الجاليات والشتاتوقفة عز

لطفي طه على شارع زينون اليه في برلين – تقرير نضال حمد

وداعاً لطفي طه ابن مخيم عين الحلوة وفلسطين وبرلين 

لطفي طه خيال شارع العرب في برلين 

بقلم نضال حمد

 
لطفي العائد الى شارع العرب في برلين بعد غياب سنتين ونيّف ..

بدت عليه ملامح التقدم في العمر وتأثيرات الإصابة التي تعرض لها في أثناء إيقافه من قبل شرطة برلين قبل سنتين، حيث تعرض للضرب المبرح مما تسبب في كسر بساقه. وبالإضافة لمرض السكري الذي يلازمه، كذلك فإن شيئا ما تسبب بالتهاب حاد في عينه اليمنى.

 

رغم فقدانه للموتور السابق الذي عرفناه وشاهدناه على شارع الزينون أليه أو ما يعرف بشارع العرب في منطقة نيكولن في برلين. رغم فقدانه له وبما كان لديه من الأعلام الفلسطينية والصور والملصقات، إلا أن عزة نفس لطفي ابن مخيم عين الحلوة في لبنان، المقيم منذ زمن طويل جداً في عاصمة الرايخ الألماني، زمن الفدائي الأول، الذي تحول الى لاجئ في شتات العالمين العربي والغربي… عزة نفس لطفي وانتماؤه الوطني وحسه العالي، حس الفدائي الذي لازال يرى الثورة بعينين من سنوات الستينات والسبعينات من القرن الفائت، يراها مع الشهداء والأسرى والجرحى والتضحيات، والأسماء التي اغتيلت أو أبعدت. ويراها كذلك وللأسف مع الذين تسلقوا على جماجم وعظام وشواهد قبور الشهداء، ليصبحوا قادة وما هم إلا قادة مصادفة أوصلوا القضية الى الجحيم التصفوي والتفاوض القسري.

 

لا يمكن لمن يسير أو يعبر شارع زينون أليه البرليني المكتظ بالعرب والمتاجر والمطاعم والمقاهي العربية، إلا أن يرى لطفي على موتوره المزين بالأعلام الفلسطينية وأعلام لبنان وألمانيا وسوريا و حتى تركيا. وكذلك بصورة للرئيس الراحل ياسر عرفات، وأخرى للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وحتى راية حزب الله …

يعبر لطفي الشارع المذكور عشرات المرات يوميا جيئة وذهابا ومن أوله الى آخره … ويحرص دائما على اطلاق الأغاني الثورية الفلسطينية القديمة والجديدة من آلة تسجيل ثبتها على موتوره الصغير. فتصدح أغاني: طالعلك يا عدوي طالع، وطلّ سلاحي من جراحي … و يا جماهير الأرض المحتلة .. وأنا يا أخي .. والخ .

توقفه شرطة برلين تقول له يجب إزالة هذه الأعلام عن الموتور وعن رأسه، حيث ينشر على طاسة عسكرية فوق رأسه 15 علماً فلسطينياً صغيراً، بالإضافة لعلم لبناني وآخر برليني وثالث ألماني … وحوالي مائة علم فلسطيني حجم صغير معلقة على الموتور … يرفض لطفي طلب الشرطة رفضاً قاطعاً ويواصل مشاويره اليومية غير آبه بهم … 

 

يعترضه شرطي آخر يبدو أنه جديد في سلك الشرطة بالمنطقة العربية من برلين، ولم يسبق له التعرف على لطفي ( خيال ) شارع زينون أليه …

 

يقول له أين رخصة القيادة؟ 

يرد لطفي على الشرطيّ : أنا أسوق بلا رخصة …

يتعجب الشرطيّ ويسأله: كيف تقود بلا رخصة؟ …

 

يذكره لطفي ببند في القانون الألماني يقول أنه من حق أي شخص مولود قبل سنة 1965 أن يقود ( موتور) دراجة خفيفة بدون رخصة قيادة …

يخرسه … و يسجل انتصارا معنويا على الشرطي يهم لطفي خيال وحارس شارع زينون أليه على الصعيد الشخصيّ.

6-8-2018

 

لطفي طه على شارع زينون اليه في برلين – تقرير نضال حمد

على شارع زينون إليه في برلين وفي عجقة الأجواء العربية وحيث كنا نتناول المناقيش بالزعتر والجبنة والبندورة والزيتون والشاي بالنعناع..

على رصيف يشبه أرصفة الشوارع الفلسطينية والبيروتية والشامية، لفتت انتباهي دراجة نارية مرسوم عليها علم فلسطين، كانت متوقفة أمام المطعم.

سألت صديقي عبد خطار (أبو أمين) الذي دعاني وشقيقه لبيب (أبو حسن)، لتناول صحن فول مع زيت الزيتون في فرن المدينة ووافقت، لكني عدت ورفضت الفول مفضلا وبناء على رغبتي تناول المناقيش، اعتقاداً مني بأن أكل الفول يجعل الإنسان كسولا.

 

اعتقاد تركته التجربة مع الفول في بلادنا وبلاد الشتات. فأن أتناول صحن فول منذ الصباح قد يضيع علي عمل ونشاط يوم كامل ، بسبب ما يتركه من إرهاق و نعاس.

سألت صديقي أبو أمين عن (الموتور) أو الدراجة النارية، فقال لي أنظر أمامك وستجد الجواب. فعلا رأيت على الطاولة التي كانت أمامنا ثلاث شبان تبين أنهم من أبناء جلدتنا، يعني من أرض كنعان، يعني من فلسطين، وكذلك لاجئين من مخيمات لبنان. أحدهم كان يرتدي خوذة عسكرية، طلاها بألوان العلم الفلسطيني، وكتب عليها شعارات وأسماء مثل ياسر عرفات، أبو عمار، صدام حسين، أبو عدي، (بي أل او) أو منظمة التحرير الفلسطينية ، قوات العاصفة …
الخ ..

 

كان هذا الشخص الذي ذكرني بمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية أيام الفاكهاني وأخواتها، يأكل المناقيش بزعتر وجبنة مثلنا تماما، ولم يكن ينقصه سوى مسدس يضعه على خصره وبندقية كلاشينكوف على كتفه.

فبقية الأمور كانت موجودة من الكوفية ، الى العلم والشريط الملون بألوان الكوفية الفلسطينية الذي كان يلف جبهته، بالإضافة لكوفية مرقطة حول رقبته وعلى صدره، وبلوزة عليها صورتان لياسر عرفات وصدام حسين. كان بكامل تجهيزا

ته (الزونين اليهية) – نسبة لشارع (زونين إليه)- العربي في برلين.

طلبت من صديقي أبو أمين أن يسأله إن كان بإمكاني تصوير الدراجة، فسرعان ما جاء رد الرجل بالإيجاب طالبا تصويره هو أيضا بعتاده ولباسه وناقلته المتحركة لكن بدون “دوشكا” أو مدفع 106. فعلت ذلك فورا وبلا تردد. لأن الأمر مثير وغريب فعلا، فأن تجد مثل هذا الأمر في عاصمة أوروبية تسيطر عليها الحركة الصهيونية ليس شيئا عاديا. التقطت بعض الصور للرجل ولدراجته، وله وهو يرتب نفسه جيدا للصور، تارة يرفع شارة النصر وتارة يكشف عن صدره وصورتا صدام وعرفات، وتارة أخرى يؤكد على الشعارات المكتوبة على خوذته. لقد كرر عدة مرات رفع شارة النصر والكشف عن البلوزة التي يرتديها تحت سترته بسبب البرد طبعا، هذا قبل أن يوافق على طلبي ويسمح لي بنشر صوره والتعليق عليها في موقع الصفصاف وفي فيس بوك موقع الصفصاف.

 

منذ تلك اللحظة أصبح لدي فضول بمعرفة المزيد عن هذا الرجل .

قام بطلنا بتوديعنا ومضى ومضينا نحن بدورنا نتسكع على شارع زونين اليه أو شارع العرب في برلين، بانتظار لقاء سيجمعنا مع بعض الأصدقاء القادمين من مدن ألمانية أخرى، ومن دول أوروبية مختلفة، للمشاركة في اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الجاليات والفعاليات والمؤسسات الفلسطينية في الشتات – أوروبا.

 

بعد تناولنا الطعام في مطعم (أكروم) على نفس الشارع المذكور، وعند توجهنا الى مقهى أم كلثوم لأخذ الشيشة تفاجئنا بأن المقهى تعرض لحريق بسيط وكان عماله يقومون بتنظيفه، فتركناهم يفعلون وذلك وتوجهنا الى مقهى السلطان، حيث على الطريق التقينا في طريقنا بأبي صالح ابن مخيم عين الحلوة، القادم من غرب ألمانيا الى حنينه الأول برلين. مضينا معا وأيضا برفقة نزار سويدان ابن مخيم البداوي الى مقهى السلطان.

 

على الرصيف أمام المقهى توزعت الاراكيل على المدخنين، ففاحت رائحة التفاح والعنب بعدما أخذنا نأركل. في خضم حديثنا وأركلتنا وصل الرجل الأعجوبة من جديد ولكن على دراجة نارية جديدة، أخرى مختلفة قليلا، غير التي كانت معه في اللقاء الأول. شاءت الصدف أن رفيقنا أبو صالح يعرف الرجل خير المعرفة، ليتبين أن هذا الشخص من مخيم عين الحلوة – مخيمي أنا أيضا- ويدعى (أبو طه) ومضى على وصوله الى برلين نحو 40 سنة.

 

بدأ أبو طه بالحديث عن نفسه وأخذ يقص على مسامعنا قصة حياته مع (فتحية) … في البداية ظننا أن فتحية تلك هي صديقته أو زوجته لكن تبين انه يقصد بها حركة فتح. التي التحق في صفوفها شبلا صغيرا قبل أحداث أيلول الأسود في الأردن، وقال انه خضع لدورات تدريبية كثيرة، وتحدث كيف أن التنافس والخلافات بين قطاعات فتح العسكرية وقادتها موجود منذ القدم. وخبرنا كيف تعرض للحبس والاعتقال والضرب بسبب عدم التزامه بالأوامر واستبداله القطاع الذي كان يخدم به في العرقوب بقطاع آخر. وقصته مع فتحية طويلة ومتشابه الأحداث لذا سنتركها وراءنا ونذهب الى قصته الحالية مع برلين وشارع زونين اليه.

أبو طه دكتور المنطقة

 
وبالذات دكتور شارع زينون أليه ويدعي انه ابن هذا الشارع ..

لم يتأخر عن إبراز و سحب بطاقات من جيبه بدأ بتوزيعها على الحاضرين في المقهى وقد كتب على البطاقة “مقويات جنسية، طبيعية 100% ” مع ثلاثة ارقام هواتف للاتصال.

عندما سألته عن الأرقام التي لا يرد عليها، قال أرد على الأول والثالث ولا أرد على الثاني. وعندما سأله أحد الأصدقاء عن المقويات الطبيعية التي يبيعها، أجاب بأنه يبيع حبوب الفياغرا، وكذلك “حجر جهنم” وأسهب في وصف طريقة استخدام الحجر المزعوم.

ثم توجه الى دراجته وأحضر قطعة بنية اللون هي جزء من الحجر المذكور، أرانا إياها وشرح لنا طريقة استخدامها.

عندما سأله صديقنا الطبيب الذي قضى 15 عاما يدرس ويتعلم في كليات الطب وفي المستشفيات والعيادات الألمانية، عن الجامعة التي درس بها، رد الأخير بأنه تخرج من جامعة مخيم عين الحلوة، وبأنه ابن الشارع البرليني الشهير.

وبأنه ملك الشارع ومعالج الجميع هنا بمن فيهم الأطباء. طبعا في كلامه مبالغة عن معالجة الأطباء.

فأي طبيب بإمكانه اقتناء حبة ” فياغرا” أو “حجر جهنم” المزعوم واستخدامه إذا ما شعر بعجز جنسي. وبإمكانه أيضا عدم استخدامه إذا ما أحس بخطورة ما وانعكاسات على جسم الإنسان قد تسببها هذه المنشطات الجنسية.

كما ويدعي أبو طه أن الكثيرين من زبائنه يطلبون هذه المنشطات الجنسية الطبيعية وان أسعارها منوعة ومختلفة وترجع لنوع وقيمة الطلب. وأن هؤلاء الزبائن ونساؤهم يدعون له بالتوفيق والخير.لأن حجره الجهنمي أعاد للشرف الذكوري الرفيع مكانته وهيبته.

أبو طه مثال حي لعشرات و لمئات أو لآلاف من فلسطينيين انتهت بهم رحلة الثورة على الشوارع والأرصفة في مدن وعواصم أوروبا. فهو الفدائي الذي انتهى به المطاف على شوارع برلين، يحمل الحسرة والعذاب والألم والمعاناة والذكريات، من زمن القواعد وجيل التحرير، ومن معسكرات الثورة المغدورة والحركة المنحورة .

مازال ابن المخيم والمعسكرات يتذكر الأيام الجميلة والسنوات الصعبة، والأماكن التي تدرب وقاتل وعاش فيها فدائيا قبل أن يتحول الى لاجئ وشريد من جديد.

هذه المرة لم يعد لاجئا في مخيم عين الحلوة بل صار لاجئا في ألمانيا وعاصمتها برلين… على شارعها العربي الشهير.

هناك في المنفى الجديد … وفي الشتات المتجدد لم ينس أبو طه مخيمه، ولا وطنه فلسطين، ومازال مصرا على التحرير و العودة الى كل البلاد.

أبو طه لم ينس أيضا لماذا انطلقت فتح وقوات العاصفة ولماذا استشهد الشهداء وأُسر الأسرى وجُرح الجرحى ونُفي المناضلون ..

ولا الى أين وصلت العاصفة وكيف حولوا فتح الى ( فتحية*) بحسب قوله.

أبو طه سيتبرع بعدد من أقراص الفياغرا وبضع أحجار جهنمية للمارد الفلسطيني حتى يعود الى حاله، ويقوم من سباته، وينتصب من جديد، بعدما خصته الأوسلة – من أوسلو – في فلسطين المحتلة وخارجها..

لطفي طه على شارع زينون اليه في برلين – تقرير نضال حمد