الأرشيفوقفة عز

قهوة أمي عربية وسماوية – نضال حمد

ذات صباح وخلال زيارة لعائلتي في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صيدا عاصمة الجنوب اللبناني. جلست في ساحة دارنا أتأمل مكاناً أمامي كنا في طفولتنا نسميه “الحاكورة” يعني الحديقة الصغيرة ضمن دارنا. فقد كانت في ذلك الوقت تضم ٣ شجرات تين ودالية عنب وشجرة ماندارينا أو كلمتين أو يوسف أفندي… كذلك بعض الخضراوات المزروعة هناك بالإضافة للورود. كما كان لدينا زوج حمام حتى وقت طويل..

في طفولتي كنت اقوم بتربية فراخ الصيصان الصغيرة الصفراء اللون… في ذلك الوقت كانت تربية الصيصان من الأمور الدارجة بين أولاد المخيم.

عندما كبرت الصيصان  قام قريب لي بذبحهم بناء على طلب والدي. يومها انتفضت وقاومت ورفضت ولعنت الذي قام بذبحهم.. بالنسبة لي أنا الطفل الصغير في ذلك الوقت اعتبرت أن ذبحهم والتهامهم جريمة… وأذكر أنني بكيت بحرقة وكأنني فقدت جزءاً من جسدي أو واحداً من أحبتي.

كما تحضرني الآن قصة عن ملصقات للشهداء الفلسطينيين كنت أجمعها في طفولتي وعندما أصبحت كمية تلك الملصقات الورقية كبيرة ولم يعد هناك مجال للاحتفاظ بها في المنزل الصغير والضيق، الذي كان يضم ثمانية أفراد. قمت بحفر جورة في الحديقة قرب شجرة التين دفنت فيها الملصقات كأنني كنت أقوم بدفن الشهداء من جديد في مقبرة جديدة.

بينما أنا غارق في ذكرياتي الطفولية المنزلية المخيمية حضرت والدتي تحمل صينية

وضعت عليها ركوة قهوة عربية وفنجانين مزركشين عربيين، واحد لها والثاني لي. ارتشفنا قهوتنا وتحدثنا قليلاً ثم دخلت الى الغرفة المجاورة حيث كان أبي يرقد على سريره يدخن سجائره العربية (الهيشة) المصنوعة من التبغ العربي السوري كما أخبرني بنفسه.

فنجان القهوة كان أمامي على الطاولة الصغيرة حين لفت انتباهي انعكاس السماء والضوء في القهوة والرغوة. بقيت أتأمل بانوراما القهوة الساحرة والساخنة، ثم تناولت هاتفي النقال وأخذت التقط الصور التي ظهرت كأنها لوحات مرسومة بطريقة فنية جميلة.

في هذه اللحظات ومن منفاي البعيد في أوروبا أضع أمامكم فنجان القهوة العربي السماوي الذي اعدته لي أمي والذي صورته بنفسي لأنه سحرني.. وبنفس الوقت أقوم الآن بارتشاف قهوتي الغربية وأنا أشاهد نشرة أخبار مكررة كل يوم.

نضال حمد

٢٠-١-٢٠٢٣