من هنا وهناك

درس ارون…ورحلة عريقات! – عبداللطيف مهنا

 

“لقد انهت الامبراطورية الإسرائيلية توسّعها وباتت تعيش آلام التقلُّص”…مثل هذا الكلام قد لا تكون من جدة فيه. قلنا مثله وقاله الكثيرون منذ انكفاء الجيش الصهيوني من جنوب لبنان هرباً من ضربات المقاومة عام الألفين، وعززه مصير حربهم العدوانية اللاحقة الفاشلة على لبنان عام الألفين وستة، ثم أكده ما لحق بهم تباعاً من فشل مشابه لاستهدافات حروبهم المتتابعة التي شنَّوها بعدها على غزة وثالثتها كانت الأخيرة المتميزة عن سواها بأنها الأكثر همجيةً والأكثر فشلاً لجهة كافة استهدافاتها المعلنة والمكتومة، والتي تهشمت جميعها على صخرة صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني الأسطورية وابداعات ومفاجآت مقاومتة الفدائية المذهلة…لكن لهذا الكلام اهميته لكونه يعود لكاتب صهيوني هو امير ارون في صحيفة صهيونية هى “هاآرتس”، ولأنه يلخِّص عنواناً رئيساً لعله يعد الآن سيداً بحق لمعمعة لا تنتهي لجدل مبعثه خيبة مريرة مستشرية وعدم رضى ضارب اطنابه لدى كافة مستويات جمهور الكيان الغاضب جراء هذا الفشل، ولأنه يأتي بعد استخلاص لاصحاب القرار فيه لدرس لخَّصه الكاتب ذاته حين قال عن غزة: إنه ” ليس بوسع أي قوة عسكرية أن تفكك قنبلة موقوتة كهذه”…

قلنا في مقالنا السابق إن هذه الحرب، أو هذه المحرقة الصهيونية ومقابلها الملحمة النضالية الفلسطينية الأخيرة في غزة، ليست سوى محطة في صراع تناحري مديد، إنتهت إلى وقف لإطلاق نار، أي توقف لمعركة لانهاية لحرب. مبعث تذكيرنا بما قلناه، هو أن مثل هذا الجدل الصهيوني المشار اليه آنفاً يؤكده، ويؤشر على حقيقة لازمت تاريخ وجود الكيان العدو وستظل تلازمه مابقي في بلادنا، مفادها أنه لم يحترم، ولا في مقدوره بحكم طبيعته العدوانية ان يحترم، أي اتفاق عقد أو سيعقد معه، ولا توفر أو قد يتوفر احتمال لأن يطول أمد أي تهادن اُتفق أو يُتفق معه عليه. وهو إذ اعتاد فيما سبق على النصر السهل التي تتيحه له في العادة بيئة عربية رسمية منحدرة، ويتحسب الآن من الأسوأ الذي انذره به فشل استهدافات حربه الأخيرة على غزة، وأي خسارة تعني له اصلاً مايعادل طرح مسألة وجوده برمتها، فلن يطول كثيراً انتظارنا لحربه القادمة…قد يشكِّل درس أرون توازن رعب معه، لكنه لن يردع عدوانية هي من طبيعتة كمعتد، وحربه المتوقفة معاركها الآن سوف تستمر متخذةً اشكالها الأخرى…من الآن بدأوا مسيرة الالتفاف والتملص فالتنكر لما وقَّعوا عليه عبر الوسيط المصري، ذلك بحثيث المساعي لربط اعادة اعمار ما دمروه في غزة بعودة السلطة اليها مع التأكيد على انموذجها المعهود في الضفة، ونزع سلاح المقاومة بقرار دولي يصتصدره الغرب، مع ابقاء لنوع من الحصار بشكل أو بآخر، وكله بالإفادة إلى ابعد حد مما يتيحه لهم الراهنان الأسوآن الدولي والعربي، بمعنى محاولة تحقيق مالم تحققه لهم القوة في حربهم فاشلة الإستهدافات، ناهيك عن مغزى آخر القرارات التهويدية المصادرة لمساحات قياسية في الضفة… يضاف الى كل هذا، سؤال يتم حتى الآن التغاضي عن الخوض في مفترض الإجابة عليه، هو، وماذا عن معبر رفح؟؟!!

ماتقدم هو برسم الساحة الفلسطينية التي بدأت غيوم الانقسام تتلبد من جديد في افقها، والتي لم تغادرها فعلاً إثر تلكم المصالحة السطحية،  أوتواؤم الضرورة، السابقة على الحرب، وإنما ازاحها غبار المعارك جانباً وحل محلها. فبدلاً من  الانطلاق من منجزات الدم الفلسطيني في غزة، والارتقاء الى مستواها والبناء عليها، واعداد كامل الساحة، وطناً وشتاتاً، للحرب القادمة، عادت الخلافات المكتومة تردفها صغائر الحسابات الفصائلية الضيِّقة الى العلن، حتى قبل أن يتوقف دفن الشهداء وإخراج من دفنوا تحت ركام مادمرته الهمجية الصهيونية … لكن الأخطر هو عودة سالف المراهنة التسووية على الأميركان، ومواصلة التلكوء في الذهاب الى مؤسسات الأمم المتحدة، والتردد في اللجوء الى محكمة العدل الدولية…لنتذكَّر، منذ البدء كانت وحدة الحد الأدنى على الحد الأدنى من متواضع المطالب، التي توافق فلسطينيو المساومة والمقاومة عليها، وحملها وفدهم الموحَّد معه الى المفاوضات غير المباشرة في القاهرة، قد رافقتها الهمهمات الأوسلوية المتباكية على الدم الفلسطيني المراق والمكتفية بأولوية حقنه غامزةً من قناة المقاومة التي قاومت العدوان فتسبب عنادها في سفكه!!! الى جانب المسارعة الى قبول النسخة الأولى للمبادرة المصرية التي تنص على وقف اطلاق النار ثم الذهاب للتفاوض على المطالب. لكن الصمود الأسطوري والمفاجآت الابداعية للمقاومة، وتواتر مظاهر فشل استهدافات الغزاة، دفعت هذه الهمهمات إلى الخفوت لا التلاشي، فكان أن استبشر كثير الفلسطينين خيراً بوحدة الحد الأدنى على الحد الأدنى هذه وحلموا بتطويرها، بل واخذهم حلمهم الى حيث أملوا انكفاءً مستحقاً عن مواصلة النهج التسووي المدمر والأشد فتكاَ من آلة الحرب الصهيونية التي عجزت عن فل ارادة المواجهة، أو تفكيك قنبلة غزة النضالية الدائمة…اوسلو دفنت تحت انقاض المدمر في غزة، ورهان أوسلوييها مجدداً على الأميركان لن يعيدها للحياة، أي أن رحلة عريقات حاملاً معة خطته التفاوضية إلى كيري لن تقود الى المختلف عن حصاد بائد المراهنة عليهم لأكثر من عقدين كارثيين خليا…وكما للصهاينة دروسهم التي يستخلصونها من حربهم العدوانية الأخيرة، فللفلسطينيين ايضاً نصيبهم منها، وأولها، أنه لا من خيار امامهم لانتزاع الحقوق سوى المقاومة…وإن استنهاض الحالة التحررية الفلسطينية ضرورة وجودية وعامل اساس في استنهاض أمة بكاملها واعادة الاعتبار لمحورية ومصيرية قضيتها المركزية في فلسطينها…

 درس ارون…ورحلة عريقات! – عبداللطيف مهنا

اترك تعليقاً