كتب

فيروس كورونا بين تداعياته والمناعة النفسية – د.عامر صالح

اتسع نطاق تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) حول العالم، وبعد أن كانت بؤرة التفشي محصورة في إقليم هوبي بوسط الصين، باتت هناك عدة بؤر إصابة حول العالم، بينها كوريا الجنوبية، وشمالي إيطاليا، وإيران، وكما هي توقعات منظمة الصحة العالمية فأن الإصابات الجديدة غير مرتبطة ببؤرة الإصابة الأولى في مدينة ووهان الصينية بل انتقلت البؤر الى أوربا وأصبحت البلاد الأوربية تنوء تحت ثقل هجومات فيروس كورونا. استغرب البعض تصريحات المستشارة الألمانية انغيلا ميركل حول احتمال إصابة 70٪ من سكان ألمانيا بفيروس كوفيد 19 (الشهير بكورونا) إذا لم يتم إيجاد علاج أو مصل مضاد، واعتبر مسؤولون كبار، مثل اندري بابيس رئيس حكومة التشيك، جارة ألمانيا، أنها تقوم “بنشر الذعر” بتوصيفها لهذا “السيناريو المظلم”, ثم ألحق بها تصريح رئيس وزراء بريطانيا بقوله” أستعدوا لفراق أحبائكم “, وكذلك تصريح ترامب ” بأن مركز الوباء أصبح أوربا ” ولكن ذلك لم يكن نزهة في عالم التصريحات والأثارة الفارغة, بل أن الوقائع الميدانية لأنتشار كورونا في اوربا وأمريكا وبقية أنحاء العالم لم تدع مجال للشك أن هناك تلمس لأفق مخاطر انتشار الفيروس, مقترنا بعدم المعرفة الدقيقة لحركة الفيروس وطبيعته لحد هذه اللحظات.

وقد انعكست آثار هذا الوباء على أحوال العالم الطبية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الرياضية فطال اغلاق مناسبات وانشطة عديدة, وكذلك إغلاق المدارس في 17 بلدا لأكثر من 400 مليون تلميذ، واقتربت بورصات العالم من أدنى مستوياتها منذ أزمة 2008 العالمية، وتضررت قطاعات السياحة والنقل ودخل الاقتصاد العالمي مرحلة انكماش، ولا يعرف أحد الدرك الذي سيصل إليه. وقد فرض فيروس كورونا أيقاعه المؤلم على حياة الاوربين وفرض حالة من الترقب لم يسبق لها مثيل, وقد تركزت نصائح المسؤولين الأوربين والقيادات الصحية بالبقاء في البيت قدر الأمكان والابتعاد عن المناطق المزدحمة كالمطاعم والبارات والمسابح والقطارات وباصات النقل العام كلها فارغة تقريبا, كما ونشطت حركة غير طبيعية على التبضع وتخزين المواد الغذائية وكأنها حرب شاملة قادمة, وقد بدأت ملامح خسائر فادحة في كافة القطاعات. الى جانب ذلك بدأت ملامح الألتحاق القسري في التعليم عن بعد عبر الأنترنيت في مراحل التعليم الجامعي والثانوي تحسبا وخوفا من التجمعات الطلابية التي تشكل ارضا خصبة لأنتشار الفيروس.

وقد ضربت هذه الأزمة العالمية اقتصادات المنطقة العربية وجوارها، وكان الأكثر تعرّضا هو قطاعاتها السياحية وخصوصا في الأردن وتونس ولبنان والمغرب ومصر وتركيا بضربات كبيرة، الأمر الذي يدفع شركات طيران كبرى ومكاتب سياحية وفنادق ونقل سياحي نحو شفير إعلان الإفلاس وهو أمر سيتبعه تسريح للموظفين والعمال، كما تعرضت السياحات الدينية إلى ضربة كبيرة مع وقف العمرة إلى السعودية، وزيارة المراقد الشيعية المقدسة في العراق، وكذلك السياحة إلى القدس وكنيسة المهد ومراكز الزيارة المسيحية, الى جانب ان البدان العربية والأسلامية هذه بدأ فيها فيروس كورونا يشق طريقه المؤذي للفتك بالمئات من السكان.

ونظرا لغموض الاسباب التي رافقت الظهور المفاجئ لهذا المرض وانتشاره السريع ، فقد تعددت النظريات التي حاولت ان تضع اي تفسير يشفي الغليل لظهوره كمحاولة يائسة للوصول الى حل مقنع للعلاج ,البعض مازال متمسكا بنظرية المؤامرة التي تعود الى حقبة الحرب الباردة في تفسير الاحداث وتفكيكها افتراضيا ، وذلك بطرح فكرة الحرب البيولوجية (المفترضة) التي تشنها الولايات المتحدة ضد الصين على هامش الحرب التجارية المستعرة بينهما وضمن سياق نظرية المؤامرة الكلاسيكي وفي رمي التهمة على الجانب الصيني مستغلين بعض عادات الواقع الغذائي الشعبي للشعب الصيني مثل ماسمي بحساء الخفافيش ولاسيما بعد ان ثبتت التجارب المختبرية علاقة الفايروس بأمراض الخفافيش ، او بالمقابل ان السبب يعود الى “اهمال ” الصين المتعمد لبعض تجاربها البايلوجية وضمن نفس سياق التسلح الجرثومي بينها وبين الغرب وفي ذات المدينة التي انطلق منه كورونا المتجدد فخرج الامر عن سيطرتها، وكل هذه الآراء تأتي كمحاولة لضرب عصفورين بحجر واحد الاول الصاق التهمة بالجانب الصيني وتشويه سمعته والثاني تطويق الصين ومحاربتها اقتصاديا وكسر حدة تفوقها التجاري ، ولكن الامر تخطى الصين بكثير فظهر المرض في الكثير من البلدان البعيدة عن الصين وعن بعض عادات الغذاء المقرفة فيها ، كما ان ما يطرح من علاجات وامصال تتوصل اليها هذه الجهة او تلك لم تزل ايضا مجرد افتراضات علمية وتسويق اعلامي قد يكون بعيدا عن الصحة فمازال الفايروس ينتشر على “راحته ” في جميع انحاء العام.

وسائل الاعلام؛ التقليدية منها والحديثة المتمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي، وعموم السوشيال ميديا، يلعب دوراً حاسماً في امتصاص الآثار السلبية لمرض من هذا النوع، ويبذل الجهود لتنمية المشاعر الايجابية في النفوس لمواجهة، ليس المرض فقط، بل والموت ايضاً، على أنه من الناحية التكوينية يعد من السنن الثابتة في الحياة، وليس مدعاة للضعف والانكسار، وقبل أن يكون هذا الفيروس عامل لتكريس المزيد من اليأس في النفوس على ما يعيشه الناس من مشكلات وأزمات، من الجدير الإرشاد الى سبل التعامل الذكي، بأخذ الاحتياطات اللازمة، والأهم منها؛ تقوية جهاز المناعة بالجسم بالمواد الغذائية الغنية بالفيتامينات والمعادن، والتعرض المستمر لشمس الصباح، وممارسة الرياضة لتنشيط الدورة الدموية، مما يجعل الجسم قويا أمام هذا الفيروس البسيط.

ولا بد هنا من الاشارة الى ثنائية الموت والحياة في سياقات طبيعية رغم عدم رغبتنا المطلقة بالموت السهل والسريع من فيروس كورونا, لأنه يمثل قطع مفاجئ وسريع للعضوية الأنسانية في عطائها, الحياة وتشمل الروح أو الحركة والطاقه، والموت أي السكون والتوقف وما بينهما من مراحل وأسرار تعبر عن مرحلة مؤقته أو جسر عبور بين التحول والآخر هذا إذا نظرنا إلى الأمر بشكل كلياتي شامل بدون التوه في تفاصيل وأشكال المراحل المختلفة وخصوصياتها. وكل مفردة تعبر عن الأخرى فالوجه الآخر للحياة هو الموت والعكس صحيح أيضا فالحياة والموت تشكلان ثنائية قطبية في جدلية الحركة والسكون.

 

وفيها لكل شيئ بداية ونهاية وبنفس الوقت تكون النهاية هي الوجه الآخر للبداية أي أن كل بداية تحمل نهاية وكل نهاية تحمل بداية ولكن بشكل مختلف لأن نهاية العناصر والأشياء تحمل بداية عناصر وأشياء جديدة مختلفة عن العنصر الأم سواء في البداية أو في النهاية وفي الحقيقة فالموت والحياة لاتعبران عن ماهية الطبيعة إنما يشكلان جزء” من سلسلة الطبيعة الكونية ومن الخطأ بمكان أن يتم اختزال التاريخ الكوني بوجود الحياة فقط لأن التاريخ الكوني مليئ بالعناصر المختلفة والمتنوعة عبر عصور بأكملها .
هنا يمكن جمع الحياة والموت تحت سقف واحد وهو التحول أي تحول العناصر الحياتية ذات خاصيات مشتركة إلى عناصر أخرى ذات حيوات مختلفة تماما كانشطار الخلية إلى تكوين خلية جديدة فيها نفس مكونات الحركة من ثنائيات متناقضة ومستمرة.

في تلك الجدلية بين الحياة والموت تؤثر الحالة النفسية للشخص على جهاز المناعة بشكلٍ كبير، إذ أن الشعور بالحزن والاكتئاب والنفسية السيئة المحبطة تُسبب إضعافه وقلة مقاومته للأمراض. تُؤثر الحالة الذهنية العامة على أدائه، فالشخص الذي يحمل أفكاراً محبطة حول مرضه يُساهم في إضعاف مناعته، والعكس صحيح. تُسبب الحالة النفسية الحزينة في الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، إذ يعتقد فيها هذا الجهاز أن أجزاء الجسم المختلفة هي أعداء فيبدأ بمهاجمتها، وهذا يُسبب أمراضاً كثيرة، إذ أن الحزن الشديد يُسبب حدوث خلل في هرمونات الجسم، وهذا يؤدي إلى خلل في أداء جهاز المناعة. تُسبب الانفعالات النفسية الشديدة بكثرة انتشار الشوارد الحرة للخلايا، وقلة كفاءة جهاز المناعة في مواجهتها، مما يسبب الإصابة بالسرطان وغيره من الأمراض، بعكس الحالة النفسية المستقرة التي تُساعد في نشاط خلايا الجسم الدفاعية وزيادة كفاءتها. أثبتت الدراسات الحديثة أن الأشخاص المرضى الذين يملكون أفكاراً سلبية حول مرضهم تكون نسبة شفائهم قليلة، والعكس صحيح.

وبالتأكيد أن هناك ثمة علاقة وطيدة بين الحالة النفسية وصحة الجسم، فإذا سيطر على الإنسان الجزع والخوف والتوتر الزائد جراء الإصابة بمرض ما فإن مناعة الجسم تضعف وقد تتفاقم الحالة الصحية، لذا فإن الطاقة الإيجابية والحالة النفسية للمريض تلعب دوراً فاعلاً في التصدي للمرض، وقد تسهم في التخلص منه أو تكون أحد أهم العلاجات الفعالة في التغلب على المرض لا سيما الأمراض المزمنة كالسكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب بأنواعها، والصداع النصفي وآلام الرأس والمعدة والعظام وكذلك أمراض السرطان، التي تتطلب من المريض التعايش والصبر وقوة الإرادة في مسيرة العلاج.

وأكد الكثير من ألأطباء وأخصائي علم النفس العلاجي أن الحالة النفسية لأصحاب الأمراض المزمنة أو المستعصية تمثل نحو 60% من العلاج لأن الجهاز العصبي يؤثر على الجهاز المناعي في الجسم، وكلما ارتفعت نسبة التوتر والقلق والانفعال تدهورت وظائف جهاز المناعة ما يضعف في مقاومة الأمراض وتحديداً الأمراض السرطانية التي تخترق الجسم، وتتيح له الفرصة لكي ينمو ويترعرع، بسبب تراجع نسبة الخلايا الليمفاوية المسؤولة عن توفير الحماية للجسم من الإصابة بهذه الأورام والأمراض بأنواعها المختلفة.

ويرى النفسانيون أن الحالة النفسية التي تصاحب إبلاغ المريض بمرضه خاصة الأمراض المزمنة يجب ألا تدفعه إلى القلق والتوتر بما سيحل به، بل عليه أن يحاول أن يمارس حياته الطبيعية والابتعاد عن هواجس تبعيات المرض، لأنها تؤثر على حالته النفسية من العلاج لأن الجهاز العصبي يؤثر على الجهاز المناعي في الجسم، وكلما ارتفعت نسبة التوتر والقلق والانفعال تدهورت وظائف جهاز المناعة، ما يضعف في مقاومة الأمراض.

ويشكل فيروس كورونا تحديا كبيرا وليست سهلا أمام العالم وقدرات الطب المعاصر للعثور على لقاح او علاج ضد هذا المرض الذي يهدد العالم كله كما يشكل هذا الوباء العالمي اختبارا لمستوى أداء المناعة النفسية للوحدة الانسانية في صراعها من أجل البقاء, حيث تكاتف الثقافة النفسية والطبية من أجل الخلاص من هذا الوباء الذي لم نجد له حتى الساعة ملامح الخلاص منه.