الأرشيفوقفة عز

ستولتنبرغ والناتو وأوكرانيا وروسيا و”اسرائيل” وفلسطين – نضال حمد

أمين عام حلف الناتو: “علينا أن نضمن ألا يتحول الصراع بين روسيا وأوكرانيا لحرب عالمية”. هذا تصريح للسيد ستولتنبرغ صدر عنه في بروكسل هذا اليوم الخميس 24 مارس 2022 .
وأكد رئيس وزراء النرويج الأسبق والزعيم السابق لحزب العمل النرويجي على ضرورة ضمان “ألا يتحول الصراع بين روسيا وأوكرانيا لحرب عالمية”. كما وقال إن “أي استخدام للأسلحة الكيميائية سيغير من طبيعة النزاع في أوكرانيا وسيكون له تبعات واسعة النطاق”.

تصريحات أمين عام الناتو تعتبر تكرارا لتصريحات الإدارة الأمريكية وهذا شيء طبيعي فلا يمكن لأي عضو في الناتو أن يغرد خارج السرب الأمريكي. خاصة أن الأوروبيين يعتمدون كلياً على القوة الأمريكية العسكرية والنووية. هذا في حال اندلعت حرب بينهم وبين الروس. لذا هم لا يستطيعون قول لا للولايات المتحدة الأمريكية.

بالمناسبة قال ستولتنبورغ ايضاً أن هناك عشرات آلاف الجنود الأمريكيين في أوروبا. أما رئيس وزراء بولندا فيريد أن تقام قاعدة أمريكية ضخمة في بلاده تضم من ثلاثين الى أربعين ألفاً من الجنود الأمريكيين مع كامل تجهيزاتهم العسكرية. طبعاً بولندا تعتبر رأس حربة في مواجهة الناتو مع روسيا، وهناك كراهية وعداء شديدين يكنهما البولنديون شعباً وحكومة للروس وهذا بسبب العلاقة التاريخية الملتهبة بينهما، حيث أن البولنديين يعتبرون الروس عدواً وأنهم كانوا قوة محتلة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط حلف واسو والاتحاد السوفيتي سنة 1990. وأن الروس في الثلاثينيات من القرن الفائت ارتكبوا مجازر بحق الفئة المثقفة والضباط البولنديين، حيث اعدموا عشرين ألفاً منهم في مذبحة كاتين. في زمن بوتين كرئيس وزراء لروسيا اعترف الروس بالمجزرة وقالوا أن ستالين كان مسؤولاً عنها وأن الضحايا فقط 1800 بولندي وليس عشرين ألفاً كما يدعي البولنديون.

موضوع الكيماوي الذي تحدث عنه ستولتنبرغ مزحة ثقيلة وساذجة، خاصة بعد تكرارها مراراً من قبل الادارة الأمريكية والناتو سواء في سوريا أو في العراق وليبيا. الآن بدأ الأمريكييون يعزفون هذه المعزوفة من جديد لكن في أوكرانيا وضد الروس.

الأوروبيون بدورهم يعرفون أن مثل هذه المزحة قد تتحول الى تراجيديا لأنه سبق للأمريكيين وحلفاءهم فبركة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا والبيولوجية في العراق حيث تم تدمير البلدين.

ينس ستولتنبرغ والناتو أيضاً يعلمون أن الموضوع هذه المرة يطال دولة نووية عظمى هي جارتهم الأقوى روسيا. لذا لا يوجد مجال للمزاح ولا للفبركة، فكل خطأ هنا قد يكلف العالم حرباً عالمية ثالثة أو حرباً نووية. اعتقد بأن لا أحد لا في الغرب ولا في الشرق ولا في الشمال ولا في الجنوب يريد مثل هذه الحرب المدمرة للبشرية وللعالم.

لم يكتف ستولتنبرغ بترديد كلمات الرئيس الأمريكي بايدن والادارة الأمريكية، فقد أشار أيضاً إلى أن “لدينا معلومات تفيد باستهداف روسيا للمدنيين في أوكرانيا”… وقال:“إن الحلف قدم الدعم والمساعدة لأوكرانيا بأنظمة دفاع جوى متطورة وصواريخ مضادة للدروع، مؤكدا على أن أعضاء حلف الناتو وحلفائه قدموا مساعدات مختلفة لكييف وسوف يقدمون المزيد من أجل سلامة أوكرانيا وأمن أوروبا”.

إعتدنا منذ نحو أربعين سنة على سماع تصريحات قادة أوروبا فيما يخص الحروب وخاصة في فلسطين المحتلة والبلاد العربية مع دولة الاحتلال الصهيوني. كانوا دائماً يتحدثون عن قصف متبادل وأن الفلسطينيين (حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية) أو اللبنانيين (حزب الله) يقصفون “اسرائيل” والأخيرة ترد عليهم لأنهم يستهدفون المدنيين. وتدافع عن نفسها وتحمي سكانها. كما كانوا يطالبون الطرفين بضبط النفس ووقف اطلاق النار والقصف المتبادل. في هذه الحرب الأوكرانية غابت مثل تلك المطالب والعبارات تماماً فكل المواقف ضد الروس ولا مطالبة شبيه بتلك. فحتى اثناء ارتكاب “اسرائيل” للمجازر والمذابح خلال القصف العشوائي واستهداف المدنيين كان ولازال الأوروبيون ومنهم ستلتنبورغ يبررون ذلك بحق الدفاع عن النفس. أما الآن فيما يخص الروس واوكرانيا فالأمر بات معكوساً ومختلفاً تماماً. لأن الناتو هو من يخوض المعركة مع روسيا لكن من بعيد، مُضحياً بأوكرانيا والشعب الأوكراني، كبش فداء معركة كسر العظم بين الناتو وروسيا.

قادة “اسرائيل” وعلى لسان أحدهم اليوم قالوا أنهم لم يدينوا الغزو الروسي من أجل المحافظة على العلاقات الممتازة مع الروس، ولكي تواصل روسيا السماح لهم بقصف سوريا دونما تدخل أو تزويد سوريا بصواريخ حديثة وأكثر دقة، تمكنها من إسقاط الطائرات الصهيونية. مما سيعرض الطيارون الصهاينة للوقوع بالأسر في سوريا.

“إسرائيل” بحسب صحيفة يديعوت احرانوت الصهيونية اليمينية رفضت بيع أوكرانيا برنامج التجسس “بيغاسوس” خوفاً من المس بالروس”.

“اسرائيل” لغاية اليوم لم تقاطع روسيا عملاً بالقرارات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على غالبية دول العالم. ولازالت العلاقات المالية والاقتصادية شغالة وقائمة بين الطرفين.

أما الادارة الأمريكية فيبدو انها لا تستطيع إجبار “اسرائيل” كما أجبرت دولاً عديدة منها ألمانيا وفرنسا وايطاليا وهنغاريا والامارات والخ على الالتزام بالمقاطعة وإدانة الغزو الروسي. يبدو أن إدارة الرئيس بايدن تخاف من عواقب ذلك عليها بسبب قوة ونفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية.

شخصياً أعرف السيد ينس ستولتنبرغ من خلال عملي واقامتي في النرويج ولقاءاتي به أكثر من مرة خلال قيادته لحزب العمل ورئاسته للوزراء في النرويج. في سنة 2000 أجريت معه مقابلة وأجريت أخرى سريعة على أثر عدوان “اسرائيل” على لبنان في شهر تموز 2006. في المقابلة سنة 2000 سألته عن موقف حكومته من قيام جيش الاحتلال الصهيوني بقتل الطفل محمد جمال الدرة في غزة بطريقة وحشية مصورة وكانت عملية القتل تتم مباشرة على شاشات التلفزات والفضائيات. كان ذلك في بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية. في ذلك الوقت دعت الصديقة النرويجة نورا انغدال رئيسة جمعية المساعدات الشعبية النرويجة في غزة الحكومة النرويجية لإدانة الجريمة. خلال المقابلة ستولتنبرغ للأسف تهرب من إدانة “اسرائيل” بشكل مباشر وأخذ يتحدث عن دور النرويج في تعزيز ما يسمى عملية السلام (أوسلو) بين الفلسطينيين و”الاسرائيليين”.
خلال توليه رئاسة حزب العمل ورئاسة وزراء النرويج رفض ستولتنبرغ رفضاً قاطعاً مبدأ مقاطعة “اسرائيل”، معللاً ذلك بدور النرويج كوسيط سلام ورئيس لجنة الدول المانحة، وأن المقاطعة ليست حلاً. هذا بالرغم من أن أكثرية حزبه وحتى يمكن القول أكثرية الشعب النرويجي كانت في ذلك الوقت تؤيد مقاطعة الاحتلال “الاسرائيلي” ونظام الابارتهايد الصهيوني.
أذكر أنه عندما ناشدت وزيرة المال في الحكومة النرويجية وزعيمة حزب اليسار الاشتراكي الشريك مع ستولنتبرغ في الحكومة اليسارية سنة 2006 الشعب النرويجي بمقاطعة “اسرائيل”. احتج هو وبعض أركان حزبه وحكومته على ذلك، كما طلب منها سحب تصريحها أو تفسيره. تحت الضغظ قالت الوزيرة هالفرشون وهي الصديقة الكبيرة للشعب الفلسطيني أنه موقف حزبها وموقفها الشخصي وليس موقفها كوزيرة في الحكومة.
أما فيما يخص الاحتلال الصهيوني وقادته وجيشه الذين ارتكبوا كل أشكال الخروقات للقرارات الدولية ولحقوق الانسان وأيضا المجازر والمذابح والجرائم ضد البشرية في فلسطين المحتلة… واستخدموا أسلحة محرمة دولياً في لبنان وفي الضفة الغربية المحتلة وبالذات في قطاع غزة خلال العشرين سنة الأخيرة. تلك الخروقات والجرائم والمذابح لم ولا تستحق الإدانة من أمين عام حلف الناتو، ولا من قادة الحلف نفسه ولا من زعماء الغرب كله. بينما كل ما يخص الغزو الروسي في اوكرانيا ينادون في الغرب بالمقاطعة والمعاقبة والحصار. كما أنهم يؤكدون على مواصلة تزويد أوكرانيا بكل أنواع الاسلحة الحديثة، والى تدمير الاقتصاد الروسي وتجريم القيادة الروسية. فهنا في الحرب الأوكرانية لم يعد مبدأ عدم جدوى المقاطعة وضرورة القيام بالوساطة بين الطرفين مقبولاً. فهذا المبدأ يستخدم فقط لتمرير ولتبرير جرائم الصهاينة “الاسرائليين” في فلسطين المحتلة والدول العربية.

24-3-2022