بساط الريح

عن السابع: “فتح” غير “فتح”! – د. أيوب عثمان

“فتح” قبل السابع هي “فتح” أخرى بعده، ليس في الشكل والهيئة والإطار فقط، وإنما في المضمون والرؤية والرسالة والمسار أيضاً. فالتغيير لن يكون في شكل الحركة وبنيتها فحسب، وإنما سيطال مضمونها ورسالتها ورؤيتها ومسارها إلى حد الإزاحة والشطب والاستبدال. لن يسلم المسار من التغيير أو التعديل أو التحويل كما لن يسلم الكثير من أركان النضال الآدمية وركائزها من الشطب أو الإلغاء أو التعطيل.

لا نقول هذا رجماً في الغيب، ذلك أن مؤشرات متنوعة تأخذنا – على الرغم منا – إلى ما نعتقد ولا نتمنى، لا سيما وأن “فتح” التي سينتجها المؤتمر السابع الذي سينعقد بعد غد، الثلاثاء 29/11/2016، ستكون “فتح” أخرى غير تلك التي انطلقت في الفاتح من يناير 1965، والتي وصفت فيما بعد بأنها “أم الجماهير”، كما كانت بالفعل تستحق.

حركة “فتح” التي سينتجها مؤتمرها السابع، خلال أيام، ستكون مختلفة – على نحو جذري – حتى عن آخر نسخة منها قبل اليوم، وهي نسخة “فتح” 2007 – 2016. أما النسخة التي سينتجها المؤتمر السابع فهي نسخة تجعل من حركة “فتح” الثائرة 1965، حيث الانطلاقة، أو من “فتح” 1974 حيث البرنامج المرحلي ذي النقاط العشر، ثم من “فتح” 1982 حيث الانشقاق الكبير، ثم من “فتح” 1993 حيث أوسلو، ثم من “فتح” 2007 – 2016، أداة في يد السلطة وخادماً لها، ولكن دون أن تتحمل أدنى مسؤولية أو عبء.

دون أن نتفحص أسماء المشاركين في المؤتمر السابع، فإننا نستطيع أن نرى – على نحو عاجل ودونما جهد نبذله – كم المستقبل الفلسطيني شديد القتامة. فمن يمثلون الشتات الفلسطيني على وجه الدنيا بأسرها، بما فيها بلادنا العربية، يبلغ عددهم طبقاً لكشوف قوائم أعضاء المؤتمر 128 عضواً من أصل 1350، كما أن عدد أعضاء المؤتمر الممثلين لفلسطينيي الأردن وسوريا ولبنان التي هي أكبر تجمعات فلسطينية على وجه الأرض، كما أنها تجمعات احتفظت لنفسها بأكبر الأدوار الوطنية والثورية في أحضان الثورة الفلسطينية لا يتجاوز عدد الأعضاء الممثلين لمنطقة وسط الخليل، على سبيل المثال، الأمر الذي يسقط عنها مسؤولية الدفاع عن حق العودة وعن حق المخيمات واللاجئين.

إن نظرة سريعة على قوائم الأعضاء المشاركين في المؤتمر تكشف لنا بيسر ووضوح عن مدى الارتباط الكبير لمعظم أعضاء المؤتمر بمنافع شخصية أو مجاملات أو وظائف سلطوية، مدنية وعسكرية ، فضلاً عن شطب كيدي تآمري لمئات من المناضلين البارزين سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية أوفي الساحات الخارجية العربية منها والإقليمية والدولية، الأمر الذي يعني بجلاء ووضوح ومباشرة أن التغيير الذي يصر عليه عباس إنما هو تغيير لا يقتصر على العربة فقط، وإنما يتجاوزه ليطال من فيها أيضاً، كما ويطال مستقبل الحركة بفصله عن ماضيها وعن مجدها وعزها، وليس أدل على صوابية ما نقول من قرار المحكمة الدستورية العليا المشكلة – خلافاً للقانون – القاضي بمنح الرئيس صلاحية حل المجلس التشريعي ورفع الحصانة عن أي من أعضائه،  ناهيك عن قيام المحكمة العليا برد استئناف لأسرى ومحررين قطعت رواتبهم منذ سبع سنوات، حيث كان سبب رد المحكمة العليا لاستئنافهم هو خروجهم على الشرعية، ما يعني أن استمرار الراتب أو وقفه – حتى عند المحكمة العليا – إنما هو أمر مرتبط بموالاة أو معارضة السلطة ورئيسها ومن لف لفه وطوته دائرته.

أما على المستوى السياسي للمؤتمر،فإنه يبغي لنا أن نسأل أو نتساءل:

  1. هل من شيء أنجزته قرارات مؤتمر “فتح” السادس؟!

  2. هل لدى المشاركين في المؤتمر السابع رد مقنع يوضح أسباب شطب من شطبت عضوياتهم بعد أن كانوا أعضاء في مؤتمرات سابقة؟!

  3. هل لدى كل مشارك في المؤتمر قناعة بوجوب مشاركته وقناعة بأهليته لها؟!

  4. هل منطلق المشاركة في هذا المؤتمر هو تصويب مسار حركة “فتح” لتعود كما كانت أماً للجماهير ورأساً للنضال والثورة، ما يستوجب النقد وعدم القبول بالتفريط أو المساومة، أم أن منطلق المشاركة شخصي نفعي أو انتقامي أو شللي … إلخ، تذرعاً بالتنسيق الأمني “المقدس” تارة، وبالمقاومة “العبثية” تارة، وبالمقاومة “السلمية” تارة، وبالمقاومة “الذكية” تارة، وبالمقاومة “الشرعية” أو “الشريفة”، تارة أخرى.

  5. أيرى المشاركون أن لهم دوراً غير رفع الأيدي، تأييداً لإرادة عباس وتدبيره، وتصفيقاً لرغبته، ودعماً لمخططاته؟!

  6. هل يصر المشاركون في المؤتمر على مناقشة أمور لا يريد عباس مناقشتها ؟!

  7. هل سيسأل بعض المشاركين في المؤتمر عن المقاومة وأشكالها التي اعتمدها المؤتمر السادس في أغسطس 2009؟َ!

  8. هل يجرؤ بعض المشاركين في المؤتمر أن يوجهوا لعباس سؤالاً محدداً مفاده:” كيف يمكن أن يكون التباهي بضبط 200 عملية ضد دولة الاحتلال مشهداً من مشاهد المقاومة؟!”

  9. أليست المشاركة في المؤتمر هي كولسة هنا وكولسة هناك ورفع أيد وتصويت على ترقية هؤلاء إلى الثوري وترقية أولئك إلى المركزية؟!

  10. أيستطيع المشاركون أن يجيبواعن سؤال مفاده: ” كيف يمكن لحركة “فتح” أن تثبت أنها ما تزال حركة تحرر وطني هدفها إزالة الاحتلال ودحره، وتحقيق الاستقلال للشعب الفلسطيني، كما جاء في سياق مؤتمرها السادس؟!”

  11. هل من دليل يملكه المشاركون في هذا المؤتمر لإثبات أن حركتهم في تناقض مع الاحتلال في ذات الوقت الذي يعلن فيه رئيسها أن التنسيق الأمني “مقدس”، فيما المقاومة “عبثية”؟! أين، إذن، هو التناقض مع الاحتلال الذي تعلن عنه حركة “فتح” التي لم يستجب رئيسها لقرار المجلس المركزي القاضي بوقف التنسيق الأمني في إطار تحديد العلاقة مع الاحتلال؟!

  12. ألا يجدر بمشارك وطني في هذا المؤتمر أن يستدرك تنازل ونزول أو تهاوي وتهافت حركة “فتح” من 1965 إلى 1974 حيث التراجع والانقسام في سياق البرنامج المرحلي ذي النقاط العشر إلى أوسلو 1993 حيث السقوط والانقسام العملي الكبير إلى 2007 حيث الانقسام العسكري والسياسي باعتباره شكلاً من أشكال انقسام أوسلو وأحد أخطر تجلياته؟!

  13. كيف يمكن للمشاركين في المؤتمر أن يقتنعوا أن منطلقهم نحو المؤتمر صائب وأن وجهتهم ومطالبهم وغاياتهم وطنية وشريفة وصائبة، فيما غالبيتهم قد أصبحوا أعضاء بالتعيين لا بالانتخاب؟!

  14. أي صوابية يمكن للمشاركين في هذا المؤتمر أن يقتفوا آثارها وأن يأملوا في حصد نتائجها بينما هم يرون اسمي ابني عباس يزينان قوائم المؤتمر دون أن ينبسوا ببنت شفة؟!

  15. أفلا يرى المشاركون في هذا المؤتمر عمق الخسارة الوطنية وفادح الخطر من تعطيل مؤسسة المجلس التشريعي بصفتها المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بالأهلية الشرعية الكاملة وغير المنقوصة في نظامنا السياسي، وذلك بقوة المادة (47 مكرر) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل؟!

 

أما آخر الكلام، فلعل كثيرين منا لا يرون المؤتمر السابع إلا محض تخطيط عباسي تكون إعادة صياغة الحزب السلطوي العباسي المتصرف في الكل الفلسطيني هي غاية مبتغاه. وعليه، فإن خير تعليق هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”.

*عن السابع: “فتح” غير “فتح”! – د. أيوب عثمان

 

كاتب وأكاديمي فلسطيني

 

جامعة الأزهر بغزة

اترك تعليقاً