بساط الريح

كيف تواصلون حياتكم العادية بينما غزة تدمّر، وأهلها يُقتلون؟! – رشاد أبو شاور

 

المسرحي البريطاني العالمي الكبير بيتر بروك طرح سؤالاً على ممثلين مميزين ثقافيا وإبداعيا، اختارهم لتقديم مسرحية غير تقليدية عن الحرب الأمريكية العدوانية الوحشية على شعب فيتنام، انطلاقا من السؤال المحوري: كيف تواصل حياتك اليومية بينما هناك شعب تدمر حياته في فيتنام؟!

كان على الممثلين والممثلات أن يعبّروا بأجسادهم عن معاناتهم، عن ألمهم، عن مشاعرهم الإنسانية، عن رفضهم للوحشية الأمريكية، لينقلوها لمشاهدي المسرحية، بحيث ينتقل المشاهدون من حالة السلبية إلى حالة تفاعل يخرج المشاهد من السلبية، ويعيده إلى إنسانيته الرافضة للامبالاة، والتبلّد، والحياة الأنانية غير المعنية بمعاناة الأخوة في الإنسانية.

النص الذي تبلور بعد أشهر من التدرّب المنهك للجسد والنفس، لبلوغ  الإجابة المقنعة فعلاً بمشهدية مسرحية قليلة الكلام…

نقل المسرحية إلى العربية الناقد الراحل الصديق فاروق عبد القادر، وأعيدت طباعتها أكثر من مرّة، مع مقدمة طويلة للمسرحي الكبير الذي روى للقراء رحلته مع إعداد الممثلين ليقدموا إجابة ترتقي إلى مستوى السؤال الإنساني الكبير.

عنوان المسرحية هو us ويمكن تأويله إلى: نحن..أو: نحن والولايات المتحدة الأمريكية.

وسائل التواصل في العالم تطورت عمّا كانت عليه إبان الحرب على فيتنام، فالفضائيات تزحم الفضاء، ووسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف الذكية..جعلت العالم ( قرية واحدة)، كما يقال، في زمن( العولمة)..مع إن مصطلح( العولمة) لا يحيل إلى عالم إنساني واحد تسوده علاقات الود والعدل والسلام.

في عالمنا المعاصر يذبح الفلسطينيون على الهواء مباشرة، وتنقل مشاهد دمار البيوت على رؤوس أهلها، وتمزق أجساد ألأطفال وهم يلعبون الكرة على الشاطئ بين غارتين تشنهما أحدث الطائرات الأمريكية، وبأشد الصورايخ الخارقة المدمرة لبيوت الغزيين!

ينبض السؤال داخل رأسي، وأوجهه صباح مساء لكل المواطنين العرب، في مشرق الوطن العربي الكبير، ومغربه: كيف تعيشون حياتكم، وكأن شيئا لا يحدث، بينما يذبح أهلكم في مدن، وبلدات، ومخيمات قطاع غزة؟!

ولأن الأسئلة تتوالد فإنني أواصل طرحها في داخلي، لأنني لا أملك القدرة على توصيلها إلى مئات ملايين الموطنين العرب، بكل شرائحهم الاجتماعية، ومستوياتهم الثقافية، وأفترض أنها لا تحول بينهم وبين التأثر بما يشاهدونه على الفضائيات، إلاّ إذا كانوا يشيحون بنظرهم عن تلك المشاهد، ليستمتعوا بالمسلسلات التركية، والعربية، والهندية المدبلجة؟!

كيف يتأثر ملايين البشر في العالم، وينتفضون احتجاجا على الوحشية الصهيونية، ويتدفقون بالألوف في شوارع باريس، ولندن، ودول أمريكا اللاتينية، وأوربة الغربية، ويقيمون المهرجانات، وحملات التبرع لغزة، بينما ملايين المواطنين العرب في حالة ركود، وهذا أقل ما يقال، إلاّ من بعض الحراكات الاحتجاجية الخجولة، والمعزولة، وغير المؤثرة؟!

ولعلي أسأل، وأنا لا أيأس من جماهير أمتنا العربية: متى إذا سينفجر الغضب العربي الذي تتساءل عنه أغنية تردد بقهر:

وين الملايين؟! الغضب العربي وين؟

أليس من واجب المثقف العربي أن يسأل ويجيب؟

ولكن: أين المثقف العربي الذي تهز غزة ، وتضحيات فلسطينييها، وجرائم العدو الصهيوني..ضميره، وتدفعه للفعل بالكلمة الشجاعة المقدامة؟!

بيتر بروك المخرج البريطاني الكبير الإنساني طرح سؤاله على البشرية جمعاء، وتقدم إلى خشبة المسرح، ومن فضاء المسرح أطلق سؤاله لينداح غضبا وصراخا في وجه العدوان الأمريكي الوحشي على فيتنام، فماذا أنت فاعل أيها المثقف العربي والجرح جرحك، والمصاب وطنك..أم إن غزة ليست وطنك، وشعبها ليس بعض شعبك؟!

* ناس غزة ينهضون من تحت الدمار، ويلملمون أشلاءهم، ويطرحون السؤال على البشرية جمعاء، وفي مقدمتها أهلهم العرب…

اترك تعليقاً