الأرشيفثقافة وفن

فيلم :الموتى لا يموتون2019 لجيم جارموش:

بقلم الباحث السينمائي مهند عارف النابلسي/اردني فلسطيني/ عمان-الاردن

*”زومبي” طريف حافل بالمضامين يتعمق في مشاكل حياتنا المعاصرة والبيئة  ويتحول لخيال علمي غامض:
** في بلدة سنترفيل الصغيرة الهادئة ، هناك شيء ما ليس صحيحًا تمامًا.يحدث في ذلك اليوم:حيث يتدلى القمر على ارتفاع كبير ومنخفض في السماء ، وأصبحت ساعات النهار غير متوقعة ، وبدأت الحيوانات في إظهار سلوكيات غير عادية.فتهرب من مالكيها واماكن تواجدها فالتقارير الإخبارية مخيفة ، والعلماء قلقون ، لكن لا أحد يتوقع أغرب وأخطر تداعيات ستبدأ قريبًا في كارثة سنترفيل: حيث سينهض الموتى من قبورهم ويتغذون على الأحياء ، ويجب على المواطنين الناجين الكفاح من أجل البقاء.انه فيلم رعب  عادي مشوق يتحول تدريجيا لخيال علمي عبثي بامتياز. يذكرنا بأفلام ممائلة ومصائر محتملة قادمة لا محالة 


*إنه أمر ممتع إلى حد ما ، ويرجع الفضل في ذلك في الغالب إلى المبدعة “سوينتون” والتبادلات الشيقة المستمرة بين موراي ودرايفر.والبدايات الذكية التي تشير للنهايات!


*”أغضب واجرأ وأطرف” فيلم رأيته طوال العام/2019/. هذا هو Jim Jarmusch الذي وضع موقفًا قويًا من المدافعين عن البيئة في منتصف فيلم الزومبي “المخيف” الكوميدي هذا.

*أصبح نوع الزومبي الآن قريبًا من الإرهاق والاستنفاذ- على الرغم من أن هذه ليست مشكلة لـ Jarmusch الذي يحب أماكن عمله الرثة العتيقة ويعود اليها دوما مع الحنين، إلا أنه من الأفضل تحويلها إلى طقوس عبثية ذات طابع فلسفي ساخر يفيض بمشاعر دفينة وباطنية معبرة.


*تكثر النكات ، وعلى الرغم من أن المادة طفيفة والسيناريو بسيط ، إلا أن أجزاء من الفيلم تبدو مضحكة للغاية. لكن جارموش يجعلها تبدو صغيرة وربما تافهة ، ومع وقت تشغيل طويل جدًا لهذا النوع من الأشياء.بل وجدت أن فترة العرض ملائمة تماما ولا تتسب بالملل كما يحدث نمطيا مع مثل هذا الطراز من الأفلام.


*دائمًا ما تكون أفلام Jim Jarmusch مقتضبة ، لكن هذا الفيلم لم يكن يبدو هكذا وهو يتحدث عن مجموعة من الأصدقاء القدامى يتسكعون والذين يظهرون بإخلاص لتقديم خدمة فاترة.بالحد الأدنى من الحماس والعبثية الساخرة.وانت كمشاهد لا تستطيع تجاهل الفيلم بلامبالا! 


*يخبر “درايفر” باستمرار الشخصيات الأخرى أن “هذا سينتهي بشكل سيئ” … وللأسف فإن درايفر على صواب لأن The Dead Don’t Die يتحول إلى نهاية جريئة ولكن غير مرضية اطلاقا في النهاية بل شبه عبثية  وكابوسية. حيث يقتل الجميع ويتحولون بدورهم لزومبي!


*هناك العديد من النكات الداخلية وبعض التعليقات التي تم لصقها حول كوننا أيضا كائنات الزومبي/ الأحياء التي تمسكت بماديتنا وتقنيتنا ومقتنياتنا الكثيرة الاستهلاكية. لكن ليس لها عضة مؤلمة/مؤثرة على الإطلاق. لذلك لم يتبق لنا سوى فريق التمثيل “الهزيل” الذي يكفي ربما لإنقاذ الفيلم ووبالكاد ينجح لكنه يفلح بتقديم ملهاة ساخرة فريدة ! لكن رجل الغاب المنبوذ يبدو السعيد الناجي المتأمل لما يحدث كمراقب غير مندهش ولا متعاطف وكأنه يشمت بالسكان!


Jim Jarmusch*هو صانع أفلام أصيل حقًا ، وتضيف تجاربه في صناعة الأفلام بعدا جديدا إلى الأفكار المتوقعة ، ويمنح محبي الأفلام لحظات من الفرح الخالص والسخرية اللاذعة .


*إنه فيلم مضحك بشكل لا يصدق … لا يقولون هنا أي شيء جديد ولكن الطريقة التي يقولون ذلك بها مضحكة.وساخرة وطريفة بل وصادمة احيانا وتزخر بالحكمة!

*هامش لافت يتضمن ملاحظة لا صلة لها بالفيلم واحداثه:
”لا يوجد شيء أصلي. اسرق من أي مكان يلهمك أو يغذي خيالك. التهام الأفلام القديمة والأفلام الجديدة والموسيقى والكتب واللوحات والصور الفوتوغرافية والقصائد والأحلام والمقالات  والدراسات ثم المحادثات العشوائية والعمارة والجسور وإشارات الشوارع والأشجار والسحب والمسطحات المائية والنور والظلال. حدد فقط الأشياء التي تريد سرقتها والتي تتحدث مباشرة إلى روحك.وأعماق طرحك الابداعي الجديد وإذا ما قمت بذلك ، فسيكون عملك (والسرقة المرجعية) أصليًا.لكن حاول الاشارة لمصادر اقتباسك “وسرقتك” اذا كان ذلك ملائما او مناسبا لطبيعة طرحك الجديدن وتجنب بصراحة ترديد موال “توارد الخواطر والأفكار (منكرا حدث الاقتباس  بمكابرة سمجة مكشوفة): فالأصالة /في المحصلة/لا تقدر بثمن. الأصالة غير موجودة.حقا على ارض الواقع الكتابي المتوارث والتاريخي ن فقد  اكتشفت أن الكل يسرق (أو يقتبس) من الكل ! ولا تهتم كثيرا بإخفاء سرقتك – بل احتفل بها (علنا وجهارا)إذا كنت ترغب في ذلك ولا تخجل من اعلان سرقتك واقتباسك. على أي حال ، تذكر دائمًا ما قاله جان لوك جودار: “إنه ليس من أين تأخذ الأشياء – إنه المكان الذي تأخذها إليه”..

*أهم معالم الفيلم في سطور:

*الفيلم باختصار يتضمن اشارات لافتة  لمعلم سينما الزومبي الأصيل “جورج روميرو”، كما لتصميم النزل الغامض المرعب في تحفة  هيتشكوك الخالدة “بسيكو”، وهو يقدم أجواء مختلطة من الفيلمين  ببراعة تجديدية مبتكرة. كما أنه يقدم شخصية انسان الغابة المنعزل المنبوذ كرابح وحيد متبقي، يشاهد الأحداث المرعبة ، بمنظار كمراقب حيادي مفترسا الدجاج “المسروق”…ومنذ البداية بدا الحوار ساخرا ولاذعا  ويحفل بالمغزى والحكمة واللامبالاة، ولنأخذ كمثال تحسر مفوض الشرطة الرئيس على اختفاء ابريقي القهوة الساخنين من المطعم  الوحيد في القرية بعد الهجوم المباغت الأول للزومبي وقتلهما الوحشي للعاملتين هناك.، كما أن المبدعة  الشقراء “سوينتون” حيث ذكرتني مهارتها القتالية باستخدام فنون القتال “السيفية” (وقطع الرأس  تحديدا) بمثيلتها البارعة في فيلم ترانتينو اللافت “اقتل بيل”، وقد توجت دورها هنا بصعودها أخيرا للسماء في مركبة “خيال علمي”  مذهلة وكأنها ليست من أهل كوكبنا أصلا…كما سيطرت على اجواء الشريط كيمياء تفاعلية  بين البطلين الرئيسيين وبين جميع أبطال الشريط الآخرين بلا استثناء لا يمكن تجاهلها، لأنها أضفت عمقا وجاذبية لمشاهد الأحداث وعلى الحوارات، قل ما حظينا بها في مثل هذا النمط الغريب من سينما الرعب والتشويق، لذا فاني استغرب ضعف علامة الفيلم في موقع “التوماتو” السينمائي الشهير التي كانت حول الخمسين، فيما اعطيه  أنا كناقد مستقل علامة لا تقل عن الثمانين.