الأرشيفالجاليات والشتات

في رحيل المناضل أبو جهاد – إنها تنتظرك، عادل سمارة

(2) المثوى الأخير… في «اليرموك»

وارتحل أحمد جبريل القائد الغِواري الحقيقي بين مختلف الأمناء العامين والذي أقام في البلد الحقيقي للمقاومة، في الشام، ارتحلت وأنت مشتبك بالدور دوماً ولكن لحظة الرحيل خانها الاشتباك بالجسد. لم يُسعفك حظ عاندك دوماً رغم جاهزيتك. ربما خشي الرصاص منك فلم يتسنى لك الرحيل لتكون مشتبكاً بالجسد. لذا يليق بك قول المتنبي:

نُعدُّ المشرفية والعوالي…وتقتلنا المنون بلا قتالِ
ونرتبط السوابق مسرجاتٍ…وما يُنجين من خَببِ الليالي”
فأنت من استحق الاستشهاد على اسنّة الرماح.

ولكن المقاتل يحفزه الموقف والواجب ولا يُعطى اختيار الرعشة الأخيرة كيف وبماذا واين.
أحمد جبريل الرجل الذي لم يدفع لفلسطين اي مقاتل غِرَّاً ولم يطعم السجون متحمسين بلا كفائة. مجموعاتك قامت بأعظم العمليات الفدائية حيث كانت الأعلى تدريباً. كنت تُعدُّ منظمة حرب غوار لا منظمة سياسية أو أو إعلامية لأنك كنت ترى، وترى حتى مع ارتحالك بأن المشروع هو التحرير فقط لا المساومات ولا المفاوضات ولا الاستدوال، ولو كانوا جميعا مثلك لما كنا في ما نحن فيه! .. لذا عرفتك القلَّة، ولكنها ذات الرؤية. أنت ومن معك اصحاب عملية الطائرة الشراعية التي مهدت لانتفاضة 1987، لا أقل كما يزعم غيري أن فلانا فجرها، فهي عفوية تماما ويا ليتها بقيت عفوية. وأنت ومن معك كدتم تأسرون رئيس اركان جيش العدو 1982 لولا هليوكبتر العدو، وأنت معنا في مطار اللد 1967، وأنت وحدك، نعم وحدك الذي لم يخن الشهيد القذافي وبقي على كل الاحترام له بينما طعنوه الذين غمرهم بثروة الشعب العربي في ليبيا. وأنت وحدك الذي انتقد الحليف الإيراني ولا يفعل هذا غير الواثق من نفسه. فالغِواري لا يتذيَل ولا يُساوم.
بدأت وفياً ورحلت وفياً، ليس لفلسطين وحدها ولكن للشام فقاتل واستشهد مقاتلو منظمتك دفاعأ عن اليرموك وعن سوريا في وجه فلسطينيين وأتراكٍ وإرهابيي الدين السياسي! أليس عجيباً هذا؟

وإذا كان هناك من يمضي مرتاحاً فهو أنت.
في أمثالك قال أحمد حسين، الذي غطَّوا عليه كما عليك وأبرزوا من أبرزوا:

“نم في ثراك فلست أوَّلَ فارسٍ…قتلته أعين أرضه النجلاءُ”.

إنتظرتك وها أنت في رحمها كما أتيت.

كنعان

(2)
المثوى الأخير… في «اليرموك»

توفّي القيادي أحمد جبريل، «أبو جهاد»، الأمين العام ومؤسس «الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة»، في العاصمة السورية، دمشق، على أن يُوارى جثمانه في الثرى يوم غدٍ الجمعة في مقبرة الشهداء في مخيّم اليرموك.
وُلد جبريل في قرية يازور المهجرة – قضاء مدينة يافا المحتلّة – عام 1938، وهو متزوج وله أربعة أولاد وأربع بنات. درس المرحلة الثانوية في دمشق، وتخرّج من الكلية الحربية في القاهرة عام 1959. عُيِّن ملازماً ثمّ ضابطاً في سلاح الهندسة التابع للجيش السوري، حتى تسريحه من الخدمة عام 1963. انخرط في العمل الوطني أثناء دراسته الجامعية في مصر، ونشط في رابطة الطلبة الفلسطينيين، ثمّ أسّس «جبهة التحرير الفلسطينية» عام 1959، متأثراً بـ«جبهة التحرير الجزائرية»، واتّحدت جبهته مع حركة «فتح» عام 1965، قبل أن تعاود الافتراق عنها.
ساهم جبريل في تشكيل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» عام 1967 مع «منظمة أبطال العودة» و«منظمة شباب الثأر»، وعُيِّن قائداً لجناحها العسكري، لكنَه انفصل عنها ليؤسّس «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة» في عام 1968، والتي أصبح أمينها العام. عايش الثورة الفلسطينية في الأردن، ثمّ انتقل إلى لبنان، حيث شهد الحرب الأهلية، كما انخرط في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي عامَي 1978 و1982، فيما تمكّن عناصر جبهته من أسر الجندي الإسرائيلي أبراهام عمران عام 1978، والاحتفاظ بثلاثة جنود آخرين بين عامَي 1983و1985.
نفّذت «القيادة العامة» عدداً من العمليات العسكرية ضدّ أهداف العدو، منها عملية الخالصة قرب مستوطنة «كريات شمونة» عام 1974، على يد ثلاثة فدائيين من فلسطين وسوريا والعراق؛ وعملية قبية المعروفة بعملية الطائرات الشراعية الشهيرة عام 1987، والتي نفّذها أربعة فدائيين (فلسطينيان وسوري وتونسي)، واستهدفت موقعاً عسكرياً في مستوطنة «كريات شمونة». كما أشرف جبريل على إعداد وتنفيذ صفقتَيْن لتبادل الأسرى بين «القيادة العامة» ودولة العدو، وهما: النورس عام 1979، التي أُطلق بموجبها سراح 76 أسيراً فلسطينياً، في مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي؛ والجليل التي تُعدّ من أكبر صفقات التبادل عام 1985، وأُطلق بموجبها 1150 أسيراً فدائياً من بينهم الشيخ أحمد ياسين، والمقاتل الياباني كوزو أوكاموتو، في مقابل ثلاثة جنود من جيش الاحتلال.
ارتبطت سيرة جبريل بتحالفه الاستراتيجي مع سوريا وليبيا وإيران، وبصراعه الطويل مع قيادة «منظمة التحرير»، والذي وصل إلى حدّ المواجهة المسلّحة معها في لبنان، خصوصاً أثناء أحداث الانشقاق داخل «فتح» عام 1983، وفي حرب المخيّمات عام 1985، فيما ظلّ جزءاً من أغلب التحالفات الفلسطينية التي استهدفت معارضة نهج التسوية والمفاوضات الذي تبنّته «منظمة التحرير»، ومثّل جبهة الرفض عام 1974، وتحالف الفصائل العشر عام 1993. وفي العام الأخير المذكور، غادر جبريل لبنان إلى سوريا، وانتقل إلى إيران عام 1996، قبل أن يعود إلى سوريا عام 2002، وشارك في لقاءات المصالحة الفلسطينية، ووقّع على وثيقة المصالحة الوطنية المنبثقة عن اجتماع القاهرة عام 2011.
تعرّض لعدّة محاولات اغتيال واختطاف من قِبَل فرقاء في الساحة اللبنانية، ومن جانب مخابرات العدو، الذين أرسلوا طرداً بريدياً إلى بيته عام 1985، واختطفوا طائرة متّجهة من ليبيا إلى سوريا كان الاحتلال يعتقد بوجود جبريل على متنها عام 1986. وقد اغتال الاحتلال ابنه جهاد، قائد الجناح العسكري للجبهة، بتفجير سيارته في بيروت في لبنان عام 2002.
:::::
“الأخبار”