الأرشيفوقفة عز

عن خالي أحمد الذي رحل قبل سنوات – نضال حمد

خالي أحمد  – نضال حمد
أذكر خالي أحمد علي حمد – أبو مجدي- وهو خالي الأصغر سناً، كان شاباً وسيماً، أنيقاً ومحبوباً من الأهل والمعارف والأصدقاء، وخاصة من جدتي فاطمة، بدرة -أم محمد الشاويشية-، بالمناسبة كان أهل الحارة والبلدة والمخيم يلقبونها وينادونها بالشاويشية لأن والد جدتي كان شاويشاً يعني (ضابط شرطة) في فلسطين قبل النكبة، وهي من آل اليوسف من بلدة قديثا المجاورة للصفصاف في الجليل الفلسطيني الأعلى المحتل. بقيت جدتي الشاويشية حتى وفاتها سنة ١٩٩٩ تنتظر عودة طفلها المحبوب، خالي أحمد، لكنه لم يعد، فماتت وهي بشوقٍ له، وبعد سنوات لحقها هو، حيث مات وفي قلبه حسرة عدم لقاء جدتي عند وفاتها. دفنت هي في مقبرة مخيم عين الحلوة في الجنوب اللبناني، فيما دفن هو في احدى مقابر مدينة بنغازي بليببا. فهناك قضى شبابه ومعظم سنوات عمره. لقد عاش في ليبيا أطول فترة من حياته القصيرة. سنوات طويلة مليئة بالكدح والكد والعمل لأجل مستقبل أفضل لأطفاله.
انخرط الخال أحمد – أبو مجدي- الشاب الوسيم والأنيق منذ بداية شبابه في العمل والكد والكدح لأجل حياة أفضل، فعمل مع شقيقه الأكبر سناً، الخال محمد – أبو ماهر – في دهان وحدادة السيارات في مدينة صيدا اللبنانية. كان وضعهما المادي جيد جداً بالنسبة لأهل المخيم، وبقي كذلك حتى حَلّت على لبنان مصائب الانهيار الاقتصادي بعد حصار بيروت وانسحاب منظمة التحرير الفلسطينية منها سنة ١٩٨٢. انهار الاقتصاد اللبناني وفقدت العملة الوطنية، الليرة اللبنانية قيمتها، وبذلك فقد المودعون بالعملة المحلية قيمة أموالهم مقارنة مع الدولار الأمريكي والعملات الصعبة.. للأسف يومها أصبح الخال أبو ماهر واحداً من ضحايا ذلك الانهيار الرهيب. فالخال أبو ماهر أطال الله بعمره كان من أوائل الفلسطينيين الذين اقتنوا أحدث أنواع السيارات وأفخرها. وكان يأخذنا دائما في رحلات ترفيهية الى مناطق لبنانية منوعة، حتى أنه كان يقود سيارته عدة مرات ذهابا وإيابا لنقل عائلته وعائلتنا وعائلة خالتي عطرة -أم محمد- رحمها الله. كما أذكر أنه في احدى السنوات استأجر بيتا في بلدة جباع اللبنانية لقضاء عطلة الصيف، حيث قضينا معه ومع عائلته بعض الأيام في البيت المذكور. كان انساناً عزيزاً ولازال كذلك، يواصل حياته بكرامة وعز.
اختار الخال أبو مجدي أن يسافر الى ليبيا باحثاً هناك عن حياة جديدة وفرص عمل أفضل، وفي حقيقة الأمر لم تكن الحياة سهلة ولا الغربة مريحة ولا فرص العمل أفضل بكثير مما كانت عليه في مدينة صيدا اللبنانية. لكن الخال اعتاد على الحياة الجديدة وأحب ليبيا وبقي فيها حيث أنجبت زوجته الحاجة آمنة -أم مجدي- هناك جميع أولاده. وحيث كانت خاتمة حياته في بنغازي الليبية قبل سنوات.
في طفولتي أذكر زيارات الخال الى منزلنا حيث كانت تربطه بالوالدة علاقة قوية وهي أكبر منه سناً وهو كان آخر عنقود العائلة، يعني أكثرهم دلالاً من قبل ستي فاطمة وسيدي علي رحمهما الله.
في بداية تسعينيات القرن الفائت قمت بزيارته في ليبيا. أسعدته وعائلته وزوجته الخالة آمنة -أم مجدي- زيارتي لهم في منزلهم والتي كانت مفاجئة لهم، حيث كنت يومها في مهمة عمل في العاصمة الليبية طرابلس. قضيت معهم وقتا جميلا وعدت من زيارتي القصيرة تلك سعيداً جداً. على أمل تكرار الزيارة لكن الأحداث التي عصفت بالعالمين العربي والأوروبي الشرقي أعاقت ذلك. لذا لم أستطع تكرار زيارتي لليبيا.
آخر مرة التقيت بها مع خالي أحمد كانت قبل سنوات من وفاته حيث التقينا في منزلنا بمخيم عين الحلوة. حضر من ليبيا الى لبنان وخلال تلك الزيارة زار الأهل أكثر من مرة، حيث صادف أيضا وجودي في المخيم في زيارة للأهل. كانت اللقاءات مع الخال جميلة ومسلية ومفيدة، حيث جلسنا وتحدثنا مع ركوة قهوة عربية أعدتها الوالدة، صاحبة المزاج في صنع القهوة والتي تملك مذاقا خاصا بالقهوة العربية.. كانت تفوح من ركوة القهوة الساخنة رائحة الهال وريحة أمي حفظها الله.
لقد كانت وفاته مفاجئة لنا جميعا وخاصة للوالدة التي لم نعرف كيف نبلغها بخبر الوفاة، وتركنا ذلك للخال أبو ماهر، الذي عرف كيف يوصل لها الخبر الحزين.
عاش خالي أحمد بعيدا عن الأهل وحين أتذكره وأتذكر غيابه الطويل أجد نفسي وكأني عشت تجربة مثل تجربته، فأنا أيضا أعيش في غربتي ومنفاي منذ عشرات السنين. بعيداً عن الأهل والأقارب والأصدقاء والبيت والحارة والمخيم ومدينة الطفولة والذكريات. ومن يدري فربما أموت أيضا كما مات هو في غربته وربما أدفن في مقبرة بعيدة ونائية كما دفن هو.
رحم الله الخال أبو مجدي وأمد في عمر الأحياء.
نضال حمد
29-12-2020