وقفة عز

ليس دفاعا عن نايف حواتمة

نضال حمد

 تصاعدت مؤخراً حرب البيانات بين فتح والديمقراطية على خلفية تصريحات السيد نايف حواتمة التي اعتبر فيها أن السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية توليتارية شمولية مقتصرة على حركة فتح. وكان حواتمة صرح سابقا وبعد وفاة الرئيس عرفات بثلاثة أيام على فضائية الجزيرة أن عرفات قام بتحويل المجلس الوطني الفلسطيني الى مهرجان. كما هاجم حواتمة فتح واعتبرها تستأثر بالوظائف والمؤسسات. وشكك بانتخاب ابو مازن رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واعتبر انه تم القفز عن مؤسسات م ت ف. كما اعتبر أيضاً أن المجلس الوطني الفلسطيني غير شرعي لانتهاء مدته. بعد تلك التصريحات شنت فتح هجوما لاذعا وعنيفا على حواتمة، كما قام أعضاء المجلس في عمان ورئاسته ممثلة بالسيد سليم الزعنون برفض لقاء واستقبال حواتمة وكذلك إلغاء موعد لاستضافته في المجلس حيث كان من المقرر أن يتحدث في جلسة حوارية مع أعضاء المجلس الوطني حول آخر التطورت الراهنة ومستقبل العمل السياسي الفلسطيني في الداخل والخارج.

بعد تصريحات حواتمة التي فيها الكثير من الحقيقة والوقائع التي يعرفها كل إنسان فلسطيني شارك أو عمل في منظمة التحرير الفلسطينية وعرف مؤسساتها وطريقة العمل فيها. قامت فتح بشن حملة واسعة على أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي بدورها تتحمل جزءا من المسئولية عن واقع المنظمة عن تصرفات القيادة المتنفذة فيها، لأنها كانت دائما تمثل خشبة الخلاص وطوق النجاة لعرفات في مؤسسات المنظمة، فأصوات مندوبي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هي التي منحت دورة المجلس الوطني الفلسطيني في عمان النصاب القانوني بعدما كان النصاب غير ممكناً، وكانت على ما أعتقد تلك الدورة تحمل الرقم 15، حيث كانت فتح يومها تعاني من قانونية وشرعية عقد المجلس ومن فقدانها للنصاب القانوني، فجاءها الإسناد من قبل نايف حواتمة والديمقراطية. كما أن الديمقراطية كانت دائماً اقرب لسياسات أبو عمار وتوجهاته السياسية أكثر منها إلى القوى الفلسطينية الأخرى التي كانت تعارض نهج فتح وبالذات قيادة أبو عمار المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية.

هاجمت فتح حواتمة واعتبرته سبباً في شق حركة القوميين العرب وفي شق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكن بيان فتح المزعوم لم يذكر أن فتح بقيادة الراحل ابو عمار ساعدت وأسندت حواتمة والديمقراطية في انشقاقهم عن الشعبية بزعامة الحكيم جورج حبش. كما أن بيان فتح لم يكتف بذلك بل وضع حواتمة في خانة الدبابات (الإسرائيلية) التي تقتحم المدن الفلسطينية، وهذا كلام فارغ وهراء وتخريف سياسي وإعلامي من الذين أصدروا البيان. فنايف حواتمة قائد وطني وتاريخي في الحركة الوطنية الفلسطينية، يجب عدم إلصاق التهم بحقه بهذا الشكل السخيف، فكيف يمكن وضعه مع الدبابات الصهيونية لمجرد أنه انتقد فتح وقيادتها وأسلوب عملها وهيمنتها على المنظمة.

كلام حواتمة صحيح وسليم وكان يجب أن يقوله منذ عشرات السنين، وهو اعتراف غير مباشر من حواتمة بدوره هو وغيره من قادة الفصائل الفلسطينية في ترسيخ مسرحية العمل في مؤسسات المنظمة. فالمسرحيات الديمقراطية التي كانت تدور في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية أساءت للعمل الوطني الفلسطيني العام. وكلنا يعرف أن المجلس الوطني كان وبقي حتى أخر دوراته مجلساً لا يستطيع أن يقر أي شيء لا يقبل به الراحل ياسر عرفات. وكان مهرجانا بكل معنى الكلمة، وكان لأبي عمار سطوة عليه تجعل تبيدل القرارات فورية وبالانتخاب، وهذا ما سمعناه مؤخرا من خالد الفاهوم الرئيس السابق للمجلس الوطني الفلسطيني وأحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية..

وهنا لا بد من السؤال التالي: ما نفع التصويت مادام المصوتون كلهم في جيب الرئيس؟

فهم وعائلاتهم وأقاربهم وحاشيتهم، كانوا يتلقون العطايا والمال مقابل الصوت في العملية الانتخابية أو الموقف من القضايا الداخلية والخارجية. لقد كان في المجلس الفلسطيني ولازال أعضاء لا يعرفون من قضية فلسطين سوى جمع المال للبنات وللبنين, فمنهم من صاروا رجال أعمال وأغنياء، مع أنهم لا يفقهون من العمل الوطني أي شيء.. كان هناك تعيينات مسبقة، ولم يكن للجان أو الآخرين سوى إقرارها كما يراد لها أن تكون من فوق.

لم تكن ديمقراطية م ت ف أفضل من ديمقراطية السلطة الفلسطينية، لقد كانت صورة طبق الأصل عن ديمقراطية السلطة الفلسطينية هذه الأيام. حيث نفس الوجوه التاريخية مع بعض التغييرات التي اقتضتها الجغرافيا وتوازنات القبائل والعشائر والمكان.

من هو الذي انتخب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني؟

لا يوجد ولم يكن هناك انتخابات في المخيمات والبلدات والمناطق الفلسطينية لا في فلسطين ولا في تجمعات الشتات. كانت تعيينات بالجملة ووفق مصلحة فتح بالمقام الأول… وكانت هناك تقسيمات وفق مصلحة الفصائل ثانياً، وكان لا يتم أي شيء بدون موافقة فتح المسبقة. أما الفصائل فكانت أضعف من أن تواجه فتح، فاختارت عدم تحمل المسئولية والتفرج أو الصمت على الواقع المشين، والقبول بما حصلت عليه بشق النفس، وتركت الحمل الثقيل على فتح التي قبلت بحمله. لقد كانت التعيينات في المجلس تقرر قبل الانتخابات. مثلاً في مجلس الجزائر نوفمبر 1988، قرأ المرحوم الرئيس ياسر عرفات بعض الأسماء التي رشحها للعضوية ومنها اسم لم أعد اذكره، فتدخل تيسير قبعة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مستفسراً عن الاسم ومن هو هذا الشخص وكيف يرشح ولا أحد يعرفه وهو غائب عن المؤتمر. فرد عليه عرفات : ألله زيّ ما عندكم في الجبهة الشعبية صلاح صلاح عندنا فلان الفلاني، نائب الشهيد علي ابو طوق قائد مخيم شاتيلا … وهكذا سكت قبعة وتابع أبو عمار الزوبعة والتهريج وسط تصفيق الإخوة العبيد والرفاق المماليك...

كان يتم استبدال الأعضاء حسب قرارات جاهزة، عادة ما يكون مطبخ الرئيس قد أعدها سلفاً. فيتم استبدال أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني سواء كانوا مستقلين ام تابعين لفصائل أخرى غير مرضي عنها من قبل الرئيس. فوفق إرادة التيار التابع لفتح في المنظمة ووفق إرادة التيار التابع لأبي عمار بالذات في فتح والمنظمة كانت تتم عملية الاستبدال. سواء كان المستبدلون اعضاءا في هذا الفصيل أو ذاك.. كان يتم استبدالهم بإشارة واحدة من قائد المسيرة وقائد كل شيء…

ألم يتم في إحدى دورات المجلس الوطني الفلسطيني استبدال أعضاء جبهة التحرير الفلسطينية في المجلس بآخرين انشقوا عن الجبهة وأعلنوا تأييدهم لأبي عمار مع أنهم كانوا أقلية في الجبهة، ولا يتمتعون بالشرعية. وخرجوا عن التنظيم الأم لأسباب مالية ومن أجل الوجاهة ومقاعد القيادة. فنالوا ما أرادوا بفضل سياسة فتح في هيئات المنظمة، بينما حرمت آلاف العائلات لمناضلين من التنظيم الأم من مستحقاتها من الصندوق القومي، فأستولى الانشقاقيون على أماكن الجبهة في المجلسين الوطني والمركزي بقرار من أسيادهم، فبدلاً من الشهيد القائد المبدئي النظيف طلعت يعقوب وضع في مكانه ومكان رفاقه بالمجلس أشخاص لا علاقة لهم بالنظافة الوطنية أو الأخلاقية. وبدلا من الأديب والروائي رشاد ابوشاور وضع من لا يعرف عن الثقافة الفلسطينية سوى المديح للأسياد. ولقد صدق الصديق رشاد ابوشاور عندما كتب في الفاكهاني كتابه المهم ثورة في عصر القرود.. لقد كانت أيضاً ثورة في عصر العبيد..

نستطيع القول ان المجلس الوطني الفلسطيني وكل مؤسسات م ت ف تعتبر فاقدة الأهلية والشرعية لأن تاريخ انتهاءها مضى عليه سنوات طويلة، ولأن المنظمة أُستغلت لتمرير مشاريع سياسية تمس حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية. ولأن السلطة الفلسطينية التي يجب أن تكون تحت سيطرة المنظمة صارت هي التي تسيطر على المنظمة، يعني كل شيء بالمقلوب.

ننصح كل المعنيين بالشأن الفلسطيني أن يقرئوا جيدا رسالة الجاليات والمؤسسات والتجمعات واللجان والروابط والمنظمات الفلسطينية العاملة في المهجرين الأوروبي والأمريكي، لأنها رسالة تحكي عن الواقع الفلسطيني بشكل منطقي ومجرد، تحاكي الواقع وتعطي الحلول العملية، وقد ذهبت الرسالة إلى كل من رئيس اللجنة التنفيذية ل م ت ف ابو مازن ولأبي الأديب سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ولأبي اللطف فاروق القدومي رئيس حركة فتح ورئيس الدائرة السياسية في م ت ف. وباستثناء وعد من أبي اللطف بالرد على الرسالة لم يصل أي رد من الآخرين.

حواتمة على حق بما قاله لكن المسئولية تقع على عاتق الجميع وليس على عاتق فتح لاغير … والتغيير بحاجة لوقفة فلسطينية شعبية جادة تجبر الجميع على التغيير الديمقراطي وتفعيل الانتخابات والمجيء بمن سينتخبهم شعبهم، لا بمن تعينهم الحركة أو الفصيل أو الضغوط وموازين القوى الإقليمية والخارجية وحتى المعادية، أو من تفرضهم دول الجوار. ولتكن تصريحات حواتمة بداية لعملية إعادة دراسة للوضع الفلسطيني العام من أجل إيجاد حلول وطنية للقضايا المستعصية. فنحن نعلم أن منظمة التحرير الفلسطينية مسلوبة ولا يريدونها سوى ختماً لشرعنة الاستسلام والتفريط بالحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية. فمعسكر العداء للمقاومة والذين يتحدثون بعسكرة الانتفاضة وضرورة وقفها، يستولون على المنظمة بدون وجه حق، أنهم كالقراصنة يحتجزون إنجازنا الوطني الذي تعمد بالتضحيات والدماء واستشهاد المخيمات الكثيرة التي أبيدت دفاعا عن الهوية الفلسطينية والممثل الشرعي الوحيد والقرار المستقل …

يتوجب علينا كأبناء لفلسطين وكأصحاب لتلك الحقوق الدفاع والذود عن وطننا وممثلنا الشرعي عن حقوقنا الشخصية والجماعية وعن ثوابتنا الوطنية وثقافتنا المقاومة. وكما قال الرئيس الراحل ياسر عرفات : ” إلي مش عاجبه يشرب من بحر غزة“…

2005 / 1 / 3