الأرشيفعربي وعالمي

في وَصف الهامِش: “فيلِم أمريكي طَويل” – محمد كناعنة

” المُجرم شَخص كَغيرهِ منَ الناس والفَرق فَقَط أنَّهُ تمّ القَبض عَليه مُتَلَبساً ”
جورج برنارد شو

محمد بوعزيزي أحرقَ نفسَهُ بِنَفسِهِ، (ولكنَّها ليسَت يَدهُ التي أشعَلت النار) في السابع عشر من ديسمبَر عام 2010 في مدينة سيدي بو زيد في تونس للتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها بحق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ وقالت له: (بالفرنسية: Dégage) أي ارحل، وكانت شعار الثَورة ضد نظام زين العابدين بن علي، والمعروف أن الشهيد البوعزيزي كانَ بائِعًا يبحثُ عن قوت يومهِ على عربة في منطقة البلدية، الشُرطية التونسية التي صَفعَتهُ قد تكون هي من يتحمل المسؤولية عن إحراقهِ لِنفسَهُ بعد أن أهانتهُ أمامَ المَلأ ولكنَّهُ كانَ قد فقدَ مصدر رزقِهِ ومكانَ عَملهِ الوَحيد، لا حرية ولا ديمقراطية ولا عَمل وفوقَ هذا وذاك لا كرامة للإنسان، تحتَ نظام وظيفي قامِع مدعوم من الغَرب الأوروبي “الحَضاري”، مَن المُجرم هنا؟ فادية حمدي أم زين العابدين بن علي أم رئيس البلدية وكَم من المُتهمين قد يكونوا في هذه القضية، ولكن ما هو دور الإمبريالية العالمية وأدواتها القَمعية من البنك الدولي وبنك التجارة العالمي ومؤسسات الرأسمال المالي العالمي، ما هو دور أمريكا وبنوكها وحلفاءها في الخصخصة في تونس وسياسة إفقار الناس وربطهم بعجلة السُلطة وقَمع حرياتهِم وإغراقِهم في الفقر والذل والهَوان من قبل النظام وأدواتهِ البوليسية القمعية، فَكانَت شَرارة سيدي بو زيد وجَسَد محمد البوعزيزي المُحتَرق بنارِ الإمبريالِية وَسياساتِها هي المُحَرّك للشَعب وَقواه الحَية في إشعالِ فَتيلِ الثَورَة على النظام الفاسِد.

محمد أبو خضير الطفل الشَهيد إبن القُدس أُحرِقَ حَيًا هو الآخر على أيدي عِصابات المستوطنين، المشروع الصهيوني برمتهِ هو مشروع إستعماري إحلالي، وَمنذُ بدايةِ نُشوءِهِ في أجواء اللاسامِية في أوروبا وَتَطوره في أحشاءِ الإستعمار الأوروبي وَمنذُ ولادتِهِ في رَحم مَوازين القُوى بينَ الإمبريالية العالمية وعلى رأسها أمريكا والإتحاد السوفييتي في حينهِ، وعلى إثرِ ذلك تَشَكَّلَت دَولَة “داعِش” الصهيونية.

مَن أحرقَ الشهيد محمد أبو خضير كانوا دواعش الصهاينة، فما الفَرق -غير التفاصيل البشعة- بينَ حرق أبو خضير وحرق أطفال قانا في “عناقيد الغَضَب” بقيادة “رجل السلام” أو حرق أطفال غزة، وكانَت إنتفاضة القُدس المجيدة والتي أشعلَت شرارتها بلدة شعفاط قد فجَّرت في وجه العالَم إنتفاضة الشعب الفلسطيني وإن بقيت محدودة، وكانت الصَرخة ليسَ في وجه الإحتلال فقَط، وإنَّما في وجه صاحب التنسيق الأمني المُقَدَّس رئيس سلطة أوسلو محمود عباس أبو مازن وأجهزتهِ وسُلطَتهِ.

معاذ الكَساسبة الطيار الأردني الذي أعلن تنظيم داعش الأمريكي عن إعدامِهِ حرقًا، هذا المَشهَد البَشع والمُقَزِّز حَدَّ الغثيان، وهي فرصة تضاف لألاف الفُرص التي تستدعي الغَضَب على حالَةٍ وصلَ لها حالُنا، الطيار الأردني كما الصَحفي الأمريكي كما المُصَور الياباني صُور بَشِعَة لا وَصفَ لها في القتل والتلذُّذ بهِ، هؤلاء جميعًا ضَحايا، الكساسبة كانَ يستقل طائرة أمريكية الصُنع ويُشارك في حملة كَونية بشعارها ضدَّ داعش وهي أساسًا ضدَّ الدَولة السورية، ونحنُ نعلم جيدًا مدى تورُّط الأردن في الملف السوري، وأمريكا والغَرب هم من صَنعوا داعش والقاعدة، درَّبوا ومَوَّلوا وسَلَّحوا وما زالوا، وَليسَ هُناكَ ما يُبَرِّر هذا الأسلوب في القتل والذَبح والحَرق لا لصحفي ولا لِمُصَور ولا لِطيار، عربي أم أجنبي مُسلم أم مسيحي أم بوذي، هذه الثقافة هي ثقافة الغرب المتوحش، (ولا ننسى التاريخ الدَموي لبعض الفرق في الدولة الإسلامية منذُ الخلافة الراشدة وحتى العثمانيين من تعليق الرؤوس المقطوعة على بوابات المُدن من الكوفة والمدينة حتى بغداد ودمشق) ألَم نرى كيفَ عُلِّقت رؤوس الهنود الحُمر في أمريكا على أيدي المُستَوطن الأبيض المُتَحضّر، المجازر في أفريقيا والقتلى بالملايين على أيادي العصابات المُمولة من الغَرب، هل نَسينا مَجزرة عين الزيتون قرب صَفد عام 1948 وحرق الناس في الطابق العلوي للمسجد أحياء، هل نسينا مجزرة الدَوايمة ودير ياسين وغزة الأولى والثانية والثالثة والخمسين و……!

إذن، هل يَمتَلك الأردُن الرَسمي الجُرأة على تغيير، أو على الأقل تعديل أولوياتِهِ على صَعيد تدريب عناصر “المُعارضة” السورية والمُحاباة مع الجماعات التكفيريّة التي رَعاها الأردن رَسميًا مُنذُ سَنوات وَمَوَّلها بمشاركة ومبارَكَة امريكا، وهل يغيير الأردن الرسمي من مواقفهُ تجاه مُعاداة المُقاومة والإرتماء في أحضان الكيان الصَهيوني، لا، لا يمتلك هذه الجرأة ولن يَفعل غَير ما تُمليهِ عليهِ مُهمّاتهِ الوَظيفية في المَنطقة بِحَسبِ مَصالِحِ الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا يَتَحرّك إلا بِهاتِف مِن رَئيس ال C I A.. وهُنا يُثار السُؤال: لماذا الآن قَرَّرَ الأردن إعدام المتهمين بتفجيرات عام 2005؟ هل حقًا داعِش ترمي من إعدام الطَيار الكساسبة إثارة الشَعب على النظام والزحف لإنتزاع السلطة هناك؟ ولن يتأخر الوَقت الذي نسمع فيهِ تفاصيل أكثَر عن إرتباط هذه الجماعات الخفي والمُستَمر مع أجهزة الإستخبارات الغربية، بعدَ أن إتضَحَت الصورة بجلاء عن تشكيلها من قبل هذه الأجهزة التي تعلن اليَوم “الحرب” عليها.

الأمبريالية العالمية والإستعمار وعلى رأسهم رأس الأفعى أمريكا وأذنابها من إسرائيل وحظائر الخليج هي المسؤولة عن قتل الطيار الكساسبة والمصور الياباني والصحفي الأمريكي وعن حرق محمد أبو خضير وعن جرائم الصهيونية في فلسطين. نقطة أول السَطر.

هُناكَ مُجرِم آخَر لَم يُلقَى القَبض عَليهِ حَتى الآن، وَهو يَترَبّع في رُؤوسِنا، يُسمى عِندَ الحَضَر بالعَقل، إذا كانَ هذا غائبًا أو هاربًا منَ المَعرَكَة فَيَجِب إلقاء القَبض عَليهِ وإحراقِهِ حيًا لأنَّهُ عَقلًا داعِشيًا بإمتياز.

يُتبَع..

اترك تعليقاً