الأرشيفوقفة عز

عن بداية الغزو “الاسرائيلي” للبنان صيف عام 1982.. شهادة الرفيق- الشيخ- جمال حمد

شهادة الرفيق الشيخ جمال محمد حمد – أبو محمد

كنت قبل سنوات كتبت شهادتي عن بداية الغزو “الاسرائيلي” للبنان في الرابع من حزيران – يونيو 1982، حيث كنت في ذلك اليوم متوجداً في بيروت. وفي مكان قريب جداً من المدينة الرياضية التي تم قصفها بشكل مركز ومدمر. تعتبر شهادتي واحدة من آلاف الشهادات عن ذلك الغزو الذي غير كل شيء في لبنان ومنذ ذلك الوقت ونحن أهل المخيمات الفلسطينية في لبنان لازلنا نعيش تبعاته.

اليوم لدي شهادة شقيقي ورفيقي جمال، الشيخ أبو محمد حمد ويقول فيها:

في يوم الرابع من حزيران عام 1982م كنت أنا والأخ والرفيق الأستاذ رياض زيدان عائدين من بيروت الى صيدا في الباص. فجأة حين وصلنا الى بداية حي الأوزاعي بدأ صراخ الناس وأصوات الطيران والمضادات الكثيفة والناس كلهم ينظرون الى السماء، وكأنها قد خربت الدنيا، فنظرنا من شباك الباص وإذا السماء مليئة بالدخان والطيران وكافة انواع القذائف والطلقات المضادة للطيران

هذه كانت بداية الاجتياح “الاسرائيلي” للبنان عام 1982

عدنا الى مخيم عين الحلوة وكانت العادة قصف من الطائرات وعشرات المدافع المضادة للطائرات ترمي عليها بغزارة شديدة وهذا كان معتادا لسنوات طويلة

وكنت أنا مسؤولا عن شبكة مضادات قوية على الجبل الفاصل بين مغدوشة ودرب السيم وكان هناك شبكات أخرى لفتح وللصاعقة بالقرب منا. باختصار ركز العدو القصف على المضادات كلها تمهيدا للتقدم البري الذي لم يكن يخطر على بالنا أبداً… فكل توقعاتنا كانت إنهم ممكن أن يجتاحوا لنهر الليطاني وبأقصى حد إلى الزهراني… وكنا نظن أن هذا لو تحقق سيتحقق بصعوبات عظيمة وبفترة زمنية لا تقل عن أسبوعين أو عدة أسابيع.

المهم أننا تفاجأنا وتم تدمير كل المضادات رغم أن الرماة بالعموم أبلوا بلاءً حسنا ولكن ما عاد بالإمكان أكثر مما كان … وتفاجأنا أن الغزاة خلال يوم واحد من التقدم البري وصلوا إلى صور والنبطية وما حولهما وكان هذا شبه مستحيلاً حسب قناعات كل المقاتلين.

أيضاً تفاجأنا بزيارة الأمين العام (طلعت يعقوب) ومرافقية لنا في عين الحلوة وهو عائد من زيارة خاطفة للنبطية وأبلغونا أن هناك تقدمات حقيقية للعدو. بعد الزيارة الخاطفة تابعوا عودتهم لبيروت وبدأت الأمور تتفاقم والتطورات الصادمة تكبر وتزداد وتتوضح … فبعد دقائق جاء رفيق لنا من النبطية إسمه أبوشهاب وكان له شاربان كبيران وكان يقود سيارة عسكرية عليها مدفع 106ملم مباشر وقال أن الغزاة الصهاينة قد وصلوا للنبطية فعلاً. لقد كان الخبر فظيعاً فنحن ما كان يخطر على بالنا أن يصلوا خلال يوم واحد من التقدم البري الى النبطية. ثم تتالت الأخبار والكوارث فجاءنا الرفيق حسين عزيز شقيق الرفيق علي عزيز أبو باسل ومعه سيارة عسكرية ومدفع 37ملم مضاد للطائرات وأخبرنا أن الغزاة قد وصلوا صور بالفعل. فكانت هذه الأخبار بمثابة كوارث ما كان يمكن لأحد أن يتوقعها ولا أن يتقبلها …

بدأت الأمور تتعاظم والاشاعات تختلط بالحقائق وبدأ الطابور الخامس يفعل فعله لتصنيع الانهيار النفسي عند القيادات والمقاتلين. وبعد ساعتين تقريبا جاءني أحدهم وأخبرني أن العدو قصف سيارة الأمين العام لجبهتنا في ذلك الوقت جبهة التحرير الفلسطينية طلعت يعقوب، وأانه قتل هو وكل مرافقيه من كانوا معه ما بين نهر الأولي والرميلة … فكانت صاعقة أخرى  الأمين العام وأخي نضال وكل الرفاق المرافقين وهم أصحاب الطفولة ورفاق الصبا… وكان المقرر حين كان الأمين العام أن ننطلق من عين الحلوة لتدعيم الاخوة في صور وهذا كان تقريبا وقت العصر. ثم اتفقنا بالليل أن نذهب للزهراني لقطع الطريق على العدو ومنعه من الوصول إلى صيدا وعين الحلوة… وبالليل بدأت الأمور تتوضح أن هناك إنهياراً شبه تام وأن القزات الغزو تتقدم بسرعة هائلة وتتجاوز المناطق التي فيها مقاومة، مثل أبطال قلعة الشقيف – أرنون – وأبطال وأشبال مخيمي الرشيدية وبرج الشمالي.. الذين قاتلوا قتال الأبطال لأيام متواصلة بعد سقوط ما قبلهم وما بعدهم من المناطق والمعاقل … وخلال هذا الوقت كله أو جله إنقطعت الاتصالات نتيجة التشويش “الاسرائيلي” وضاع وضاج  الناس عموما… فينا تواصل القصف والإنزالات وقطع الطرقات نارياً وفعلياً باحتلال مناطق مهمة على الأرض … كل هذا حتى صباح الإثنين كما أذكر.

في كل ساعة أو عدة ساعات تتغير الخريطة وأماكن السيطرة لصالح العدو وتتغير الاولويات والقرارات الارتجالية المتخبطة من طرفنا … وفي صباح  الإثنين طلبوني إلى غرفة عمليات الجنوب، وطلب كل تنظيم ضابطاً من ضباطه لتنسيق وتنظيم عملية عسكرية للقضاء على رأس جسر صنعه الغزاة في منطقة الأولي وصولا لتلال الشرحبيل … وكانت مهمتنا هي الالتفاف من محور مجدليون في الشمال الشرقي للشرحبيل ومهاجمة الدبابات المعادية والقضاء عليها قبل أن يتوسع الغزاة في سيطرتهم على المنطقة …

وهنا انطلقنا كقوات نخبة مجموعة من كل فصيل مسلحين بثلاثين :آر بي جي” أي “بي سفن”

هناك تبدأ قصتنا البطولية والتراجيدية التي سنكملها  بعد قليل. طبعا هذا الكلام باختصار شديد جداً ولكنني حاولت أن أرسم صورة للإنهيار النفسي قبل الإنهيار العسكري دون مناقشة أسبابه في هذه العجالة.  ورغم كل هذا الإنهيار في المشهد العام لكننا كشباب كنا ما زلنا رجالا تهد الجبال. وكانت معنوياتنا ما زالت عالية بفضل الله فأنطلقنا صباحاً وتبلغنا بأن نجهز أنفسنا لمهمتنا في الشرحبيل وعدنا الى المخيم حيث كان أغلب الشباب مجتمعين في المنطقة والشوارع بشيء من الاستغراب والذهول … وكان الصهاينة يوسعون مناطق سيطرتهم عبر الإنزالات البحرية بشكل أساسي وأحيانا الانزالات الجوية، للسيطرة على مناطق متباعدة ولقطع الطرقات ولتحقيق الإنهيار النفسي. نتيجة تفاجأ الجميع بسرعة وسهولة الاختراقات المعادية ووصولهم لما بعد مدينة صيدا خلال يومين من التقدم البري فقط. تاركين ورائهم المناطق التي يتوقعون فيها صموداً وقتالاً مثل مخيم عين الحلوة وغيره ليتفرغوا لتدميرها تدميراً شاملاً وتاماً لاحقاً …

المهم إنطلقنا أنا وطارق وخليل إلى العمليات ثم إلى التجمع في منطقة عبرا وبدأت الأخطاء القاتلة المتعلقة بعمليتنا التي كانت من المفترض أن تكون عملية مهمة جداً. تجمعنا بحدود 30 شاباً في عبرا وكان المفترض أن نكون 50 مقاتلاً. ثم إنطلقنا كقادة للمجموعات لنستطلع المنطقة. وتفاجأنا بالقائد المفترض للعملية وأظنه ما زال حياً وليقرأ هذا الكلام وكان ضابطا من كتيبة شهداء أيلول التابعة لفتح وأسمه (لطيف)… وإذا به يأخذنا إلى موقع بعيد عدة كيلومترات عن الهدف في الشرحبيل..أخذنا إلى معمل الكرتون في كفر فالوس. صعدنا على التلة هناك ومعنا منظار حربي وقال لنا هذا هو الهدف طبعا كان عبارة عن كروم عنب ومنطقة جبلية ولا شيء واضح … وأصر أن هناك ثلاث دبابات … طبعا ما …

انتهى كلام الشيخ جمال ..ويبدو أنني عندما قمت بنسخ حديثه لم أنسحه كله لذا لم تكتمل الفرقة الأخيرة… إذا وافق الشيخ جمال سأكلب منه تكملة الشهادة حتى اعتقاله وزجه في سجن أنصار… فشهادته عن معركة علمان تاريخية ومهمة وشيقة ودارمية جداً. لأن فيها قصص شهداء وجرحى ومعركة وتضحيات والخ.

يتبع

اعداد نضال حمد موقع الصفصاف- وقفة عز

20-11-2022

الشهيد قاسم حجير