنطن فلم يكتفِ باتهام الإدارة الأميركية بخذلان صنيعة الولايات المتحدة ومدللتها، بل بأنها قد “وقفت خلف الهجوم على اسرائيل في الأمم المتحدة، وهذا يوما مخزياً، بل مخجلاً، في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية”…وانهالت في الكيان الأهاجي لأوباما الراحل عن البيت الأبيض والمدائح لترامب القادم إليه، والذي يمارس الذود عن الثكنة الأميركية المتقدمة من الآن ولا ينتظر حتى تنصيبه ومغادرة سلفه المكتب البيضاوي، معيداً توعًّده للأمم المتحدة بتخفيف التمويل… وتعالت الدعوات للرد على القرار الأممي بضم المناطق المسماة اوسلوياً “ج” في الضفة، وتوسعة المستعمرات، وتسريع التهويد فيما لم يهوَّد بعد في القدس.

والثانية، هى أن سلطة رام اللة تحت الاحتلال قد استقبلت القرار باعتباره نصراً مؤزراً خصتها به عناية “الشرعية الدولية”، وفوزاً لسياسة دولنة القضية ونهج استجداء حلول “المجتمع الدولي”، وترى في صدوره تعلة لها لموالاة الهروب باتجاه هذه الدولنة، وسبيلاً للعودة لمسار المفاوضات (خطاب ابومازن في بيت لحم)…في حين يصدر وزير الحرب الغاضب ليبرمان أوامره للأدارة الصهيونية في الضفة بإيقاف الاتصالات السياسية والمدنية مع سلطتة مع ابقاء التنسيق الأمني معها!

يجدر بعد هاتين الملاحظتين، اتباعهما بأخريين، أولاهما، هى أن اوباما، الذي يودِّعه الصهاينة باللعنات والأوسلوستانيون بالتبريكات، كان أكثر رؤساء الولايات المتحدة سخاءً مع الصهاينة، وضعفاً في مواجهة ضغوطهم، وحرصاً على أمنهم. مليارات الدولارات للقبة الحديدية، تعميق التعاون الإستخباري والإستراتيجي، الالتزام بيهودية الدولة، وثمانية اعوام من الدعم متعدد الأوجه مع تغطية شاملة لجرائم الاحتلال، و”فيتو” على قرار مشابه لهذا الأخير في العام 2011، وأخيراً 38 مليارا كمساعدات لعقد قادم، ناهيك عن المساعدات السنوية الأخرى…ثم إن “خطة كيري” التي يخشون طرحها في مؤتمر باريس، إن طُرحت، هى تصفوية بامتياز، إذ تطرح “يهودية الدولة”، وتبادل الأراضي.

…إذن، أما والقرار الأممي لم يطالبهم بأنسحابات ولا تفكيك مستعمرات، بل فقط قال بلا شرعيتها، ولا من إلزامية فيما قاله، ولا من مفاعيل ذات تأثير على سياساتهم التهويدية…ما هو السر في كل هذا السعار وهاته الولولة ؟!

هنا نأتي إلى ثانيتهما، والملاحظة الأخيرة، وهى أن من ايجابيات القرارالأممي، الذي لم يزد على تكرارالتذكير بلا شرعية التهويد وتناقضه مع القوانين الدولية، هو كشفه للمكشوف لسائر الكون ما عدا الأوسلوستانيين، ذلكم بمسه مقدَّساً صهيونياً فأثار كل هذا السعار وهاته الولولة…مقدس ارتكزت عليه استراتيجية صهيونية تليدة ودائمة ولن تتبدل، وهاهم، وكما نرى الآن، يجمعون عليها على اختلاف مشاربهم وتصنيفاتهم، قادة وقوى وجمهور، وهى تهويد كامل فلسطين، الأمر الذي يعني أن لامن خيار أمام الفلسطينيين إلا المقاومة، وإما كامل فلسطين أو كامل فلسطين…

* خطيئة مجلس الأمن والمُقدَّس الصهيوني! -عبداللطيف مهنا

اترك تعليقاً