وقفة عز

محطات يسارية فلسطينية مضيئة

نضال حمد

تعقيباً على مقالة د. فايز أبوشمالة : تعدد اليسار واللون واحد

عندما يكون الإنسان مسؤولاً عن تحرير موقع الكتروني أو جريدة ما فأنه يكون في وضع صعب ومحرج يفرض عليه التعامل مع المواد التي تصله بصدق وأمانة وحرص شديد على النشر من عدمه. كل ذلك يخضع بطبيعة الحال للسياسة العامة التي يتبعها وينتهجها الموقع الاعلامي المذكور. وعلى هذا الأساس ووفق هذه القاعدة توقفت اليوم طويلاً أمام مقالة للزميل د. فايز أبو شمالة أحد كتاب موقع الصفصاف، هذا الموقع الذي يحمل قناعات يسارية، تستمد صلابتها وإلتزامها بتحرير كل فلسطين من مدرسة تعلمنا فيها أن طريق المقاومة وحرب الشعب الطويلة الأمد هي الطريق الوحيد والأقصر نحو تحرير فلسطين. ولم نكتف بالتعلم فقد كتبنا ذلك بالأحمر القاني في ميادين السلاح والكلمة.

مقالة الزميل د. فايز أبو شمالة بعنوان “تعددَ اليسارُ واللونُ واحد”  وبالرغم من تجنيها على اليسار الفلسطيني والعربي ووضعها كل اليساريين في سلة واحدة. وأستحضارها لعبارات خطيرة نسبت الى اليسار ككل، وليس الى قائلها من اليساريين مثلما ورد هنا “…إن لليسار الفلسطيني أغصان فكرية تقول: بأن العامل اليهودي أقرب إليهم من رجل الأعمال، والمهندس والطبيب والمعلم الفلسطيني، لأن العامل اليهودي من الطبقة العاملة بينما أستاذ الجامعة من الطبقة البرجوازية، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل يواصل اليسار الفلسطيني طرح الشعارات السياسية الكبيرة القاضية بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وفي الوقت ذاته يغطي على كل اتفاقيات ومعاهدات السلام التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية مع (إسرائيل). وفي حين يطالب اليسار الفلسطيني بالانتخابات الديمقراطية، وحرية الرأي، ويعتبرون أنفسهم طليعة المجتمع، يمارس اليسار عملياً عبادة الفرد، ولا يحبون التغيير الديمقراطي، ويتحجرون على أفكار ماتت في بلادها، لطالما هدفت إلى تطبيق دكتاتورية الطبقة العاملة، فإذا بهم ينزوون، ويتكاثرون بالوراثة، ويعيشون حالة اغتراب عن المجتمع الإسلامي في فلسطين.”. ..

رغم ذلك إلا أننا سوف ننشرها في موقع الصفصاف عملاً بسياسة إحترام الرأي الآخر. و أحتراماً لكاتب يكتب في هم شعبنا ومقاومته بشكل يومي.

 بنفس الوقت قررنا الرد على المقالة بأسلوب بعيد عن العصبية والتهجم، بأسلوب جميل تعلمناه في مدرسة اليسار الفلسطيني العريق والكبير، يسار جورج حبش وغسان كنفاني وابو علي مصطفى وطلعت يعقوب وسمير القنطار بطل عملية نهاريا ورمز السجون والمعتقلات والصبر والتفاني والنضال .. يسار أحمد سعدات ورفاقه الذين هددوا ففعلوا، فمقابل رأس القائد النظيف والعفيف الشهيد أبو علي مصطفى كان رأس الوزير الصهيوني الإرهابي رحبعام زئيفي .. طبعاً على عكس كثيرين من الذين يعرفون بأنهم من ” اليمين” والذين إغتيلت قياداتهم الأولى فهددوا وتوعدوا وفي النهاية لم يفعلوا شيئاً.

ولد اليسار الفلسطيني من رحم معاناة الشعب الفلسطيني وكان له شرف رفع الراية والانطلاق بالكفاح المسلح الفلسطيني لأجل تحرير فلسطين وتغيير وتبديل الأنظمة العربية الرجعية المهزومة والمستسلمة. فكانت أولى العمليات الكفاحية المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني لتنظيم شباب الثأر الذي ساهم فيما بعد مع أبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وحركة القوميين العرب في تشكيل تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رمز اليسار الفلسطيني وقدوته وشعلته الوهاجة، التي تتوهج إحمرارا بدماء الشهداء وتضحيات المناضلين على مر تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة. في تلك العملية التي حدثت يوم 02/11/1964 على الحدود اللبنانية الفلسطينية بمنطقة (ادمث) أستشهد الرفيق خالد الحاج ابوعيشة فكان أول شهيد لأول الرصاص الفلسطيني المعاصر. في تلك الفترة من الزمن الثوري الفلسطيني المنبعث رصاصا وغضبا، لم يكن هناك أي وجود فعلي على أرض المجابهة للقوى الاسلامية الفلسطينية أو العربية. كانت قوى اليسار و القوى القومية والوطنية الفلسطينية هي التي بادرت الى العمل والعطاء وأستنهاض الشعب لأجل المقاومة ورفض الواقع ومجابهة المشاريع الصهيونية الرجعية والإمبريالية. فدفعت فواتير عديدة ودماء غزيرة ومازالت تسدد وتدفع.

إذا كان أحد اليساريين قال لأحدهم أن العامل اليهودي أقرب إليهم من رجل الأعمال والمهندس والطبيب والمعلم الفلسطيني، لأن اليهودي من الطبقة العاملة بينما أستاذ الجامعة من الطبقة البرجوازية “. هذا الرأي يمثل قائله وصاحبه فقط لا غير ولا يجوز تلبيسه لكل اليسار الفلسطيني وأعتباره شماعة تعلق عليها أخطاء اليسار الكثيرة سابقاً وحالياً. وإذا أردنا أن نكيل بهذا الكيل ونعير بهذا المعيار فماذا نقول للذين يدعون أن اليهود أولاد عمومتهم وأن ألله سبحانه وتعالى وعد اليهود بهذه الأرض المباركة بإعتبارهم شعب الله المختار؟. وكذلك للذين ينتظرون عودة يأجوج ومأجوج لتحرير فلسطين ..

أما فيما يخص عبادة الفرد عند قوى اليسار فهي موجودة عند البعض لكن هناك حالات أخرى تنفي وجودها، مثلاً تنحي أبو ماهر اليماني من قيادة الجبهة الشعبية وكذلك استقالة الراحل د. جورج حبش من رئاسة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل طوعي.

إن الشعارات التي طرحها ومازال يطرحها بعض اليسار الفلسطيني كانت كبيرة وعظيمة وسوف تظل كذلك بالرغم من قيام بعض اليسار بالتنسيق والتحالف مع اليمين لشطب تلك الشعارات والبرامج والالتزامات. وبالرغم مما نشهده من تحول في سياسة قوة إسلامية أساسية في فلسطين بدأت كما اليسار تماماً وأنتهت الى يومنا هذا بطرح برنامج الهدنة الطويلة الأمد. الذي يعتبر مثل البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي طرحته احدى فصائل اليسار الفلسطيني بإيعاز من الراحل ياسر عرفات. بغية دخول العملية السلمية، التي أدخلتنا النفق المظلم ومن ثم أوصلتنا الى كارثة وطنية جديدة ندفع اليوم أثمانها بالجملة.

أود أن أعلن اتفاقي مع بعض ما جاء في مقالة د. ابو شمالة وخاصة دور اليسار الفلسطيني هذه الأيام في إطالة عمر المستسلمين والمهيمنين على منظمة التحرير الفلسطينية ومقدرات وقرار الشعب الفلسطيني. فمواقف الفصائل الفلسطينية اليسارية المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية وبالذات في اللجنة التنفيذية غير مبررة وغير مفهومة وغير شعبية. لأنها تمرر لعباس ومن معه كل تجاوزاتهم وقراراتهم اللا شرعية وبعضها اللا وطني.ومشكلة اليسار هذه الأيام أنه عالق بين فكي كماشة السلطتين في رام الله وغزة.

في ختام مقالته يقول د. ابو شمالة :

أما من حيث المستوى المعيشي لقيادة اليسار الفلسطيني، واستحواذهم وسيطرتهم على عصب الدعم المالي القادم من أمريكا والغرب، وقبضهم عشرات ألاف الدولارات عن عمل إداري لا يخدم المجتمع، وترؤسهم للعديد من الجمعيات، والمؤسسات التي تعمل تحت مسميات إنسانية، فقد أثبت اليسار الفلسطيني بأنه ملك القنص والقبض، والحياة الاجتماعية الفاخرة. “.

ذكرتني هذه الكلمات بحادثة حصلت لصديق لي من قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حيث توجه هذا الصديق برفقة الشهيد القائد النموذج أبو علي مصطفى وقائد آخر من الجبهة الى بغداد للمشاركة في مؤتمر هناك. وفي الطريق غير بعيد عن حلب جاع أحدهم، فقال لأبي علي هنا يوجد مطعم مشاوي لنتوقف ونأكل… فرد أبو علي : لا .. بعد قليل سنأكل في مطعم فلافل غير بعيد عن هنا. هذا هو اليسار الحقيقي، يسار الثورة المستمرة والجوع لأجل الوطن والشعب والقضية.

هناك حادثة يسارية أخرى كان بطلها الشهيد الراحل طلعت يعقوب امين عام جبهة التحرير الفلسطينية، الذي لم يجد مالاً ولا بنزين في سيارته وكان عليه ان يشارك في اجتماع قادة فصائل المقاومة الفلسطينية بالرئيس الراحل حافظ الأسد فأستقل مع مرافقه سيارة أجرة وذهب إلى الاجتماع المذكور.

يقول د ابوشمالة : ” شاركت في أحد المؤتمرات المتعلقة بالقضية الفلسطينية في مدينة بيروت سنة 2004، وقد لفت نظري وزير العدل السابق في السلطة الفلسطينية السيد فريح أبو مدين، إلى جناح الفندق الفاخر الذي ينزل فيه قائد إحدى فرق اليسار الفلسطيني، والذي تبلغ تكلفته في الليلة الواحدة خمسة آلاف دولار. ولكن في اليوم التالي للمؤتمر، وقف رجل اليسار الفلسطيني أمام المؤتمرين العرب ليتحدث عن فلسطين، وعن الفقراء، وعن الاستغلال الإسرائيلي للطبقة العاملة، وعن الحصار الإسرائيلي للشعب الفلسطيني الذي لا يجد قوت يومه.”.

حقيقة لم أفهم قصد د. ابوشمالة وإن كان يعني أن مؤسسة مثلاً مثل “الضمير” وهي مؤسسة يسارية الهوى والإنتماء تقبض أية أموال من أمريكا.. ولم أفهم أيضاً إصراره على وضع اليسار كله في سلة واحدة، سلة مهملات السلطة الفلسطينية وال ” إن جي أُوز” والمعونات الغربية والأمريكية .. لو كان يقصد بعض الرموز التي نعرفها مثل عبد ربه والمالكي لفهمنا القصد. لكن أن يشمل القصد الجميع فهذا تجني أو خطأ. وبالنسبة لقائد إحدى فرق اليسار الفلسطيني والذي تبلغ تكلفة ليلته في الفندق البيروتي خمسة آلاف دولار أمريكي .. إن صح وجود غرف بالفنادق بهذه التكلفة المرتفعة ، فهذا بحد ذاته تبذير لأموال الشعب الفلسطيني . لكن ألم يرى ويعرف الزميل د. ابو شمالة أين ينزل قادة اليمين الفلسطيني ممثلاً بفتح وحماس وغيرهم؟

ألم يتعرف على كيفية إدارة مؤتمراتهم مالياً ؟

هناك من يعرف ذلك خير المعرفة … فهناك تصرف الملايين بهبل .. لكن هذا ليس وقت الحديث عن التبذير وصرف الأموال بأشكال غير معقولة وغير مقبولة. لأنه يكفي شعبنا أوجاعه وآلامه ونكساته وعدم ثقته بقيادته وفصائله سواء كانت يسارية، يمينية أو إسلامية.

 

  مدير موقع الصفصاف *

www.safsaf.org

26/03/2010