وقفة عز

سفير بريطانيا يجرؤ على الكلام

نضال حمد

أثبت السفير البريطاني السيد شرارد كوفر كولس وبما لا يدع مجالا للشك أن الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية يمارس أبشع أنواع الأعمال الكولنيالية. كما ويقوم باعتقال شعب بأكمله في أكبر معتقل جماعي على وجه الأرض. حيث يحبس ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني في معسكر اعتقال جماعي كبير هو الضفة الغربية وقطاع غزة.

 وكان سفير بريطانيا لدى الكيان الصهيوني قام بجولة في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، حيث رأى كيف تتعامل القوات الصهيونية مع أبناء المناطق الفلسطينية. فهناك تتم أكبر عملية قهر وإذلال وتفرقة عنصرية تقوم بها القوات الصهيونية. بلا محاسبة وبدون رقابة وكذلك بلا إدانة ممن يتوجب عليهم محاسبتها وأدانتها، بدلا من دعمها واستقبال قادتها وتقديمهم كرجالات سلام… كما فعل الرئيس الأمريكي الغير موهوب والغير المحبوب جورج بوش الابن، وذلك عندما قدم الجزار شارون بهذه الصفة… ولا ندري كيف سيقدمه غدا عند لقائهما المرتقب في واشنطن.

في جولته على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع شاهد السفير كيف تصادر وتجرف الأراضي الفلسطينية الخصبة والمزروعة. وكيف تتم عملية التوسع السرطاني الاستيطاني التي تأتي على الأرض والزرع والشجر والبشر والتراب والحجر… كل ذلك من أجل تحقيق الأحلام العنصرية والتوسعية الصهيونية التي وعدت المستوطنين بأرض اللبن والعسل، ووعدتهم بمجتمع يهودي صافي لا وجود فيه للآخر الذي تعتبره عقيدتهم غريبا ويستحق الموت.

أهم ما جاء على لسان السفير البريطاني كلامه الذي  اتهم فيه الحكومة (الإسرائيلية) بخرق معاهدة جنيف، واصفا “المناطق الفلسطينية” المحتلة بأنها أكبر معسكر اعتقال في العالم، ويضم 3.5 مليون نسمة.

كما أبدى السفير استنكاره لأعمال (إسرائيل) في “المناطق الفلسطينية:، وأكد على أن (إسرائيل) بحاجة إلى قيادة سلام، وهو الأمر الذي لا تظهره. معربا عن استنكاره لكافة أعمال الاستيطان وتجريف الأراضي وبناء الطرق الالتفافية على حساب الأراضي الفلسطينية المصادرة… واستنكاره أيضا لسياسة تجريف الأراضي المزروعة وسرق المحاصيل وكذلك الممتلكات.

  تحدث السفير عن العقبات والعوائق التي تضعها القوات الصهيونية لعرقلة عمل المنظمات الإنسانية والصحية والطبية. وكذلك تعطيل عمل المدارس والمعاهد والجامعات، بحيث لا زالت أكثر من 500 مدرسة مغلقة وتلاميذها بلا تعليم وبلا مدارس. كذلك حالة الحصار ومنع التجوال التي تخضع لها كافة مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية التي أعيد احتلالها.

 هذا ووثار الصهاينة على تصريحات السفير البريطاني الجريئة التي عبرت عن صدمته نتيجة ما رآه من إرهاب وعنصرية وخرق لأبسط حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المحتلة. فكان رد (إسرائيل) الفاشية والمتسلحة بلزقة معاداة السامية ردا استعلائيا وعنصريا. مع ان الصهيونية شكل من أشكال العنصرية… وشريكة فيما سبق مع مشروع النازية بتهجير يهزد اوروبا الى فلسطين بغية استيطانها واحتلالها وتهويدها. ورفضت وزارة الخارجية الصهيونية كلام السفير، وهاجمته وتهكمت عليه، مذكرة إياه بأن زمن الانتداب البريطاني قد انتهى، وأن السفير ربما نسي ذلك.

كما قال منسق شؤون الاحتلال الجنرال عاموس غلعاد أن سلطاته تحاول قدر الإمكان التخفيف من معاناة الفلسطينيين وبما يتناسب والمصلحة الأمنية الصهيونية. ولمن لا يعرف ما هي المصلحة الأمنية (الإسرائيلية) عليه تذكر هذه المصلحة من خلال فتح سجل المجازر الصهيونية المرتكبة في فلسطين منذ قيام كيان الاحتلال وحتى إعادة احتلال مناطق الضفة الغربية من جديد بعد اتفاقية أوسلو.

هذا اليوم هو من التواريخ الفلسطينية الشاهدة على دموية وحقد وإرهاب الاحتلال الصهيوني بحق شعب فلسطين المسالم. لأنه يوم مجزرة قبية التي قادها شارون ووحدته الإرهابية 101، المعروفة بدمويتها وبطشها وفاشيتها… ففي يوم الرابع عشر من أكتوبر 1953 قتلت هذه الوحدة الصهيونية 66 مواطنا فلسطينيا، وجرحت ضعفهم، وهدمت 45 منزلا على رؤوس ساكنيها. فالمصلحة الأمنية الصهيونية تطلبت مجزرة قبية ونفس المصلحة تطلبت مذابح صبرا وشاتيلا وقانا ومخيم جنين.. ونفس المصلحة تطلبت أيضا كم هائل من المجازر والمذابح والأعمال الإجرامية التي قامت بها (إسرائيل) وريثة عصابات وأنظمة الأجرام العالمي.

ممارسات (إسرائيل) السادية بحق الشعب الفلسطيني لازالت مستمرة وتتضاعف وتزداد بطشا وغطرسة وظلما، كلما ازداد صمت العالم وكلما غُض الطرف عن أعمالها إرضاء لأمريكا أو خوفا من اللوبي اليهودي العالمي، وخوفا من لزقته المعروفة بلزقة اللا سامية… وهذا ليس بالجديد ولا بالمفاجئ لأنه منطق الاستعلاء الصهيوني المتسلح بالإرهاب الأصولي اليهودي، وبالدعم الأمريكي المفتوح، والذي سيبقى هكذا حتى يحدث ما يعكر صفو التميز في علاقة المصالح المشتركة التي تجمع بين الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية. فهما كيانان مصطنعان متشابهان في كل شيء تقريباً.

هل ستكون تصريحات السفير البريطاني بداية صحوة للضمائر الأوروبية التي غابت منذ التصريحات القوية والمبدئية التي أدلى بها العام الماضي عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين وفي المقدمة منهم وزراء خارجية بلجيكا والسويد وفنلندا؟… هذه الدول التي تحترم نفسها وشعوبها وعقولها البشر.. وترفض أن تكون مطية لأكاذيب (إسرائيل) وأعمالها الشنيعة وتصرفاتها الاجرامية المرفوضة إنسانيا وقانونيا ودوليا… والتي تذكر الأوروبيين بالذات بمحنتهم ومحنة يهودهم أبان الحرب العالمية الثانية، والتي مارست النازية خلالها أبشع صنوف الإرهاب بحق كل من يخالفها ويعارضها ويقاوم احتلالها.

هذا من ناحية أوروبا أما الحكومات العربية التي تعربد على شعوبها وتقمعها بلا هوادة فهي نفسها بحاجة إلى إعادة بناء عبر مجزرة استبدال بيضاء، تخرجها من العوالم السفلى وتصعد بها إلى مراتب البشر، الذين لم يتحولوا كما حكوماتنا إلى أصنام وحجارة شطرنج تحركها أيدي الأعداء بأصابع الاستعلاء

 

سفير بريطانيا يجرأ على الكلام

نضال حمد

14-10-2002