الأخبارالأرشيف

ديموقراطية اوسلوية! – عبداللطيف مهنا

 

في اجتماعه بالمجلس الاستشاري لحركة “فتح السلطة” عقده في مقرة بالمقاطعة في رام الله المحتلة، أكد رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال عقد انتخاباتها المحلية في موعدها المقرر، وقال إن “جميع الظروف تم تهيئتها لإنجاح العملية الديموقراطية الفلسطينية من حيث الشفافية والنزاهة والحيادية ليختار المواطن الفلسطيني من يمثِّله بكل حرية ونزاهة في الضفة الغربية وغزة على حد سواء”. وزيادةً على ما عدَّه “انجازاً ديموقراطياً”، بشَّر معشر استشاريي حركته بأن سلطته “تعمل على ادخال القضية الفلسطينية في مرحلة قانونية جديدة”…مرحلة لم يشرح لهم كنهها، لكنما أشار لاستنادها إلى فتوحات هذه السلطة دولياً التي رفعت العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة بعيد انتزاعها اعتراف الأخيرة بفلسطين عضواً مراقباً فيها.

بالنسبة للإنجاز الديموقراطي ألآتي في ظل الاحتلال، نذكِّر بأننا كنا قد تعرَّضنا للموضوع في مقال سابق كرَّسناه له، وقلنا حينها إن مثل هذه الانتخابات المزمعة، أو سواها، إنما تجري في ملعب أوسلو وتحت سقفها، أي محكومة  بدور السلطة الوظيفي المراد لها من قبل الاحتلال، بمعنى ذاك المقتصر على الإداري الخدمي ضمن التجمُّعات الفلسطينية حصراً، أو معتقلات الكانتونات مقطَّعة الأوصال والمتناثرة اشلائها في بقايا ما لم يهوَّد بعد من الجغرافيا الفلسطينية، والتعاون الأمني مع المحتلين لقمع مقاومة احتلالهم وحفظ أمنهم. لذا لا نجد من حاجة هنا للعودة لما كنا قد عالجناه وفصَّلناه.

وبالنسبة للفتوحات الأممية، نكتفي بالإشارة إلى شكوى وزارة خارجية “اوسلوستان” نفسها من “تجاهل الأمم المتحدة لتقارير ممثليها في فلسطين” المحتلة…ونضيف من عندنا، وليس تجاهل تقارير ممثليها فحسب، بل حتى ملاحقة الاحتلال للمؤسسات الإغاثية الدولية المتواجدة  والتفنن في التضييق عليها…في غزة وصل الأمر حد اتهام جمعية خيرية مسيحية دولية لها فرع هناك، هي “وورلد فيجن” بتمويل كتائب عزالدين القسَّام، الذراع المسلَّح لحركة حماس، الأمر الذي عقَّبت عليه هذه الجمعية بقولها إنه ” لا يوجد أي سبب لتصديق مزاعم إسرائيل”.
بقي من حقنا أن نتساءل عن كنه تلكم “المرحلة القانونية” الموعودة التي يزمعون ادخال القضية فيها، ناهيك عن مدى الجدية، هذا لو أننا احسنا ظناً هنا، لاسيما إن استحضرنا سالف الوقت المهدور والمستمر هدره حتى اللحظة بالتلكؤ وعدم اللجوء الجاد إلى محكمة الجنايات الدولية، الأمر الذي يتيحه الاعتراف الأممي المشار اليه، والذي ليس هناك ما يحول دون إقدام  الفلسطينيين عليه متسلحين بتأبطهم لأكداس من ملفات جرائم الاحتلال متعددة البشاعات ومختلف التصنيفات، وكلها تندرج في قائمة ضد الإنسانية، جرائم حرب، ابادة، تطهير عرقي، عقوبات جماعية، ناهيك عن المصنَّف بأقل مستوى اجرامي منها!

من مفارقات السلطة، توازى تأكيداتها الانتخابية وبشائر منجزها الديموقراطي الآتي في حلته المزدانة بالشفافية والنزاهة والحيادية مع تصدي أجهزتها المتعاونة مع المحتلين لمظاهرة داعمة ومتضامنة مع الأسرى المضربين في سجون الاحتلال لمنعها من التوجُّه نحو حاجز “بيت إيل” العسكري كي لا تصطدم مع المحتلين…وتظل على ما هي عليه وما عهدناه منها، أي في واد وكل ما جرى ويجري في الوطن الأسير المغتصب في واد آخر… يكفي هنا أيراد انموذجين يوميين في كل من الضفة وغزة:

في الضفة، باتت القرارات التهويدية المتلاحقة تتسابق مع تطبيقاتها المتسارعة ويغطي لاحقها خبر سابقه، بحيث لم تعد متابعتها أو حصرها بذي معنى، وبدلاً من القول أين يهوِّدون أو سيهوِّدون ربما بات علينا القول ما الذي لم يهوِّدونه بعد…الى جانبه، وهنا ندلف الى معهودها اليومي: انه  مكابدة الاقتحامات والاعتقالات التي لا تستثني بقعةً فيها. نشير هنا فقط لبعض من آخرها كالتي شملت القدس ومخيم الأمعري بالقرب من رام الله في الوسط، ويطا وبيت أُمَّر في منطقة الخليل جنوباً، وسيلة الظهر بمنطقة جنين شمالاً، وفي قلقيلية غرباُ… والمواجهات في قصرة قرب نابلس وبيت دجن شرقها، وقمع طلبة جامعة القدس بقنابل الغاز داخل حرمها. أما هدم المنازل فاصبح هو الآخر روتينيا، اواخره خمسة منازل في قرية أم الخير في منطقة الخليل، ثلاثة منها ممولة من الاتحاد الأوروبي، وتشريد ساكنيها…ومنع الترميم في الحرم القدسي، ناهيك عن اقتحامات المستعمرين لساحاته شبه اليومية.

بالنسبة لغزة، ربما نسي العالم أن عقداً مضى حتى الآن على حصارها المزدوج صهيونياً وعربياً، وانها إذ تعاني انهياراً اقتصادياً كاملاً، تظل تحت طائلة سياسة تعطيل إعادة الإعمار بدعوى منع المواد المزدوجة الاستعمال، وبرسم التجويع المبرمج لمليون وثمانمئة انسان غالبيتهم عاطلة عن العمل، وفوقه يطارد صيادوها بحراً ومزارعوها براً، ولهدف واحد هو محاولة تركيعها وانتزاع بندقية المقاومة من يدها.
…ما تقدم لا يعني إلا أمراً واحداً وواضحاً، وهو أن الأوضاع في كل من الضفة المحتلة وغزة المحاصرة لا من علاقة لها من قريب أو بعيد بخبر اجتماع المقاطعة وانجازه الموعود وما هو يصدد ادخال القضية في مهاوي مراحله، وإنما انهما قاب قوسين أو أدنى من لحظة انفجار لا تبقي ولا تذر من أوهام تسووية لم يعد غير أصحابها ملتاثون بسرابها…إنه ليس مجرَّد استمرارية فحسب لانتفاضة الفدائيين، التي وإن تباينت وتائرها فهي لم ولن تتوقف، وانما ما يفترض بأنه سوف يأتي الأشمل…ومنه العصيان المدني، هذا الذي بات مطلوباً وآن اوانه.

اترك تعليقاً