من هنا وهناك

سأحاكم التطبيع 12 – عادل سمارة

 
هندسة التطبيع أو التطبيع معكوساً
فريق ليبرمان الثقافوي الأكاديمي

من إبداعات الاقتصادي الماركسي اليوناني المعروف إرجيري إيمانويل سك تعبير “الاستعمار الاستيطاني الراسمالي الأبيض” بما هو الإبن الطبيعي للرأسمالية الاستعمارية ألأوروبية حيث ترسمل سريعاً لأنه اغتصب أرضا بالمجان وحمل ما تطورت به أوروبا (نمط الإنتاج الرأسمالي) وأغتصب او استجلب قوة مل رخيصة بل في وضعية عبيد إضافة إلى أنه عنصري بالبنية والثقافة ولأن اوروبا الاستعمارية كانت تنهب من مستعمراتها في آسيا وإفريقيا وتستثمر في المستوطنات البيضاء. تنهب من الهند وتستثمر في امريكا الشمالية مثلا. بينما في فلسطين كان الاستعمار البريطاني يقشط الفلاح الفلسطيني ليقيم البنية التحيتة للاستيطان الصهيوني .

كل هذا أهَّل الاستيطان الراسمالي الأبيض ليتتحول إلى استعمار جديد أو حليف للقديم بلا مواربة. هكذا كانت الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا واستراليا وجنوب إفريقيا سابقا، وأُلحق بها الكيان الصهيوني.

وتظراً لطبيعته، فإن الاستعمار هذا، وبأكثر من الاستعمار الأوروبي، لا يقبل التطبيع طبقاً لطبيعته الإجلائية. أو بكلام آخر، فهو يرتكز على:

·تصفية الشعب الأصلاني  جسديا ً

·وسحق الحيز الجغرافي  بحيث يستولي عليه كلياَ، أي الأرض التي شكلت قانون بقائه الاقتصادي متراكبا مع قانون حركة رأس المال او نمط الإنتاج الراسمالي.
لذا، ومنذ بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وإلى أن تمكن المشروع الصهيوني من طرد أكثرية الشعب الفلسطيني من أرضه،  كان التطبيع مع الفلسطينيين العرب إما مرفوضا أو انتقائيا بحيث يكون الكيان رابح بالمطلق. (أنظر كتاب The Other Israel, Ariee Bober, 1972).

لكي نفهم توجه الكيان للتطبيع، أي هجمته الجديدة/الحالية  للتطبيع قد يكون مناسباً قراءة علاقة التناقض التناحري بين المشروعين العروبي والصهيوني عبر عاملين:

 · عامل المقاومة، الحياة مقاومة
·وعامل المفاوضات، الحياة مفاوضات   أي تطبيع واستدخال الهزيمة.

وهما عاملين متداخلين حتى اللحظة يفهم من يقرئهما أن التطبيع هو آلية وصف تفوق أحدهما على الآخر. وهنا يجدر التنبيه بأن الكيان يذهب باتجاه التطبيع أولا بشروطه وثانيا كلما كان الوضع العربي أكثر تدهوراً.

والتطبيع، وإن كان مثابة مصطلح، أو استدخال الهزيمة كما اسميته، ليس مسألة مجردة بل واقع تجسيد. وهو تجسيد اجتماعي طبقي يحتوي على مكونات اقتصادية سياسية ثقافية نفسية…الخ.

ولأنه كذلك، ولأنه بشكل اساسي  طبقياً، فإن تورط الطبقات الاجتماعية الفلسطينية والعربية فيه منسجم مع مراتبيتها الطبقية، بمعنى أن قرار التطبيع أتى في البلدان التي طبَّعت بدءاً من القمة السياسية الحاكمة المالكة، هذا رغم أنه   تغلغل في شرائج من الطبقات الشعبية التي ليست صاحبة القرار كما انه، نظرا للتبعية البنيوية في كثير من المجتمعات العربية، فإن الطبقات الكمبرادورية والريعية تمكنت من فرض التطبيع على الطبقات الشعبية سواء في البحث عن عمل او الاستهلاك.

بكلام آخر، فإن البنية الهشة اقتصاديا قد تم تصميمها و/أو استخدامها وخاصة في الأرض المحتلة لتكون الوسيط الذي يرغم الطبقات الشعبية على تمرير التطبيع مما قاد وإن تدريجيا إلى إضعاف المقاومة والصمت تدريجيا على المفاوضات، اي تغليب العامل الثاني على الأول، دون نفي العامل الأول، ودون حسم الاشتباك لصالح العامل الثاني.

هذا الوضع الرمادي سمح بتمرير تطبيع الكثير من  النخبتين العربيتين:

· السياسية الطبقية الحاكمة/المالكة
·

النخبة الثقافية/الطابور السادس الثقافي (بمكوناته من مثقفي الدين السياسي، اللبراليين، المرتدين قوميا وشيوعيا، المابعد حداثيين…الخ) بما هو المثقف العضوي لراس المال الحاكم.

يطلق الكيان الصهيوني الإشكنازي هجماته التطبيعية كلما كان الوضع العربي أكثر تردياً. هذا ما حصل إثر حرب اقتلاع المقاومة من الأردن عام 1970 حيث نشط الحديث عن الجسور المفتوحة والخيار الرسمي الأردني والتقاسم الوظيفي…الخ. وحصل في منتصف السبعينات أي بعد تصفية اثار انتصار أكتوبر 1973، حيث كان مشروع بيرس وروابط القرى، وحصل بعد اقتلاع م.ت.ف من لبنان وخاصة مشروع جورج شولتس وزير الخارجية الأمريكي حينها الذي تلخص في اعتبار القضية الفلسطينية مجرد قضية خيرية صدقاتية فقدم مشروع: “تحسين شروط معيشة الفلسطينيين”.

أما الانعطاف الحاد للهجمة التطبيعية للكيان فهي الممتدة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد ، وأوسلو وبروتوكول باريس ووادي عربة وتطبيعات من قطريات عربية أخرى ولا سيما الخليج، وأخيرا التطبيع السعودي عبر مضيق تيران! واليوم مناورات جوية مشتركة بين الإمارات وجيش الاحتلال.( http://www.al-akhbar.com/node/264154)

في مناخ سيطرة النخبتين أعلاه، وهجمة الثورة المضادة على الوجود العروبي لاجتثاثه، أطلق وزير الحرب الصهيوني ليبرمان ملامح سياسة جديدة (كما يزعم) تجاه الضفة الغربية باسم العصا والجزرة.

من ملامح هذه الهجمة أنها تكرر  استخدام البعد الجغرافي في الانتقام والعدوان، الذي مارسه الكيان منذ حرب 1967، بمعنى الانتقام العشوائي والعقاب الجماعي ضد أي موقع تنطلق منه او تحصل فيه عملية مقاومة. وهذا ليس جديداً كسياسة عدو محتل. كما تتضمن بالمقابل تقديم “مرونات” للمناطق التي لا تنطلق منها او فيها عمليات مقاومة، مثل تصاريح للتجار وتصاريح عمل للعمال…الخ.

لعل الجانب الأكثر حساسية في سياسة ليبرمان هو حديثه عن إجراء حديث وإقامة علاقات مع “نخب” من المثقفين والأكاديميين في الأرض المحتلة ليكونوا مثابة بديل للسلطة في رام الله.

وفي الحقيقة، فإن للكيان تجربة من هذا القبيل مع  مثقفين وأكاديميين في الضفة والقطاع منذ سنوات طويلة. فالكثير من هؤلاء “تحاوروا” مع مثفين وأكاديميين صهاينة قبيل اوسلو وبعد أوسلو، بعلم منظمة التحرير وبدون علمها.

أول “حوار” كما أعرف حصل عام 1974  مع مجموعة مثقفين محليين ومثقفين صهاينة من تمفصلات حزب العمل الصهيوني . كان ذلك في رام الله حيث دُعيت إليه ورفضت وكتبت ضده، وعليه، كانت بداية الفيتو الأكاديمي ضدي بدءأ من جامعة بير زيت.

وقد تأصلت كما يبدو هذه “الحوارات” داخل الأرض المحتلة ربما بالتوازي مع “حوارات” الخارج مع م.ت.ف. وصولا إلى مفاوضات مدريد ومن ثم اتفاق أوسلو.  حيث كانت للكيان الصهيوني محاولة “ناجحة” مع البعض في هذا المستوى عام 1988 -89 شكلت مقدمات للمشاركة في مفاوضات مدريد ومن ثم اوسلو. في تلك الفترة زادت سلطات الاحتلال في استدعاء مثقفين وأكاديميين ومناضلين وهي استدعاءات مختلفة عن استدعاءات التحقيق.

كان بوسع المرء الاستنتاج بأن وراء ذلك محاولة الاحتلال معرفة أيُّ هؤلاء يمكن أن يكون مع المفاوضات؟ هذا ما استنتجته حيث استدعيت عدة مرات لنقاش في السياسة والاقتصاد والنظام العالمي والعروبة…الخ.

في أحد الاستدعاءات قال ميجر ميخا:

·ماذا ستعتقد أن نعطيكم؟
·

قلت حكم ذاتي فقط

·قال بالضبط، أنا ليكودي، ونحن نعتبر الضفة والقطاع مقاطعات من إسرائيل بلا مواربة.

لعل ما يجدر ذكره هنا، أن الفلسطينيين قد تأخروا في التعاطي مع مشكلة التطبيع سواء في تعريفها أو تحديد موقف منها. فالموقف من التطبيع بدأ في مصر إثر اتفاق كاب ديفيد، ليصل بعد ذلك إلى الفلسطينيين الذين حتى اللحظة لم يُجمعوا على تعريف محدد للتطبيع بتنوعاته الاقتصادية والسياسية والثقافيةالخ.

لكن ما يعمل عليه ليبرمان اليوم هو تطبيع خاص وخطير حيث يبني على تراث اختراق النخبة الثقافية والأكاديمية في الضفة الغربية في رغبة منه لخلق قيادة موازية او بديلة لقيادة السلطة ومنظمة التحرير. بمعنى أن الكيان الصهيوني لم يكتف بأوسلو وبموقف السلطة الفلسطينية من الكيان، بل يدفع باتجاه استسلام مطلق والذهاب إلى نمط جديد من المفاوضات بحيث يستمع الفلسطيني ويمهر الطلب أو الخطة الصهيونية بتوقيعه.

طبعا لا ننسى علاقات شريحة (ربما طبقة) الكمبرادور المحلية التي تعيش وتثري من علاقاتها بالاقتصاد الصهيوني.وهي الثالثة في تاريخنا الحديث، حيث كانت الشريحة الأولى في فترة الأردن، والثانية في فترة الاحتلال المباشر والثالثة الحالية في فترة السلطة.

بمعنى آخر، فإن ليبرمان في موقع من يختار ويقوم بتفضيل فريق فلسطيني على آخر. قد لا يكون سهلا على فريق جديد ان يحل محل  سلطة الحكم الذاتي. لكن، ربما يتم تزواوج تداخل /تطعيم  بين السلطة وبعض هؤلاء على غرار ما حصل في جولات مدريد واتفاق أوسلو.

قد يساعدنا في هذا التوقع ما اشرنا إليه أي تاريخ علاقة الكيان مع مثقفين وأكاديميين/ات من الأرض المحتلة وخاصة غير المحسوبين على المنظمات الفلسطينية، اي الذين ليست لهم قاعدة أو قوائم شعبية يرتكزون عليها. (انظر  سأحاكم التطبيع، مقال رقم 7 في كنعان الإلكترونية العدد 4225 في 8 آب 2016 سباق للتعايش مع المستوطنين)
وأقصد هنا أولئك المثقفين الذين يكتبون باتجاه ما يسمونه : “التفكير خارج االفصائل”، متجاوزين لتاريخ المقاومة مستغيلن مأزقها الحالي.
فهؤلاء جاهزون للذهاب بأبعد ما تقبل به سلطة الحكم الذاتي والفصائل الفلسطينية جميعاً، لكنهم يفتقرون لحوامل شعبية.

لذا، قد يكون توجه الكيان هو منافسة السلطة بمن هم على يمينها كآلية للضغط عليها للقبول باشكال من التسوية أشد خطورة على القضية الفلسطينية من اتفاق اوسلو، أي أن  لدى ليبرمان فريق/فرق فلسطينية جاهزة لمثل هذا؟

يحوي الرابط التالي صيغة إذا ما تم تطبيقها، فهي تضمن مصلحة الكيان سواء:

· قبلت بها سلطة الحكم الذاتي
·أو لم تقبل  بمعنى امكانية الفرض عليها او تطعيمها بهؤلاء الجاهزين لتنفيذ الرؤية الثلاثية الخطرة:الأمريكية، الصهيونية والرجعية العربية.

http://www.alternet.org/world/two-state-solution-colonize-palestine?akid=14578.1922480.

ikI5wF&rd=1&src=newsletter1062696&t=9

يتضمن هذا الرابط  ما أطلق عليه “حل جديد لدولتين” وهو استمرار لما بدأت به مجموعة مؤيدة للكيان عام 1993 في فترة رئاسة اسحق رابين لوزارة الكيان، ولاحقاً، توفر لها مكتبا في إدارة أوباما  عام 2009، تدفع باتجاه دولة فلسطينية تابعة للكيان.

يمكننا تقسيم فرق الاستعداد للتفاوض إلى ثلاثة فئات جميعها محصورة في فصل الحالة الفلسطينية عن العمق العربي:

·فئة سلطة الحكم الذاتي التي تضع الان شروطا للعودة إلى المفاوضات
·فئة من الأكاديميين والمثقفين من خارج سلطة الحكم الذاتي، وهي من فلسطينيين داخل وخارج الأرض المحتلة،  وهي تحاول تجاوز المقاومة تاريخا ووجوداً لتحل محلها كفريق مفاوض على اساس دولة او دولتين.

·وفئة تطرح التعايش المباشر مع المستوطنين أي دون حتى عناء المفاوضات مع الكيان الصهيوني بل القبول بما هوقائم اللحظة، ومنها فريق “صرخة من الأعماق”.

والسؤال الذي لا بد منه، لماذا يقوم العدو بهجمة تطبيعية الآن؟
لا يمكن قراءة هذه الهجمة خار ج سياق تطورين هامين:

الأول: التحرك الخطير للكثير من الأنظمة العربية باتجاه التسوية مثلا مسودة مبادرة الحكومة المصرية، سواء تقاطعت مع الفرنسية أم لا، واللقاء الذي دعت له روسيا الاتحادية بين ابو مازن ونتنياهو، مع وجوب العلم أن روسيا التي غادرت الكثير من السياسات السوفييتية لكنها لم تغادر اعترافه بالكيان الصهيوني!

والثاني: الصراع في الوطن العربي باسره، صراع معسكر:

·

المقاومة بدءا من فلسطين فلبنان فسوريا فإيران وحلفائها في مواجهة
معسكر الثورة المضادة.

بكلام آخر، هي لحظة صراع/سباق المشروعين. فلولا وجود ودور معسكر المقاومة، لما كان طرح ليبرمان سوى: إن “إسرائيل” هي دولة لكل مستوطنيها، وبان هذه الدولة الواحدة قد بدأت يوم 5 حزيران 1967، رفعت الأقلام وجفت الصحف.

اترك تعليقاً