الأرشيفعربي وعالمي

كوكب العرب – محمد سيف الدولة

حين ينبهر البعض بدرجة التقدم العلمي في أي دولة كاليابان على سبيل المثال، فانهم أحيانا ما يستخدمون تعبير (كوكب اليابان) ككناية لوصف ابداعا او اختراعا جديدا بأنه يفوق الخيال ولا يمكن ان يكون من صنع بشر مثلنا.

وفى هذا الحديث عن (كوكب العرب) كناية مشابهة، لان أحوالنا هى الاخرى قد فاقت الخيال وخرجت عن حدود العقل والمعقول، ولكن ليس بسبب تفوقنا العلمى كاليابان أو غيرها، وانما بسبب تفريطنا غير المسبوق فى حقوقنا ومصالحنا وقضايانا وامننا الوطنى والقومى، مقارنة بباقى دول وأمم العالم التى لا تزيد عن امتنا الكريمة أصالة وعراقة.

فعالمنا العربى ربما يكون هو المنطقة الوحيدة فى العالم التى قرر حكامها رفع الرايات البيضاء وتسليم مفاتيح أوطانهم ومقدراتها وامنها لأشد الدول عداء لنا، بدون معارك وبدون ان تلحق بهم هزائم كبرى كالتى لحقت بدول مثل المانيا واليابان فى الحرب العالمية الثانية، وذلك بالمخالفة وعلى النقيض تماما مع كل بديهيات وأسس وقواعد الدفاع عن الاوطان وعن استقلالها وسيادتها، التى وصلت اليها البشرية عبر الاف السنين وصاغتها مبادئ وثوابت ودساتير وقوانين ومواثيق واتفاقيات دولية.


أما مناسبة طرح هذا الكلام فهى المقارنة البسيطة بين ما نشاهده اليوم فى الصراع الغربى/الروسى حول أوكرانيا وبين احوالنا فى الوطن العربي؛ فلقد اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية ان قيام روسيا بغزو اوكرانيا التى تبعد عنها ما يزيد عن 9000 كيلومتر هو تهديد للأمن القومي الأمريكي. واعتبرت روسيا بدورها ان انضمام اوكرانيا الواقعة على حدودها لحلف الناتو هو خط احمر، ثمن تجاوزه هو قيامها بغزو اوكرانيا واحتلالها.

أما نحن فى كوكبنا المتفرد، فان دولنا تلتزم الصمت تماما منذ ما يقرب من نصف قرن على وجود (اسرائيل) فى القلب منها وعلى حدودها، وعلى توسعها المستمر واستيلائها على مزيد من الاراضى العربية فى فلسطين وسوريا، وعلى فرضها قيودا امنية وعسكرية على دول الجوار، وعلى عربدتها فى السماوات العربية لقصف ما تشاء من اهداف ومدن عربية، وعلى امتلاكها لترسانة اسلحة تفوق تسليح الدول العربية مجتمعة، وعلى انفرادها بامتلاك السلاح النووى، وعلى اصدارها فرمانا بتحريمه على ما عداها من دول المنطقة، وأخيرا وليس آخرا على تحولها، تحت أعيننا وابصارنا، الى الدولة الاقليمية العظمى فى المنطقة التى يهابها الجميع ويعملون لها ألف حساب، رغم ان تعدادها لا يتعدى سبعة ملايين يهودى صهيونى وسط محيط يقرب من 450 مليون مواطن عربى.


ويا ليت الدول العربية قد اكتفت بالتزام الصمت، بل اخذت فى السنوات الاخيرة تدعم دولة الاحتلال وتضخ فيها مزيد من عناصر القوة والثراء والتقدم، من اول الهرولة والتسابق للاعتراف بشرعيتها الباطلة والتنازل لها عن ارض فلسطين التاريخية، الى آخر التطبيع المتصاعد معها فى كل المجالات والذي وصل الى درجة التحالف العسكرى والمناورات المشتركة التى شهدناها مؤخرا.

ان دفاع البشر عن أنفسهم وحياتهم ووجودهم وأمنهم واوطانهم ودولهم، فى مواجهة كل ما يتهددهم، هو غريزة فطرية لا تقتصر على انسان دون آخر ولا على الدول الكبرى دون الصغرى او القوية دون الضعيفة، فحتى أضعف المخلوقات قد أنعم الله عليها بأسلحة للدفاع عن حياتها وسلامتها.


هذا ليس حديثا عن الأشرار والأخيار أو الوطنية والخيانة او التطرف والاعتدال او المقاومة والموالاة، بقدر ما هو حديث عن بديهيات وثوابت وعقائد ومنطق كل الأسوياء من أمم وشعوب ودول العالم.


القاهرة فى 17 فبراير 2022