الأرشيفوقفة عز

“شحادة” ناقل الموتى الى قبورهم – نضال حمد

ربما لا يعرفه من الناس إلا جيل مواليد ما بعد الألفين أو نهاية التسعينيات في مخيمي عين الحلوة والمية ومية ومدينة صيدا الجنوبية اللبنانية وقراها وضواحيها. فقد كان شهيراً كما قلعة صيدا وعرفه كل سكان المدينة ومخيماتنا وضواحي صيدا كذلك. يعرفه تقريباً كل من ولد أو ولدت في صيدا اللبنانية ومخيميها الفلسطينيين قبل الألفين.

عمل المرحوم شحادة سائقاً على سيارة نقل الموتى في جبانة مدينة صيدا وأذكره سائقاً لتلك السيارة مذ كنت طفلاً صغيراً. كما عمل كذلك سائقا لسيارة أجرة “سرفيس” في المدينة. واشتهرت وانتشرت بين الناس نكتة – مقولة نقلاً عن لسانه. لا أعرف إن كانت حقيقية أم من تأليف الناس في صيدا، وهي أنه في إحدى المرات كانت هناك امرأة في طريقها من أحد أحياء صيدا الى قلب المدينة، حين أومأت لسيارة أجرة بالتوقف وحين توقف السائق تراجعت المرأة الى الخلف، فتبين أنه شحادة، الذي قال لها: “أفضل لك أن تستقلي هذه السيارة السوداء أو البيضاء على أن تستقلي البيضاء أو السوداء فيما بعد”. كان يقصد بالسيارة الأخرى التي نسيت ما هو لونها أبيض أم أسود، سيارة نقل الموتى التي كان يعمل عليها، ويقوم بنقل الأموات الى المقبرة والجبانة، حيث يتم دفنهم.

كان المرحوم شحادة صاحب نكتة وشخص يحب الدعابة والمزاح والحكي، فكان كلامه مسليا ومضحكاً وفيه حكم. كما أنه الشخص الذي شارك تقريباً في كل جنازات الناس والشهداء في منطقة صيدا ومخيمي عين الحلوة والمية ومية والثورة الفلسطينية في مدينة معروف ومصطفى سعد ونزيه قبرصلي وشهداء آخرين كثيرين. مدينة صيدا عاصمة الجنوب اللبناني الأبيّ، وشقيقة عكا عاصمة التاريخ الفلسطيني والصمود الساحلي في أرض كنعان.

اعتقد ولا أجزم بأن شحادة كان عمل أيضا في موقف سيارات الأجرة بين صيدا ومخيم عين الحلوة، حيث كان مكانه غير بعيد عن سينما ريفولي. كان كاراج أو موقف السيارات المذكور يقع في مكان بين السينما وساحة النجمة. أما شحادة وغيره آخرين فقد كانوا ينادون ويحثون الناس على الصعود الى سيارات أجرة المخيم. كما أنه عمل سائقاً لسيارة أجرة كما أسلفنا.

لا أعرف متى توفي المرحوم شحادة ولا أين دفن، أو في أي جبانة… ومن قام بنقله الى قبره محل إقامته ما بعد الحياة الدنيا. كما كان هو نفسه ينقل الموتى والشهداء الى أماكن سكنهم الجديدة بعد الوفاة أو الشهادة. كلني أمل بأن تعليقات القراء والأصدقاء والصديقات في الموقع والمجموعة سوف تعطي إضافة نوعية على هذه المقالة، فالذاكرة جماعية ونتشارك كلنا في حفظها وتدوينها.

فكرت بيني وبين نفسي لو أنني كنت من أبناء أو أقرباء شحادة لاقترحت وطلبت يوم تشييعه من البلدية في صيدا دفنه في مقبرة صيدا القديمة على شارع الشاكرية، لأنها كانت مكان عمله وعاش فيها عشرات السنين ويعرفها كما يعرف بيته. كما أن كل الذين واللواتي نقلهم-ن بسيارته البيضاء أو السوداء يرقدون ويرقدن هناك… لقد كان بالتأكيد رمزاً من رموز الجبانة المذكورة على مر السنوات الطويلة. رحمه الله وغفر له.

نضال حمد

14-8-2021