صهيونيات

مترجم | محمد الضيف – الأسطورة الباقية

 

في المعركة على سرد عملية “الجرف الصامد” (يوليو – أغسطس 2014)، حيث أعلن فيها الطرفان عن النصر، يمكن ان يكون الفلسطينيون قد حققوا نصراً حقيقياً: محمد الضيف رئيس أركان حماس، والمطلوب رقم 1 الذي نجى من عدة محاولات للاغتيال؛ نجى أيضاً هذه المرة.

لقد بات الأمر واضحاً الآن، لقد تبخرت كل علامات الاستفهام وتبدد الغموض، الضيف ما يزال حياً يرزق، وضعه الدقيق غير واضح، ولكنه نجى من ذلك الهجوم الذي استهدفه في الـ 19 من أغسطس 2014 في ذروة العملية، والتي علمت إسرائيل في إطارها البيت الذي يقيم فيه الضيف فأسقطت طائرة حربية فوق البيت عدداً من القنابل بالغة القوة تزن الواحدة منها طناً، “لا يمكن ان يخرج من هنا حياً” قال مسؤولون في أجهزة الأمن الاسرائيلية في حينها، ولكنهم أخطأوا على ما يبدو، فقد خرج الضيف من هناك حياً.

لقد نجا من 5 محاولات محكمة للاغتيال على الأقل ما بين الأعوام (2001-2014)، أربعة منها كانت اغتيالات محكمة من الجو استندت الى معلومات استخبارية دقيقة، أصيب للمرة الأولى (فقد عيناً وجزءاً من يده)، وأصيب إصابة خطيرة في المرة الثانية (فقد أطرافاً أخرى)، وأصبح مقعداً مشلولاً يحتاج مدة طويلة لينهض، وبهذا تحول الضيف الى أحد القتلة الدمويين الأكثر خطورة في التاريخ الإسرائيلي، لقد استثمرت المخابرات الاسرائيلية الكثير من الجهد والوقت في محاولات تعقبه واغتياله، والمعلومات الاستخبارية كانت دقيقة، ولكنه في جميع المرات التي جرت فيها محاولات الاغتيال نجح بطريقة ما من النجاة، أصيب إصابات بالغة الخطورة ولكنه بقي حياً، لقد اعتزل أكثر من مرة  للقيام بالاستشفاء لفترات طويلة ولكنه كان يعود.

في عملية “الجرف الصامد” احتاجت اسرائيل بشدة الى صورة للنصر، خمسون يوماً بلياليهن ارتهنت حماس اسرائيل كلها تحت رحمة الصواريخ، تل أبيب قصفت بشكل يومي (وإن لم تتضرر بفضل القبة الحديدية) قررت حكومة نتنياهو ألا تتوجه لاحتلال غزة حفاظاً على أرواح جنودها والمواطنين الغزيين، والجميع فهم ان حقيقة كون حماس ستنجو من هذه الحرب وهي واقفة أو تترنح على أقدامها معناه انتصار حمساوي واضح؛ الأمر الوحيد الذي كان يمكن ان يخل بالموازنة هو “احضار محمد الضيف”.

أثناء “الجرف الصامد” أنّب وزير الجيش يعلون أكثر من مرة رئيس الشاباك يورام كوهين، لأن الشاباك لا يأتي بمعلومات كافية عن أماكن تواجد قادة حماس، ومن بينهم الضيف، ولم يمكن اسرائيل من تحقق لنفسها صور للانتصار، لقد ضاعف الشاباك جهوده وأحضر البضاعة في منتصف أغسطس 2014.

في الـ 19 من أغسطس؛ أسقطت طائرة حربية قنبلة تزن طناً على المنزل الذي كان من المفروض ان يكون الضيف بداخله في نفس اللحظة، وبعد أقل من دقيقة أسقطت على المنزل قنبلة أخرى بهدف منع وقوع خطأ، اسرائيل لا زالت تقسم الى الآن بأن الضيف دخل الى المبنى، حيث كان من المفترض ان يلتقي إحدى زوجاته ومعها ابنيها الصغيرين، ولقد عثر بين الأنقاض على جثامين الزوجة والأولاد، ولكن لم يعثر على أي أثر للضيف.

ومن حينها التزمت اسرائيل موقف الغموض؛ قادة الجيش تحدثوا عنه بغموض، وفي الحديث عنه قيل لكل من اهتم بأمره انه كان هنا تأكيد تام بأن الضيف فعلاً دخل الى البيت، ولذلك من الصعب الافتراض انه خرج من هناك على قيد الحياة على ضوء كون البناية قد مسحت عن وجه الأرض، في السابق كان الضيف قد تسلل من مبنى تم تفجيره فقط لكون الجيش الاسرائيلي قد قرر استخدام قنبلة صغيرة الحجم (أكثر من 250 كغم فقط)، فبعد النتائج المفزعة لاغتيال القائد الحمساوي صلاح شحادة 2002 حيث أصيب العشرات من الفلسطينيين غير المعنيين، ولحسن حظهم فإن الضيف ومجموعة كبيرة من القادة الحمساويين عقدوا لقائهم في الطابق الثاني، وليس الطابق الأول من المبنى الذي استهدف، ونجا جميعهم دون إصابة تقريباً.

هذه المرة طبعاً قررت اسرائيل ألا تذر شيئاً ليد الحظ، فقد اسقطت قنبلتين شديدتي الانفجار، كان من المفترض ان تضعا حداً للملحمة وللأسطورة التي نسجت حول الضيف.

وبذلك فالأسطورة ومعها الضيف ما زالا حيان يرزقان، محمد الضيف يعتبر “ابن موت” في إسرائيل، فهو مسئول عن العمليات الإرهابية الأكثر دموية والتي قتل فيها مئات المواطنين، ويعتبر والد نظرية الأنفاق وإقامة المدى تحت الأرضي الذي كان من شأنه ان يقدم لحماس تفوقاً على الجيش الاسرائيلي المدرب والمسلح، فهم الضيف في السنوات الأخيرة ان حماس ليس بمقدورها إخضاع الجيش الاسرائيلي أو مواجهته في الجو أو البحر أو البر، فلا طائرات لديها ولا سفن حربية أو دبابات أو مدرعات؛ لذلك فقد أوجد فكرة الأنفاق التي وجد الجيش الاسرائيلي صعوبة في مواجهتها، ومقتل الضيف كان من شأنه ان يقدم للمستوى السياسي والعسكري في اسرائيل صورة للنصر، أما الآن فإنهم مضطرون ان يجدوا لأنفسهم صورة أخرى.

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

                                                                                                                                                                        المونيتور العبري

اترك تعليقاً