الأرشيفمن هنا وهناك

صفقة القرن وتاريخ فشل السياسات الأمريكية-مي أحمد شهابي

لا تنفك الإدارة الأمريكية تعلن عن إعلان عناصر صفقة القرن في وقت مناسب وبالطبع فإن الوقت الأنسب لهذه الإدارة التي تتلاقى سياساتها مع أقصى اليمين الصهيوني الحاكم لن يكون إلا في وقت مناسب لهذا اليمين العنصري، بزعامة نتنياهو أي قبيل الانتخابات الصهيونية الثالثة خلال أقل من عام والتي تطارده فضائح الفساد المعروضة أمام القضاء، بحق رئيسها. وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي يواجه ثلاث تهم ينظر الكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ بأمرهما. وفي مواجهة تعتبر من أكثر قضايا العالم تعقيداً كالقضية الفلسطينية. تسعى الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو للقفز وتجاوز كل الوقائع الراهنة والتاريخية، هذا عدا تجاوز كل القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، سواء تلك الصادرة عن مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة وبقية الهيئات والمؤسسات الدولية. لا بل إنها تتجاوز ما أنجزته الولايات المتحدة نفسها وما كانت تعتبرها إنجازاً تاريخياً للسياسة الأمريكية عبر مؤتمر مدريد للسلام العام ١٩٩٢..

وفي عودة للوراء ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية مروراً بالحرب الباردة وانتهاء بالإدارة الراهنة فإن مسار السياسات الخارجية الأمريكية كان يتسم على الدوام، ولاسيما لبلدان الشرق الأوسط والأدهى بسمة رئيسية تتمثل في القدرة على التخريب والتدمير، ولكنها كانت دوماً تفشل لتحقيق أهدافها إلا إذا كانت تتمثل بهذا الهدف فقط . ويسحب هذا على أفغانستان والعراق وقبلها كوبا ودول أمريكا اللاتينية وإيران وترك المسبحة لتصل إلى القضية الفلسطينية.
هذه القضية التي تعتبر مفتاحاً للسلم والحرب في المنطقة ولا يمكن تخيل أن تنعم المنطقة والإقليم بالاستقرار دون التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية وهو ما أثبتته وقائع القرن المنصرم رغماً عن تبدل الأحوال والوقائع الدولية وظهور وغياب دول وامبراطوريات ونشوء أوضاع جديدة. ذلك أن القضية الفلسطينية عدا عن عاداتها الواضحة للعيان ونضال الشعب الفلسطيني المتواصل ولمختلف الأشكال، والموقع الذي تحتله في ضمير الشعوب العربية والضمير العالمي إضافة. وهذا هو العامل الرئيسي والذي ثبت بالوقائع استحالة تجاوزه والمتمثل بتحول عنوان مقاومة المشروع الصهيوني إلى أمثولة الأيقونة ملهمة لنضالات الشعوب العربية وفي إطار الإقليم وخارجه وبحيث يكاد مستحيلاً تجاوزه في فلسطين او في خارجها.

من هنا سعت إدارة ترمب وتحليلها نتنياهو بالتحايل على الوقائع والعمل على فرض وقائع سياسية تتجاوز كل ما سبق عبر اجراءات أحادية بدأت بقضية يهودية الدولة الصهيونية واعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لسلطة العدو. تلاها الاعتراف بحق الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات وتراجعها عن حل الدولتين ووقف دعم الأونروا وإغلاق ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة وأخيراً لا آخراً الاعتراف بضم الجولان لدولة العدو الصهيوني. وهذا كله قبل إعلان صفقة القرن . ومستغلة في ذلك كله الوضع العربي والذي لم يشهد مثيلاً له من التفكك والضعف والفوضى والذي لازال مستمراً في تهالكه وبروز محاور لاسيما في الخليج العربي استبدلت العدو الرئيسي والمتمثل بالعدو الصهيوني واطماعه التي لا تقف عند حد بعدو وهمي متمثلاً بإيران وهو ما يعني العمل على توجيه الجهد الرئيسي للمنطقة وشعوبها إلى هذا العدو الجديد ــ والذي يهدد أنظمة هذه الدول. وهكذا ودون أي وازع من ضمير أو انتماء وطني أو عربي أو إنساني بدأت تلك الدول وفي مقدمها السعودية بكسر الإجماع العربي. وفي مقدمها (التطبيع مع العدو الصهيوني، وتنظيم لقاءات علنية ضمت مسؤولين سعوديين وآخرين صهاينة وعلى رؤوس الأشهاد) وبدأت أبواق سعودية عميلة تنظر بأحقية اليهود في فلسطين وإنكار لحقوق الفلسطينيين ليس في حقهم بالدولة وحسب. بل بحقهم في أرضهم التي يعيشون عليها. واعتمدت إدارة ترمب في تسويق مشروعها على أمثال هؤلاء متهمة أن مثل هؤلاء يمتلكون قرار أو إرادة العرب والفلسطينيون.

ولم يدري هؤلاء ومن ورائهم أن النضال الفلسطيني في مواجهة الوجود الصهيوني في فلسطين بدأ قبل أن توجد كثير من هذه الدول على الخارطة. نضال امتد لأكثر من قرن ولازال مستمراً وعليهم أن يقرأوا تاريخ المنطقة من جديد. لاشك أيضاً أن الأطراف الفلسطينية تتحمل مسؤولية كبرى عما ألت إليه الأمور عبر استمرار الانقسام الفلسطيني الرسمي ما بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة هذا الانقسام ترك آثاراً سلبية على كل الواقع الفلسطيني الذي يعاني أساساً من نتائج اتفاق أوسلو المدمر، والذي لم يبقى منه شيء سوى مخلفات الانقسام الفلسطيني والتنسيق الأمني ورهانات خاطئة في قطاع غزة .

إن ما سبق شجع كل الخطوات الأمريكية والصهيونية على بدعة صفقة القرن والتي أعلنت اليوم الثلاثاء والتي لن يكون مصيرها أفضل مما سبقها من صفقات ومؤامرات. لأن من تتوجه إليه من ممثلي الشعب الفلسطيني وقواه الحية لن تقبل بالأمر لا من قريب ولا من بعيد. ولن ينتج عنها سوى زيادة مقاومة الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة ومزيداً من تشديد وتصعيد النضال وارتفاع مستوى قوته وفعالياته بمختلف الأشكال والوسائل. وكما ذكر كبير المحللين لسياسة دونالد ترمب: إن صفقة القرن لن تجلب الاستقرار والسلام إلى الشرق الأوسط بل ستدفع إلى المزيد من المعضلات والمشكلات للولايات المتحدة ولوحة العدو لاسيما عندما تفتقد من يتعامل معها وستبقى كل الاجراءات الصهيونية مجرد إجراءات سلطة احتلال مرفوضة من الشعب الفلسطيني ومن يمثلون من كل أشكال الطيف الفلسطيني، ومن المجتمع الدولي. بالمقابل ليس المطلوب انتظار الصفقة دون اجراءات باتت مطلوبة من السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس وبقية القوى الوطنية لترتقي إلى المستوى المطلوب لهذه المواجهة وعدم التأجيل بإسقاطها وفي المقدمة منها إنهاء الانقسام وتبني برنامجاً كفاحياً مقاوما كفاية ينهي مرحلة أوسلو وصفقة القرن ويؤسس لمرحلة نضالية جديدة معتمدين على قوانا الشعبية وتحالفاتنا مع قوى المقاومة لهو ضمانة لفشل صفقة القرن مثلها مثل بقية المشاريع الأمريكية والصهيونية في سوريا والعراق وإيران، وما زالت الفرصة سانحة لهزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني مرة واحدة ولن يغفر التاريخ للمتساهلين الذين لن يسهموا في هذه المواجهة التاريخية والكفاحية.

_ أخيراً فعلها ترمب وقدم ملخصا شديد الوضوح لما يسمى (صفقة القرن) تدفع أي فلسطيني أو عربي بالحد الأدنى من الالتزام والوعي لأن يرفضها جملة وتفصيلا. فهو يحدد

 
أولا: أن الأمر الواقع _ واقع الاحتلال الصهيوني _ للضفة الغربية هو الأساس الذي تقوم عليه الخطة ومنه تنطلق. وهو ما يعني الاعتراف بكل عمليات المصادرة والاستيطان وبناء المستوطنات على الأرض الفلسطينية، ذلك أنه وفق كلام ترمب، أن للكيان الصهيوني الحق في أن يبني بأراضي سلطته.

ثانياً: القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، وذلك دون لبس.

ثالثاً: بناء الحدود بين الدولتين الدولة الفلسطينية وسلطة العدو. _ إذا رغب الفلسطينيون في إقامة دولة _. وستكون مساحة الدولة حسب الخرائط المرفقة كحد أقصى على ٧٠٪ من أراضي الضفة بعد تثبيت المستوطنات الخمسة عشر والسيطرة على شمال وجنوب الغور الفلسطيني. وبحيث تصبح الحدود الشمالية مع الجانب الأردني دون وجود فلسطيني، ومن الجهة الأخرى غربا تكون دولة فلسطين بعيدة عن الحدود الصهيونية.

رابعاً: يمكن للفلسطينيين إقامة عاصمة لهم في القدس الشرقية (خارج الجدار) أي في مخيم شعفاط الذي يقع ضمن حدود بلدية القدس الكبرى وهو الحي الوحيد ضمن حدود القدس الشرقية.

خامسا: بالنسبة للاجئين الفلسطينيين ممكن أن يعودوا إلى الدولة الفلسطينية فقط. أي انهاء حق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم وديارهم.
ـ إن العناوين الرئيسية التي تضمنتها خطة ترامب هي من سيدفع الشعب الفلسطيني وحلفائه إلى الرد عليها بكل الأشكال الممكنة وستشهد الضفة وقطاع غزة وكل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني غليانا بالساحة الشعبية. وقد بدأت هذه تحركات منذ صباح اليوم للرد على هذه الصفقة ورفضها وبات الأمر يستلزم كما ذكرنا قبل قليل أن تعيد السلطة الفلسطينية والقوى الفلسطينية إعادة صياغة برنامج كفاحي نضالي ذلك أن لا صوت إلا صوت المقاومة والتي ستنطلق حتماً بقوة إيمان الجماهير بقضيتها وسيكون مصير هذه المؤامرة مثل سابقاتها في مزبلة التاريخ.