الأرشيفالجاليات والشتات

عن أحوال الجالية الفلسطينية في تشيلي

عن أحوال الجالية الفلسطينية في تشيلي

هكذا رآها الصحفي عماد الدبك

الفلسطينيون في تشيلي ورحلة الموت عبر”الأنديز” نحو بناء أمجادهم في أقاصي الأرض:

يمتلكون نحو (40%) من اقتصاد تشيلي وصراعهم محتدم مع رأس المال اليهودي فيها!

*شاهد عيان ينقل صورة تفصيلية عبر”الحدث الفلسطيني” عن قصة نجاح فريدة لأكبر تجمع للفلسطينيين خارج الوطن العربي

*الدبك: فلسطينيون هاربون من القمع العثماني ضحوا بأرواحهم للوصول إلى بقعة تشابه في مناخاتها بلدهم الأمّ

*الهجرة الفلسطينية لتشيلي تكررت عام النكبة وغالبيتهم الساحقة من المدن المسيحية الثلاث: بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور

*عدد أبناء الجالية اليوم يقارب نصف مليون نسمة يمثلون الجيل الثالث من المهاجرين وجميعهم لا يتكلمون “العربيّة”

*الجالية تستعين بنفوذها الاقتصادي في السيطرة على كبريات المصارف والفنادق والمحطات الفضائية في البلاد

*مرشح الرئاسة في تشيلي يحرص على إستمالة الفلسطينيين وبخاصة رجال الاعمال منهم

*للفلسطينيين حضور لافت ودائم في البرلمان والحكومات و السفارات و بلدية العاصمة وجميع مفاصل الدولة التشيلية

*الجالية تاريخيا تعاني الإنقسام والفرقة بسبب الصراع المالي والفضل يعود لسفيرة فلسطين الدكتورة (مي كيله) في إعادة لمّ شملها

*يصعب تمييز نادي بلاستينو الإجتماعي في “سانتياغو”عن أي مخيم لجوء فلسطيني في الشتات لجهة حضور كافة المعالم الوطنية والتراثية فيه

عمان – بثينه السراحين

لم تكن تعلم أمهاتهم وهنّ يودعنهم بواخر عابرة من الساحل الفلسطيني الى بحر المجهول، في رحلة كلفتهنّ مصاغهنّ الذهبي لإنقاذ فلذات أكبادهن من بطش الإمبراطورية العثمانية المتهالكة أوائل القرن الماضي، بأنهنّ بذلك يصنعن مجد دولة وليدة، ويدفعن بأبنائهنّ إلى العلياء، وذلك ضمن سيناريو هروب مفجع حرم الموت خلاله عددا لا بأس منهم إكمال الرحلة؛ التي غلفتها مخاطر عديدة وصلت حد التضحية بالأرواح وفنائها كأوراق شجر صفراء يابسة تساقطت عن شجرة قطع جذعها،، هذا هو حال الغريب إذا ما أقتلع من أرضه وترابه!.

ما سبق مقتضب حكاية “فلسطينيو تشيلي” كما يرويها شاهد عيان على تجربتهم عقب عدة زيارات إليهم رصد خلالها تفاصيل دقيقة عنهم، وذلك في إطار عمله كمستشار إعلامي لمنتدى رجال الأعمال الفلسطيني، حيث يبين الإعلامي عماد الدبك أن” جميع من هاجروا من فلسطين نتاج التطهير العرقي الذي مارسه العثمانيون بدايات القرن الماضي كانوا مسيحيون يتحدّرون من مدن ثلاث؛ بيت لحم؛ بيت ساحور؛ بيت جالا. وهؤلاء عبروا البحر إلى أن نزلوا الأرجنتين ومنها نفذوا نحو تشيلي عبر جبال الأنديز الوعرة والخطرة (6100م) فوق مستوى سطح البحر) بظروفها المناخية القاسية وثلوجها المتكدّسة على مدار العام ، وكانت بحق رحلة موت حصدت أرواح كثيرين، خاصة أنهم استعانوا بوسائل بدائية في رحلتهم هذه مثل ركوب الحمير”.

ولأسباب عديدة، وفقا للدبك، قصد المهاجرون الفلسطينيون تشيلي، فمن مميزات تتعلق بمناخاتها المشابهة لمناخات وطنهم فلسطين، إلى حظوتها من بين دول أمريكا الجنوبية آنذاك بالنشأة الواعدة، وحاجتها لأياد عاملة تسهم في بنائها كدولة كانت آنذاك شبه خالية من السكان، ما شجع على هجرة لاحقة إليها من قبل فلسطينيين مسيحيين عام النكبة 1948م، هم على ما يبدو أقارب لمن هربوا من بطش العثمانيين في الهجرة الاولى، وليتنامى عددهم اليوم ليصل إلى نحو نصف مليون شخص، ولتكون غالبيتهم الساحقة من أتباع الديانة المسيحية، حيث يقتصر عدد الفلسطينيين المسلمين هناك على نحو (300) شخص فقط.

ويوضح الدبك ” اعتناقهم للمسيحيّة، السائدة في تشيلي كان لها دور هام في استيعاب الفلسطينيين في مجتمعها، ناهيك عن أن هجرتهم إليها تمت في حقبة زمنية لم تكن فيها ذات القوانين والمحدّدات الحالية المرسومة على تنقلات وهجرات الأجانب في تشيلي وغيرها من دول العالم، علاوة على ما ذكرت من أنها كانت آنذاك بلاد بكر وناشئة متعطشة للسكان وللعمالة، ما مكن المهاجرين الأوائل من ممارسة عملهم في الزراعة والتجارة بحرية، هي مهن توارثها الجيل الثاني؛ والذي لا يزال جزء منه الآن على قيد الحياة، فيما يمثل الجيل الثالث منهم فلسطينيو تشيلي حاليا، وهم وبنسبة ساحقة تصل ل(99%) منهم لا يتحدثون العربية، وهؤلاء (فلسطينيو تشيلي) ورغم أنهم لا يزيدون عن نصف مليون شخص من أصل (17) مليون نسمة (عدد سكان تشيلي)، إلا أنهم يمتلكون اليوم نحو (40%) من الإقتصاد التشيلي، وسيطرتهم واضحة في قطاعات الصناعة والتجارة والمصارف والسياحة والإعلام، وكما يمتلكون كبريات المحطات الإعلامية الفضائية والبنوك والفنادق في البلد”.

وينقل الدبك صورة مشرقة عن مكانة فلسطينيي تشيلي ممن يمثلون أكبر تجمع لأبناء جلدتهم خارج الوطن العربي: ” في عديد من الدورات كان رئيس بلدية العاصمة التشيلية (سانتياغو) من أصول فلسطينية، وحضورهم دائم في البرلمان ومجلس الشيوخ وفي اللجان الإقتصادية، ومنهم سفراء لتشيلي في دول أخرى، وآخرون منهم حملوا حقائب وزارية، وكما تقلد أحدهم (فرانسيسكو شهوان) منصب نائب رئيس الجمهورية في فترة سابقة. وفي نظرة سريعة على كافة ميادين العمل والابداع في تشيلي لا بد و أن تجد حضورا لافتا للفلسطينيين، ما يجعل صوتهم مسموعٌ من قبل السلطات الحاكمة، استنادا لنفوذهم الاقتصادي كذلك، والذي خوّلهم التأثير بشكل ملموس في مجريات الإنتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد، إلى درجة أنه لا بدّ لأي مرشح للرئاسة هناك أن يخطب ودّ التشيليين من أصل فلسطيني خلال حملته الانتخابية”.

ويبين الدبك أن”صراعا ما بين رأس المال اليهودي ورأس المال الفلسطيني يعمّ المشهد الإقتصادي في تشيلي بوضوح. ورأس المال الفلسطيني هذا لم يكن سببا في انخراط أصحابه في كافة مفاصل الدولة وحسب، بل كان مؤثرا كذلك لجهة إعتراف تشيلي بفلسطين كدولة غير عضو خلال تصويت هيئة الأمم المتحدة لهذا الغرض. علما بأن فلسطينيي تشيلي وتحديدا رجال الأعمال منهم يتابعون مجريات الأحداث السياسية في وطنهم الأمّ فلسطين، وغالبيتهم من مؤيدي حل الصراع الفلسطيني- (الإسرائيلي) عبر قنوات سلمية تستند لحلّ الدولتين”.

وللتعريف أكثر بالواقع الإجتماعي لفلسطينيي تشيلي يكشف الدبك عن أنهم” تاريخيا يعانون الإنقسام والفرقة وذلك على خلفية الصراع المالي فيما بينهم، وظلّ الحال كذلك إلى أن قامت الدكتورة (مي كيله) سفيرة فلسطين السابقة في تشيلي بخطوة ايجابية وبمجهود شخصي منها لجهة إعادة اللحمة والوئام بين أبناء الجالية الفلسطينية؛ التي لم تكن تعلم أصلا عن وجود سفارة لوطنها الأم في تشيلي، حيث بادرت (كيله) للإلتفاف حولهم وتوطيد العلاقات معهم وبينهم، لدرجة أنها كانت تعايد الأقلية الفلسطينية المسلمة في أعيادها وتحضر حفلات إفطارهم الرمضانية، ما دفع بأبناء الجالية لبناء منزل /على نفقتهم الخاصة/ تم تخصيصه لإقامة سفير فلسطين في عهد (كيله)، وتم اطلاق اسم (بيت فلسطين) عليه. كما أنّ جهود السفيرة (كيله) أفضت لإستضافة تشيلي مسؤولين فلسطينيين(حتى الرئيس أبو مازن زارها في تلك الفترة)، إضافة لزيارات نفذها رجال أعمال فلسطينيون لتشيلي، وكذلك جمعيات أعمال فلسطينية؛ وفرق فنية قدمت لتلتقي الجالية وقد أضحت في عهد جديد من تنظيم النشاطات واللقاءات المشتركة، وذلك بعدما حكمتها حالة من الفرقة والتشتت والإنقسام لردح من الزمن”.

حالة من الصدمة والإحباط أصابت رجال أعمال من الجالية الفلسطينية في تشيلي زاوا وطنهم الأم وحاولوا إنشاء استثمارات على أرضيها، ونقلا عنهم يقول الدبك” أخبروني يأنهم كانوا متحمسين للغاية لدعم إقتصاد وطنهم الأم وفي بناء مأسسته، لكنهم تعرضوا للإبتزاز من فاسدين في السلطة الوطنية حاولوا مساومتهم بتلقي رشاوى وأموال منهم لقاء تسهيل مهمتهم وأعمالهم هناك، ما دفعهم للعزوف عن التعامل الرسمي مع السلطة الوطنية؛ في حين أبقوا على تواصلهم مع المؤسسات الشعبية غير الرسمية كجمعيات رجال الأعمال والفرق الفنية والشعبية الفلسطينية، علما بأنه كانت لهم مساهمة كبيرة في مشروع بيت لحم2000″.

للفلسطينيين في تشيلي بصمات واضحة حتى في طبق الطعام، الذي تناوله (عماد الدبك) بصحبتهم في ناديهم الإجتماعي (بلاستينو) الذي أسسه الجيل الأول في العاصمة سانتياغو، حيث تلذذ بتناول (الكُرش) و(ومحشي ورق العنب)، وهي أكلات باتت منتشرة في كافة مطاعم تشيلي تأثرا بمن جلبوها معهم يوما ما من وراء البحر، وتوارثها أبناءهم وأحفادهم ممّن يحفرون ذاكرتهم اليوم بخارطة فلسطين الموضوعة على شاشة أجهزتهم الخلوية؛ “مع أنهم لم يروا فلسطين ولا يستطيعون حتى نطق إسمها بالعربية!!”

يعلق الدبك باسما متعجبا

وفلسطينيو تشيلي حولوا ناديهم الإجتماعي (بلاستينو) لأشبه بمخيم الحصن أو الوحدات أو البقعة وغيرها من مخيمات الشتات الفلسطيني، فقد عجز (الدبك) كما يخبرنا عن التمييز بين أندية مخيمات اللجوء في الأردن مثلا وبين هذا النادي شاسع المساحة (120 هكتار)، ممّن عجّت جدرانه برسومات ناجي العلي، وخارطة فلسطين، والكوفية الفلسطينية، وبعض من مقولات وأشعار محمود درويش؛ ممّن قال فيهم يوما عن غير قصد أو ربما كان يقصدهم!:

جذوري قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتح الحقب
وقبل السرو والزيتون
وقبل ترعرع العشب
أبي من أسرة المحراث لا من سادة نجب
وجدي كان فلاحا بلا حسب.. ولا نسب
يعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتب
ويبتي كوخ ناطور من الأعواد والقصب
فلا ترضيك منزلتي ؟
أنا اسم بلا لقب !
سجل أنا عربي

أرشيف سنة 2013 وما قبلها

اترك تعليقاً