وقفة عز

في سوريا – نضال حمد

عرفت معنى السنوات الشبابية العشرينية ومعنى الانتماء لأمة واحدة سورية ولأمة واحدة عربية… عرفت ذلك يوم دخلت الى الحياة الشامية من باب مصلي وباب توما ومن باب المسجد الأموي الى باب مسجد العظم فكنيسة حناينا وكنيسة الزيتون والكنيسة المريمية. فسوق الحميدية وحي القيمرية والسور الروماني الى باب الجابية وسوق البزورية… ثم الى المزة وقاسيون والقزاز وساروجة وركن الدين والعباسين وأبو رمانة والمزة وبرزة وعش العصافير، فداريا والحجر الأسود والجسر الأبيض ومقام “ستي حفيظة” وشارع بيرنيه وساحة الميسات والمزرعة والزاهرة والميدان وحي الأمين والست زينب و”السيد أبو الكادحين”.. رفيق الزمن الثوري الفلسطيني العروبي والأممي الجميل في الجنوب اللبناني وعلى حدود شمال فلسطين.

دخلت الشام وعرفتها من بوابة المراهقة الصبيانية … هناك غرفت من بئر الذكريات والحكايات.

رويت ظمأي بمياه الفيجية وتعرفت على الغوطة والحمامات الشامية والبوظة العربية.

يومها قال لي صديقي إن مياه الفيجة تحيي الانسان وترطب الليالي الصيفية وتحلي الأمسيات التشرينية … آه منك يا سوريا ففي سوريا الثمانينيات ذقت طعم عسل الحياة وشعرت بالعروبة تتمشى معي وكما ظلي ترافقني على الطرقات وفي الأزقة وفي الحارات .

هنا دمشق عاصمة الحياة وبالقرب منها مخيم اليرموك قلعتنا الأبية، نابض كان المخيم نابضاً سيعود المخيم… كقلب سوريا التي احتضنتنا في النهارات والأيام الصيفية وفي الأمسيات والليالي الشتوية.

يوم كنت صبياً صغيراً زرت الشام فدخلت قلبي ولم تخرح منه. ثم عدت وزرتها مراهقاً، متكئاً على عكازة ايطالية بعد الاصابة بجراح على جبهة مخمي صبرا وشاتيلا في بيروت الغربية، المحاصرة والمستباحة في ظل صمت الأنظمة والحكومات العربية.

في دمشق ومخيم اليرموك أقمت كأنني في بيتي ومع أهلي…أقمت جريحاً، لاجئاً ومقاتلاً عربياً…

دمشق التي في القلب وعلى البال فتحت أبوابها لي وفتحت قلبي لها… أحببت فيها الناس وحياتهم وبيوتهم وحاراتهم وجلساتهم السورية العربية… أحببت فيها عبق التاريخ وعراقة الأمكنة وبساطة الحياة ونُبل الفقراء… ولم أحب فيها جشع التجار وبعض الأغنياء ولا سطوة جماعة من المغرورين والمتكبرين والمخبرين الذين كانوا ينتشرون في كل مكان وزمان إلا في الزمان والمكان المناسبين.

لسوريا أو سورية مثلما لفلسطين مكانها في قلبي ولها أمانة الوفيّ والانسان الأمين المبدئيّ.. ووفاء لا يَنضب وانتماء لا يَغرب .. لسورية تحية… تحيا سوريا.

نضال حمد

٣١-١-٢٠٢٣