الأرشيفمن هنا وهناك

ما تأخذه الشعبية في عام يسرقه فاسد في أيام – جبريل محمد

 

كلما رفعت الجبهة الشعبية صوتها ناقدة، او غاضبة من سياسات القيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة، تخرج القرارات القراقوشية، بقطع الارزاق كما يقول المثل الشعبي، وكأن الامر بات عرفا ان هذا الفصيل فقير المال، يمكن الضغط على عصبه بقطع ” نزازة” الدراهم التي ينظر اليها صاحب القرار كحسنة للشعبية وليس حقا لها كفصيل وطني له مناضليه وشهدائه واسراه وجرحاه، وله مصاريف لتغطية اعماله الكفاحية والوطنية، وما يدركه من يصدر مثل هذه القرارات ان مثل هذه العقوبة هي مثل عقوبة حجب المصروف عن شاب متمرد، لكنه يكررها.

ويعرف صاحب القرار ان ما تأخذه الشعبية كحق لها في عام كامل، لا يساوي ما يسرقه فاسد في الجهاز البيروقراطي، او من عاقدي الصفقات في أيام، كما يعرف ان كل ما يقدمه للشعبية لا يغطي مصروف عام لاحد رؤساء المؤسسات الملحقة بالحكومة، وبالتالي فانه لا يكسر جملا تعود على تحمل ندرة المال، ولم يرضخ لأي نظام والا لعاش في نعيم وبحبوحة، ولما اكترث لدريهمات المنظمة.

باتت هذه الطريقة ممجوجة في التعامل مع فصيل وطني صبر طويلا لصالح اعلاء المصلحة الوطنية على الحزبية، منذ مؤامرة اعتقال احمد سعدات الى تسليمه في حفلة العري في اريحا، وصولا الى التمثيل المريع بجسد وكرامة الشهيد عمر النايف في بلغاريا، ويطلب من الجبهة ان ترسل رأيها الى مقص الرقيب السياسي في دوائر الحكم، هذا لم تتعوده جبهة جورج حبش ولن يكون لاحد ذلك، فالدعوة للاستقالة التي لم يتحملها البعض اطلقها جورج حبش في وجه ياسر عرفات بعد زيارته للقاهرة عام 1983 ولما ينفك عن هذا النظام حصار رسمي عربي، وتحمل ياسر عرفات ذلك، اما غيره فهناك ما يدعوه لعدم الاحتمال.

من يعرف الشعبية يعرف انها لا تقايض بموقفها بالمال هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان اللوم على الشعبية يقع في انها لم تكافح المتنفذين وترسي قرارا عاما يشكل قانونا يضمن حق الفصائل الوطنية في الصندوق القومي الذي لا يقدم تقريره الى المجلس الوطني او اللجنة التنفيذية حتى الان فيما يد آخرين مطلقة في الغرف من هذا الصندوق دون رقيب.

وما يؤخذ على الشعبية ايضا ورغم ندرة المال بين يديها انها لم ترس نموذجا تنمويا انتاجيا في الاراضي الفلسطينية يستطيع ان يغطي نفقاتها ويجعلها في غنى عن دريهمات المنظمة، هنا مكمن الخلل، وربما يحتاج منها الى وقفة جدية، فهي اذا وقفتها وباشرت ستنجز.

ان رصيد الشعبية ليس في حسابات البنوك بل في الاحترام والتقدير الذي يكنه الشعب لها حتى لو لم يمحضها الثقة حتى الان، وبالتالي فان ردة الفعل على الموثقف السياسي للشعبية، بقطع الاموال، لن يضعفها، بل سيزيد من الاثر السلبي على من أصدره.

مطلوب الان من الشعبية ان ترفع سقف نقدها لكل المرحلة على المستوى السياسي وعلى مستوى الوضع الاقتصادي الاجتماعي وعلى مستوى الفساد في كافة اوجهه، اضافة الى هذا النزوع نحو التفرد والحكم الشمولي.

امام الشعبية الان فرصة لالتقاط الانفاس وتحريك المياه الراكدة في النظام السياسي الفلسطيني، سواء من المؤسسة الخامدة او من خارجها. فلسلطة لا تتحمل النقد والتعبير الاعلامي هي سلطة خائفة ومرتجفة.

* جبريل محمد

اترك تعليقاً