صهيونيات

مؤتمر هرتزليا: الوقاية والإحباط الوقائي والردع كعناصر أساسية لمفهوم الأمن الصهيوني

بوابة الهدف / أحمد.م.جابر
 
 
بدأ مؤتمر هرتزليا السنوي أعماله اليوم، في مقر المركز متعدد المجالات، قبل ساعات من إعلان الرئيس الأمريكي إعلان بلاده الانسحاب النهائي من الاتفاق الدولي مع إيران حول برنامجها النووي، ومن الواضح أن قرار ترامب كان متوقعا ومؤكدا لذلك لا يمكن أن تنفصل أعمال دورة مؤتمر هرتزليا عن هذه الحقيقة الجديدة في الوضع الدولي، وكذلك عن الشحن المتوتر الصهيوني تجاه الموقف في المنطقة وطريقة الرد والسعي لحماية نفسه.
تأتي هذه الدورة أيضا في ظل توترات إضافية في المنطقة ربما لا تقل أهمية، إذ قبل أسابيع أعلن الكيان الصهيوني مسؤوليته المعروفة ضمنا سابقا، عن قصف المفاعل النووي السوري عام 2007، كذلك في ظل هجمات عدوانية شنها الكيان ضد سوريا وضد القوات الإيرانية وهو يتوقع ردا إيرانيا قريبا جدا، وتجمع الآراء الصهيونية أن هذا الرد تأخر فقط أن إيران كانت تنتظر إعلان قرار ترامب الذي اعتبرته كدق لطبول الحرب، وكذلك لأن إيران كانت تنتظر تمرير الانتخابات النيابية في لبنان، لذلك فهناك قناعة في الوسيط الصهيوني السياسي والأمني أن الرد قادم لا محالة. كما أنه في نفس الوقت يبدو واضحا وكأن القرار الأمريكي يأتي تتويجا لعقيدة الأمن الصهيونية بالذات القائمة على منع الخصوم كمن امتلاك أي تقدم في ما تعتبره السلاح غير التقليدي حتى لو كانت دولة الاحتلال تنفرد مع الولايات المتحدة مع بضع دول عربية مارقة في الزعم بنوايا إيران غير السلمية وأن إيران تكذب بينما يعلم العالم كله على وجه الحقيقة أن الكيان الصهيوني يواصل الكذب منذ خمسين عاما حول برنامجه النووي بغطاء أمريكي خاص وغربي عام، وعربي الآن يتجاهل هذه الحقيقة التي تمثلها دولة الاحتلال مفتعلا خلافا وصراعا لا لزوم له مع إيران سوى المشي في ظلال الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.

في هذا النص استعراض  مكثف للورقة الرئيسية للنقاش في مؤتمر هرتزليا التي كتبها للمؤتمر شاؤول شاي، تناقش مفهوم الأمن الصهيوني ومتطلباته المستحدثة وضرورة مواءمة عناصر التهديدات غير التقليدية مع المفهوم الأساسي المصاغ في الخمسينيات للأمن القومي “الإسرائيلي” والتغيرات التي طرأت عليه على مر السنين.

تشير الورقة الرئيسية للنقاش في مؤتمر هرتزليا إلى أن مفهوم الأمن “الإسرائيلي” يبدو ذا صلة، وغير ذي صلة في آن واحد، حيث أن هذا المفهوم الذي تم تصميمه في الخمسينيات بإشراف رئيس وزراء الكيان حينها ديفيد بن غوريون، حدد نوعين رئيسيين من التهديدات، كل واحد منهما، منفصل شكلا عن الآخر لكنهما وثيقا الصلة، ومن الممكن أن يؤديا إلى زوال “دولة إسرائيل”.

 التهديد الأول كان التهديد التقليدي من هجوم عربي مشترك، على جبهات متعددة، لتدمير “الدولة”، والتهديد الثاني، تمثله الأسلحة غير التقليدية،  مع الخوف من أنه إذا تم العثور على أسلحة غير تقليدية من قبل الدول العربية المعادية، فإنها ستكون قادرة على تدمير دولة “إسرائيل” (التهديد الأكثر خطورة الذي تشكله الأسلحة النووية).

وقد تعامل مفهوم الأمن التقليدي بشكل أساسي مع التهديد الأول وخلق الاستجابة المطلوبة لإزالة التهديد، أيضا جهز الكيان الصهيوني نفسه للرد على تهديد السلاح غير التقليدي، رغم تغير عناصره باستمرار ولكن لم تتم صياغة هذه المكونات أبدًا في عقيدة منظمة مشابهة لمكونات مفهوم الأمن الخاص بالتهديد التقليدي، وقد  استجابت الكيان الصهيوني  بالفعل لتهديدات الأسلحة غير التقليدية على مستويين: المستوى الأول مستوى الغموض النووي الرادع، والثاني المستوى الوقائي من خلال اتخاذ الإجراءات التي تهدف إلى منع تطوير القوى المعادية لسلاح غير تقليدي نووي بالأساس وفي هذا السياق كان قصف مفاعل تموز العراقي وقصف المفاعل السوري، والسعي الحثيث لتدمير الاتفاق النووي مع إيران.

تزعم وثيقة هرتزليا التي كتبها شاؤول شي أن مفهوم الأمن يجب أن يعالج كل من التهديدات التقليدية والتهديدات غير التقليدية بالنسبة للكيان الصهيوني، وكانت بالتالي الوقاية والتدابير المضادة والتدابير الوقائية، كاستجابةً للتهديد غير التقليدي، في الواقع عناصر مركزية للمفهوم. وترى الوثيقة أنه رغم عدم تشخيصها بشكل صحيح إلا أنه يجب الاعتراف بها وإدراجها كعنصر أساسي لمفهوم الأمان.

تلاحظ الوثيقة الصهيونية، أن احتمال تشكيل ائتلاف عربي يحاول تدمير “دولة إسرائيل” قد تراجع بشكل كبير منذ بدء “ثورات الربيع العربي”، وتحولت المواجهة إلى المواجهة غير المنتظمة وغير المتوازنة مع منظمات معايدة وليس دول. إضافة إلى ما تزعم أنه التهديد النووي الإيراني.

وفي الوقت الذي جرت فيه في السنوات الأخيرة محاولات لتكييف المفاهيم الأساسية لمفهوم الأمن التقليدي “الردع، التحذير واتخاذ القرار والدفاع” أصبح مفهوم الدفاع عن النفس عنصرا أساسيا في الإدراك، ولم يتم القيام بأي شيء في سياق وضع مفهوم التهديد غير التقليدي. كما تلحظ الوثيقة أنه على مر السنين امتد استخدام الوقاية إلى مناطق تهديد أخرى لا تشكل تهديدًا وجوديً للكيان الصهيوني.

والأسئلة الرئيسية التي تطرحها الورقة هي:

هل عناصر مفهوم الأمن التقليدي (الردع، التحذير، القرار، واليوم أيضًاالدفاع) تقدم حلا مفاهيميا للتهديدات غير التقليدية كذلك؟

ما هي المفاهيم المحددة ذات الصلة بالتهديد غير التقليدي؟

 ما هي العلاقة المتبادلة بين التهديدات التقليدية وغير التقليدية واستجابة “إسرائيل” لهذه التهديدات؟

هل ينبغي تضمين الرد على التهديدات غير التقليدية في سياق الحملة بين الحربين؟ الحروب، أو كحقل يقف وحده؟

اعتبر بن غوريون أن  بناء  المفاعل النووي، وسيلة لضمان وجود ومستقبل دولة “إسرائيل”، وطريقة لمحو الفجوة الرقمية الديمغرافية مع العرب وفيما بعد واصل ليفي أشكول هذا المشروع وفي مراسلاته مع الرئيس الأمريكي جونسون قال “في ضوء وضعنا الضعيف للغاية، -غياب المطارات والكثافة السكانية داخل منطقة جغرافية صغيرة جداً – دائماً ما يكون خطر الهجوم المفاجئ موجوداً. التزام إن الولايات المتحدة لوضع حد للعدوان لا يمكن في حد ذاته إزالة هذا الخطر، ونحن مقتنعون بأن السبيل الوحيد لمنعه هي معرفة الرئيس عبد الناصر أن إسرائيل لديها قدرة رادعة مناسبة “.

وكان ليفي أشكول هو الذي قرر، في وقت مبكر من عام 1966، سياسة إسرائيل المتمثلة في “الغموض النووي” بالقول “يحاول رئيس مصر خداع الناس، وتحويل الانتباه عن خطر الأسلحة العدوانية في المنطقة من خلال تحويل الانتباه للأسلحة النووية التي ليست في منطقتنا والتي لا نرغب في العثور عليها. قلت وأكرر أن إسرائيل ليس لديها أسلحة ولن يكون أول من يدخلها إلى المنطقة “.وجميع خلفائه تبنوا هذه السياسة بحزم وثبات.
يكمن الغموض النووي في عدة مفاهيم أساسية: أولها أن الكيان يلزم نفسه بمنع الدول المعادية من الحصول على الأسلحة النووية وبالتالي الحفاظ على احتكارها النووي وأيضا في ذات الوقت لا يمكن “إسرائيل” أن تدعي بشكل علني احتكارها النووي، وبالتالي لا ينبغي لها أن تؤكد وضعها النووي. وقد تطورت السياسة هذه على مر السنين إلى استراتيجية، ويزعم الكثيرون في الكيان الصهيوني أنها كانت ناجحة ومناسبة لوضع الأمن الصهيوني الخاص.

وفي عام 1968 كتب ييغال ألون في كتابه “شاشة الرمال” ما يلي: “مناقشة مشكلة الأسلحة النووية، من ناحية عملية،  لا علاقة له بالوضع في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور، لأنه غير موجود في أي من بلدان المنطقة. لكن من الناحية النظرية، يمكن القول أنه إذا كان من الممكن التوصل إلى توازن نووي، فإن ذلك لن يشكل ضمانة للوقاية من الحرب والتوازن النووي في المنطقة سيحرم “إسرائيل” من امتلاك الأسلحة التقليدية، التي فيها طبيعة النظام، هيكله ونوعية القتال هي عوامل حاسمة في ميزان القوى… ومع ذلك، ينبغي ألا نسمح للعدو باكتساب أي ميزة في ميدان العلوم والتكنولوجيا الذرية يجب أن نواصل الحفاظ على مستوى عال من البحوث والتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية والتنمية، والتي لن تسمح للعدو أن يستهدفنا و أوافق على تصريح رئيس الوزراء ليفي أشكول العلني بأن “إسرائيل ليست كذلك”ستكون أول من يدخل أسلحة نووية إلى الشرق الأوسط “. لكنني سأسمح لنفسي بأن أضيف أننا يجب ألا نسمح للعدو أن يكون الأول.”

 تزعم وثيقة هرتزليا التمهيدية التي نستعرضها أن سياسة الردع “الإسرائيلية” في سياق الأسلحة غير التقليدية قد نجحت بشكل كبير، بحيث أنها ردعت فعليا صدام حسين عام 1990 عن تحميل الصواريخ التي أطلقها العراق على “إسرائيل” رؤوسا كيميائية كانت في حوزته بالفعل كما تزعم الوثيقة طبعا. وأن هذا جاء بسبب خوفه من القدرة النووية التي يعتقد أن “إسرائيل” تملكها.

في كتابه، المفهوم الأمني ​​لإسرائيل، يدعي يتسحاق بن إسرائيل أن “الجدار الحديدي”، كما بناه بن غوريون، يستند إلى ثلاثة أرجل: الأولى هي ساق لجيش تقليدي كبير جدا وغير متناسب مع حجم الدولة، والساق الأخرى تتعلق بما يسمى “مشروع ديمونا” والثالثة هي عادة التحالف مع طرف دولي قوي. وترافقت جهود التدابير الوقائية الصهيونية منذ الخمسينات مع كل الوسائل المتاحة للكيان لمنع وإفشال القدرات التي من المحتمل أن تنمو إلى تهديد غير تقليدي لدى أعدائه.

. كانت المحاولة الأولى للتعامل مع هذه القضية في مواجهة محاولات “إسرائيل” منع مصر من تطوير الصواريخ الباليستية والأسلحة غير التقليدية بمساعدة العلماء الألمان. هذه المحاولات من مصر تم إحباطها من قبل حملة متكاملة من الجهود السياسية والنشاط السري للموساد.

مرة أخرى كان على “إسرائيل” أن تتعامل مع ما زعمت أنه تهديد آخر من قبل العراق وترافق هذا مع إطلاق ما يسمى في الكيان بـ “مبدأ بيغن” وهي سياسة غير معلنة وغير موثقة أيضا تنص على أن “إسرائيل” لن تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط بتطوير برنامج نووي للأغراض العسكرية يسمح بإنتاج أسلحة نووية مما قد يعرض وجودها للخطر.وكان تطبيق هذا المبدأ لأول مرة بما يعرف بعملية “أوبرا” عام 1981 التي استهدفت تدمير مفاعل تموز العراقي.

جنبا إلى جنب مع هذا يركز الكيان الصهيوني على مبدأ الدفاع عبر مجموعة من التدابير مثل الغرف الملجئية المحصنة للرد على الهجمات الكيميائية والبيولوجية وأقنعة الغاز التي توزع على نطاق واسع جدا وأنظمة الدفاع ضد الصواريخ المتعددة التي أصبح الكيان يمتلكها مثل الصاروخ آرو والعصا السحرية والقبة الحديدية.

العلاقة المتبادلة بين التهديد الوجودي التقليدي والتهديد غير التقليدي

يبين تاريخ دولة إسرائيل أنه في العقود الثلاثة الأولى من وجودها، أن ردع الحرب التقليدية من جانب تحالف عربي، لم يكن ناجحًا إلا جزئياً، ودُعيت “إسرائيل” مرارًا وتكرارًا لإحباط وإعاقة المبادرات التي يقوم بها تحالف من الدول العربية لمهاجمتها، كما تزعم.

 في هذا السياق شنت دولة الاحتلال كما تستعرض وثيقة هرتزليا ضربتين وقائيتين: الأولى ما يسمى بحملة سيناء، والحديث يدور عن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قبل نضج القدرات العسكرية المصرية بعد صفقة السلاح التشيكية، وهو ما يقوض مزاعم حجة تأميم قناة السويس في ذلك الوقت كاستفزاز مصري حاولت القوى الغربية و”إسرائيل” ترويجه، والضربة الثانية هي عدوان 1967 ضد سوريا ومصر والأردن لتقويض تحالف محتمل مع العراق، وفي كلتا الحالتين، سمحت الضربة الوقائية بانتصار “إسرائيل” السريع في الحرب كما تزعم مع أن هذا ليس واضحا فيما يخص حرب 1956، إلا أن هذا ما تدعيه ورقة هرتزليا على كل حال.
تعرض الورقة أمثلة على العمليات الصهيونية في مجال الوقاية والاستباق أهمها قصة العلماء الألمان في مصر.

حيث بدأت القضية في يوليو 1962، عندما اختبرت مصر بنجاح الصواريخ. في 23 يوليو، أقيمت الذكرى السنوية لثورة الضبط الأحرار في مصر وجرى عرض عسكري في شوارع القاهرة، حيث تم عرض نوعين من الصواريخ: الظافر الذي يصل لمسافة 280 كم والقاهر لمسافة 500 كم.

و في يوليو 1962 انتهى المصنع 333 من إنتاج 30 صاروخ. و تلقت “إسرائيل” معلومات تفيد بأن الصواريخ التي تم عرضها في العرض تم تطويرها بمساعدة علماء أجانب، معظمهم من ألمانيا الغربية، الذين ساعدوا مصر. في وقت لاحق وصل إلى علمها أن مصر تطور مشروعا لرأس حربي للصواريخ المصرية قد يكون على زعمها يحتوي على نفايات مشعة.

إضافة إلى مشروع آخر من مصر كان يسمى “كليوباترا”، هذا المشروع يقوم على تخصيب اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي التي اشترتها مصر في هولندا وألمانيا. كان من المفترض أن تقوم أجهزة الطرد المركزي بتزويد مصر باليورانيوم المخصب بما يكفي لإنتاج ثمانية قنابل نووية في قوة تلك التي دمرت هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية.

أثارت هذه الأخبار عاصفة في “إسرائيل” وصارت الصحف مليئة بتفاصيل خطر الدمار المتوقع و أثار مشاعر معادية قوية لألمانيا التي تم اتهامها بأن مواطنيها يقومون بمساعدة مصر على تطوير أسلحة إبادة ضد “إسرائيل” وأن الحكومة الألمانية لم تردعهم. وفي ضوء هذه التقارير، عملت دولة “إسرائيل” على مستويين رئيسيين لإحباط تطور قدرات مصر غير التقليدية على مستوى الأمن (السري)، والذي شمل اثنين من المكونات الرئيسية: جمع المعلومات الاستخبارية والنشاط الوقائي) والتنفيذية و على المستوى السياسي (سرا ولاحقا علنا ​​).

النشاط السري

ركز الموساد جهودًا كبيرة على جمع المعلومات حول تطوير الأسلحة في مصر وأنشطة العلماء الألمان في هذا البلد. وتمكن أحد وكلاء الموساد في ذلك الوقت من الحصول على  قائمة الخبراء الألمان العاملين لدى المصريين، ونقلها إلى مشغليه. وفي نهاية عام 1962، بدأ الموساد العمل ضد العلماء الألمان في مصر من أجل ردعهم وإيقاف نشاطهم، و اختفى أحد العلماء الألمان في مصر، وفي 1962-1963، تم إرسال مظاريف متفجرة إلى العلماء الألمان فجرح 12 منهم.

يوم 2 مارس عام 1963، تم إلقاء القبض على اثنين من عملاء الموساد في سويسرا “و أعلنت السلطات السويسرية عن الاعتقال بعد أسبوعين فقط، وطالبت الحكومة الألمانية بتسليم مبعوثي الموساد. وقد تمت محاكمتهما أخيرًا في سويسرا في 10 يونيو 1963. وتمت إدانة الشخصين والحكم عليهما بالسجن لمدة شهرين، وهو ما تم تعويضه بفترة الاحتجاز أي أطلقا فورا، وقد  جذبت المحاكمة انتباه الرأي العام للعلماء الألمان في مصر والحملة  التي تشن ضدهم من قبل الموساد.

سياسيا

على المستوى السياسي يسعى الكيان إلى فرض عودة العلماء الألمان من مصر إلى بلادهم، وطلب نائب وزير الحرب شمعون بيريز من الوزير الألماني فرانز جوزيف شتراوس اتخاذ خطوات لوقف العملية واسترجاع العلماء الألمان من مصر.

في تلك الرسالة كتب بيريز” خطورة الموضوع الذي أرى واجبا علي تقديمه أمامك دفعني إلى تجاوز الأدب. واتخاذ إجراء شخصي بشأن مسألة وطنية بشكل أساسي. أثار إطلاق الصواريخ من قبل مصر قلقا جادا في إسرائيل. هذا القلق لا يقتصر فقط على طبيعة السلاح، ولكن أيضا على أهميته السياسية: مصر لا تطمح إلى السلاح من أجل الدفاع عنها… لذلك فلا عجب أنه في نفس الوقت الذي أطلق فيه رصاصه، ألقى عبد الناصر خطباً حاداً ضمنيًا من المرجح أن تهاجم إسرائيل ويتم تدمرها. نحن لا نهتم فقط بالقضية النهائية للحرب – النصر أو الهزيمة – بل بالأحرى من بدايتها، سعرها المتطلب في الدم “.

ويضيف في رسالته إنه لا يتحدث عن أسلحة من روسيا أو تشيكيا بل عن سلاح تطور في مصر وبالنظر إلى القدرات المصرية يصبح السؤال ” من ساعد مصر؟ وهنا وصلت إلى مرحلة تتطلب فيها صداقتنا الشخصية التحدث بلغة واضح لوضعك على خطورة المسألة. الإجابة الشائعة هي أن المساعدة الرئيسية جاءت من جماعتك… مع العلم أن هناك القليل منهم ستشعر بالصدمة من فكرة أن ألمانيا الجديدة قد تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الجهود المصرية-السوفيتية لتدمير إسرائيل، أجد أنه من واجبي لفت انتباهك إلى الصورة التي تظهر”.

في ذلك الوقت عارض دافيد بن غوريون، بشدة الخط المعادي للألمان، في وقت بدأ فيه الكيان في الوصل إلى اتفاق على مليار دولار خلال نصف عام من ألمانيا، اتفق عليها بن غوريون مع المستشار الألماني كونراد أديناور في عام 1961. كما نضجت في ذلك الوقت المفاوضات على تصدير الأسلحة من ألمانيا إلى إسرائيل في ظل ظروف منحة تقريبا، وكانت بدأت شحنات الدبابات الأمريكية للوصول إلى إسرائيل.

كان موقف بن غوريون ضد موقف هاريل مدير المخابرات العسكرية الصهيونية الذي شن حملة علنية ضد ألمانيا حيث أن بن غوريون لم يقبل تقييمه “الموساد” أن هناك خطرا حقيقيا بتطوير أنظمة أسلحة متطورة في مصر، استنادا إلى تقرير المخابرات العسكرية. وأدت الأزمة إلى استقالة هاريل في نيسان / أبريل 1963، ووفقا لبعض الادعاءات، تنبع استقالته من معارضته للأمر الذي تلقاه من بن غوريون لوقف النشاط ضد العلماء الألمان في مصر. وبعد استقالته اتهم بن غوريون وشمعون بيريز بإخفاء الخطر عن الجمهور.

لاحقا، تمت مناقشة القضية أيضا في الكنيست. في 20 مارس 1963، أعلنت وزيرة الخارجية غولدا مائير أنه منذ وقت ليس ببعيد تم تشكيل مجموعة ويشارك العلماء ومئات الفنيين الألمان في مصر في “تطوير قدرات صاروخية في مصر، وحتى تطوير أسلحة محظورة من القانون الدولي التي تخدم غرضا وحيدا هو تدمير الحياة “.

بالنتيجة

تم إحباط نشاط العلماء الألمان في مصر أخيرًا، بشكل أساسي بالوسائل السياسية، بعد كل تفاصيل تهديد الألمان كانت هذه هي الحالة الأولى في تاريخ “دولة إسرائيل” التي تطلب منها صياغة وتطبيق مبدأ الوقاية ضد أي تطوير تهديد ينظر إليه على أنه خطر على وجود الدولة باستخدام مزيج من النشاط السري والسياسي، والتشغيلي وأدت حسب الوثيقة الصهيونية إلى النتيجة المرجوة وأصبحت نموذجًا استخدمته دولة الكيان في المستقبل عندما ظهرت تهديدات جديدة.

تدمير المفاعل النووي في العراق

في عام 1974، وقعت الحكومة العراقية بقيادة صدام حسين (نائب الرئيس العراقي آنذاك) اتفاقاً موتوجيه العراقيينة لبناء منشأة نووية بالقرب من بغداد. ووفقاً للاتفاق، كان ينبغي بناء مفاعلين نوويين بمساعدة فرنسا التي تعهدت هي الأخرى بمساعدة وتوجيه  العراقيين في عملياتهم. المشروع، الذي أطلق عليه الفرنسيون اسم “أوزيراك” والعراقيون “تموز”، كان مفتوحاً وفي صيف عام 1980، تم تأجيل تشغيله حتى خريف عام 1981. وعلى الرغم من أن الاتفاقية ادعت أن المفاعلات كانت مخصصة لأغراض البحث، إلا أن الكيان كان يخشى من أن العراق سيطور قدرات نووية ويستخدمها ضده.

بعد توقيع الاتفاق بين العراق وفرنسا، بدأت الحكومة الصهيونية برئاسة يتسحاق رابين في العمل على إزالة التهديد النووي المزعوم من خلال النشاط الدبلوماسي في مواجهة فرنسا ودول العالم، ولكن دون جدوى. في عام 1977 تم انتخب مناحيم بيغن للقيادة وبدأت الحكومة مناقشة طرق مختلفة لوقف نشاط المشروع النووي في العراق.

راقبت الاستخبارات الصهيونية تقدم المشروع النووي وهيكل وقوة المفاعلات وخطط العراق المستقبلية للاستخدام في المفاعلات. وتمت معالجة المعلومات الاستخباراتية وتقييمها من قبل لجنة مشتركة من المخابرات العسكرية والموساد وبحثت الخيارات المختلفة لتعطيل تشغيل المفاعل، وفي الوقت نفسه، ناقش الجيش الصهيوني إمكانيات التشغيل لمهاجمة المفاعل، وتقرر أنه كان هناك تفضيل لضربة  جوية.

الهجوم

في السابع من حزيران / يونيو 1981، أقلعت ثماني طائرات F-16 و 6 من طراز F-15 من قاعدة سلاح الجو في اتجاه العراق. وقد مروا ّ عبر الفضاء الجوي السعودي وعندما وصلوا إلى المفاعل النووي، على بعد 17 كيلومترًا جنوب شرق بغداد، أسقطوا قنابل بوزن إجمالي يصل إلى  10 أطنان ودمرت المنشأة بالكامل. بعد حوالي ساعتين و 40 دقيقة، عادت الطائرات إلى قاعدتها.

رد العراق

رداً على الهجوم، طالب العراق مجلس الأمن الدولي بإبعاد “إسرائيل” عن الأمم المتحدة وفرض عقوبات عليها وأعلن العراق للأمم المتحدة أن بلاده لا تفكر في القيام بعمل عسكري ضد الكيان وأنها بدأت في اتخاذ رد سياسي مناسب. وقد عمل العراق على التقليل من شدة الضربة على برنامجه النووي. وقال الوزير العراقي سعدون حمادي “الجميع يعلم أن إسرائيل قد فعلت كل ما في وسعها للتدخل في جهود التنمية العراقية القائمة على الطاقة النووية، في حين تمتلك إسرائيل أسلحة نووية، كما اعترفت. المنشآت الذرية العراقية تم إنشاؤها لأغراض السلام. وقد فحصتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأكدت أن ضماناتها كانت مرضية” وأضف أن “إسرائيل” تحاول فرض قواعد جديدة لتبرير وجودها ” لا يوجد بلد عربي آمن من إسرائيل وليس خارج دائرة عدوانها “.

لم يكن مناحيم بيغن من صاغ سياسة المنع والوقاية،(تموز) سيكونالذي وضعه موضع التنفيذ. بعد يوم من الهجوم قال بيغن إن ” أن إرث أوزيراك (تموز)  سيكون عقيدة قومية” وأضاف ” يجب على إسرائيل أن تفعل كل شيء، بما في ذلك تحمل مخاطر الحرب، لمنع الدول المعادية في المنطقة من الحصول على الأسلحة النووية”.

تدمير المفاعل النووي في سوريا

في 5 سبتمبر 2007، دمر سلاح الجو الصهيوني مفاعلًا نوويًا سوريًا مزعوما في دير الزور. ولكن لم يعلن الكيان مسؤوليته إلا بعد أكثر من عشر سنوات حيث نشرت تفاصيل الهجوم على المفاعل السوري في الولايات المتحدة في عام 2008 في إحاطة مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن ومساعديه. وفي أبريل 2008، أفاد الكونجرس الأمريكي ووسائل الإعلام بأن المبنى الذي تم قصفه في سوريا كان مفاعلًا نوويًا للبلوتونيوم الذي بنته سوريا بمساعدة كوريا الشمالية على ضفاف نهر الفرات (كان هيكل المفاعل مشابهاً لمفاعل نووي في كوريا الشمالية)، على حد الزعم. ولن نضيف المزيد إلى هذا الموضوع كونه تم مؤخرا نشر التفاصيل رسميا على نطاق واسع.

تستعرض الورقة النقاشية أيضا مزاعم خطر السلاح الكيميائي السوري وتفاصيل منشورة على نطاق واسع حول هذه المزاعم وحول الهجمات التي يزعم أن سوريا شنتها بالسلاح الكيماوي ضد المعارضة لذلك لن نضيف المزيد حول هذا الموضوع المتداول بقوة وكثافة.

إيران

تؤكد الورقة الصهيونية الخاصة بمؤتمر هرتزليا أن الخطر الآن هو المشروع النووي الإيراني والتموضع الإيراني في سوريا، حيث يشكل التهديد الإيراني، وتركيزه على البرنامج النووي الإيراني، قضية مركزية في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي ويواصل الكيان الصهيوني زعمه أن القيادة الإيرانية غير صادقة تجاه سلمية مشروعها النووي وهو ما تم تتويجه اليوم عبر إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي وسعيه لتقويض هذا الاتفاق بل وتقديمه خطة متكاملة لإخضاع إيران وهو ما يصب بشكل كامل في المصلحة الصهيونية.

وتشرح الوثيقة بإسهاب كيف تعمل الولايات المتحدة والدول الغربية و”إسرائيل” على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية أو على الأقل تأخير العملية قدر الإمكان. وهي مزاعم تنفيها إيران طبعا جملة وتفصيلا، ولسنوات عديدة تم استخدام الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية ضد إيران لكبح طموحاتها في هذا المجال، ولاحق الموساد الصهيوني واغتال علماء إيرانيين ووجه عمليات تعطيل للمنشآت ومن ضمنها هجمات إلكترونية، كما تبث وسائل الإعلام بكثافة إمكانية مهاجمة المنشآت النووية في إيران من قبل ” إسرائيل” والولايات المتحدة ودول أخرى.

وترى الوثيقة إن “دولة إسرائيل” بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو، تعارض باستمرار الاتفاق بين القوى العظمى الست وإيران وتعتبرها اتفاقية سيئة تسمح لإيران بالعودة إلى السباق لإنتاج قنبلة كلما أرادت ذلك على حد الزعم.

المصدر:

http://hadfnews.ps/post/41300