صهيونيات

شرعنة الاستيطان سياسية أمريكية قديمة بوجه جديد – د رأفت حمدونة

لا يمكن فصل قرار واشنطن بشأن شرعنة المستوطنات في الضفة الغربية عن مسيرة طويلة من الدعم والمساندة السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية لتل أبيب منذ نشأتها لحتى اللحظة ، واتضحت تلك السياسة بشكل غير مسبق وتعدت المحرمات الدولية في عهد الرئيس ترامب .

فالولايات المتحدة الأمريكية طوال مسيرتها منحازة وداعمة لدولة الاحتلال على حساب القضايا العربية ، فأمريكا استخدمت الفيتو عشرات المرات ضد قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل ، وأعتقد أن جذور التحالف الأمريكى الاسرائيلى يبدأ منذ موافقة الرئيس ” وودرو ويلسون ” (1913-1921) _ صاحب النقاط الأربعة عشرة الشهيرة ، في رسالة سرية أرسلها إلى وزارة الحرب البريطانية على وعد بلفور ، وإلى موافقة الكونغرس الأمريكي في 30 يونيو 1922_ في عهد ” وارين هاردنج ” (1921-1923) على الانتداب البريطاني على فلسطين ، فإن الرئيس الأمريكي ” هاري ترومان ” (1945-1952) قد أرسى حجر الأساس للإنحيار الأمريكي لإسرائيل ، برغم تحذير أركان إدارته من خطورة هذا الإنحيار على العلاقات الأمريكية العربية وقتذاك ، ومع عهد الرئيس ” ليندون جونسون ” (63-1969) بدأت حقبة جديدة من السياسة الأمريكية تتسم بالإنحيار التام لإسرائيل على مستوى الرئاسة والكونغرس معاً . وقد استمرت هذه السياسة في عهود الرؤساء ” نيكسون ” و ” فورد ” و ” كارتر ” و ” ريغان ” و ” بوش ” ” وكلينتون ” وبوش الابن ، وبراك أوباما ، وكانت الذروة المجنونة في القرارات المستفزة في عهد ترامب والذى استصدر عدد من القرارات المستهجنة فيما يتعلق بالقدس والجولان ومستوطنات الضفة وغيرها 

وأعتقد أن هذا التحالف له جذوره العميقة بوجود ملايين اليهود في الولايات المتحدة وامكانيات اللوبى الصهيونى وضغوطه وتأثيره ونفوذه بالوسائل المالية والإعلامية الكفيلة بتحقيق أهداف إسرائيل على الساحة الأمريكية، وتجميل تلك المساندة بقولبة أن اسرائيل امة ديمقراطية ومجتمع يفيض بقيم الحرية وثقافة الغرب الديمقراطية إسرائيل وسط أنظمة معادية ، والتشابه في حالة اسرائيل وأمريكا كأمة مهاجرين،مع وجود عشرات الملايين من المسيحية البروتستانتية المؤازرة لاسرائيل والمؤمنة بالعهد القديم ( التوراة ) ايمانها بالانجيل .

جميع تلك المبررات وغيرها من المصالح الكولونيالية الاستعمارية للدولتين وقوتهما العسكرية ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية السياسى يجعلهما يتعاملا مع قراراتهما فوق القانون والاتفاقيات الدولية والقانون الدولى الانسانى بما في ذلك قضية الاستيطان ، والغريب أن القرار يتناقض مع القانون الأمريكي لعام 1978 ، والذي ينص على أن واشنطن تعتبر المستوطنات “انتهاكًا للقانون الدولي”.

وأعتقد أن القرار سيشجع دولة الاحتلال لارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق الشعب الفلسطينى ، وسيعزز الرؤية الاسرائيلية في كل ما يتعلق بالأطماع والأساطير اليهودية في الضفة ، وستعمل على ارتفاع الأصوات الإسرائيلية الداعية، في الآونة الأخيرة، إلى “فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة والتى تستند وفق رؤية رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يدلين إلى دوافع أيديولوجية تتعلق بحق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل الكبرى – وفق ادعائه .

الخطير أن الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال في ظل الانشغال العربى بقضاياه الداخلية ، والواقع الفلسطينى في ظل الانقسام ، تحاولا انجاز الكثير من القضايا على الأرض كإحباط مشروع حل الدولتين، وما يترتب على هذا الخيار من قضايا سياسية واقتصادية ، وبالفعل في نهاية المطاف تلك القرارات هى جزء من أطماع اسرائيل وأحلامها التى لن تنجح على الأرض مهما بلغت الوعود والقرارات السياسية النظرية والدبلوماسية وعلى رأسها ما يسمى بصفقة القرن .

وارى أن دولة الاحتلال تختلق الأزمات الميدانية لتحقيق أهداف استراتيجية ، وتستثمر وتحاكى السياسة الأمريكية فيما يتعلق بقضايا الإرهاب والمصالح المشتركة حتى صعيد التحالفات مع غير الولايات المتحدة الأمريكية ، لايجاد أزمات متتالية تهدف لانشغال العالم والعرب والفلسطينيين عن جرائم الحرب التى تقوم بها الاستيطان وعمليات اعدام الفلسطينيين ومصادرة الأراضى ونهب الضفة وتوحيد القدس وتوسيع مشروعها وفق أساطيرها وأحلامها الدينية والتوراتية والسياسية .

 

*شرعنة الاستيطان سياسية أمريكية قديمة بوجه جديد / بقلم الدكتور رأفت حمدونة

** ماجستير دراسات (إسرائيلية) و دكتوراه علوم سياسية