من هنا وهناك

داعـــــــــش؟؟ – علي حتر

داعـــــــــش؟؟ – علي حتر

ليس الهدف من محاولة التحليل هذه “تحديد موقف”.. فالموقف مبني على تراكم ثقافي وفهم تراكمي للتاريخ ووعي غير قابل للاهتزاز….

لكننا يجب أن نعرف.. لأن ما يجري كبير.. خصوصا بعد أن كادت سورية أن تُقَزِّمه.. لكنه انتفض ليدخل العراق في المعمعة.. والعراق كبير مثل سورية..

ولأن المعرفة أساس إثبات الموقف.. واساس استشعار ما سيأتي للاستعداد له..

المسألة ليست قُطْرية في أي حال من الأحوال، بالنسبة لي..

لأنها ليست قُطرية بالمطلق، رغم ما يعتقد ويعلن بعض الإقليميين أنهم يخافون على القطر الذي يعيشون فيه في أمان حتى الآن!!.. ولأنهم غير قادرين على تعريف معنى الأمن والأمان.. ولا على تحديد “أمن مَنْ وأمان مَنْ”..

والمسألة ليست دخول الأردن في المعمعة أو بقاءه “يعتقد أنه شاطئ الأمان”.. فنحن لسنا في أمان منذ أن نشأ قربنا كيان يهودي.. ومنذ أن اكتشفت شركات الغرب النفط في بلادنا.. ومنذ أن كانت قناة السويس..! ومنذ سايكسبيكو..

 

إنما فهم المراحل ضروري.. وهذه مرحلة جديدة.. علينا فهمها..!

 

ماذا يريد هؤلاء؟

يحاربون كل جهة وفي كل مكان.. يحاربون الدول والتنظيمات ويفرضون ما يريدون على المجتمعات حيث يمرون..!

بدأت الآمور تتضح.. ولكنها ليست واضحة تماما..

ما يجري على الساحات.. يدفعنا إلى الاعتقاد أن داعش هي تنظيم له استراتيجية.. وله أهداف ينفرد بها.. لكنه لا يعلن إلا عن جزء منها.. دولة إسلامية.. ذات شرائع لم تكن الدولة الإسلامية تفرضها بالقوة حتى في صدر الإسلام..!

لكنه ليس تنظيما حديديا.. ذو خلايا صغيرة مترابطة بهيكل تحت السيطرة  كما هي التنظيمات السرية..

السؤال الأهمّ: هل داعش داعش..؟ أم أطراف كثيرة تستهدف المنطقة وتقبل تسمية داعش؟؟

الدولة المطلوبة لداعش الافتراضية لها حدود فعلا.. كما هو واضح في الخارطة التي نشرتها.. ومن الإسلام الذي تعلن انطلاقها منه.. وهو فوق كل الحدود..  

خريطة دولتهم الكبرى التي نشروها تشمل فلسطين التي تغتصبها إسرائيل.. يعني تستهدف الكيان اليهودي.. وتشمل الكويت.. لكنها تستثني السعودية وتركيا..

لماذا تستثنى السعوديين؟؟ سماسرة آبار النفط.. عرابو تدمير الكيانات التي تتفوق عليهم بالتطور والتقدم..؟

لماذا تستثنى تركيا.. دولة المياه والناتو.. وصاحبة الحدود المحاذية لنشاطاتها؟

لكن في نفس الوقت لماذا لا تستثنى “إسرائيل”؟؟

وهل عدم استثناء إسرائيل حقيقي؟ أم مجرد عملية تغطية مؤقتة؟ يجري التنازل عنها لاحقا..؟

 

ماذا عن افسلاميين من رفاق الطريق ومن غيرهم؟

داعش ليست معنية بالآخرين من رفاق دربها.. وتسير وكأنهم لم يعودوا موجودين.. بل حتى أن بعضهم كفّرها وأعلن نيته تدميرها مثل جبهة النُصرة!!! وبعضهم بايعها مثل بعض أجنحة الجيش الحر في دير الزور!! حتى من تحالفوا معها في  الموصل مثل جماعة الطريقة النقشبندية.. ظهروا لأيام ثم لم يعودوا للظهور..!

وحزب التحرير أدانها.. رغم عدم معارضته لتدمير الدولة السورية وحتى لوجود الأجانب بين من يقاومونها.. والإخوان المسلمون لا يتكلمون علنا.. رغم أن الكلام في مثل هذه اللحظات فرض على كل حزب وكل جماعة..

ماذا عن غير الإسلاميين؟

هل فعلا النقشبنديون موجودون في ساحة العراك؟؟ هل عاد البعث القومي واندمج بالطريقة النقشبندية والنقشبنديين غير القوميين؟؟؟ وهل فعلا يمكن لأحد أن يفرض إهمالهم إذا كانوا فاعلين على الأرض؟؟

ماذا عن علاقة داعش بالقاعدة؟؟ أين الظواهري؟؟؟ هل أنشأت داعش قاعدة جديدة؟؟؟

الظواهري بنفسه، ألغى فكرة الدولة المشتركة في العراق والشام، يعني أنه ألغى خارطة داعش كلها.. وثبّت جبهة النصرة في سورية، رغم أن النُصرة تكاد تتلاشى في حضرة وتنامي داعش!! ولكن أيضا يبدو أن داعش ألغت الظواهري من حساباتها..! وحولته إلى صوفي يقيم في الكهف لا حول ولا قوة لديه..

داعش عندها أموال.. تفوق غنائمها.. ومصادر أموالها مجهولة لكن يمكن محاولة تقديرها من تقييم نتائج ما تفعل على الأرض..

أموالها ليست ذاتية.. فهي ليست دولة تملك احتياطيا من الذهب..

ويبدو أن أموالها تفوق غنائمها..

عندها سلاح يُضاهي أسلحة الدول…. ولديها إمكانات هندسية لحفر الأنفاق ولقطع الأنهار وتوفير الخدمات وللتنقل السريع كالخفافيش بين المناطق..

أعداد مقاتليها تتزايد.. وهم يحتاجون يوميا للطعام والملابس..

يحتاجون للذخيرة.. كيف تصل إليهم؟؟ دون أن نسأل عن مصدرها.. لأن المصدر قد يكون أي واحد من أعداء المنطقة بدءا من أردوغان وحتى نتنياهو.. وما بينهما أوباما.. رغم أن أردوغان ونتنياهو وأوباما مرشحون ليكونوا في المستقبل من أهدافها.. إذا كانت فعلا إسلامية..!

مقاتلوها يحتاجون للرواتب.. وحتى عائلاتهم تحتاج للرواتب.. كيف توزعها عمليا..؟

هم يحتاجون للتثقيف العميق.. لأن نوع الأعمال التي يقومون بها لا تتم بالتثقيف السطحي..

ليس سهلا أن يصحوا وإذا بهم أعضاء مقاتلون في داعش..

إذا كانت قيادات داعش من القوة والمعرفة بحيث تسعى لمشروع كبير مثل ما تقول.. هل لِقواعدها نفس المعرفة.. وهل هم مفتوحون بحيث يقرؤون ويسمعوم ما يقال عنهم؟

إنهم يحتاجون إلى إقناع.. إلى اجتماعات لتعليمهم.. إلى تدريب..

يحتاجون إلى مجهود كبير.. أين كان يجري كل هذا.. دون أن يراهم أحد من الذين يعادونها الآن..؟

من ذلك ومن غيره.. لا يمكن أن تكون داعش تنظيما بقيادة مركزية.. لكنها بإنجازاتها لا تختلف عن تنظيم بقيادة مركزية..

اللوجستيات التي تستعملها في كل مجالات حراكاتها كبيرة.. تعجز عنها دول محدودة الإمكانيات..

ولا أعتقد أن جيوش المنطقة عقائدية بمستوى عقائدية الجيش السوري لتكون قادرة على وقف انتشارها فكرا وأرضا..

الانتشار الفكري الذي يمهد للانتشار العسكري يحتاج أيضا إلى زمن.. والمنطقة أكثر مناطق العالم وجودا للمخابرات العالمية الأمريكية واليهودية والبريطانية ومن كل دول الناتو ومن الدول المعادية لهم أيضا..

هل يمكن أن تنمو داعش بهذه القوة في هذه الغابة المخابراتية، دون أن يلاحظها أحد منهم..؟ أم أن هناك من يوفر لها الحماية والحاضنة لتنمو..؟

هل داعش مجرد فكرة؟؟

مجموعة .. تتعامل بالنار مع حكومات  وجيوش.. وتدخل معها في معارك كر وفر..! هل تكون مجرد فكرة؟؟

من مصلحة إسرائيل تمزيق سورية والعراق.. ومن مصلحتها وجود داعش فيهما للاقتتال المستمر لا للاستقرار فيهما.. إذا كانت داعش منطلقة من العقيدة الإسلامية..

لكن إسرائيل لا تحتمل وجود تنظيم ذي عقيدة إسلامية قابل للتمدد مثل داعش، قرب حدودها حتى لو كانت قياداته (افتراضا) تنسق معها..!

لأن العقيدة الإسلامية إذا وُجدت عند الأفراد.. ليس من السهل بل ليس من الممكن السيطرة عليها لاحقا.. وخصوصا في ظل الظلم الذي يمارسه الغرب مع المنطقة.. والغرب ابتدأ يعلن عن اكتشافه ذلك عندما أعلن عدة مرات خوفه من ارتداد الإرهاب إليه..

داعش ليست حربا على أمريكا وإسرائيل في المنطقة.. وإلا لما استثنت السعوديين.. واستهداف إسرائيل التي لا تحتمل حربا داخلية أسهل من استهداف العراق وسورية!!

بداية التظاهر في معان قبل يومين لصالح داعش.. هل يعني استهداف الأردن..؟؟

كيف عرفت الجهة الألمانية التي أعلنت عن وجود داعش في الأردن أنها موجودة؟؟ وأين كانت عندما تأسست داعش بالتدريج، ما دامت قادرة على معرفة ذلك الآن..؟ وما مصدر معلوماتها؟؟

وماذا يعني استهداف الأردن..

ليس من حق أحد.. أن يفصل الأردن عن منطقته.. ويدافع عنه منفصلا.. عندما تكون الحرب شاملة..!

ليس من حق أحد ممن يدعون الوطنية والقومية، أن يبحث عن الأمن والأمان لجزء من منطقة تلتهب، ولجزء من شعب مُعرض ان يكون كله لاجئا في كل مكان.. وربما لا يجد بعد قليل مكانا يلجأ إليه.. فيجلس في مكانه ينتظر تنفيذ الحكم الذي تصدره عليه داعش إذا انتصرت.. والتي لا تفرق بين جزء أو آخر… إنها أممية.. كما يقول شعارها الإسلامي.. ولكن لماذا تستثني السعوديين في برنامجها.. وفي اسمها الذي لا يخلو  من معنى الحدود..؟ أو تركيا؟ هل لأنهما يقومان بالتمويل والتحريض؟؟

لا أتمنى أن تدخل عندهم؟ لكن أسأل للمعرفة..؟

 

ثم كيف تبني داعش تحالفاتها؟؟

هل تبنيها بشروط لا تمس عقائديتها؟؟ وهذا غير صحيح إذا كانت متحالفة مع العائلة السعودية..!

ام تبنيها بشروط لا تنبع من عقيدتها التي ترفض التحالف مع فاسد.. بحجة أن الضرورات تبيح المحظورات..؟ وهذا إذا كان صحيحا، يترك المجال مفتوحا في المنطقة لكل الاحتمالات، والسيئة منها بشكل خاص..

 

هل داعش مجرد ورقة ضغط أمريكويهودية..؟ كمي يقول بعض المراقبين؟

للضغط على إيران لصالح إسرائيل ولصالح السعوديين.. مثلا؟ أو لصالح الدول التي تعارض البرنامج النووي السلمي الإيراني؟ كما يعتقد مراقبون آخرون؟؟

داعش تطرح توحيد المنطقة في حارطتها المنشورة.. رغم تعارض مشروع توحيد المنطقة مع المخطط الغربي لتفتيتها.. هل يمكن في ذلك، اعتبار أن الغرب يرى في مشروعها مرحلة يمكن القضاء عليها لاحقا؟؟ وهل تفهم قيادات داعش ذلك وقواعدها؟

حتى وإن كانت داعش لم تطرح الطائفية والمذهبية في برنامجها.. وهو غير مُعلن، فإن طبيعة مجريات الأمور وردود فعل الآخرين لتصرفاتها لا تخلو من هذا في بعض المناطق.. رغم أنني شخصيا أرى برنامجا غير طائفي سيكون مضطرا أن يتعامل بطائفية في مكان وبلا ظائفية في مكان آخر.. لأنه يمس الجميع.. بدون استثناء.. وما جرى في الموصل من استهداف للكنائس.. يشير إلى ذلك، رغم عدم وجود ما يثبت أنهم هم من قام به.. لكنه جرى تحت نظرهم.. وتحت سلطتهم.. ما أن ردود بعض الفضائيات غير السُنية وغير العلمانية أيضا مؤشر إلى ذلك.. حتى أن النايلسات أوقف بعضها.. بسبب ما قال إنه بث الروح الطائفية..

السيستاني في العراق دعا لمقاومة داعش من جميع العراقيين، والسيستاني له تاريخ غير طائفي وإن كان هو المرجعية الدينية لطائفة بعينها.. ولا أعرف إذا كانت دعوته تنطلق من خوف على العراق أم من خوف على طائفته.. رغم احترامي له..!!  

فتوى السيستاني لاقت قبولا كبيرا.. وسوف تؤدي إلى وجود ملايين قطع السلاح في الشارع العراقي.. وإذا قُضي على داعش العسكرية.. ماذا ستكون النتيجة؟ وهل يمكن للدولة العراقية تصويب الوضع عندها؟

وهل سيؤدي الوضع إلى تقسيم العراق إذا كُبح جِماح داعش العسكرية.. في ظل وجود البشماركا وملايين قطع السلاح؟

داعش ليست توسعا على الأرض.. لكنها أيضا، حركة لقلب مفاهيم المجتمعات في المنطقة.. بالإضافة إلى تحطيم هياكل الدول فيه..

وإذا كان المجتمع السوري تمكن من وقفها في معظم مساحة أرضه، فهل تتمكن المجتمعات الأخرى من تجنب التمزيق وقلب اسلوب حياتها..؟ دون أن يملأ الدم شوارعها؟

وهذا ليس مهمة سهلة تقوم بها حركة مهما كانت هيكليتها أو جذورها في المجتمع.. وخصوصا أنها غير مفهومة، وأن القوى ذات البرامج المجهولة، لا يمكن ان توصل المنطقة إلى مصير يخلو من تدمير والدمار.. لكل ما فيها..

وإلى لقاء آخر عند توفر ما يساعد على تحليل أعمق..

اترك تعليقاً