الأرشيفثقافة وفن

قصص قصيرة جدا من زمن الكورونا – رشاد أبوشاور

-1

نواح:

نواح سيارة الإسعاف مقلق. أهناك أحد ظهرت عليه أعراض الكورونا واستغاث بمستشفى ما؟!

أنا أنفر من نعيب سيارات الإسعاف!

لا أظن أن أحدا يرتاح  لنعيب سيارة الإسعاف ونواحها المتقطع الداهم …فصوتها يخترق، يملأ الفضاء منذرا موحيا بأن ثمة من يكاد الموت يفترسه، ولابد من انقاذه قبل أن تجتاحه الكورونا المميتة.

وقفت عل الشرفة فرأيت سيارة الإسعاف تندفع وخلفها سيارة عسكرية..وهما تتجهان مسرعتين إلى حي (أبو عليا) شرقا.

السيارة العسكرية ينبثق من سقفها عسكري على وجهه قناع.

غاب نعيب سيارة الإسعاف برهة..ثم انفجر صوتها مرعبا موتّرا..وهي تمرق وتختفي بلمح البصر..أهناك من يموت في جوفها؟!

ييبدو أنها انتشلت المصاب واندفعت عائدة به إلى المستشفى. أهو مصاب بالكورونا؟

قررت أن لا أتوجه إلى الشارع، أو السوبر ماركت، بعد رفع الحظر..فأنا لا أريد أن تخترق أنفي وصدري فيروسات الكورونا.. ثم أحمل وأدس في جوف سيارة إسعاف تنوح وهي تنقلني إلى المستشفى.. ثم تنوح وهي تحملني  لترميني في حفرة يلتف حولها أشخاص مكممون لا أعرفهم..سيهيلون على جسدى ترابا ثقيلا في حفرة عميقة للتأكد من عدم قدرة جسدي على نشر فيووسات الكورونا التي تهدد حياة الآخرين.

سيحرمونني من نواح زوجتي على جثماني بلوعة..والدعوات الصالحات التي يلهج بها الملقن فوق كوم التراب الذي يواري جثمانيز

يا له من موت مخيف موحش في زمن ال..كوفيد 19.

-2-

الشوارع حزينة ومستوحشة

يبدو الشارع المعبد بالزفت واجما.

السيارات اختفت مع بدء ساعة حظر التجول.. والناس اختفوا.

الشارع  الذي كان يعاني من صخب الزحام والاكتظاظ

فجاة اختفى من كانوا لا يتركونه ليرتاح ليلا أو نهارا.

أتراه يفتقدهم وجه هذا الشارع؟! أتراه يشتاق للعجلات وهي تهرس وجهه الإسفلتي؟!

تحت السماء الرمادية ونثيث ألأمطار التي تشتد أحيانا

جرت على وجهه جداول صغيرة..وعلى حافتيه جداول شبه موحلة.

كأن الشارع المعبد بالإسفلت الأسود يبكي ويرتجف.

اتراه يفتقد العجلات التي كانت تبعث الحرارة في بدنه وهي تمر فوقه؟. أتراه يفتقد أصوات العابرين التي كانت تسليه طيلة الوقت؟

ما الذي حدث حتى هجم هذا الصمت؟..أين راح لناس و..سياراتهم؟

هل لهذا تم تسويد وجهي بالزفت، وحقني بكل هذا الحصى الخشن والناعم ؟!

الكرورنا..يا لها من لئيمة: لقد حرمتني من مهمتي!

هذا ما هُئ لي أن الشارع يهمس به باثا شكواه للاأحد!

-3-

صُراخ

مكبرات الصوت تضج آمرة بصوت أجش عريض متقطع:

يحظر التجوّل بأمر ..الخ.

لم يعتد الناس على الحرمان من التجوّل..لذا صعدوا على الأسطح، وتلاصقوا متزاحمين على الشرفات، وتساءلوا: إلى متى؟!

أمر الدفاع يجب أن يطاع.

هذا ما فهموه..وفيه حفاظ على صحتهم.

بعد ساعات..والصمت قد ساد تماما..والليل قد هبط..والسواد شمل البيوت والشوارع..ارتفعت أصوات بعيدة..جاوبتها أصوات قريبة، فخرج كثرون..وأرهفوا سمعهم، ثم لما عجزوا عن فهم شىء من كلمات الصراخ..انفجروا في صراخ ملتاع..وبدأت أمواج الصراخ تنداح في فضاء المدينة الأسود الكثيف الغيوم..ثم تلاشت الأصوات، وأغلق الناس نوافذ بيوتهم، وجلسوا صامتين أمام شاشات التلفزيون..وبعضهم انخرط في الدعاء والإبتهال..علّ الله يرحم عباده ويرفع البلاء..آآآآآمين.

-4-

مكالمة

رن هاتفه:

حبيتك بالصيف

حبيتك بالشتي

صورة خطيبته على الشاشة. تنهد في الهاتف لتسمعه علّها تدرك أنه في حالة نفسية رديئة:

  • مشتاق لي؟
  • مش عارف!
  • طيب: انا مشتاقة لك…
  • أنا خائف!
  • على حالك؟
  • لا عليك أنت..فأنت تعملين في مكان مزدحم.

صمت..وتنهدات!

  • متى سا..نتزوج؟
  • الأعراس ممنوعة .أتريديننا أن نتزوج بدون عرس..وفرح..وغناء..ورقص؟!
  • جاءتك الكورونا حجة لتتهرب!

صمت.

أغلقت هاتفها فعرف أنها زعلت..كالعادة..عندما تسمع جوابه.

تساءل: ماذا تفعل الكورونا بنفوس المحبين؟ يبدو أنها تصيبهم باضطرابات غير ارتفاع الحرارة والسعال والشعور باختناق الرئتين..ولذا لا علاج لهم إلا…!