الأرشيفالجاليات والشتات

رحيل أحد الأعمدة القانونية المدافعة عن فلسطين في بلجيكا – حسان البلعاوي

فقدت فلسطين واحدا من أبرز المدافعين عنها في أوروبا في المجال القانوني وهو العلامة البروفيسور البلجيكي جان سلمون والذي توفي في 14 أيلول الماضي، كما أعلن مركز القانون الدولي في جامعة بروكسل الحرة وهو المركز الذي أسسه البروفيسور سلمون منذ 30 عاما وبقي يديره طوال هذه السنوات، وهو واحد من أهم مراكز الأبحاث القانونية ليس فقط على المستوى البلجيكي بل على المستوى الأوروبي.
ولد جان سلمون في عام 1931 في بلجيكا وحاز منذ عام 1954 على دكتوراة في القانون الدولي من جامعة بروكسل الحرة ونال لاحقا درجة الدكتوراة من جامعة باريس في 1957 وتدرج في الجامعات الأوروبية كأستاذ للقانون الدولي وأصبح منذ عام 1969 أستاذا فخريا في جامعة بروكسل وعضوا في معهد القانون الدولي وعضوا فخريا في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي.
بدأت علاقته مع فلسطين في عام 1958 عندما عمل في بيروت كنائب للمستشار القانوني لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، في تلك الفترة انحصر اهتمامه كما كتب في إحدى شهاداته (التي ألقاها في الذكرى الـ 35 لاستشهاد نعيم خضر والتي نظمتها سفارة فلسطين في بلجيكا بالتعاون مع حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في بلدية اكسيل في نهاية شهر مايو 2016) بالجانب القانوني للمنظمة الدولية ولم يكن على اطلاع على البعد الحقيقي للقضية الفلسطينية، فكان مشبعا بالرواية “الإسرائيلية” السائدة حينها في بلجيكا وأوروبا والتي كانت ترى في إسرائيل ملجأ اليهود الناجين من المعسكرات النازية، وكبلد يقوم على تجمعات كيبوتس مبني بروح اشتراكية ومجتمعية.
ويضيف البروفيسور سلمون في هذه الوثيقة: “ما يقرب من أربع سنوات هناك جعلتني أكتشف حقيقة المأساة الفلسطينية، وظلم مصيرهم، وسمحت لي بالتعرف على تاريخ الشعب الفلسطيني، والقواعد القانونية التي رافقت مصيره، وحول الآليات السياسية التي قادت إلى هذه النتيجة. من خلال تحريف أو تخريب قواعد القانون الدولي، في ذلك الوقت، كانت فلسطين كيانا قانونيا مختفيا بموجب القانون الدولي، حيث ضمت “إسرائيل” والأردن الأراضي الفلسطينية وبقيت غزة فقط هي الأرض الوحيدة التي يطلق عليها فلسطين وكانت تحت الإدارة العسكرية المصرية، وتم اختزال القضية الفلسطينية من منظور اللاجئين الذين تدير حياتهم وكالة الأونروا، والتي مولها الغرب ليرضي ضميره، هي المنظمة التي عملت على إنقاذ قرابة 600 ألف لاجئ من ديارهم على حساب الدول العربية المجاورة التي تحملت الكثير من العبء”.
ويكمل البروفيسور: “عدت إلى بلجيكا في نهاية عام 1961، وعملت كمحاضر في القانون الدولي في جامعة بروكسل الحرة. كان عمري 30 سنة. وجدت نفسي منعزلا على اعتبار أن “إسرائيل” كانت عملية احتيال كان العرب الفلسطينيون ضحيتها. كان لدي شعور بأنني وحيد في رأيي، في بيئة معادية، شاهدت بارتياب وتعاطف في أحسن الأحوال زملائي، بمن فيهم أستاذي هنري رولين، والذي للمفارقة كان مدافعا قويا عن الجزائريين ثم الفيتناميين ولكنه كان آنذاك من أشد المعجبين ب”إسرائيل” وهو عضو في الاشتراكية الدولية”.
“بعد عشر سنوات، وترسخا أكثر فأكثر في قناعاتي، جعلت القضية الفلسطينية جزءا بارزا من مساري لتوضيح إنهاء الاستعمار الذي زوره نظام الانتداب في ظل عصبة الأمم، ثم تقسيم فلسطين في ظل الأمم المتحدة، فشلت هذه الخطة من خلال سلسلة من اللجوء إلى القوة”.


في عام 1970 تعرف البروفيسور سلمون على طالب فلسطيني اسمه نعيم خضر كان مسجلا في كلية الحقوق في جامعة بروكسل الحرة، حيث يذكر: “في ظل هذه الظروف، رأيت في عام 1970 فلسطينيا اسمه نعيم خضر ينزل من بين المسجلين للحصول على تسجيل في دراسة القانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة بروكسل الحرة، إنه فلسطيني، جسم غامض، أول فلسطيني مسجل في كلية الحقوق، كنت سعيدا. لقد حاولت، في السنوات السابقة، عبثا أن يمنح الفلسطينيون من الأونروا مزايا وضع لاجئ من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولكن دون جدوى. هذا واحد جاء إلي دون أي مساعدة خاصة من جامعة لوفان الكاثوليكية، ولحسن الحظ، اخترت ذلك العام ليكون موضوع ندوتي عن القانون الدولي: حق الشعوب في تقرير المصير. قدم نعيم خضر حينها عرضا عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. لقد كان أداؤه رائعا ومنظما جيدا، ومناقشا جيدا في الواقع والقانون، مصحوبا بكتاب توثيق مع النصوص الأساسية لفهم موضوعه، مقدما بلغة جميلة، مع البساطة والسهولة والاعتدال والصفاء ولقد استطاع غزو جمهوره ومعلمه”.
ويكمل سلمون في مداخلته المكتوبة: “لم يستطع نعيم إكمال تخصصه في السنة الثانية في الجامعة لأنه ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في بروكسل ولكن هذا لم يمنعنا من التواصل ضمن منعطف حيث إنني ارتبطت بمارسيل ليبمان الذي كان يدرس العقائد السياسية في العلوم السياسية والذي كنت أعرفه منذ مايو 1968. وكان يوافقني في آرائي حول القضية الفلسطينية، وكان يحرر مجلة تدعى “مايو” حيث كان يكتب مقالات مؤيدة لفلسطين، ما جعل منه “خائنا” من قبل جزء كبير من الطائفة اليهودية في بلجيكا، وسرعان ما شكلت أنا ومارسيل ونعيم ثلاثيا التقى بانتظام في مكتب مارسيل في جامعة بروكسل أو في مكتب نعيم في بعثة جامعة الدول العربية وكنا نناقش تطورات القضية الفلسطينية والتي كانت تقدمها وسائل الإعلام ونقوم بإعداد الردود والبينات للتعقيب على ما يرد في وسائل الإعلام البلجيكية والعمل على تنظيم المؤتمرات والندوات الخاصة بالقضية الفلسطينية”.
بالإضافة إلى مئات الدراسات والمحاضرات القانونية التي قدمها العلامة القانوني جان سلمون في المعاهد والكليات والفصليات القانونية، فقد كانت مستشارا للعديد من الحكومات في دول العالم في الهند، إيران، موريتانيا، مالي، قطر، فيتنام، النيجر، الجزائر، بيرو،…

في قضايا تتعلق بنزاع الحدود، وعمل مستشارا في القانون الدبلوماسي. وقدم آراء مختلفة للمنظمات الدولية: الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واليونسكو، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي ومحكمة العدل الدولية. وفي هذا السياق كان البروفيسور سلمون مستشارا لدولة فلسطين لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي حين نجحت في يوليو 2004 في الحصول على الرأي الاستشاري القانوني الذي يدين بناء جدار الفصل العنصري الإسرئيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة.
أخيرا كان البروفيسور جان سلمون أحد أعمدة محكمة راسيل الشعبية الدولية التي تحاكم الاحتلال وتلاحقه على المستوى الدولي والتي عقدت جلسات متعددة في جنوب أفريقيا، نيويورك وبروكسل وكان يرأسها السفير الفرنسي الراحل ستيفان هيسيل والذي كان واحدا من الذين صاغوا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.

جريدة ” الحياة الجديدة “