الأرشيفالجاليات والشتات

مشروع التحرير الوطني الفلسطيني: قراءة من أجل التاريخ والمستقبل – مسعد عربيد وأسامة عمّوري

مشروع التحرير الوطني الفلسطيني: 

قراءة من أجل التاريخ والمستقبل 

مسعد عربيد وأسامة عمّوري

PDF

مقدمة لا بدّ منها 

 

الدافع لهذه الكتابة هو تقديم قراءة للواقع الفلسطيني خدمةً للجيل الفلسطيني والعربي الناشئ، من خلال قراءة الحاضر واستحضار حقائق الماضي ودروسه من أجل استشراف المستقبل وإسهاماً في الإجابة على سؤال: ما العمل؟

 

لا ننوي من هذه المراجعة التكرار ولا الدخول إلى دهاليز وجزئيات التطورات في الساحة الفلسطينية. بل، بعيداً عن هذا، نريد أن نقدم محاولة لفهم ما حدث وكيف وصلنا إلى ما نحن عليه، لأننا معنيون بفهم ما حصل من تخريبٍ في الوعي الشعبي. وبما لا يقل أهمية، نسعى إلى الإفادة من تجاربنا كي يستطيع شعبنا النهوض واستشراف المستقبل والمضي قدماً على درب تحرير فلسطين.

 

لقد كُتب في معركة “سيف القدس” وهبّة أيار 2021 الكثير وقيل الأكثر، غير أنه من أهم نتائجها أنها فرضت مراجعة وتقييم الوضع الفلسطيني برمته من أجل اتخاذ مسار جديد. لذا يجدر بنا أن نتوقف، ولو بشكلٍ مكثف، عند أهم تداعيات ونتائج هذين الحدثين المفصليين التي طالت أكثر من مستوى.

 

■ ■ ■

 

المستوى الفلسطيني 

 

أ) مرحلة جديدة

 

لا شك أننا دخلنا مرحلة جديدة في كفاح الشعب الفلسطيني من أجل تحرير وطنه المحتل، وأن الهبة الأخيرة وفرت العديد من العوامل التي تسهم في بناء قوة المقاومة وولادة مناخات مؤاتية لهبات وإنتفاضات جديدة ومستمرة. ومن أهم سمات هذه المرحلة:

 

■ انكشاف دور ووظيفة السلطة الفلسطينية (إن كان هناك حاجة إلى المزيد من الانكشاف)

ومشاريع التسوية وإقامة الدولة الفلسطينية المزعومة واتفاقيات أوسلو “والمفاوضات” مع الكيان الصهيوني.

■ تعاظم قوى المقاومة وتراكم إنجازاتها وتطور أشكال المقاومة وقدراتها الفنية والميدانية.

■ التأكيد على ثبات شعبنا وقدرته على الصمود واجتراح وسائل المقاومة وأشكال الكفاح كسلاح فعّال ورادع وكجزءٍ من المعادلة الجديدة.

■ أثبتت هذه المعارك، كما تجارب الشعوب عبر التاريخ، أن سر الانتصار يكمن في مقاومة الاحتلال وحرب التحرير الشعبية طويلة المدى.

■ تعاظم ثقة الشعب والمجتمع الفلسطيني بالمقاومة التي أثبتت أنها هي التي تحميه، في حين تتآمر السلطة الفلسطينية مع المحتل الصهيوني على مناضليه وكل مَنْ يقاوم الاحتلال.

■ التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، تلك الوحدة التي طالما أرعبت الكيان الصهيوني منذ تأسيسه عام 1948. فقد ترابطت كافة أجزاء فلسطين التاريخية وتوحد شعبنا في كافة أماكن تواجده: الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وأراضي احتلال 1948 والشتات.

■ على الرغم من أهمية المكانة الروحية والدينية للقدس وعلى واجب الكفاح من أجل حماية الأماكن المقدسة، فقد أكدّ شعبنا في جميع أجزاء فلسطين التاريخية على ضرورة الربط بين الحق الوطني، حق تحرير الوطن المحتل من النهر إلى البحر، من جهة، وحماية المقدسات كجزء من هذا الوطن ومكانتها الدينية والروحية والحضارية لدى شعوبنا وكافة شعوب العالم، من جهة أخرى.

 

ب) إشكالية الشرعية … والقيادة الفلسطينية

 

لقد أعادت معركة “سيف القدس” إلى الواجهة مفارقة مزمنة في تاريخنا: ففي حين كان موقف شعبنا واضحاً من تمسكه بأرضه ومقاومته للمشروع الصهيوني منذ بداية الغزوة الصهيونية لبلادنا في أواخر القرن التاسع عشر، نجد أن قياداته وفي مراحل متعددة من تاريخ كفاحه لم تكن أمينة على مصالحه وحقوقه ومشروعه في تحرير فلسطين.

 

وهذا يطرح أسئلة قد لا تريح الكثيرين:

 

■ لماذا لم يحقق النضال الفلسطيني ولو بعضاً من أهدافه رغم التضحيات وتراكم الإنجازات النضالية الممتدة على أكثر من قرنٍ من الزمن (هبّات وانتفاضات وثورات أعوام 1929، 1936-1939، 1965، 1987، 2000 وغيرها)؟

■ ولماذا لم يتمكن شعبنا من خلق قيادة مؤتمنة على قضيته ولها مصلحة حقيقية في تحرير الوطن المحتل؟

 

هذه الأسئلة لا تُغفل ولا تُقلل أبداً من هول جبهة الأعداء وتعدد قوى الثورة المضادة وجبروتها العسكري والاقتصادي والسياسي على مختلف الجبهات: الإمبريالية الغربية والصهيونية والرجعية العربية.

 

لا يختلف إثنان على أن معسكر الأعداء قوي. هذا صحيح. ولكنه صحيحٌ أيضاً أنه كان هناك فرص متاحة لشعبنا وبفضل كفاحه المديد لتغيير ميزان القوى وتجسيد إنجازات ملموسة، ولكن هذا لم يتحقق لأنه كان يتطلب قيادة واعية مخلصة أمينة تملك الرؤية والبرنامح والمعرفة، والأهم: المصلحة في التحرير وليس في الاستدوال وبناء طبقة حاكمة تسعى لإقامة “دولة” تحقق فيها مصالحها الطبقية والاقتصادية والسياسية على حساب تحرير الوطن.

 

غير أنه من الواضح أن القيادات التي هيمنت على القرار الفلسطيني لعقودٍ طويلة ظلت من حيث طبيعتها ومنبتها الطبقي والسياسي مكونة من طبقات وشرائح يمينية وكومبرادورية، وأخرى تابعة لقوى الدين السياسي. كما ظلت هذه القيادات، كما كانت، “فصائلية” في سياساتها حيث أن مصالحها تكمن في المحاصصة والمنافع الآنية، ولا تصبّ في تحرير الوطن المحتل ومصلحة الشعب وطبقاته الشعبية. وليس خافياً بعد هذه العقود الطويلة، أن حديث القيادات عن مشروع تحرير فلسطين والكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد، كان حديثاً نظرياً لا ينطلق من إيمان أو قناعات أو ممارسات حقيقية. أما فصائل “اليسار” فقد بقيت مستسلمة لليمين وخاضعة لتمويله وهيمنته على القرار الفلسطيني، ولم تملك إرادة تحدي سياساته الاستسلامية الكارثية ومناهضتها.

 

■ هذا كله يشير إلى ضرورة فرز جذري وواضح بين القيادة والشعب، بين القيادة التي تخلت عن مشروع التحرير منذ عقود، والشعب الذي تكمن مصلحته في تحرير الوطن المحتل، وهو ما يتطلب قيام قيادة وجبهة وطنية فلسطينية تقوم على أطرٍ تمثل شرائح وطنية وشعبية لها مصلحة في التحرير وتصنع القرار وتستثمر في وحدة كافة أجزاء الشعب الفلسطيني (قطاع غزة والضفة الغربية والاحتلال الأول عام 1948 والشتات.)

 

ج) أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948: ديمومة القضية الفلسطينية

 

خلافاً لحسابات العدو الصهيوني وتوقعاته، أثبتت معركة “سيف القدس” وهبّة أيّار أن قضية فلسطين لا تزال حية، وأن الأجيال الناشئة في المحتل عام 1948 – والتي لم ترى نكبة 1948 ولا احتلال 1967 ولا حتى اتفاقيات أوسلو (1993)، ولم تعش مراحل الاحتلال والاستيطان السابقة – لا تزال تحمل فلسطين في وعيها ووجدانها.

 

لقد سقطت كذبة: “الكبار يموتون والصغار ينسون”، وفشلت السردية الاستعمارية الصهيونية التي تقوم على فصل الفلسطينيين وتجزئتهم في مختلف أماكن تواجدهم. فنحن أمام جيلٍ نهض رغم الفقر والتهميش وانتشار المخدرات والجريمة والسلاح، نهض ليرفض مخططات الأسرلة ومحاولات الترويض والإخضاع وسياسات الاحتلال الصهيوني والاستيطان والتهويد والضم والتهجير القسري ومصادرة الأراضي والإبادة المادية والبشرية للإنسان والمجتمع، وليؤكد سقوط أوهام دمج عرب فلسطين في المحتل عام 1948 في المجتمع الصهيوني.

 

كما أثبت هذا الجيل مغادرته للنضال “المطلبي والحقوقي” – والذي يختزل كفاح وتضحيات جماهير شعبنا في المحتل 1948 والذي روّجت له السياسات الصهيونية السردية الاستعمارية والقيادات العربية في الكنيست الصهيوني – ليعانق النضال الوطني في سبيل تحرير الأرض المحتلة، وليؤكد أن جوهر الصراع هو “أرض فلسطين”.

 

■■■

 

لقد ركزنا أعلاه على المستجدات في الساحة الفلسطينية، ولكننا لا نستهين بالمتغيرات الجسيمة التي حدثت في المستويات الأخرى، وفيما يلي أهمها:

 

المستوى العربي

 

■ أكد حراك الجماهير العربية على سقوط الأوهام حول طبيعة الصراع، وأنه صراع عربي – صهيوني، وليس “فلسطينياً – إسرائيلياً”، وأن بوصلة الوعي الشعبي العربي ما زالت فلسطين، وما زالت قضيتها راسخة في عمق الوجدان العربي. ومن هنا نلحظ تزايد الدعم الشعبي العربي ونهوض الشارع والحراك الشعبي اللذين صاحبا المزيد من التواصل بين الشعوب والقوى العربية الداعمة للكفاح الفلسطيني والمشاركة فيه، والتي لا بد من البناء عليها واستثمارها وتجذيرها.

 

■ كما أكد أن تطبيع القيادة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني والاعتراف به، لا مكان له في وعي شعوبنا ووجدانها.

 

المستوى الصهيوني

 

أسقطت الهبّة الأخيرة الأوهام حول أسطورة “العدو الذي لا يقهر”، وأظهرت ضعف الكيان الصهيوني وضعف القدرات القتالية لجيشه وتكرار هزائمه (2006، 2014 وغيرها)، وعجزه عن تحقيق “بنك أهدافه”، والأهم فشله في قراءة وتقديرات مؤسساته السياسية والاستراتيجية والأمنية والاستخبارية لقدرات المقاومة لدى شعبنا في كافة أماكن تواجده: الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948 والشتات.

 

وسواء أقرّ العدو الصهيوني بذلك أو لم يقر، فقد أدرك تعاظم قدرة المقاومة ومخزونها الصاروخي وخطورتها على هزّ الكيان الصهيوني وأركانه الاستيطانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفشل “قبته الحديدية” في التصدي لصورايخ المقاومة، ما يعنى انتقال الصراع إلى مرحلة نوعية جديدة.

 

المستوى الدولى

 

شعبياً: إحياء وتجديد الدعم الشعبي العالمي لنضال الشعب الفلسطيني وما رافقه من تحول هام في الإعلام العالمي.

 

رسمياً: فشل قوى وأنظمة الثورة المضادة في قراءة المتغيرات والتي تتمثل في صعود قوى ومحور المقاومة فلسطينياً وعربياً وإقليمياً؛ وانحدار وضعف الإمبريالية الغربية الأميركية والأوروبية مقابل صعود القوى المناهضة للهيمنة الأمريكية والذي يتمثل في صعود روسيا والصين، وأن زمن “أميركا التي تمسك ب 99% من أوراق الحل” قد ولى إلى غير رجعة.

 

أسئلة المستقبل

 

إلى جانب هذه المستجدات الجسيمة، لا زالت الأسئلة تحوم حول المستقبل:

 

– مصير السلطة الفلسطينية و م.ت.ف. وما ستفعل قوى المقاومة بعد هدوء الجبهة العسكرية؟

– مَنْ يكون مصدر المرجعية للشعب الفلسطيني ومَنْ يمثله ويمثل شرعية نضاله؟

– أين مشروع التحرير الوطني والثوابت الوطنية والقومية؟

– كيف نُبقي على المقاومة خياراً، وما هي الضمانة لاستثمار واستمرار المقاومة والهبّة والحراك؟ وكيف نضمن تراكم الإنجازات كي لا تضيع التضحيات والدماء كما حصل مراتٍ عديدة في الماضي؟

 

■ ■ ■

 

سنوزع هذه الدراسة على الأقسام التالية:

 

الجزء الأول: طبيعة الأزمة

الجزء الثاني: قراءة عاجلة في المشهد الراهن

الجزء الثالث: تحديات وإشكاليات المرحلة

الجزء الرابع: الخلل في فهم المشروع الصهيوني – الإمبريالي 

الجزء الخامس: تفنيد الأكاذيب أو كيف يتم تخريب الوعي الشعبي؟

الجزء السادس: تصورات المستقبل ومهماته 

ملحقات

ملحق (1): محطات رئيسية في مسيرة التخلي عن مشروع التحرير

ملحق (2): برنامج النقاط العشر (بين 1-8 يونيو 1974)

ملحق (3): قرارات المجلس الوطني الفلسطيني (15 نوفمبر 1988)

ملحق (4): تعديل/إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني

 

مدخل

 

لم تكد تمضي سنوات قليلة على نكبة فلسطين عام 1948، والتي أسفرت عن اغتصاب 78% من أرض فلسطين وتدميرٍ شامل لكافة مقومات المجتمع والكيان الفلسطينيْين، حتى استعاد الشعب الفلسطيني زمام قضيته وأخذ يلملم قدراته ليواصل كفاحه في سبيل تحرير الوطن المحتل. ومع حلول أواخر خمسينيات القرن الماضي، ورغم ظروف التشرد والشتات، ظهرت في الحياة السياسية الفلسطينية دعوات ومبادرات وتنظيمات تسعى لتنظيم قوى الشعب الفلسطيني وتجنيدها في طلائع فدائية للنضال من أجل تحرير فلسطين ومقاومة المشروع الصهيوني – الإمبريالي في فلسطين والوطن العربي، وهي مسيرة لم تتوقف منذ بواكير الغزوة الصهيونية الاستيطانية لبلادنا في أواخر القرن التاسع عشر.

 

ومع بلوغ منتصف الستينيات، ورغم التجاذبات والخلافات بين الأنظمة العربية آنذاك، تكاثرت المنظمات الفدائية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وصولاً إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) في القدس في أيّار 1964. وعلى إثر هزيمة حزيران 1967، شهدنا تصاعداً لافتاً لقوى المقاومة الفلسطينية والتحاق الجماهير الفلسطينية والعربية بها، وكان النصر في معركة الكرامة (آذار 1968) عنواناً ورمزاً لها.

 

جدير بالذكر والتذكير في هذا السياق، أن حركة المقاومة الفلسطينية المعاصرة نهضت، قبل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 – بالإضافة إلى الأراضي العربية في سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية – لتشكّل (المقاومة) استمراراً لكفاح شعبنا من أجل تحرير فلسطين المحتلة عام 1948، ومع احتلال الضفة والقطاع، أصبح هدف الكفاح الفلسطيني تحرير كامل تراب فلسطين من النهر إلى البحر.

 

هكذا تبلور الهدف الوطني للشعب الفلسطيني فيما بعد هزيمة حزيران 1967، وعلى أساسه التحقت جموع المناضلين الفلسطينيين والعرب بحركة المقاومة الفلسطينية، تعبيراً عن إرادة شعبنا وأمتنا العربية في استمرار الكفاح من أجل تحرير فلسطين، وتجسيداً لثباتها في مناهضة المشروع الصهيوني – الإمبريالي في فلسطين والوطن العربي.

 

مع مطلع سبعينيات القرن الماضي، شرعت بعض فصائل منظمة التحرير وتيارات في داخل بعضها بإطلاق طروحات تدعو إلى القبول بدولة على أي جزءٍ من أراضي فلسطين المحتلة، وشهدت هذه المرحلة الكثير من التجاذبات والخلافات بين صفوف الفصائل الفلسطينية، إلى أن حسمت قيادة م.ت.ف. قرارها في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في حزيران 1974 والذي أُطلق عليه اسم “برنامج النقاط العشر” أو “البرنامج المرحلي”. وقد نصّ هذا البرنامج في بنده الثاني على أن “تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على أي جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله”. ثم عاد هذا البرنامج في بنده الثالث ليؤكد على أن “تناضل منظمة التحرير ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة، والتنازل عن الحق الوطني، وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وحقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني.” وليس خافياً أن التطورات التي تلت عام 1974، لم تكن في حقيقتها سوى استثماراً لما سعت إليه قيادة م.ت.ف. والتي كانت انتهاكاً للثوابت الوطنية والقومية بما فيها ما جاء في البند الثالث، وذلك إمعاناً في خداع شعبنا، ومن أجل تمرير خطاب القيادة الفلسطينية المتنفذة ب م.ت.ف. ونهجها الاستسلامي وسعيها وراء وهم الدولة.

 

منذ تصفية الوجود العسكري للمقاومة الفلسطينية في الأردن – معارك الأحراش في تمّوز 1971، وربما قبل ذلك في صفوف قيادات بعض الفصائل، وتحديداً بعد إقرار البرنامج المرحلي ل م.ت.ف. في حزيران 1974 – منذ تلك الآونة أصبحت فكرة ما أسموه “السلطة الوطنية الفلسطينية” هي الفكرة المهيمنة في الساحة الفلسطينية. ولم تكن هذه التسمية في دلالاتها الحقيقية سوى “الدولة”، “الحكم الذاتي”، اي الاستدوال بمعنى السعي لتأسيس هذه الدولة. هكذا تم الانتقال من مشروع تحرير فلسطين إلى مشروع إقامة دولة.

 

جاءت هذه التطورات لتمثل سيلاً من التنازلات للعدو الصهيوني – الإمبريالي حتى انتهت قيادة م.ت.ف. إلى اتفاقية أوسلو واعترافها ب”إسرائيل” وشرعية الكيان الصهيوني على 78% من أرض فلسطين والتخلي عن مشروع وهدف تحرير كامل التراب الفلسطيني.

 

■■■

 

من أجل معالجة الأزمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية، لا بد من الإجابة على الأسئلة التالية:

 

– ما هي جذور الأزمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية؟

– كيف هَوَيْنا إلى هذا الحضيض المُذل، وتخلينا عن مشروع التحرير الوطني، وأخذنا نلهث وراء سراب “الدولة” المسخ؟

– وكيف وصلنا إلى مرحلة التوسل للحصول على “سلطة” هي أدنى بكثير من “حكم ذاتي”، بل أصبحنا “شركاء” منسقين مع العدو المحتل في اصطياد مناضلي شعبنا وتصفيتهم؟

– ما العمل؟ وما هو درب الخلاص من هذه المصيدة؟

 

أسئلة ليس بوسع أحدٍ لوحده أو جهةٍ لوحدها أن يزعم الإجابة عليها أو امتلاك رؤية سياسية شاملة للأزمة التي نمر بها ولا حلولاً جاهزة وكاملة. وعليه، فإن ما نقدمه في هذا البحث هو رؤية استشرافية منفتحة على كافة الأطراف للإسهام فيها.

 

الجزء الأول

طبيعة الأزمة

 

تناولنا أعلاه بشكل مقتضب ملامح الأزمة العميقة التي تعصف بمشروع التحرير الوطني الفلسطيني، والتي تطال برنامجه وقيادته وآليات عمله. ويكمن السبب الرئيسي لهذه الأزمة في التناقض بين:

(1) استراتيجية وهدف تحرير كامل تراب فلسطين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وإنهاء المشروع الصهيوني – الإمبريالي في فلسطين والوطن العربي، من جهة؛

و(2) الطبيعة الطبقية البرجوازية للقيادات الفلسطينية المهيمنة، وهنا فأننا نتحدث عن شريحة طبقية معينة هي شريحة الوكلاء المرتبطة برأسمال الاستعماري، و أصبحت جزءً من مصالحه، ولا نتحدث عن البورجوازية الوطنية التي تنمّي الاقتصاد الوطني الصناعي والزراعي وقطاعات الاقتصاد الأخرى. وليس خافياً أن شرعية هؤلاء الوكلاء مستمدة تاريخياً من كون بعضهم من مؤسسي م. ت. ف. من جهة، والقيادات الفلسطينية المتنفذة والتي لها بدورها برنامجها الاقتصادي – السياسي الذي يعبر عن مصالحها الطبقية والاقتصادية، من جهة أخرى. وللحفاظ على هذه المواقع والمصالح، تنتهج هذه الطبقة السياسات التي تحقق ذلك، فقد هادنت العدو الصهيوني – الإمبريالي وقدمت له التنازل تلو الآخر حتى وصل بها الأمر إلى التخلي عن برنامج التحرير الوطني.

 

تستمر هذه القيادة – بفضل سيطرتها على صناعة القرار في الحركة الفلسطينية وإدارة السلطة والحكم الذاتي بعد اتفاقات أوسلو وسيطرتها شبه المطلقة على م.ت.ف. في إدعائها بأنها ما زالت تتبنى برنامج التحرير الوطني وتناضل من “أجل ثورة حتى النصر”، وتدّعي الالتزام بالثوابت الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني، رغم كل التنازلات التي قدمتها وتخليها الكامل عن مشروع التحرير الوطني والإنصياع التام للإملاءات الصهيو- إمبريالية. وهو ما تؤكده تجارب الشعوب عبر التاريخ: فكل طبقة تصل إلى السلطة تصبح مضطرة، من أجل تحقيق غاياتها، لتصوير مصلحتها وكأنها تمثل المصلحة المشتركة العامة للمجتمع بأسره. ومن هنا تتم صياغة هذه المصالح والتعبير عنها في الخطاب السائد وكأنها خير للمجتمع بأسره بحيث يضحى رفض مثل هذه الأفكار ضرباً من التفكير غير العقلاني.

 

الانحراف من مشروع “التحرير” إلى مشروع “الدولة”

 

المقصود هنا التخلي عن مشروع تحرير فلسطين مقابل السعي وراء دولة/دويلة/سلطة/حكم إداري ذاتي محدود… وغيرها من المسميات نكثفها بمصطلح “الاستدوال” أي السعي نحو “الدولة”.

 

والحقيقة أن الاستدوال هو وهم مُتخيل من صناعة القيادة الفلسطينية، ولكنه تجسيد مادي لمصالح طبقية واقتصادية وسياسية للقيادة الممثلة لشريحة وكلاء رأسمال الاستعماري/الامبريالي. فلم يعرض أحد على الفلسطينيين دولة، بل كانت القيادة الفلسطينية هي التي توهمت “وتأملت” أن تحصل عليها وتطوعت بالقبول بها متنازلة عن هدف التحرير. وحتى قرار مجلس الأمن 242 سيئ الصيت لم يعرض على الفلسطينيين أي كيان أو دولة، بل طالب بانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي التي احتلها في حرب حزيران 1967.

 

لقد جاء سعي هذه القيادة وراء وهم الدولة المزعومة لعدة أسباب وعوامل أهمها:

 

– سعيها لإقامة سلطة/كيان يحقق لها مصالحها الطبقية والاقتصادية؛

– ولكنه جاء ايضاً، نتيجة قراءة قاصرة للواقع السياسي على كافة الأصعدة، المحلية والعربية والدولية؛

– والأخطر في هذا كله خلل بنيوي في فهم القيادة للمشروع الصهيوني – الإمبريالي، والذي هو أكبر من الكيان الذي قام على أراضي الاحتلال الأول عام 1948، ويشمل بوضوح ودون لبس الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها في حرب حزيران 1967، ولكنه، بالإضافة، يسعى إلى الهيمنة على الوطن العربي ومقدراته وإحكام تبعيته للمركز الرأسمالي؛

– هنا يتضح الخلل الأكبر في مسار السعي وراء الدولة والذي انتهى بالاعتراف بالكيان الصهيوني، أي شرعنة احتلال واستيطان فلسطين وتشريد شعبها لإحلاله بمستوطنين من شتى بقاع المعمورة. بعبارة أخرى، لقد غيّبت القيادة المهيمنة في م.ت.ف.، عن وعي وبذريعة “فنْ الممكن”، المشروع الصهيوني الذي لا يهدف إلى استيطان فلسطين وحسب، بل يستهدف الوطن العربي برمته بغية الهيمنة على شعوبه ومقدراتها، وفي الأعمق، تهديد وجودها البشري والحضاري؛

– وهذا يعني أن دخول التسوية السياسية أو المفاوضات يعني التفاوض مع الصهيونية على مشروعها.

– عدم الاتعاظ وأخذ العبر من تجارب شعبنا وكافة شعوب العالم، وهي أن العدو لا يتنازل إلاّ عندما يُهزم وتختل موازين القوى ضده؛

– بالإضافة إلى أن مسيرة السعي نحو الدولة جاءت بكلفة باهظة، فإنها كانت نتيجةً لدونية مفجعة ومُذلّة تجاه العدو الصهيوني والغرب الرأسمالي الإمبريالي تجلى في مسلسل من التنازلات في محاولة استجدائهما واسترضائهما؛

– وعليه، لم يكن مسلسل “المفاوضات” سوى تجليات لهذا الاستجداء. هنا يكون حديثنا عن استجداء مدخلٍ اياً كان إلى الإدارة الأميركية في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، ولاحقاً مؤتمر مدريد (أكتوبر1991) وجولاته العشر، ثم إعلان المبادئ المعروف باتفاقية أوسلو (سبتمبر 1993)، وربع قرن من المفاوضات، فيما يستمر تهويد الضفة الغربية واستيطانها، وقضم ما تبقي للفلسطيني من أرضٍ وماءٍ وهواء؛

– هكذا، وبالمحصلة، دمر الاستدوال مشروع التحرير ليحل محلة مشروع الدولة، والذي هو، بعبارة أخرى،تحديدا تجسيد لمشروع شريحة البرجوازية الفلسطينية التي تشكلت كوكيل للراسمالية الامبريالية الغربية وهي تعمل على إنشاء كيان اقتصادي سياسي يحمي وينمي مصالحها ولو كان ذلك عل حساب التخلي عن حق شعبنا في ترابه الوطني الكامل وسيادته.

 

انحراف الخطاب الفلسطيني

كضرورة لانحراف المشروع

 

‏لقد تطلب السعي نحو السلطة أو الدولة تغييرَ الخطاب أي صياغة خطاب يقدم الذريعة للانتقال من المقاومة المسلحة ومشروع التحرير الوطني إلى تبني مشروع السلطة/الدولة. وكان من بين أهم أدوات تغيير الخطاب أو صياغة الخطاب الجديد تزييف الوعي الشعبي وحشوه بأكاذيب وأوهام حتى يقبل ‏بالهزيمة والخنوع.

 

‏وإذا كان من المألوف في أشكال الفعل السياسي، أن يبدأ الخطاب السياسي بتحديد منطلقاته، فإن الخطاب السياسي الفلسطيني الراهن يمثل، بلا ريب، استثناءً. إذ أن خطابنا كان واضحاً على مدى عقود من القرن الفائت إلى أن ضربت به أشكال الفعل السياسي الانهزامي المليئ بالأكاذيب والإفتراءات خلال العقود الخمسة الأخيرة وبشكل أكثر تحديداً ‏منذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم.

 

لذا فإن المهمة الملحة تكمن في تفنيد الأكاذيب والأوهام وتعرية ما حلّ بالوعي الشعبي الفلسطيني والعربي من تزييف وتخريب وتدمير، وهو ما سنعود إليه لاحقاً.

 

الجزء الثاني

قراءة عاجلة في المشهد الراهن

 

أ) سمات المشهد الفلسطيني

 

1) ضياع في الإستراتيجية والتكتيك:رغم الاتفاق على الثوابت الوطنية والقومية في ميثاقي م. ت. ف. (أي القومي لدى تأسيسه عام 1964، والوطني عام 1968 حين هيمنت حركة “فتح” عليها)، ورغم الاختلافات التي أحاطت بالبرنامج المرحلي عام 1974 (برنامج النقاط العشر)، فإنه باستطاعة المراقب أن يلحظ غياب التوافق بين الفصائل الفلسطينية على آلية (أو آليات) تنفيذ المشروع التحرير الوطني (أو حتى الوصول إلى الدولة المزعومة). بعبارة أخرى، لم تحدد هذه الفصائل التكتيكات المتاحة.

 

وحتى لو افترضنا انه تم الاتفاق على إستراتيجية التحرير فإنه لم يتم التوافق على آليات تنفيذها. وحتى البرنامج المرحلي (إذا وافقناً جدلاً على إدعاء أصحابه بأنه طرح حينها ك”تكتيك”)، حتى هذا البرنامج لم يتم التوافق على آليات تنفيذه.

 

ومن نافل القول، أن استراتيجية التحرير الوطني، والتي تم تأكيدها لفظياً مراراً وتكراراً، لم يملك أحد الأمانة ولا الجرأة أن يعلن أنه قد تخلى عنها.

 

2) الانقسام القائم بين سلطتي الضفة الغربية (“فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية) وقطاع غزة (“حماس”). يعتمد كلاهما على الخارج في بقائهما، ولكنهما عاجزتان عن البقاء دون التمويل الخارجي، والمفارقة أنهما لا زالتا تقتتلان.

 

3) ‏ غياب مشروع التحرير الوطني: هذا هو المشترك بين كل هذه الفصائل هو، فالمطروح الآن هي “حلول” تدور حول إقامة الدولة، ولا تنطلق هذه الحلول من مشروع تحرير كامل التراب الفلسطيني.

 

4) المقاومة: لقد أثبت شعبنا أنه متمسك بالمقاومة بكل أشكالها وعلى الأخص الكفاح المسلح ولم تنطلي عليه مؤامرة تجريده من سلاحه وإدعاء أن النضال السلمي كافٍ لتحقيق أهدافه بينما هو يواجه استعماراً استيطانياً يعمل يومياً على إلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية بكل الوسائل بدءً بالتطهير العنصري والاستيطان والتهويد ودفع أبناء شعبنا للهجرة وصولا إلى سرقة التراث الحضاري لشعبنا الموروث عبر آلاف السنين. إلا أن شعبنا انحاز بشكل واضح للقوى الصاعدة من المقاومة وتباعد عن مَنْ تخلى عنها وعن الكفاح المسلح.

 

ب) المكونات السياسية الفلسطينية

(القوى السياسية الفاعلة)

 

لا يتسنى فهم ما يحصل في الساحة الفلسطينية اليوم دون تحديد المفاصل الرئيسية للمشهد السياسي ودون تحديد مواقع كافة القطاعات والقوى السياسية والاجتماعية/الطبقية الفاعلة

في الصراع الدائر وموقفها من مشروع تحرير فلسطين. وفيما يلي نورد باختصار أهم هذه القوى ومواقفها:

أولاً: اليمين

 

يتمثل الفصيل المهيمن والمتحكم بقرارات ومقدرات م.ت.ف. في حركة “فتح”. وهو فصيل، دون الانتقاص من إرثه النضالي، يستقوي بماضيه وتاريخه النضالي على حساب الوطن وتحريره. فقد حسمت قيادة “فتح” أمرها قبل مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو وقررت الدخول في التسوية الصهيو-أميركية (بغض النظر عن تنظيرات “تمرحل النضال”، “نبذ العنف”، “سلام الشجعان”… وصولاً إلى عودة هذه القيادة وغيرها من قيادات الفصائل الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة أي إلى سجن الاحتلال.

 

وتمثل قيادة “فتح” مصالح شريحة كومبرادورية من البرجوازية الفلسطينية اليمينية، مصالح طبقية واقتصادية وسياسية مرتبطة بالاحتلال الصهيوني ورأس المال العالمي.

 

يرتكز موقف القيادة اليمينية في “فتح” و م.ت.ف. على:

‏- الاعتراف بالكيان الصهيوني​​ ما يعني التخلي عنه 78% من أراضي فلسطين؛

– تسوية على الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في حرب حزيران 1967 أو على جزءٍ منها؛
– التمسك بالسلطة في الضفة الغربية أو تلك الأجزاء منها التي يسمح لها الاحتلال الصهيوني بإدارة الحكم الذاتي فيها مقابل حراسة الكيان الصهيوني عبر شن حرب يومية مستمرة على أفراد وقوى المقاومة من شعبنا بتنسيق أمني كامل مع الكيان الصهيوني.

 

ثانياً: اليسار

 

ويشمل فصائل تعتمد خطاباً يصر لفظياً على تحرير فلسطين ولكنه التحق عملياً ومنذ عقود ببرنامج اليمين وظل معتمداً عليه مالياً (م. ت. ف. أو السلطة).

 

تفتقر هذه الفصائل لمقومات الاستقلال والاعتماد على الذات، ما أدى إلى اعتمادها المالي على جهات خارجية (الفصيل الفلسطيني المهيمن، الأنظمة العربية، المصادر الإقليمية)، وينطبق هذا على الفصائل داخل م ـ ت. ف. وخارجها في الضفة والقطاع.

 

ثالثاً: الفصائل الأخرى في م.ت.ف.

 

وهذه ايضاً تفتقر لمقومات الاستقلال والاعتماد على الذات، ما أدى إلى اعتمادها المالي على جهات خارجية. ولهذا، وعلى الرغم من مواقف الرفض والمعارضة اللفظية  لسياسات الفصيل المهيمن لم تستطع ان توقف مسيرة التنازل و التخلي. وهذه حالة قائمة منذ سبعينيات القرن الماضي وقبل تشكيل جبهة الرفض عام 1974.

 

رابعاً: قوى الإسلامية الفلسطينية

 

حركة المقاومة الإسلامية (حماس)

 

تؤكد حركة “حماس” في مواثيقها وتصريحات قادتها، على العديد من المبادئ، نسوق أهمها:

– حركة “حماس” “حركة عالمية” و”أحد فروع الإخوان المسلمين في فلسطين”؛

– “المشكلة الفلسطينية هي مشكلة دينية”؛

– “تعتقد حركة المقاومة الإسلامية أن أرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزءٍ منها أو التنازل عنها أو عن جزءٍ منها…”؛

– “القومية، من وجهة نظر حركة المقاومة الإسلامية، جزء من العقيدة الدينية”؛

– تؤكد قيادة حركة “حماس” على المقاومة والكفاح المسلح، وفي الوقت ذاته توحي بمواقف رمادية مثل حل الدولة أو حل الدولتين؛

– ولكنها لا تملك رؤية ولا برنامج واضح لتحويل قطاع غزة إلى أرض محررة غير محاصرة من كل الجوانب الجغرافية لتكون قاعدة وحاضنة حقيقية لتحرير باقي الأرض الفلسطينية، كما انها فشلت في تأسيس إدارة مدنية ثورية تكون نوذجاً وطنياً يمثل الكل الوطني الفلسطيني، بل انها احتكرت السلطة لنفسها؛

– تعتمد هذه الحركة في بقائها والحفاظ على سلطتها على التمويل والريع بشكل كبير من قطر وتركيا، وهما دولتان تقيمان علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني، كما أنهما ركيزتان أساسيتان لحركة الإخوان المسلمين وقياداتها على المستوييْن العربي والدولي.

 

خامسا: 

 

غير أن ما ذكرناه أعلاه لا يمثل كل الناس ولا كافة فئات الشعب الفلسطيني. ولا يسعنا أن نغفل النقابات العمالية ومنظمات والطلبة والمراة، وأنشطة وفعاليات ومؤتمرات القطاعات الشعبية داخل الوطن المحتل وفي الشتات، وكذلك فئات الأكاديميين والمثقفين والكتّاب. فالكل ينشط اليوم ويتحرك في كل مكان. أما منظمات الشعب الفلسطيني في الشتات، فتحظى بأهمية خاصة كون الشتات يضم أكثر من نصف الشعب الفلسطيني لكن تمثيلها مسلوب ومقزم ولا يعبر عن حجمها ولا حقوقها ولا مصالحها الأساسية التي هي جزء عضوي من هدف التحرير الكامل وحق العودة الى الوطن.

 

الانتخابات الفلسطينية

سؤال في الجدوى

 

لسنا في معرض مناقشة الأحداث والتطورات واللقاءات بين حركتي “فتح” و”حماس” وكافة الفصائل وتوافقاتها حول انتخابات (قبل إلغائها) السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي واستكمال المجلس الوطني (مخرجات لقاء الأمناء العامين في رام الله وبيروت 3 ايلول 2020، اجتماعات اسطنبول وقطر وحوارات القاهرة… وغيرها). ولكنه لا ينبغي لنا في الآن ذاته أن نقفز عن طبيعة هاتين الحركتين ومسيرة كل منهما والعلاقة بينهما منذ عام 2006، ولا يليق بنا، من موقع المسؤولية، أن نندفع بحماسة إلى تصديق الشعارات والخطابات الإنشائية التي كثيراً ما تلاعبت بمشاعر الجماهير وانتهت في نهاية المطاف إلى المراوحة في مكانها دون تحقيق أي إنجاز عملي في خدمة مصالح شعبنا.

 

لا يختلف اثنان على أن القوى المشاركة في الانتخابات الفلسطينية (على المستويات الثلاثة: رئاسة السلطة، المجلس التشريعي، المجلس الوطني الفلسطيني)، هي ذاتها التي شاركت في انتخابات عام 2006، وأن مصالحها لم تتغير، بل تعمقت بحيث أصبح الطرفان الرئيسان في الضفة الغربية وقطاع غزة (حركتا فتح وحماس) أكثر تمسكاً بها.

 

وعليه فالسؤال يكون: ما هي النتائج التي قد تنجلي عن مثل هذه الانتخابات او التوافقات بين فتح وحماس وبقية الفصائل، بعيداً عن مصالح كلٍ منهما؟

 

تعددت الإجابات والحجج التي تدفع بالانتخابات وترى فيها “ضرورة” وطنية ملحة لرأب الصدع وتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام والتشرذم في الحالة الفلسطينية.

 

■ يحاجج بعضهم أن “حماس” قد أدركت أنه لم يعد بوسعها رفع الحصار عن غزة وتخفيف معاناة شعبنا هناك، معاناة طالت وتنذر بهزات تهدد سلطتها (حماس)، فرأت في الاقتراب من السلطة في الضفة الغربية حلاً أو جزءً من الحل، أو أقله، بعض الانفراج. إذا صحت هذه الحجة، فإن ما يقول هؤلاء هو، بعبارة أخرى، الاقتراب أو التوافق مع سلطة قامت على أساس اتفاقيات أوسلو وهي (السلطة) مرتبطة بالاحتلال الصهيوني ومنسقة معه.

لاحظ أن كل هذا يجري تحت شعار/غطاء: إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة/الوحدة الوطنية المنشودة.

 

■ حجة أخرى تتساءل: هل يُعقل أن “حماس” تراهن على تغيير السلطة أو تغيير في السلطة لأنها استفادت من كارثة أوسلو؟ أم أنها في مأزق ومتورطة في حكم قطاع غزة، ما يٌفسر تساهلها وتنازلاتها للسلطة عن شروطها عبر السنوات الحوارات المصالحة، مثل عن شرط تزامن الانتخابات (التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني؟ (في الحقيقة أن اتفاقيات أوسلو في نظر أصحابها ليست كارثة، بل حلم تحقق).

 

لنا أن نحوم حول كل هذه الأسئلة، ولكن على حماس أن تجيب على السؤال التالي: بعد كل التجارب منذ عام 2006، هل تثق حماس بالسلطة في رام الله؟

 

لا شكّ أن حماس تعرف الإجابة. وهي لا تثق بالسلطة، ولكنها، كما يبدو، عازمة على المضي في هذا الدرب الذي سيفضي بها إلى التزامات أوسلو.

 

■ أما آخرون فيأتون بمقولة: لقد جربنا كل شيء ولم نحقق شيئاً، وهذا هو كل ما تبقّى لنا، في ظل المتغيرات والظروف المحلية والعربية والإقليمية والدولية.

 

ولكن متى كان الاستسلام للاحتلال طريقاً لتحرير الأوطان وحرية الشعوب! وماذا سيقدم الاستسلام للاحتلال الصهيوني؟

 

■كثيرون، وهم في ازدياد، يسوّقون لمقولة: إن فلسطين قضية إنسانية، قضية كرامة ومساواة ولا بد لنضالنا أن يركز على مناهضة الفصل العنصري (الأربارتهايد) والتطهير العرقي. نعم قضية فلسطين هي كذلك، ولكنها قبل ذلك وفي الأصل قضية احتلال استيطاني اقتلاعي وتطهير عرقي الوطن، ونضالنا يجب أن يكون مشروع تحريره.

 

في الإجابة على هذه الحجج، يمكن الخلل المشترك فيها كلها: وهو التجاهل المتعمد عن حقيقة أن المشروع الصهيوني وتجسيده المادي في الكيان الصهيوني هو، في الجوهر، مشروع احتلال وإحلال وهيمنة:

– احتلال فلسطين؛

– واقتلاع شعبها – صاحب الأرض وإحلاله بالغزاة المستوطنين؛

– وهيمنة على الوطن العربي ومقدرات شعوبه.

هذه هي حقيقة الصراع.

 

ج) قراءة قاصرة للمتغيرات في واقعنا وفي العالم من حولنا

 

هناك العديد من المتغيرات على كافة المستويات، فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، ولكننا نكتفي بالتوقف دون استفاضة عند سمتين أساسيتين للمشهد السياسي الراهن:

 

■ يدّعي أصحاب النهج الاستسلامي في الخطاب الفلسطيني أن العالم قد تغير، وهذا صحيح. فالعالم قد دخل مرحلة جديدة بعد الانهيار السوفييتي وصعود وحدانية القطبية الأميركية وتوحش العولمة الرأسمالية، ولكنه صحيح أيضاً أن هذه المرحلة تشرف على نهايتها، وليس شرطاً أن يحدث هذا في الأفق القريب. وهذا يعني أننا على أبواب نظامٍ عالميٍ جديد يستبدل وحدانية القطب الأميركي بعالم متعدد القوى والأقطاب (روسيا، الصين، الهند… كقوى اقتصادية وسياسية وعسكرية)، وهو نظام آخذٌ بالتبلور والصعود منذ عدة سنوات.

 

إذن، العالم القائم اليوم سائر إلى زوال، بل هو يتغير ويسير متجهاً نحو اصطفافات مغايرة:

– اصطفافات لقوى ودول (وحتى مجموعات ومنظمات إقليمية ودولية) معادية للهيمنة الإمبريالية الأميركية، وهي قوى اقتصادية وسياسية ذات ثقل إستراتيجي (روسيا، الصين وغيرهما)؛

– اصطفافات لقوى مقاومة شعبية أممية على مستوى العالم على كافة الأصعدة وبكافة أشكال المقاومة، وهي قوى تدعم كفاح الشعب الفلسطيني من أجل تحرير وطنه.

 

إلاّ أن القيادة الفلسطينية، ومثقفيها و”ومنظّريها”، لا يرون كل هذا. وكما حصل في محطات مفصلية سابقة في تاريخنا وتاريخ العالم، فشلت هذه القيادة في قراءة المشهد السياسي بدقة على الأصعدة المحلية والقومية والإقليمية والدولية، وما فتأت تكرر ردها على كل مَنْ يؤمن باستمرار الكفاح المسلح ويطالب بالخروج من فخ التسوية السياسية والعدول عن الاستسلام لإملاءات العدو الصهيوني – الإمبريالي، وهو رد مفاده:

– لقد تغيرت ‏الظروف المحلية والعربية والدولية؛
– عالم اليوم ليس عالم الستينيات؛
– الكفاح المسلح لم يعد خياراً.

 

■ غير أن الواقع الملموس والماثل أمام أنظار القيادة الفلسطينية التي ترفض أن تبصر وتتبصر، مغاير تماماً لإدعاءاتها. فقد تشكّلت في لبنان وسورية وفلسطين المحتلة والعراق واليمن حالة صمود ومقاومة، تنامت عبر السنوات الماضية، وبلغت قدراً كبيراً من القوّة بحيث أخذت تلعب دوراً حاسماً في المعركة مع الكيان الصهيوني. ويشكّل صعود وصمود محور المقاومة هذا، والذي يتلقى دعماً إيرانياً ويقيم معها تحالفاً متماسكاً، يشكّل تغييراً إستراتيجياً عميقاً في منطقتنا وفي الإقليم أدى بلا ريب إلى تغيير (كي لا نقول قَلَب) موازين وقوانين المعادلة والمواجهة مع العدو الصهيوني والهيمنة الإمبريالية الأميركية. ولا حاجة هنا لتكرار ما ناقشناه في المقدمة. لذلك فسوف يستمر الصراع بين قوى محور المقاومة هذه والكيان الصهيوني الذي لن ينام وسيبقى يحاربها ساعياً للقضاء عليها.

 

لسنا من أصحاب النظرة الرومانسية في التحالفات السياسية، فالدول في علاقاتها وتحالفاتها ليست بصدد أعمال خيرية، بل ندرك تماماً أن سياسات الدول هي تعبير عن مصالحها. ومن هنا، نرى أنه لابد من تحليل أعمق لقوى الدين السياسي العربية والإيرانية والتركية وتأثيرها البالغ على مسيرة النضال الفلسطيني، وهذا ما يتطلب نقاشاً آخر.

 

فلماذا، إذن، لا تتحدث القيادات الفلسطينية عن الانضمام إلى قوى محور المقاومة؟

 

لا يُعقل، ولا يليق بقيادة حركة تحرر وطني، تمثل شعباً يكافح ضد آخر وربما أطول استعمار استيطاني في التاريخ الحديث، لا يليق بهذه القيادة أن تنكر التحولات الجذرية التي تمت في محيط فلسطين المحتلة منذ ثمانينيات القرن الماضي. فلأول مرة منذ هزيمة حزيران 1967 تتنامي قوى مقاومة عربية متحالفة مع قوى عربية وإقليمية لتشكل محوراً للمقاومة لم يتمكن الكيان الصهيوني وقوى الغرب الإمبريالي الغربي من كسره أو تجاهله، بل نراه يحسب له كلَ حساب.

 

■هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية والتي يجدر بنا أن نوليها اهتماماً كبيراً، من منظور الوعي والوجدان الفلسطيني والعربي، أن هذه الحالة وتنامي قوى المقاومة قد ولّدت شعوراً عميقاً بالكرامة والاعتزاز لدى المواطن العربي، والأهم أنها أعادت له الإيمان والقناعة بالقدرة على الصمود والنصر على العدو، وبهذا فهي قادرة على تفجير طاقات الجماهير والشارع العربي.

 

■ ولكن، هل الأمر حقاً خطأ في القراءة السياسية أم هو نهج في توجيه البوصلة والاصطفافات إلى معسكر الأعداء؟ وهل حقاً أن زمن الكفاح المسلح قد ولّى؟

 

الجزء الثالث

تحديات وإشكاليات المرحلة

 

1) الانقسام 

(والأدق الاقتسام)

 

تاريخياً، وبعيدا عن التغني العاطفي والإنشائي، كثيراً ما كان الإدعاء وتكرار المطالبة بالوحدة الوطنية عبر المسيرة الفلسطينية مظلةً لاستدراج الفصائل إلى التراجع والتخلي عن برنامج التحرير، وهي وسيلة أتقنت قيادات “فتح” و م.ت.ف. استخدامها لتحقيق غاياتها، فيما سايرتها القوى الأخرى بما فيها قوى اليسار سعياً وراء مصالحها الفئوية والحزبية ومن أجل الحفاظ على الذات. وقد شاهدنا ذلك مراتٍ عديدة ‏في العقود الاخيرة وكيف تمّ استدراج الفصائل الفلسطينية واحداً تلو الاخر.

يكمن الأساس الجذري للانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس”، وبين الضفة الغربية وغزة، في انفصال في المصالح الحزبية والطبقية والفئوية أي سعي كل من الطرفين للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها وعلى مصالحه – ما يجيز لنا أن نسميه مصالح الطبقة الحاكمة. ‏ف”حماس” أيضا لحقت بالإستدوال بدل التحرير منذ عام 2006، وليست “فتح” وحدها أو غيرها من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

 

على مدى خمسة عشر عاماً، منذ عام 2006، أبرمت “فتح” و “حماس” ثمان اتفاقيات أو تفاهمات فيما بينهما، وقد فشلت كلها ومعها كل المحاولات لإنهاء الانقسام ولم يتحقق منها إنجازٌ حقيقيٌ واحد.

 

لا شكّ بأن للانقسام أساساً في اختلاف البرنامج والموقف السياسي ومن المقاومة المسلحة، ولا شك بإنه أحد نتائج اتفاقيات أوسلو، فلولاها لما حصل الانقسام. هذا صحيح. ولكن لا ننسى أن “حماس” دخلت الانتخابات التشريعية عام 2006 وفازت بها، وأن ‏هذه الانتخابات قامت على أساس اتفاقيات أوسلو ومخرجاتها أي الاعتراف بالكيان الصهيوني والتنازل عن 78% من فلسطين والتخلي عن مشروع التحرير مقابل وهم بناء الدولة والاستدوال. إضافة إلى أن مشروع الهدنة طويلة المدى المطروح من القيادة السياسية ل “حماس” يثير سؤال (1) تخفيف ضربات المقاومة على الكيان الصهيوني، و(2) ومشروع الحفاظ على الذات والمصالح. غير أن هذا لا ينفي موقف “حماس” من استمرار المقاومة المسلحة ودعم صمود شعبنا في غزة وخوض الحروب الشرسة ضد الكيان الصهيوني، ولا يمس بشكل من الأشكال تضحيات شعبنا الأسطورية في قطاع غزة.

 

لقد أثبتت تجربتا الاستدوال في الضفة الغربية وقطاع غزة انهما عاجزتان عن البقاء والصمود بالاعتماد على مقدراتهما الذاتية، بل اعتمدتا على مصادر الريع والتمويل من مختلف المصادر: رأس المال الأمريكي، مصادر الاتحاد الأوروبي، ‏الأمم المتحدة، نفط الخليج، وهذه كلها قوى تسعى إلى تصفية قضية فلسطين وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

 

ربّ قائل يقول: كفانا فرقةً وانقساماً، وهو محق. فالمطلوب الآن هو الابتعاد عن المزيد من أسباب ‏الفرقة والانقسام والاقتراب من الوحدة الوطنية بدل الانقسام، ولكن لا بد، وبالقدر ذاته، من تحديد أسس هذه الوحدة لتتناغم مع مشروع تحرير الوطن والتمسك بالمقاومة وتفعيل كافة أشكالها بما فيها المسلحة، ولا يجوز القفز عن حقيقة الواقع القائم دون أن يفهم شعبنا حقيقة ما جرى وما يجري وما هو قادم.

 

2) إشكالية نقد حركات المقاومة

 

لقد شكّل النقد وضرورته على مدى التجربة الفلسطينية المعاصرة أحد أهم إشكاليات الفعل السياسي، وربما أكثرها تعقيداً، حيث أنه من ضرورات العمل الثوري. وبهذا نقصد، أنه على الرغم من الفذلكة المتكررة حول ضرورة مراجعة وتقييم التجارب والمراحل، وأنه لا يحق لأي فصيل الترفع عن النقد والمراجعة والتقييم، أو أن يرقى بنفسه إلى مستوى القداسة والتقديس، فإن الواقع يثبت العكس.

 

هنا نجد أن نقد حركات الدين السياسي في فلسطين، “حماس” والجهاد الإسلامي، اللتين تمسكتا بالمقاومة المسلحة ورفضتا الاعتراف ب”إسرائيل” وظلتا منذ عقود خارج إطار م.ت.ف.، كثيراً ما نجد أن أي نقد لهاتين الحركتين يُواجه بالرفض والإنكار على قاعدة أنهما حركتا مقاومة ولا يجوز نقدهما. غير أن الواقع يقول لنا شيئاً مغايراً، بل إن تجربة شعبنا مع حركة المقاومة الفلسطينية المعاصرة برمتها توصلنا إلى نتائج مختلفة: فحركة “فتح” كانت حركة مقاومة مسلحة وقدمت آلاف الشهداء والمناضلين من أبناء شعبنا على درب الكفاح المسلح، إلا أن قيادتها انتهت، عبر هيمنتها على قيادة م.ت.ف.، إلى توقيع اتفاقيات أوسلو مع الكيان الصهيوني والتخلي عن المقاومة المسلحة ومشروع تحرير كامل التراب الفلسطيني.

 

لقد دخلت “حماس” الانتخابات عام 2006 تحت مظلة أوسلو. فإذا كان هذا خطأً أو تورطاً أو حتى انعكاساً لخلافات في قراءة الموقف السياسي داخل التيارات المختلفة في الحركة (جناح سياسي، جناح عسكري، مكتب سياسي…)، إذا صحت أية من هذه الفرضيات، فلماذا لم توضح الحركة حتى اللحظة موقفها، أو تتراجع عنه، أو تعتذر عنه للشعب الفلسطيني إذا كانت تعتبره خطأً؟ “حماس” لا تعترف باتفاقيات أوسلو ولكن النظام الأساسي الفلسطيني والانتخابات هما الأسلوب الوحيد لدخول السلطة على أمل “تغيير التزامات” السلطة تجاه اتفاقيات أوسلو، وقد جُرب هذا وفشل حيث لم يسمح لها كأغلبية ان تحكم من خلال حكومة إسماعيل هنية، كما تم اعتقال معظم وزراء و نواب “حماس” في الضفة الغربية. فهل الانضمام الى نظام سلطة أوسلو مرة أخرى سينجح؟

 

مَن المسؤول عن فشل خمسة عشر عاماً من اللقاءات والمحادثات بين “فتح” و”حماس” وعن ثمان اتفاقيات بينهما؟ هل هي “فتح” لوحدها، أم “حماس” لوحدها أو كلتا الحركتين؟

 

كيف نفهم الهدنة طويلة المدى بين “حماس” والكيان الصهيوني؟

 

كيف نوفق بين “حماس” كحركة مقاومة وصامدة ضد حصار قطاع غزة والمتصدية للعدوان الصهيوني المستمر عليه، وبين موقفها من الحرب الكونية على سورية منذ بدايتها؟ وكيف نوفق بين اصطفافها في صف المقاومة، من جهة، ومن الجهة الأخرى (1) علاقتها مع تركيا التي تآمرت على سورية (وما زالت) وشنت حربها الإرهابية ضدها، وما زالت حتى يومنا هذا تحتل أراضيها؟ و(2) علاقتها مع قطر التي موّلت الإرهاب ضد سورية بملياردات الدولارات وتآمرت عليها على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاستخباراتية؟

 

هذه تناقضات تجعلنا نتساءل إلى أي مسار إستراتيجي ستنضم “حماس”، حيث ان تكون حليفاً لقوى وأطراف متصارعة لا يمكن ان يكون واقعياً ولو دام لفترة ما، ففي نهاية المطاف لا بد من الانحياز لطرف دون آخر.

 

3) الإدمان على التمويل

لقد دخل المال والثراء إلى ساحة المقاومة الفلسطينية وجيوب بعض قياداتها، ومنهم بعض القيادات المناضلة، بدءً من أواخر ستينيات القرن الماضي. وقد أدّى التمويل، كما كان عليه الحال دوماً في الحياة السياسية الفلسطينية، إلى تنامي المصالح الفردية والحزبية الضيقة مما ساهم في تدني النضال الوطني، كما أدى تفشيه إلى انسلاخ القيادات الفلسطينية عن القاعدة الشعبية – مادة المقاومة وحاضنتها – وإلى نشوء شريحة من المنتفعين وأشكال قبيحة من ظواهر الفساد والإفساد والإبتعاد عن المقاومة ومبادئها وثقافتها ومسلكيتها. وقد شهدت الساحة اللبنانية في تلك المرحلة الكثير من هذه الظواهر، واستمر هذا النهج بل ونمى بشكل مدمر في الضفة و القطاع.

 

هذا في خلفية التمويل وتغلغله إلى حركة المقاومة الفلسطينية والمنظمات الشعبية والأهلية في فلسطين. أما اليوم، فإننا نرى أن السلطة في الضفة الغربية تتلقى التمويل من أنظمة الخليج ورأس المال الأميركي ودول الاتحاد الأوروبي والمنظمات غير الحكومية، وكذلك السلطة في غزة التي تتلقى التمويل من قطر وغيرها من أنظمة وقوى الدين السياسي.

 

إذن، التمويل ليس أمراً جديداً، ولم يحصل بعد إقامة السلطة في الضفة الغربية صيف 1994، فالمصالح الطبقية الاقتصادية لرأس المال الفلسطيني داخل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها وخارجها، والتي تكونت، كما قلنا منذ سبعينيات القرن الماضي، تنامت لاحقاً وتمثلت في تحقيق اتفاقيات وعقود اقتصادية مع المحتل الصهيوني، وما أن وصلت هذه القيادة إلى أوسلو 1993 والحكم الذاتي عام 1994 حتى كانت مصالحها الطبقية والاقتصادية واضحة ومكتملة التكوّن والتجسيد في شركات وصفقات مع العدو الصهيوني.

 

أمّا نتيجة ذلك، فهي انتقال القيادة الفلسطينية، من خلال السلطة، إلى الفساد المالي والإفساد والاستثمار، قطع علاقة السلطة بالوطن أو بالعمل الوطني.

 

‏لقد اعتاشت الشريحة الحاكمة الفلسطينية ورأس المال ‏الفلسطيني في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وخارجها وأثرت ثراءً طائلاً من الدعم الغربي الإمبريالي والخليج العربي، ‏واللذان يهدفان في الأساس إلى إفراغ المضمون الثوري لحركة التحرير الوطنية الفلسطينية والقضاء على الكفاح المسلح وجذوة الثورة في فلسطين وكافة أرجاء الوطن العربي. أما المواطن، فقد إنشغل بالقروض والسعي اليومي وراء هموم الحياة وجني لقمة العيش، إلى جانب الضرائب الباهظة التي تفرضها السلطتان على الشعب التي أرهقت المواطنين ودفعتهم إلى مغادرة الوطن وابعدتهم عن مقاومة الاحتلال.

 

4) فَلَسْطَنة القضية وطمس العمق العربي للصراع العربي – الصهيوني

 

لقد أكدت الثوابت الفلسطينية في كافة وثائقها على عروبة فلسطين وقضيتها استناداً إلى المرتكزات الأساسية التالية:

– فلسطين عربية الهوية والانتماء وقضيتها هي القضية المركزية للأمة العربية؛

– فلسطين أرضٌ عربية وجزءٌ من الوطن العربي؛

– الشعب الفلسطيني جزءٌ من الأمة العربية.

 

وقصدُنا من التأكيد على هذه المسألة هو استعادة مركزية عروبة فلسطين لمكانتها في الصراع على بلادنا ومناهضة المؤامرات الصهيونية – الإمبريالية، لأن استيطان فلسطين كان حلقة رئيسية في استهداف الوطن العربي، وقاعدة متقدمة للإمبريالية لتكون مدخلاً للهيمنة على شعوب ومقدرات الأمة العربية. فليست فلسطين وحدها هي المستهدفة، بل إن المستهدف هو الوطن العربي بأسره. ومنذ نشأتها، استهدفت الصهيونية، فكرةً ومشروعاً، الوطن العربي بأكمله وليس فلسطين لوحدها، وذلك في سياق مشروع استعماري نهبوي لأوطاننا وشعوبنا وثرواتنا. لهذه الأسباب فإن تحرير فلسطين مشروع تحرير وطني وفي الآن ذاته مشروع قومي عربي.

 

أ) إذا اتفقنا على أن ما جاء أعلاه في الثوابت الفلسطينية ‏صحيح، وهو صحيح، فإن الحقيقة تملي علينا القول أن القيادة الفلسطينية المتنفذة بالقرار لم تأخذ عروبة فلسطين ودور الشعوب العربية في معركة تحريرها مأخذ الجد، بل تعاملت مع الشعوب العربية بخطاب إنشائي وبشعارات عاطفية، مدّعية التمييز اللفظي بين النظام العربي الرسمي (الأنظمة الحاكمة) من جهة، والشعوب والجماهير العربية من جهة أخرى. هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية، كانت القيادة الفلسطينية تنسج العلاقات مع الأنظمة العربية الرجعية، وليس مع الشعوب العربية وأحزابها وتنظيماتها، وذلك كسباً للمال، بل هي تآمرت مع الأنظمة العربية الرجعية على شعوبها ومناضليها الثوريين وقدمت لها الخدمات والتنسيق الاستخباراتي ضد حركات المعارضة والثورة العربية (المعارضة السعودية وغيرها من الأمثلة العديدة).

 

ب) أما الأنظمة العربية الرجعية، فقد وقفت على مدى التاريخ العربي المعاصر كحاجز مانع بين المقاومة الفلسطينية والشعوب العربية، وانصاعت لإملاءات الصهيونية والإمبريالية في الحيلولة دون صعود حركات المقاومة والتغيير والثورة في وطننا العربي من أجل حماية مصالح الطبقة الحاكمة لهذه الأنظمة من شعوبها وضمان بقائها وديمومتها.

 

ولعله من باب المفارقة الهامة والمؤلمة، أن الكيان الصهيوني يعي تماماً مركزية المسألة الفلسطينية كقضية عربية قومية ويدرك أن الصراع في جوهره وطبيعته صراعٌ عربيٌ – صهيوني، ولهذه الأسباب وبالقدر ذاته فإنه يخشى على وجوده ومصيره.

 

5) التطبيع مع الكيان الصهيوني 

 

دعونا نبدأ بالتعريف البديهي للتطبيع مع الكيان الصهيوني والذي يعني دون لبس الاعتراف ب”إسرائيل” على 78% من أراضي فلسطين التي تم احتلالها عام 1948، وعلى الأراضي التي تمّ وسيتم استيطانها وتهويدها في الضفة الغربية، وهذا يعني التخلي ‏عن تحرير فلسطين والتنازل عن الوطن للعدو المحتل.

 

على الرغم الكثير مما قيل في التطبيع مع الكيان الصهيوني، تبقى أبعاد هامة وحقائق مطموسة، وهو ما يشوه الوعي الفلسطيني والعربي في الموقف من هذا العدو. وسوف نسلط في السطور التالية، بعض الضوء على أهمها من منظور آثارها على الوعي الشعبي الفلسطيني والعربي، وهو ما يهمنا.

 

أ) التطبيع من المنظور الصهيوني

 

يستند هذا إلى إستراتيجية صهيونية تقوم على منطق القوة المطلقة والهيمنة التامة، وأن القوة وتعزيزها هي وسيلة التعامل مع المحيط العربي، وهي العامل الحاسم والمقرر في فرض الأمر. وعليه، فالتطبيع من المنظور الصهيوني يهدف إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من فلسطين، واختراق أجزاء الوطن العربي القريبة والبعيدة، وصولاً الى مشروع الهيمنة حيث يصبح الكيان الصهيوني “قوة عظمى” في الإقليم ويطبق هيمنته على الوطن العربي ومقدرات شعوبه.

 

ب) التطبيع من المنظور العربي الرسمي 

(الأنظمة العربية)

 

الدور الوظيفي للأنظمة القُطرية: نبدأ من الإشارة إلى تناغم الدور الوظيفي لكلٍ من الكيان الصهيوني والأنظمة العربية القُطرية، أنظمة التجزئة وسايكس – بيكو، إذ بدون الفهم الجذري لهذا الدور سيتعذر فهم هرولة الأنظمة العربية نحو التطبيع، بل ستمر هذه الأحداث كغيرها دون تأصيل لفهم العلاقة الترابطية بين الكيان الصهيوني والكيانات العربية.

 

1) تشكل هذه الكيانات، الصهيوني والأخرى العربية القُطرية، توأمان ليس من حيث السياق التاريخي وحسب، بل ومن حيث الوظيفة والتبعية للإمبريالية والرأسمالية الغربية؛

2) والوظيفة هي إبقاء الوطن العربي مجزءً وإلى مزيد من التفتيت من أجل استدامة الهيمنة على شعوبه وثرواته ومقدراته؛

3) ويتبع هذا المنطق، أن الحفاظ على بقاء الكيان الصهيوني ومصالحه هو من ضمن وظيفة الكيانات العربية القُطرية.

 

التطبيع العربي الرسمي: إذا فهمنا هذه الرابطة بين شقي المخطط الإمبريالي في تجزئة الوطن العربي – (1) الكيان الصهيوني كقاعدة إمبريالية، (2) والأنظمة العربية ككيانات عربية قُطرية تابعة للإمبريالية – فإنه يتسنى لنا أن نلج مسألة التطبيع العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني، من مدخل موضوعي ومنطقي، وحينها لا يكون استهجان ولا استغراب، وحينها فقط نستطيع أن نبدد الأوهام:

 

– فالتطبيع الرسمي العربي (الأنظمة العربية والجامعة العربية ومختلف كيانات الخليج وغيرها) قائم منذ أن بادر به النظام المصري الساداتي عام 1978 – 1979 وربما قبل ذلك، وأن علاقة هذه الأنظمة مع الكيان الصهيوني ليسب عصية على الفهم، وليست أمراً مستجداً ولا سراً ولم يكن يوماً كذلك، فقد كانت هذه الأنظمة دوماً مطبعة.

 

– في سياق حملة التطبيع، تقدم هذه الأنظمة نفسها وكأنها كانت “عدواً” للكيان وأنها تسعى اليوم لإقامة السلام معه، والحقيقة أن هذه الأنظمة لم تكن معادية للكيان ولم تحاربه، وأن القوى الوحيدة التي حاربته هي مصر الناصرية وقوى المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة في سورية ولبنان.

 

ج) التطبيع من المنظور الشعبي العربي

 

رغم الاتفاقيات لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، لم تتراجع الشعوب العربية يوماً عن الرفض القاطع لهذا الكيان ووجوده ولأي علاقة معه. وعلى مدى مسيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني – بدءً من تطبيع النظام المصري الساداتي مع الكيان الصهيوني 1978 – 1979 و م.ت.ف. بعد اتفاقيات أوسلو (1993) ووادي عربة مع الأردن (1994) وما تبعها من أنظمة الخليج – لم يتزعزع موقف الجماهير العربية في رفض الكيان الصهيوني ورفض التطبيع معه.

 

د) التطبيع من المنظور الفلسطيني 

 

يعنى هذا التطبيع في أبسط معانيه، كما قلنا في أكثر من مكان، الاعتراف ب”إسرائيل” والتخلي عن تحرير فلسطين، ويفرض هذا بالمنطق والضرورة معالجة التطبيع من منظورين:

 

الأول، العلاقة مع الكيان الصهيوني أي تطبيع هذه العلاقة، وهو ما حصل منذ اتفاقية أوسلو وحتى يومنا هذا. وهذا، بالمدلول العملي، يعني استيلاء الكيان الصهيوني على فلسطين: أي على ما احتله عامي 1948 و1967، واستمرار القضم والضم والتهويد لمزيد من أراضيها والإقتلاع الكامل للشعب الفلسطيني من وطنه.

 

والثاني، يتعلق بالبعد العروبي للقضية الفلسطينية. بعبارة أخرى، العلاقة مع فلسطين وقضيتها كقضية عربية مركزية. وهنا، فالتطبيع يعني تصفية القضية والعمل مع العدو الصهيوني على تصفيتها ضمن المخطط الصهيوني – الإمبريالي.

 

ه) جدلية التطبيع بين “الفلسطيني”… و”العربي”

 

لقد استند التطبيع العربي الرسمي إلى ذريعتين هزيلتين:

الأولى، مفادها:” نحن نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون”؛

والثانية، تدّعي أن مَن يلتزم بالتطبيع (أي القيادة الفلسطينية) ليس له الحق في الاعتراض ونقد الآخرين على التطبيع. والحقيقة أن التطبيع الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني لعب دوراً هاماً في تشجيع القيادة الفلسطينية ودفعها قدماً في مسيرتها نحو وهم الدولة المزعومة والتخلي عن مشروع التحرير وإسقاط الفصائل الفلسطينية في فخ تصفية القضية الفلسطينية كقضية وطن وتحرير وطني.

 

إنطلاقاً من مناقشتنا لعروبة فلسطين ومركزية قضيتها في حياة ووجدان ومصالح الأمة العربية، فإن التطبيع الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني مرفوض من حيث المبدأ والموقف القومي حتى لو جاء بعد التطبيع الفلسطيني، لأن قضية فلسطين هي قضية عربية في الأساس والجوهر، ولأن قيام الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني برمته، هو في الاصل موجهة ضد مصالح الشعوب العربية وأمنها واستقرارها وتنميتها ووحدتها.

 

لذلك فإنه تطبيع منظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الصهيوني لا يقدم تبريراً للتطبيع العربي ‏الرسمي مع هذا الأخير، وفي الآن ذاته لا يمنح القيادة الفلسطينية الحق في نقد التطبيع العربي، وهي التي سبقتهم في ذلك.

 

الجزء الرابع

الخلل في فهم المشروع الصهيوني – الإمبريالي

 

تقوم الفكرة الصهيونية ومشروعها المتجسد في الكيان الصهيوني على استيطان الأرض وإقتلاع سكانها الأصليين من أجل إقامة “وطن الشعب اليهودي” و”دولة يهودية نقية”. لذا وظّفت الأيديولوجيا الصهيونية مفاهيم مغرقة في عنصريتها ارتكزت على إدعاءات دينية وتوراتية خرافية، زرعتها في عقول المستوطنين الصهاينة منذ بدء الغزو الصهيوني لفلسطين.

 

ومن خلال هذا الفهم للصهيونية، ينبغي ألاّ نقلل من قدرة الصهيونية على توظيف الدين السياسي في خدمة أهدافها السياسية، ونجاحها الإستراتيجي والأيديولوجي منذ نشأة الصهيونية، فكرةً ومشروعاً. وفي السياق ذاته، ينبغي ألاّ نقلل من أهمية وسطوة البعد الديني (العقائدي) لدى مستوطنيها ويهود العالم بشكل عام وتصديق أكاذيب وخزعبلات “شعب الله المختار” و”أرض الميعاد” وأن “إسرائيل تتمتع بدور إلهي” فوق الأغيار وغيرها من الأكاذيب التي تحظى بتأييد المستوطنين الصهاينة وقطاع كبير من يهود العالم.

 

لا نورد هذه الحقائق من باب التكرار أو الاستفاضة، بل لنؤكد ما هو أهم وأكثر خطورة على الوعي الشعبي الفلسطيني والعربي، وهو ترويج أكاذيب من مثل “إسرائيل جارة عادية” وأنها “تريد العيش بأمن وسلام”. وهو ما يغيّب حقيقة أن المشروع الصهيوني قام (1) ضمن رؤية إمبريالية رأسمالية غربية من أجل خدمة سياساتها، رؤية سعت إلى زرع قاعدة استعمارية متقدمة لتحقيق أهدافها ومطامعها، وان (2) هذه القاعدة التي تجسدت على أرض فلسطين لا تتوقف عند حدودها، بل تسعى للانطلاق منها إلى الوطن العربي بأسره.

 

لذلك يخطئ مَنْ يعتقد أن كل ما يريده الكيان الصهيوني هو “العيش بسلام” ومجرد الاعتراف به، بل إن ما يعمل هذا الكيان على تحقيقه، وهو سائر بلا شك على هذا الدرب، هو “الإندماج المهيمن في الوطن العربي” أي أن يبسط هيمنته الاقتصادية والعسكرية والسياسية. هذا هو جوهر المشروع الصهيوني، وما عدا ذلك من مصطلحات ومشاريع على شاكلة الشرق الأوسط الجديد والكبير وغيرها، فليست سوى طبعات من هذا الإندماج.

 

هذا ينقلنا إلى مسألة المفاوضات مع عدوٍ كهذا، لنطرح سؤال جدوى هذه المفاوضات؟ المفاوضات مع الصهيونية؟

بناءً على ما أتينا عليه أعلاه، نخلص إلى:

– أن الكيان الصهيوني لا يسعى إلى ولا يريد سلاماً بل أرضاً ومزيداً منها؛
– وحتى لو أبرم هذا الكيان اتفاقاً مع أي طرف فلسطيني أو عربي، فهذا لا يعني أنه ‏سيلتزم به بل سرعان ما سينكثه دون تردد أو تلكؤ من أجل تحقيق مصالحة، ولنا في هذا تاريخ طويل من الأدلة والبراهين.

 

هذا ما أفضت وستفضي إليه سنوات المفاوضات مع الكيان الصهيوني.

 

غير أن السؤال حول جدوى ربع قرن من المفاوضات، لا ينبغي ولا يجوز أن يتوقف عند الحسابات أو الإنجازات السياسية فحسب، فالجواب يعرفه كل فلسطيني: نعم هذه المفاوضات لم تحقق شيئاً بل هدرت الوطن، ولكنها حققت للمفاوضين أرباحاً طائلة. وهكذا يصبح السؤال: هل إن تعامل القيادة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني المحتل ينم حقاً عن مجرد “جهل بالعدو”، أم أن هذه القيادات انحازت لمصالحها الطبقية والاقتصادية والفئوية؟

 

الجزء الخامس

تفنيد الأوهام والأكاذيب

(أو كيف يتم تخريب الوعي الشعبي؟)

 

منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، عمدت القيادة الفلسطينية المتنفذة بالقرار، إلى صياغة خطاب يتناغم مع نهجها الاستسلامي ويخدم أجندتها وغاياتها ويبرر دخولها إلى التسوية السياسية. ومنذ تلك الآونة تعرض الوعي الشعبي الفلسطيني والعربي إلى جملة من الأكاذيب والإفتراءات والأوهام نتناول فيما يلي أهمها:

 

1) طبيعة الصراع

– تناقضنا مع الاستيطان الكولونيالي الصهيوني في فلسطين، لم يكن يوماً نزاعاً بل كان صراعاً تناحرياً منذ بداياته في أواخر القرن التاسع عشر؛
– هذا الصراع لم يكن يوماً نزاعاً أو صراعاً فلسطينياً – إسرائيلياً بل هو في طبيعته وجوهره صراع عربي – صهيوني.

 

2) التخلي عن المقاومة والكفاح المسلح 

 

تفتقت بعض الفذلكات السياسية الفلسطينية، قيادات ومثقفين ومنظمات شعبية و”غير حكومية” وغيرها، عن مقولات روّجتها، بل اجترتها في كثير من الأحيان، مفادها: أن المرحلة تغيرت، والظروف المحلية والعربية والدولية لم تعد مؤاتية للكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال.

 

هذا صحيح، وهو دائماً صحيح، إذ أن حركة التاريخ لا تتوقف، ولكنهم تناسوا أن الشعوب قادرة دوماً على النهوض والاستمرار في خوض معركة الحرية والكرامة. وإذا كان شعبنا قادراً على النهوض من نكبة 1948 ليستمر في كفاحه من أجل تحرير فلسطين، فلماذا وكيف أصبح الكفاح المسلح مستحيلاً في سبعينيات القرن الماضي؟

 

غير أن إسقاط الكفاح المسلح كان الذريعة لكي تدخل قيادات فلسطينية مشروع التسوية السياسية مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية والأوروبية، أي إسقاط الكفاح المساح من أجل السقوط في وهم التسوية والدخول في سراب الدولة المزعومة. وللمفارقة نذكّر أنه، وفي الوقت الذي وصلت فيه الحالة الفلسطينية إلى هذا الحضيض، كانت المقاومة الوطنية اللبنانية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي تشق طريقها في النضال لتؤكد أن الكفاح المسلح والعنف الثوري هو الضمانة الوحيدة لوصول الشعوب إلى تحرير أوطانها.

 

3) كذبة: “يا وحدنا” و “العرب تخلوا عنّا” 

 

في عرضنا لإشكاليات وتحديات المرحلة، تناولنا فَلَسْطَنة القضية الفلسطينية وطمس العمق العربي للصراع العربي – الصهيوني، من منظوري: القيادة الفلسطينية والأنظمة العربية الرجعية.

 

وهنا نضيف واحدة من كبرى أكاذيب وإفتراءات القيادة الفلسطينية وهي تقاعس الشعوب العربية وتخليها عن دعم النضال الفلسطيني، لتبرر فلسطنة القضية الفلسطينية وعزلها عن محيطها العربي، خدمةً لسياساتها ومسعاها في الوصول إلى “دولة” فلسطينية.

 

والحقيقة أن محاولات الفَلَسْطَنة لم تأتِ، كما يدعي بعضهم، بسبب تخلف الشعوب العربية عن دعمها للقضية الفلسطينية، فالشعوب العربية لم تتخلّ يوماً عن قضية فلسطين ولا عن دعم كفاح شعبها، بل إن جذور هذه الفلسطنة تنبع من قُطْرية القيادة الفلسطينية ونهجها في الوصول إلى السلطة أو الدولة لتصبح جزءً من النظام العربي الرسمي والقُطْري، ولتحقق مصالحها الطبقية، كما تكمن في عدم إيمانها بدور الشعوب العربية في تحرير فلسطين وعدم إخلاصها وجديتها في التعامل معها.

 

من هنا يمكننا أن نفهم لماذا عملت هذه القيادة الفلسطينية وغيرها من الفصائل الفلسطينية المرتبطة بها مصلحياً وتمويلياً،على فلسطنة الصراع مع الكيان الصهيوني، وملأت الدنيا بصرخات “يا وحدنا” و”العرب تخلوا عنّا” وغيرها. ولهذه الأسباب ذاتها، نفهم كيف استثمرت هذه القيادة في الخلط المتفشي في الواقع العربي وعدم التمييز بين الشعوب العربية وقوميتها وانتمائها ومصالحها، من جهة، والأنظمة العربية ومصالحها وتبعيتها للصهيونية والإمبريالية، من جهة أخرى.

 

4) أكاذيب “أوسلو”

 

أ) “البديل الوحيد”: ليس صحيحا أن اتفاقيات أوسلو كانت البديل الوحيد وأنه لم يكن أمام قيادتنا خيارات أخرى، بل كانت أوسلو نتاجاً لنهج تسووي ترعرع في صفوف القيادات الفلسطينية لما يقارب ربع قرن قبل توقيع هذه الاتفاقيات.

 

ب) “النضال من الداخل”: روّجت القيادة الفلسطينية حين عودتها إلى الأرض المحتلة بعد اتفاقيات أوسلو بأنها جاءت لتتابع النضال. ولم تدرك أن شعبنا لن يصدق بأنها ستناضل تحت أنظار وبساطير الاحتلال بعد أن أمضت عقوداً في مسيرة التراجع والتنازل عن نهج التحرير ومشروعه حتى تخلت عنه كلية ووقعت اتفاقيات أوسلو مع الكيان الصهيوني المحتل.

 

ج) “أوسلو انتهت”: حين أبرمت القيادات الفلسطينية صفقتها مع الكيان الصهيوني ووقعت اتفاقيات أوسلو، قالت لشعبنا أنها جاءت من أجل “النضال من الداخل”، والآن تحاول أن توهمه بكذبة ثانية وهي أن أوسلو قد “انتهت”، وأن السلطة الفلسطينية قد أنهت العلاقة مع الاحتلال الصهيوني وأوقفت التنسيق الأمني معه وغيرها من الأكاذيب.

 

والحقيقة أن اتفاقيات أوسلو كنهج ومشروع استسلامي لم تنتهِ، بل هي تتقدم إلى مراحل قادمة تحاول فيها السلطة شدّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى حضيرتها والتطبيع مع الكيان الصهيوني. وإذا صح ما نقول، فإننا سنشهد في قادم الأيام أخطر مراحل أوسلو والتنسيق مع الاحتلال. إذا كانت اتفاقية أوسلو قد انتهت، فقد تمّ ذلك من وجهة النظر الصهيونية حيث لا يلتزم الصهاينة بأي بند منها، بينما تلتزم السلطة بالبند الأهم للاحتلال وهو ما يسمى تضليلاً بالتنسيق الأمني وهو حقيقة “محاربة المقاومة الفلسطينية” من قِبَل أجهزة السلطة وتحت إشراف الكيان الصهيوني وحلفائه.

 

5) حول شرعية القيادة

 

لقد أشرنا في المقدمة إلى أن منظمة التحرير استمدت شرعيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني من البندقية والكفاح المسلح بناءً على ميثاقها، وعلى هذا الأساس شاركت معظم فصائل شعبنا و منظماته الشعبية في كل أماكن تواجدها بانتخاباتها رغم المآخذ العديدة على الهيمنة التي اتبعت. فكيف تستمر هذه الشرعية بعد أن اعترفت هذه المنظمة بالكيان الصهيوني وتخلت عن مشروع التحرير والكفاح من أجله وانقطعت مشاركة فئات شعبنا في انتخابات ممثليها؟

 

الجزء السادس

تصورات المستقبل ومهماته

 

منطلقات أساسية

 

لقد خلط ما آلت إليه القضية الفلسطينية ومجمل الأوضاع العربية الكثير من الأوراق وشوش الوعي الشعبي، فتعسر تحديد الهدف والمهام المطلوب لتحقيقه. لذا أضحى من الضروري أن نطرح ما يجب عمله كخطوط عريضة وواضحة وعملية من أجل العودة إلى مشروع التحرير الوطني، وهو ما يعني التخلي عن الاعتراف بالكيان الصهيوني وعن كافة الاتفاقيات معه (أوسلو وملحقاتها).

 

تنطلق هذه التصورات من رؤية قومية شاملة للصرا ع العربي – الصهيوني قوامها:

– ليس هناك حلاً سريعاً للقضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني؛

– وليس هناك حلاً سهلاً، بل نحن في مواجهة معسكر أعداءٍ عاتٍ قل نظيره في التاريخ؛

– وليس هناك حلاً فلسطينياً منعزلا بل لا بد للحل أن يكون عروبياً وأن يأخذ عمقه القومي العربي بمشاركة الشعوب العربية وانخراط القوى الثورية العربية في النضال ضد المشروع الصهيوني – الإمبريالي؛

– ضرورة بناء وترسيخ تحالفات استراتيجية متينة مع قوى المقاومة العربية والإقليمية والدولية.

 

المهمات

 

تنمية الوعي الشعبي

 

أ) إحياء الوعي الشعبي الفلسطيني والعربي بالثوابت الوطنية والقومية لمشروع التحرير والعودة، بحيث تتأصل هذه الثوابت وتستقر في الثقافة الشعبية العامة.

ب) وتتطلب هذه المهمة، بالإضافة إلى ترسيخ الثوابت الوطنية والقومية، تعرية الأكاذيب والأوهام التي تراكمت في هذا الوعي خلال عقودٍ من التضليل والخداع.

ج) هذه الثقافة هي الضمان الوحيد لتحصين الشعب ووعيه وأهم ركائزها:

– فلسطين قضية تحرير وطني والهدف هو تحرير كامل التراب وليست إقامة دولة/سلطة؛
– فلسطين قضية قومية عربية، لأن فلسطين هي قضية العرب المركزية، ولأن المشروع الصهيوني – الإمبريالي يستهدف الوطن العربي بأسره ويسعى إلى الهيمنة على شعوبه ومقدراتها ومستقبلها؛
– المقاومة هي آلية التحرير، والكفاح المسلح هو الوسيلة الرئيسية للتحرير إلى جانب كافة أشكال الكفاح الشعبي. فالتحرير لن يُنجز دون كفاح مسلح، دون حرب التحرير الشعبية، ودون قوى مقاومة عقيدتها الدفاع عن الشعب والوطن والقضية ومحاربة العدو الصهيوني بشكل مستمر دون مهادنة، ودون حراسة مبادئ التحرير الكامل من الانزلاق في مسارات ما يسمى تسوية الصراع أو معاهدات سلام مع الكيان الصهيوني وحلفائه.

د) التركيز على استلهام إرادة شعبنا وطاقاته وخبراته في ابتكار وسائل وأدوات الكفاح. فقد قاوم شعبنا الغزوة الصهيونية لبلادنا منذ أواخر القرن التاسع عشر، ثم نهض بعد نكبة 1948 وتدمير مجتمعه لينطلق في مشروع التحرير الوطني الفلسطيني، ومنذ ذلك لم يتوقف عن متابع الكفاح ‏من أجل التحرير والعودة.

 

المستوى الشعبي الفلسطيني والعربي

 

– ليس النضال مقصوراً على فصائل المقاومة، بل لا بد من مقاومة شعبية شاملة، حرب الشعب، بحيث يتم جذب وزج كافة القطاعات الشعبية في النضال كلٌ حسب موقعه وقدراته. لذا، يجب أن يتسع النضال ليضم تنظيمات شعبية (جماهيرية) تلتقي على برنامج التحرير والعودة وتشمل بين صفوفها ممثلين لكل طبقات الشعب وفئاته الاجتماعية وغيرها من قطاعات ومنظمات ونقابات، كما تشمل كافة مواقع التواجد الفلسطيني (المحتل عام 1948، الضفة والقطاع، والشتات) وصولاً إلى الشعوب العربية في الوطن الكبير.

 

– وهذا يضمن تشغيل الشعب كله في المقاومة الشعبية بكافة أشكالها (المقاطعة ومناهضة التطبيع…)، وتفعيل دور المواطنين في النضال الوطني كل حسب قدراته وإمكانياته ووفق ظروفه. كما يضمن تطوير أساليب وأشكال المقاومة الشعبية بمشاركة كل مواطن.

 

– هكذا يتسنى أيضاً توسيع دور الشعوب العربية وقواها الثورية لتنخرط في النضال وتخلق المناخ القومي وتعمق البعد العروبي للنضال ضد المشروع الصهيوني – الإمبريالي.

 

– في المدى القصير، يمكن أن يتخذ النضال أشكال مناهضة التطبيع ومقاطعة الكيان الصهيوني وكافة المطبعين معه، وهو شكل يستطيع المواطن الفلسطيني والعربي القيام به.

فعلى سبيل المثال:

أ) مقاطعة وعدم شراء واستهلاك منتجات الأعداء الصهاينة والأتراك والغرب الرأسمالي – الإمبريالي ومنتجات القوى الشركات والدول الأجنبية التي تدعم الكيان الصهيوني.

 

ب) مقاطعة ومناهضة كافة أشكال وأنشطة التطبيع مع الكيان الصهيوني على كافة المستويات الفلسطينية والعربية، الرسمية والشعبية.

 

– تعرية طبيعة ودور الأنظمة العربية القُطْرية التابعة للصهيونية والإمبريالية والمطبعة مع الكيان الصهيوني واستنهاض الشارع العربي والحراك الشعبي ضدها.

 

دور الشتات الفلسطيني

 

هناك العديد من المبادرات والبدائل والفعاليات المطروحة في أماكن تجمعات الشتات الفلسطيني، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أنه على كافة هذه الفعاليات القطع المطلق مع نهج التسوية والتجارب الفاشلة والتمسك بمشروع التحرير والعودة.

 

– ينظم الشتات الفلسطيني أنشطة الفلسطينيين خارج الوطن المحتل، ويقوم بدعم م.ت.ف. بعد رفضها الاعتراف بالكيان الصهيوني واتفاقيات أوسلو، والتمسك بتمثيل كافة فئات الشعب الفلسطيني بما فيه الشتات؛

– على هذه الأرضية يناضل الشتات من أجل تحقيق الوحدة الوطنية ويكون جزءً منها ورافداً لها على أساس قيادة النضال الفلسطيني من أجل التحرير والعودة؛

– يحدد الشتات وفق ظروفه المحلية وخصوصياتها في شتى أماكن تواجده دوره ووسائل مشاركته في النضال من أجل تحرير وطنه في الداخل والخارج وأينما تواجد.

 

استعادة البعد العروبي للنضال الفلسطيني

 

بما أن الصراع القائم في بلادنا صراع عربي – صهيوني في طبيعته وجوهره، فإن النضال في سبيله هو جزء من حركة المقاومة والثورة العربية، وهو موجه ضد جبهة الأعداء وقوى الثورة المضادة في فلسطين والوطن العربي. من هنا، فإن انخراط الشعوب العربية وقواها الثورية هو ضرورة وطنية وقومية وتاريخية، وهو الذي يخلق بيئة التحرير وعمقها الاستراتيجي وضمان استمرارها وانتصارها.

 

وهنا لا بد من التحديد الدقيق لقوى معسكر الأعداء، وهم: (1) الصهيونية (كياناً ومشروعاً)، (2) الإمبريالية الإميركية والغربية بشكل عام، (3) الأنظمة العربية الرجعية التابعة لسيدها الصهيو- إمبريالي، (4) القوى السياسية الرجعية المرتبطة بقوى وأنظمة الدين السياسي (النظام التركي، المنظمات الإرهابية، منظمات التطرف الديني مثل الوهابية وغيرها).

 

وفي هذا الصدد، تشكل حركة “حماس” إشكالية كنا قد تعرضنا لها في مكان آخر، وتتمثل في تناقض السياسات والموقف بين كونها حركة مقاومة فلسطينية تقف كقلعة صامدة في محاربة الاحتلال الصهيوني، من ناحية، ومن الناحية الثانية نرى “حماس”:

 

أ) تتحالف مع أنظمة عملت، ولا تزال، على تدمير قلعة المقاومة ومحورها سورية:

– تركيا التي تعادي سورية ودفعت إليها بعشرات الآلاف من الإرهابيين وتحتل أراضيها. وهنا فإننا لا ننسى ليبيا أيضاً.

– وقَطَر التي تآمرت على سورية وقدمت كافة أشكال الدعم السياسي والتمويلي واللوجستي للمنظمات الإرهابية.

 

ب) تقيم هاتان الدولتان (قطر وتركيا) علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني، وتشكلان ركيزتين أساسيتين لحركة الإخوان المسلمين وقياداتها على المستوييْن العربي والدولي.

 

ج) وفي بقائها والحفاظ على سلطتها في قطاع غزّة، تعتمد “حماس” على التمويل والريع بشكل كبير من هذين البلدين.

 

د) كما أن “حماس” تأتمر بالقيادة الدولية لحركة الإخوان المسلمين التي خدمت تاريخياً المخططات الاستعمارية في بلادنا وتآمرت على الشعوب العربية وطموحاتها في الوحدة والتنمية.

 

المستوى الرسمي الفلسطيني

 

على مدى سبعة وخمسين عاماً من عمر منظمة التحرير الفلسطينية (التي تأسست عام 1964)، لم تتوقف المطالبة ب”اصلاحها” و”إعادة بناء مؤسساتها”وغيرها من المطالب المحقة. وقد تناولت هذه المطالب طيفاً واسعاً من التغييرات طرحتها فصائل فلسطينية وقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، ورافقت كافة مراحل النضال الفلسطيني بدون استثناء، بدءً من هيمنة حركة “فتح” على قيادة المنظمة عام 1968، وتغيير ميثاقها من “القومي” إلى “الوطني”، مروراً بدخول م.ت.ف. العلني لنهج التسوية السياسية والسعي وراء “دولةٍ” ما (البرنامج المرحلي عام 1974)، ثم الاعتراف ب”إسرائيل” في اتفاقيات أوسلو (سبتمبر 1993) وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني على نحو جذري يلغي المواد الأساسية والثوابث النضالية الفلسطينية في تحرير الوطن السليب (تمّ إقرارها عام 1996 والمصادقة عليها عام 1998).

 

غير أنه باتَ جلياً في خضم هذه المسيرة الطويلة، أن شيئاً من هذه المطالب لم يتحقق، بل ما حصل كان العكس: تراجع تدريجي عن نهج التحرير حَسبَ أصحابُه أنه سينطلي على شعبنا وشعوب أمتنا. ولكنه باتَ جلياً أيضاً أن دون تحقيق هذه المطالب تحديات وعقبات ذاتية وموضوعية تثير العديد من الأسئلة والإشكاليات حول جدية هذه المطالب ومَنْ يقف وراءها، وحول الاستمرار في تكرارها لعقودٍ من الزمن دون تحقيق أي إنجاز يُذكر. وربما تضيء النقاط التالية على شيءٍ من التفسير لهذه الإشكالية:

 

1) غياب الإرادة الحقيقة في التغيير والاصلاح: وليس المقصود هنا قيادة حركة “فتح” لوحدها كفصيل مهيمن على م.ت. ف.، مع أنه من المعروف أنه كان لتلك القيادة المصلحة الكبرى في الذهاب قُدُماً في نهج التسوية السياسية من أجل الوصول إلى “دولة” فلسطينية. بل إن ما نقصده هو “غياب الإرادة” لدى كافة فصائل م.ت. ف. وعلى نحو خاص “اليسارية” منها والتي تتحمل المسؤولية السياسية والتاريخية في مناهضة ومقاومة انحراف م.ت. ف..

أليست هي التي غادرت ذات يوم اللجنة التنفيذية ل م.ت. ف. اعتراضاً على هذه السياسات وأسست جبهة الرفض الفلسطينية (1974)، لتعود وتنضوي مجدداً تحت لوائها (1979) مع إدراكها الكامل أن م.ت. ف. قد تمادت، دون رجعة، في مسيرة التسوية مع العدو الصهيوني والتخلي التدريجي عن مشروع تحرير فلسطين.

 

2) تجاهل مرجعية شرعية م.ت.ف.: يتجاهل الكثيرون من قوى وقيادات وفصائل وقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، وربما يتلاعبون بالحقيقة واللغة، يتجاهلون حقيقة أن شرعية م.ت. ف. في تمثيل الشعب الفلسطيني تنبع من وتقوم أساساً على التزامها وتمسكها بالمقاومة والكفاح المسلح ومشروع تحرير فلسطين. من هنا يكون السؤال، كيف تستوي مطالب إصلاح م.ت. ف. وإعادة بناء مؤسساتها مع (1) اعترافها ب”إسرائيل” والتخلي عن مشروع تحرير فلسطين، ومع (2) تواجدها تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني.

بناءً عليه، يجوز لنا أن نطرح الإشكالية على النحو التالي: إذا كان شعبنا يُجمع على:

(1) التمسك ب م.ت. ف. ممثلةً شرعيةً وحيدة له؛

(2) والتمسك بنضاله من أجل تحرير وطنه والحفاظ على الثوابت الوطنية والقومية ومناهضة نهج التسوية ورفض اتفاقيات أوسلو؛

فإنه يتوجب علينا أن نحدد مهماتنا الملحة والراهنة على النحو التالي:

أ) التأكيد على أهمية قطاع غزّة الذي يشكّل القاعدة الأساسية اليوم لقوى المقاومة الفلسطينية والعمل على حمايتها ودعمها وتنميتها لضمان استمراريتها وتطويرها كنموذج ينتقل إلى كافة مناطق فلسطين المحتلة.

ب) أن تقوم م.ت.ف. بالإقرار بمسؤوليتها عن اتفاقية أوسلو وفشلها في المفاوضات على مدى ربع قرن، والإعلان عن سحبها للاعتراف ب”إسرائيل” واتفاقيات أوسلو.

ج) مغادرة قيادات م.ت. ف. للأراضي المحتلة وفك العلاقة بين م.ت. ف. والسلطة الفلسطينية كي تتحرر الأولى من كافة الاتفاقيات والالتزامات مع العدو المحتل والإفلات من قبضته، وحينها تصبح قادرة على الالتحاق بقوى محور قوى المقاومة في سورية ولبنان، والعمل من أجل هدف ومشروع تحرير فلسطين بإمكانياتها مهما كانت متواضعة، وتوثيق العلاقات مع القوى العربية والإقليمية والأممية.

د) بعد رفضها للاعتراف بالكيان الصهيوني واحتلاله لفلسطين وتحررها من الاتفاقيات معه،

تصبح م.ت.ف. قيادة المقاومة والنضال من أجل التحرير، وممثلةً لكافة قطاعات الشعب الفلسطيني في كامل جغرافيا فلسطين وفي الشتات الفلسطيني الذي يتجاوز تعداده أكثر من نصف الفلسطينيين.

ه) هكذا فقط يمكن إسقاط ذريعة الأنظمة والقوى العربية الرجعية التي تتذرع بقولها: “الفلسطينيون طبعوا قبلنا” و”نقبل بما يقبل به الفلسطينيون”.

و) تبقى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ك”إدارة حكم ذاتي”، تدير الشؤون المدنية والعامة للمواطنين الفلسطينيين (تعليم، صحة، خدمات عامة…).

ز) هكذا تكون لحظة الحقيقة ويكون الفصل محسوماً وواضحاً: (1) م.ت.ف. في الخارج تمثل الشعب الفلسطيني وتقود نضاله التحرري، و(2) السلطة تدير شؤونه المدنية.

ح) يستمر الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في كفاحه وفق ما يحدده ووفق ظروفه وإمكانياته من وسائل النضال وآليات المقاومة بكافة أشكالها المسلحة والشعبية ورفض التطبيع مع الاحتلال ومقاطعة بضائعه ومنتوجاته.

ط) يتطلب النضال الجاد في مشروع التحرير، الالتزام بسرية العمل الثوري ما يعني العودة إلى المقاومة الجدية والسرية، ولا يحتاج إلى أشكال العمل العلنية من اجتماعات ومجالس وغرف اجتماعات أنيقة وسيارات فارهة.

ي) من شأن هذه الخطوات أن تشدّ الشعوب العربية إلى نضال شعبنا تحت الاحتلال، ما يعيد العلاقة بين الفلسطيني والعربي على المستوى الشعبي إلى حالتها الطبيعية.

ك) العمل على أن تشمل م.ت.ف. كافة فصائل المقاومة بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي.

ل) اصلاح م.ت.ف.: بعد ذلك يصح الحديث عن اصلاح م.ت. ف. والذي يطال العديد من المستويات:

– إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها (انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وكافة الأطر القيادية للمنظمة ) على أساس الثوابت الوطنية والقومية.

– يقوم هذا الإصلاح وإعادة البناء على قوانين ونظم ديمقراطية أساسها التمثيل النسبي العادل وليس التقاسم وتوزيع الحصص بين الفصائل والتنظيمات دون احترام لإرادة شعبنا واختياراته.

– إعادة بناء مؤسساتها ومقاومة كافة أشكال الفساد السياسي والاقتصادي والإداري الذي حوّل مشروع التحرير الوطني إلى مشروع “تجاري”.

– لن يكون تنفيذ هذه المطالب سهلاً حيث تقف في وجهه قوى وقيادات استولت على م.ت.ف. وانتهت صلاحياتها منذ زمن طويل.

– لكن الوقت قد حان لكل قوى المقاومة والقوى والشخصيات الوطنية ان تتحد حول هذا المطلب الأساسي وأن تجمّع طاقات شعبنا للدفع في إنجازه. فكفانا تجنباً لهذا الاستيلاء على م.ت.ف وتقزيمها وجعلها مؤسسة شبه صورية تستخدم لصالح سلطة أوسلو.

– هنا يجدر بنا التذكير بأن مقاومة الاستيلاء على م.ت.ف وعزل القيادة المهيمنة دون حق، لا يعني التخلي عن شرعية تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطيني. فالمطلوب، كما أشرنا في مكان آخر أن يقوم تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني على رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني والاتفاقيات معه، ناهيك عن انتهاء صلاحية القيادة المستولية عليها منذ سنوات. وهذا الشرطان يضمنان عزل هذه القيادة، ويتطلبان وضع ضمانات وأنظمة صارمة تمنع أياً من القوى أو الأشخاص من العودة إلى السيطرة على م.ت.ف. و منع انتقال القيادة وتجديدها عبر انتخابات حقيقية.

– إذا كان شعبنا يعتبر م.ت.ف. قائدة نضاله في مشروع تحرير الوطن المحتل، وأنها الكيان الفلسطيني السياسي الممثل لكافة قطاعات شعبنا، فإن عدم إصلاحها و إخراجها من حالة العجز الحالية سيحول دون تحقيق الإنجازات المصيرية لشعبنا و المساهمة في تحقيق اهداف امتنا العربية. وعليه، فإن عدم اعتبار معالجة أوضاع م.ت.ف. أولوية بالغة الأهمية والراهنية، إنما يعبر عن تقصير كبير لقوى المقاومة وكافة القوى الوطنية الفلسطينية.

 

ملحقات

ملحق (1): محطات رئيسية في مسيرة التخلي عن تحرير فلسطين

ملحق (2): برنامج النقاط العشر (بين 1-8 يونيو 1974)

ملحق (3): قرارات المجلس الوطني الفلسطيني (15 نوفمبر 1988)

ملحق (4): تعديل/إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني

 

■ ■ ■

 

لا نسعى في هذه الملاحق أن نقدم سرداً تأريخياً كرنولوجياً، بقدر ما يهمنا أن نفسّر الأحداث في سياقها السياسي والتاريخي، والأهم كيف شكّلت هذه الأحداث والوقائع محطات بارزة في المسيرة الانحدارية نحو التسوية والتراجع عن مشروع التحرير والعودة. لذا، فإن ما نقدمه هو عرض مقتضب لمسيرة طويلة في الكفاح الفلسطيني وما اعتراها من تنازلات أودت بنا إلى ما نحن عليه اليوم.

 

وسوف نفرد ملاحق خاصة لمحطات ثلاث لما لها من خطورة على مسيرة النضال الفلسطيني وهي: (1) برنامج النقاط العشر والبداية المعلنة لمشروع الاستدوال، (2) نبذ “الإرهاب” والإعلان عن “الدولة الفلسطينية” اللذان تجسدا في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في نوفمبر 1988، و(3) “تعديل” الميثاق الوطني الفلسطيني.

 

■ ■ ■

ملحق (1) 

محطات رئيسية في مسيرة التنازل والخيانة

 

28 أيار/ مايو 1964م، تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية: بناء على قرار صدر عن مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة ما بين 13-16 كانون ثاني/ يناير 1964، وبقيادة أحمد الشقيري، انعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس يوم 28 أيار/ مايو 1964م، وفي ختام أعماله يوم 2 حزيران/ يونيو 1964م تمّ الإعلان عن ولادة منظمة التحرير الفلسطينية والمصادقة على الميثاق القومي الفلسطيني. وقد قرر هذا الميثاق في المادة 25 أن “تكون هذه المنظمة مسؤولة عن حركة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تحرير وطنه في جميع الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمالية وسائر ما تتطلبه قضية فلسطين على الصعيدين العربي والدولي”.(مرجع 1)

أوائل يناير 1965: أعلنت حركة “فتح” عن انطلاقة المقاومة الفلسطينية المسلحة والتي جاءت لتؤكد استمرار كفاح الشعب الفلسطيني الذي بدأ قبل ذلك بعقود ولم يتوقف منذ بداية الغزوة الصهيونية لبلادنا في أواخر القرن التاسع عشر وعلى مدى عقود القرن العشرين.

حرب 5 حزيران 1967 والاحتلال الثاني لما تبقى من فلسطين بعد احتلال 78% من أراضيها في الاحتلال الأول عام 1948. وكان من نتائج هذه الهزيمة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة لاحتلال الأراضي العربية في سورية ومصر: هضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء.

21 آذار 1968، معركة الكرامة: وحركة “فتح” تحتكر النصر ثم تنتقل إلى احتكار قيادة م.ت.ف. في أكتوبر 1968.

■ إقرار الميثاق الوطني الفلسطيني في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة بين 7 – 10 أكتوبر 1968، وقد حلّ هذا الميثاق محل الميثاق القومي الفلسطيني.

بوادر نهج الاستسلام والتسوية: ‏لم يكن قد مرّت على انطلاقة المقاومة الفلسطينية المسلحة في أوائل يناير 1965، وهزيمة حزيران 1967، سنوات قليلة حتى أخذ تيار التسوية السياسية، منذ أواخر ستينات القرن الماضي، بالصعود داخل قيادة “فتح” وغيرها من القيادات الفلسطينية، وأخذت تتنامي تيارات فاعلة ومؤثرة في القرار وظهرت الدعوة إلى التخلي عن هدف تحرير فلسطين وإسقاط الكفاح المسلح والدخول إلى ساحة العمل السياسي والدبلوماسي من أجل الوصول إلى تسوية سياسية توصلنا إلى سلطة/دولة تحقق المصالح الطبقية لتلك القيادات.

هنا يكمن السبب الجذري والتحليل الدقيق لما حلّ بالخطاب الفلسطيني منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي ومسيرة التراجع والتخلي عن مشروع التحرير الوطني الفلسطيني.

البرنامج المرحلي: يشكّل هذا البرنامج البداية المعلنة للسعي وراء “الدولة” الفلسطينية والتي تجسدت في الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية على “أي شبر يتم تحريره”. وقد ظهر هذا للمرة الأولى والمعلنة في “البرنامج المرحلي” لمنظمة التحرير الفلسطينية أو ما يُسمى ب “برنامج النقاط العشر”، والذي تمّ إقراره في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد بين 1-8 حزيران 1974. (مرجع 2) (انظر ملحق 2)

■ لم تتوقف القيادة الفلسطينية المتنفذة، منذ ذلك الحين، عن السعي إلى تسوية سياسية مع الصهاينة، ولكنها كانت بالعلن ولسنوات قادمة، تهاجم الحل السلمي.

15 أكتوبر 1974، تشكيل جبهة الرفض: انشقت الساحة الفلسطينية إلى موافقين ورافضين ل”البرنامج المرحلي”، فأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أواخر أيلول 1974 لبرنامج النقاط العشر، واعتبرته تنازلاً عن الثوابت الوطنية، وقررت الانسحاب من اللجنة التنفيذية ومن المجلس المركزي، لكنها بقيت في إطار المجلس الوطني الفلسطيني.

وعليه، وبقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمنظمات الفلسطينية التي انضمت إليها، تم تأسيس جبهة الرفض (جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية) التي عارضت “البرنامج المرحلي”. وقد تكونت هذه الجبهة من الفصائل الفلسطينية التالية: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، جبهة التحرير العربية، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني ومنظمة الصاعقة.

نهاية جبهة الرفض، الدورة الرابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في دمشق (15-22 كانون يناير 1979): عودة فصائل جبهة الرفض إلى المشاركة في م.ت.ف. ومن العوامل التي ساهمت في ذلك كانت المصالحة مع ياسر عرفات التي تمت إثر توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى التقارب بين نظامي حكم البعث الحاكم في كل من العراق وسورية آنذاك.

هنا يكمن تراجع فصائل جبهة الرفض والمعارضة الفلسطينية عن التصدي لنهج التسوية ومهادنته، ما سمح لقيادة “فتح” و م.ت.ف. بالمضي قدماً في مشروع التسوية.

■ 9/11/ 1977 ياسر عرفات يحضر جلسة مجلس الشعب المصري التي أعلن فيها الرئيس المصري محمد أنور السادات قراره بالذهاب إلى القدس المحتلة.

■ الاجتياح الصهيوني للبنان 14 يونيو – 21 أغسطس 1982.

أيلول 1982، الرحيل إلى تونس: غادرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان إلى تونس بعد الاجتياح الصهيوني للبنان، وبقيت هناك حتى انتقالها الى غزة في عام 1994.

دلالات الرحيل إلى تونس:

أ) تخلي القيادة الفلسطينية عن شعبنا؛

ب) التخلي عن المقاومة والكفاح المسلح والذهاب بعيداً عن الانضمام إلى بدايات المقاومة اللبنانية التي بدأت تتبلور في ذلك الحين؛

ج) خيار الاستسلام سعياً وراء وهم “الدولة”؛

د) المضي قدماً في مسيرة التراجع الذي سيصبح علنياً وموثقاً في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة في الجزائر في نوفمبر 1988، والذهاب إلى محادثات مدريد في أكتوبر 1991 وعقد اتفاقيات أوسلو السرية والإعلان عنها في 13 أيلول 1993.

وهنا لا بدّ من التساؤل:

أ) ماذا لو تنازلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد اجتياح بيروت صيف 1982 عن موقفها وتركت القرار للشعب أو لخلق قيادة جديدة!
ب) ماذا لو ذهبت هذه القيادة إلى سورية بدل تونس، والتحقت بالمقاومة اللبنانية!

■حرب المخيمات الفلسطينية في لبنان (أيّار 1985-تموز 1988): هي المعارك التي دارت خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين حركة أمل والجيش السوري والجيش اللبناني بالإضافة إلى بعض الفصائل الفلسطينية المدعومة من سورية من جهة، ضد قوات حركة “فتح” الموالية لياسر عرفات ومقاتلي حركة “مرابطون” من جهة أخرى.

■ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 8 ديسمبر 1987.

■ انعقاد الدورة التاسعة عشر المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر يوم 15 نوفمبر 1988.

انظر ملحق (3)

التخلي عن الكفاح المسلح… نبذ “العنف/الإرهاب”: بعد أقل من شهرٍ واحد من اتخاذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر، توجه ياسر عرفات إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف يوم 13/12/1988 حيث ألقى خطاباً مستنداً إلى هذه القرارات. وفي رهانه على دخول التسوية السياسية والتوسل لفتح العلاقات مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ومن ثَمّ الدخول (أو التوهم بالدخول) إلى حلبة التسوية والمفاوضات معهما وإقامة سلطة/دولة، في سبيل هذا الرهان، أعلن ياسر عرفات، في هذا الخطاب عن:

أ) إقامة الدولة الفلسطينية

ب) التخلي عن “التهديد بالعنف أو القوة أو الإرهاب”، أي التخلي عن الكفاح المسلح كوسيلة رئيسية في تحرير فلسطين؛

ج) الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة (ومن ضمنها قرار 242 و 338).

■ جولات محادثات مدريد في أكتوبر 1991 برئاسة د. حيدر عبد الشافي وصولاً إلى مفاوضات أوسلو السرية و”إعلان المبادئ” في 13 سبتمبر 1993 والذي يُسمى أيضاً اتفاقيات أوسلو.

أيلول 1993: تبادل رسائل الاعتراف بين م.ت.ف. (ياسر عرفات) والكيان الصهيوني (ايتسحاق رابين).

أ) رسالة اعتراف م.ت.ف. ب”إسرائيل” وجاء فيها:

1) تعترف منظمة التحرير بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن جديد، أي شرعنة الكيان الصهيوني واحتلاله لفلسطين، والتزامها بالتعاون مع المحتل للعيش بسلام (التنسيق الأمني للقضاء على المقاومة وتسليم المقاومين للعدو واعتقالهم وسجنهم).

2) تقبل المنظمة بقراري مجلس الأمن رقمي 242 و338.

3) تلزم المنظمة نفسها بعملية السلام في الشرق الأوسط وبالحل السلمي للصراع بين الجانبين، وتعلن أن كل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة سوف يتم حلها من خلال المفاوضات.

4) أن بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود، وبنود الميثاق التي تتناقض مع الالتزامات الواردة في هذا الخطاب، أصبحت الآن غير ذات موضوع ولم تعد سارية المفعول؛ وبالتالي فإن منظمة التحرير تتعهد بأن تقدم إلى المجلس الوطني الفلسطيني موافقة رسمية بالتغييرات الضرورية فيما يتعلق بالميثاق الفلسطيني. (وهذا ما تم لاحقاً، انظر ملحق 4)

ب) اعتراف “إسرائيل” بمنظمة التحرير الفلسطينية: في مقابل التنازلات الفلسطينية، نص رد الكيان الصهيوني على أن “حكومة إسرائيل قررت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وستبدأ مفاوضات مع منظمة التحرير في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط”. (مرجع 3)

■ التوقيع على اتفاقات أوسلو يوم 13 أيلول 1993، وقد تضمنت من بين ما تضمنت:

– الاعتراف المباشر بالكيان الصهيوني وبحقه في الوجود

– الاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242

– الإعلان عن نبذ “الإرهاب” والتخلي عن الكفاح المسلح

– ترحيل قضايا الصراع الأساسية (القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود) إلى مفاوضات الحل النهائي

– تم تقديم كل هذه التنازلات مقابل الحصول على “حكم ذاتي محدود” على الشعب دونما الأرض.

■ دخول ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية إلى غزة يوم 4 تموز 1994.

 

■ 22-25 نيسان 1996 انعقاد الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني: تنفيذاً لالتزامات م.ت.ف. الواردة في رسالة اعترافها ب”إسرائيل”، تمّ تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني في غزة يوم 24 نيسان 1996 في الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني، وفي 14/12/1998، صادق أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في غزة على إلغاء بعض مواد الميثاق الوطني الفلسطيني. (أنظر ملحق 4)

■ انعقاد قمة كامب ديفيد في الفترة بين 11 إلى 25 يوليو 2000 في كامب دافيد بين الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الصهيوني إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات. وكان الهدف من هذه القمة محاولة لإنهاء الصراع العربي – اليهودي، ولكنها انتهت بدون اتفاق.

■ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، انتفاضة الأقصى، في 29 أيلول 2000.

■ اتساع التمايز بين خطين داخل حركة “فتح”: بين خط محمود عباس، الذي كان يدين الانتفاضة ويحتقرها، وخط ياسر عرفات الذي دعم الانتفاضة.

8 آذار 2003، استحداث منصب رئيس وزراء: عقد المجلس المركزي الفلسطيني جلسة طارئة ووافق على استحداث منصب رئيس وزراء، كما وافق على ترشيح محمود عباس لهذا المنصب.

تسميم ياسر عرفات ووفاته يوم 11 نوفمبر 2004.

■ محمود عباس يمسك بالسلطة والقرار في (1) حركة فتح و (2) م. ت. ف. و(3) السلطة الفلسطينية والعديد من المؤسسات الفلسطينية الأخرى.

التنسيق الأمني وبناء “الفلسطيني الجديد”: في عام 2005، شكَّلت واشنطن مجلساً لتنسيق التعاون الأمني بين السلطة و”إسرائيل”، بقيادة الجنرال الأمريكي كيث دايتون الذي أشرف على إعداد وتدريب أجهزة السلطة الأمنية على إحباط العمليات المسلحة للمقاومة. ومن خلال هذا البرنامج عمل دايتون على تأسيس وتلقين عقيدة أمنية تهدف إلى تدمير الروح الوطنية واستئصال فكرة المقاومة من خلال ما سُمي “صناعة الفلسطيني الجديد”، الذي يرى في إحباط العمل المقاوم ضد الاحتلال مصلحة وطنية له.

■ 9 يناير 2005، انتخابات الرئاسة الفلسطينية، وهي أول انتخابات رئاسية بعد رحيل ياسر عرفات، وفاز محمود عباس في هذه الانتخابات ليصبح الرئيس الثاني بعد عرفات.

25 يناير 2006، انتخابات المجلس التشريعي: عُقدت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني، وفازت “حماس” في تلك الانتخابات ب 74 مقعدا من أصل 132 مقعداً في حين فازت حركة “فتح” ب 45 مقعدا، وحصلت حماس على 44.45٪ من الأصوات في حين حصلت فتح على 41.43٪، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة إسماعيل هنية.

حركة “حماس”… الانتخابات والاستدوال: جدير بالذكر أن حركة “حماس” شاركت في هذه انتخابات 2006 والتي قامت على أساس اتفاقيات أوسلو.

كانت حركة “حماس” قد أصدرت ميثاقها عام 1988، وفي مطلع مايو 2017 أقرّت “وثيقة المبادئ والسياسات العامة”، وتبنت فيها موضوع الدولة الفلسطينية:

أ) أكدت المادة 19 من هذه الوثيقة على رفض الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني.

ب) أما المادة 20، فقد اعتبرت أنّ إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران 67 هي “صيغة توافقية وطنية مشتركة”، مؤكدة أنّ هذا الأمر لا يعني “الاعتراف بالكيان الصهيوني”، ولا يعني “تنازلًا عن أي جزءٍ من أرض فلسطين مهما طال الاحتلال”.

ج) تابعت الوثيقة “مقاومة الاحتلال حق مشروع والمقاومة المسلّحة تُعدّ خيارًا إستراتيجيًّا”، مشددة على الحق في تطوير وسائل المقاومة، ومؤكدة على حق العودة، ورفض كل الاتفاقيات الموقعة بما فيها اتفاق أوسلو الذي شاركت في انتخابات 2005 و2006 على أساسه.

وقد وصف الكثيرون من المحللين بأن حركة “حماس” باتت تسير على خطى “فتح ” ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ سبعينيات القرن الماضي.

ولا تأتي ملاحظتنا هذه في خيار “مرحلة” النضال الوطني بمعنى التعامل المرحلي وإدارة الصراع مع العدو الصهيوني، بل في أن التكتيك المرحلي يأتي على حساب الأهداف الاستراتيجية.

صيف 2007، الانقسام الفلسطيني: بعد فوز حركة “حماس” في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني في 25 يناير 2006، واحتدام الخلاف بين حركتي “فتح” و”حماس”، حصل الانقسام الفلسطيني في صيف عام 2007 ما أدّى إلى نشوء سلطتين فلسطينيتين: واحدة في الضفة الغربية تحت سيطرة “فتح”، والثانية في قطاع غزة تحت سيطرة “حماس”.

 

مراجع:

 

1) النص الكامل ل”الميثاق القومي الفلسطيني” على الرابط التالي:

 

https://oldwebsite.palestine-studies.org/sites/default/files/uploads/files/28-5-1964b.pdf

 

2) النص الكامل لهذا ل”الميثاق الوطني الفلسطيني” على الرابط التالي:

 

http://www.plo.ps/article/43721/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9

 

3) النص الكامل ل”البرنامج المرحلي” على الرابط التالي:

 

البرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية المقرر من المجلس الوطني في دورة انعقاده الثانية عشرة 1-8/6/1974 | مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (wafa.ps)

 

4) النص الكامل على الرابط التالي:

 

خطاب اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل | مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (wafa.ps)

 

5) النص الكامل على الرابط التالي:

 

اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية | مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (wafa.ps)

 

6) أنظر موقع حركة “حماس”، وثيقة المبادئ والسياسات العامة، مايو 2017

 

https://hamas.ps/ar/uploads/documents/599abf9aafa1b76837c1242eb229e87b.pdf

 

■ ■ ■

 

ملحق (2)

برنامج النقاط العشر: جسر العبور إلى التسوية السياسية

 

صدر برنامج النقاط العشر عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشر المنعقدة في الفترة من 1- 8 حزيران (يونيو) 1974. وقبل أن نعرض أهم مواد هذا البرنامج، يجدر التذكير بأن هذا البرنامج أتى في سياق مرحلة ما بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن بعد أيلول الأسود (أيلول 1970) ومعارك الأحراش في تموز 1971.

 

فيما يلي أهم نقاط هذا البرنامج:

 

“وقد اتفق ممثلو الشعب الفلسطيني على برنامج سياسي تعاهدوا على تطبيقه نصا وروحا لمواجهة المرحلة المقبلة، وهو برنامج النقاط العشرة الذي سيصبح أساسا للبرامج السياسية المرحلية المقبلة، وفيما يلي نص النقاط العشر:

أولا: تأكيد موقف منظمة التحرير السابق من أن القرار 242 يطمس الحقوق الوطنية والقومية لشعبنا ويتعامل مع قضية شعبنا كمشكلة لاجئين. ولذا يرفض التعامل مع هذا القرار على هذا الأساس، في أي من مستويات التعامل العربية والدولية، بما في ذلك في مؤتمر جينيف.

ثانيا: تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل، وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها. وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله.

ثالثا: تناضل منظمة التحرير ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وتقرير مصيره فوق ترابه الوطني.

رابعا: إن أية خطوه تحريرية تتم هي حلقة لمتابعة تحقيق إستراتيجية منظمة التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة.

ملاحظات 

 

■ جاء في مقدمة البرنامج أنه سيصبح “أساسا للبرامج السياسية المرحلية المقبلة”.

■ إسقاط عبارة “لا تفاوض مع العدو الصهيوني من البرنامج”، وهذا يعني إبقاء إمكانية التفاوض.

■ أكد البرنامج على رفض قرار 242 لمجلس الأمن، لأنه “يتعاطى مع القضية كونها قضية لاجئين”، وهذا يعني استعداد م.ت.ف. لقبول قرار 242 إذا ما تم تعديله أو استبداله بقرار يعتبر القضية قضية شعب له حق تقرير المصير، ولم تعترض المنظمة على هذا القرار بسبب تأكيده على شرعية الكيان الصهيوني.

■ على الرغم أن هذا البرنامج كان يستند إلى نهج تسووي ويمهد الطريق إلى تسوية سياسية، إلاّ أنه، انطلاقاً من إدراكه لموقف الشعب الفلسطيني الرافض، عمد إلى دغدغة عواطف الشعب الفلسطيني وامتصاص موقف الرافضين له، مستخدماً عبارات مثل “السلطة المقاتلة”، وإقامتها “على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها”، ولم يتم ذكر “تحرير كامل التراب الفلسطيني”.

■ أما القرار رقم (2) في البرنامج، فقد أتى على عبارة “تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل” قبل الإتيان على “وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها”.

وقد نبه باحثون إلى أن ذكر “كافة الوسائل”، قبل عبارة ” الكفاح المسلح” يهدف إلى تعزيز منهج التسوية الدبلوماسي، وأن المقصد من هذا كان منح الشرعية للنضال بوسائل غير الكفاح المسلح.

 

يمكن قراءة النص الكامل لهذا البرنامج في موقع مركز المعلومات الوطني الفلسطيني – وفا على الرابط التالي:

https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3789

 

بعض المواقف من البرنامج المرحلي:

 

■ في السياق، يجدر التذكير بأن نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، كان أول مسؤول فلسطيني يوجه نداءً للإسرائيليين في إبريل 1974، دعاهم للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير، وذلك في إطار سلام شامل ومتوازن، وحل وسط على قاعدة الشرعية الدولية (القرارات الدولية) أي دولتان على أرض فلسطين. وكان تبريره آنذاك أن شروط إنجاز الهدف الوطني ممثلاً بالتحرير النهائي ليست متوفرة.

■ أما صلاح خلف ( أبو إياد )، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، فقد بلور موقف حركته بقوله بأن مطلب لإقامة السلطة الوطنية على قطعة في الأرض الفلسطينية هو مطلب نضالي.

شاهد صلاح خلف في تبرير مسعى “الدولة الفلسطينية المستقلة”

 

https://www.tiktok.com/@morad.mostaffa/video/6912077119644290306?_d=secCgYIASAHKAESMgowD%2BWJMR4To00qNhpRb9ftnuixFuSCMCuXPyJO7cN6QxwCjBkVKL2hxq%2FArSlQhVYRGgA%3D&language=en&preview_pb=0&sec_user_id=MS4wLjABAAAAmcTSCG3pgI8RgCHCSWeso9FeqSvs9alyZupLKsn3slhrxMcIe1Bcrd3GIS78abrB&share_app_name=musically&share_item_id=6912077119644290306&share_link_id=93b9dc1c-682b-44fc-a798-431a7a091a1a&timestamp=1609703068&u_code=d2fg6e6l6ggegg&user_id=6611268851437010949&utm_campaign=client_share&utm_medium=android&utm_source=whatsapp&source=h5_m

 

البرنامج المرحلي: تداعيات ونتائج

 

■ عُقدت القمة العربية الثامنة سنة 1974 في العاصمة المغربية الرباط (من 26 – 29 نوفمبر 1974)، وشاركت فيها كافة الدول العربية. وللمرة الأولى اعتمدت هذه القمة م.ت.ف. الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

■ جاءت قرارات الدورة الثالثة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني، القاهرة بتاريخ 12-22 آذار(مارس) 1977م، لتؤكد على مسيرة م.ت.ف. نحو التسوية السياسية، وجاءت أهم قراراتها مؤكدة لهذا النهج، ومنها:

  • المادة 14: “أهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية الديمقراطية والتقدمية المناضلة داخل الوطن المحتل وخارجه ضد الصهيونية كعقيدة وممارسة”.
  • المادة 15: ” أن المجلس الوطني الفلسطيني، آخذاً بعين الاعتبار الإنجازات الهامة التي تمت على الساحتين العربية والدولية منذ انتهاء الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي استعرض فيها التقرير السياسي المقدم من اللجنة التنفيذية، يؤكد حرصه “على حق منظمة التحرير الفلسطينية في الاشتراك بشكل مستقل ومتكافئ في جميع المؤتمرات والمحافل والمساعي الدولية المعنية بقضية فلسطين، والصراع العربي– الصهيوني بغرض تحقيق حقوقنا الوطنية الثابتة، وهي الحقوق التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1974، ولا سيما القرار رقم 3236، مع التشديد على أ ن أية تسوية أو اتفاق يمس حقوق الشعب الفلسطيني، وفي غيابه، باطلة من أساسها”.

 

رابط: قرارات قرار المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثالثة عشرة التي انعقدت في مدينة القاهرة بتاريخ 12-22 آذار(مارس) 1977م (دورة الشهيد كمال جنبلاط)

 

https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3982

 

الدورة الثالثة عشر | مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (wafa.ps)

 

أنظر نص القرار 3236 على موقع الأمم المتحدة:

 

https://www.un.org/ar/ga/63/plenary/A_palestine.shtml

 

■ شكّل “برنامج النقاط العشر”، في سياق المسيرة نحو التسوية، الجسر الموصل لدورة المجلس الوطني التاسعة عشرة، “دورة الانتفاضة والاستقلال الوطني” التي أعلنت عن الدولة الفلسطينية، والتخلي عن “التهديد بالعنف أو القوة أو الإرهاب”، أي التخلي عن الكفاح المسلح كوسيلة رئيسية في تحرير فلسطين، والاعتراف بقرارات الأمم المتحدة (ومن ضمنها قرار 242 و 338). وفي محصلتها الأخيرة، أدت هذه المسيرة إلى محادثات مدريد في أكتوبر 1991 ومفاوضات أوسلو السرية وإعلان المبادئ في 13 سبتمبر 1993. أنظر ملحق 3

 

■ ■ ■

 

ملحق (3)

الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني (15 نوفمبر 1988):

رفض “العنف والإرهاب” والتخلي عن الكفاح المسلح 

الإعلان عن الدولة الفلسطينية 

الاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 

 

ماذا في التزامن؟

 

أولاً: رفض “العنف والإرهاب” والتخلي عن الكفاح المسلح

 

فيما يلي نص ما قاله ياسر عرفات في رفض “العنف والإرهاب” ما يعني في هذا السياق رفض المقاومة المسلحة: “إن دولة فلسطين هي دولة عربية… إنها دولة محبة للسلام، ملتزمة بمبادىء التعايش السلمي، وإنها ستعمل، مع جميع الدول والشعوب، من أجل تحقيق سلام دائم قائم على العدل واحترام الحقوق.

دولة تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وترفض التهديد بالعنف أو القوة أو الإرهاب، أو باستعمالها ضد سلامة أراضيها واستقلالها السياسي، أو سلامة أراضي أية دولة أخرى، دون المساس بحقها الطبيعي في الدفاع عن أراضيها واستقلالها.”

وفيما يتعلق بالقبول بقراري الأمم المتحدة 242 و338، قال: “لقد أكد مجلسنا الوطني على ضرورة انعقاد المؤتمر الدولي والخاص بقضية الشرق الأوسط وجوهرها، قضية فلسطين… باعتبار أن المؤتمر الدولي ينعقد على قاعدة قراري مجلس الأمن 242 و 338، وضمان الحقوق الوطنية والسياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير.”

ثانياً: الإعلان عن “الدولة الفلسطينية”

 

عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته التاسعة عشر في الجزائر يوم 15 نوفمبر 1988، وجاء في أهم قراراتها (1) قرار الإعلان عن الدولة الفلسطينية المتمثل في “وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني”، و(2) تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين: 

 

■ جاء في “وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني” الصادرة عن تلك الدورة:

 

واستناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947، وممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه.

فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.”

ملاحظة: يجب هنا التنبيه إلى أن “قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947” تشمل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 (29 نوفمبر 1947) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية ودولة عربية وإبقاء القدس تحت مراقبة دولية.

قرار تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين:

قرر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة ما يلي:

“1) تشكيل حكومة مؤقتة لدولة فلسطين في أقرب وقت ممكن، وطبقاً للظروف وتطور الأحداث.

2) يفوض المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتحديد موعد تشكيل الحكومة المؤقتة، وتكلف اللجنة التنفيذية بتشكيلها، وتعرض على المجلس المركزي لنيل ثقته. ويعتمد المجلس المركزي النظام المؤقت، للحكم إلى حين ممارسة الشعب الفلسطيني لسيادته الكاملة على الأرض الفلسطينية.

3) يتم تشكيل الحكومة المؤقتة من القيادات والشخصيات والكفاءات الفلسطينية، من داخل الوطن المحتل وخارجه، وعلى أساس التعددية السياسية، وبما يجسد الوحدة الوطنية.

4) تحدد الحكومة المؤقتة برنامجها على قاعدة وثيقة الاستقلال والبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقرارات المجالس الوطنية.

5) يكلف المجلس الوطني الفلسطيني اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة، لحين إعلان تشكيل الحكومة.

ثالثاً: “التسوية الشاملة للصراع العربي – الإسرائيلي” 

 

أكد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة عزم القيادة الفلسطينية على “الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي – الإسرائيلي”:

 

■ “وانطلاقاً من كل ما تقدم، فإن المجلس الوطني الفلسطيني من موقع المسؤولية تجاه شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية ورغبته في السلام، استناداً إلى إعلان الاستقلال الصادر يوم 15/11/1988، وتجاوباً مع الإرادة الإنسانية الساعية لتعزيز الانفراج الدولي، ونزع السلاح النووي، وتسوية النزاعات الإقليمية بالوسائل السلمية، يؤكد عزم منظمة التحرير الفلسطينية على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، في إطار ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ وأحكام الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وآخرها قرارات مجلس الأمن الدولي 605/607/608، وقرارات القمم العربية بما يضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الوطنية المستقلة على ترابه الوطني، ويضع ترتيبات الأمن والسلام لكل دول المنطقة….”

 

■ أكد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته هذه على “ضرورة انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الأوسط، وجوهرها القضية الفلسطينية، تحت إشراف الأمم المتحدة، وبمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وجميع أطراف الصراع في المنطقة، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى قدم المساواة، آخذين بالاعتبار أن المؤتمر الدولي ينعقد على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242، 338، وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير عملاً بمبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة بشأن حق تقرير المصير للشعوب، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة أو بالغزو العسكري، ووفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية.”

 

من رحم قرارات هذه الدورة، وُلدت اتفاقات أوسلو 1993. وقد أكد محمود عباس (أبو مازن) ذلك مراراً بقوله إن منظمة التحرير اعترفت “بإسرائيل” في الدورة التاسعة عشر، وليس صحيحاً أن اتفاقات أوسلو، جاءت كممر إجباري جرّاء ما انتهت إليه الأمور في العراق بعد العدوان الإمبريالي الصهيوني الثلاثيني في مطلع العام  1991، وجرّاء انهيار الاتحاد السوفياتي.

 

المراجع:

 

1) قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر في الجزائر يوم 15 نوفمبر 1988

https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3251

 

2) وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني، المجلس الوطني الفلسطيني “الدورة19″، المنعقدة في الجزائر يوم 15 نوفمبر 1988

https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4938

 

3) الموقع الرسمي ل”دولة فلسطين.. منظمة التحرير الفلسطينية”

 

http://www.plo.ps/article/43716/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9

 

4) النص الكامل لخطاب ياسر عرفات بمناسبة انعقاد الدورة الخاصة لمناقشة القضية الفلسطينية، في 13/12/1988 في جنيف”

 

https://www.paljourneys.org/ar/timeline/historictext/9678/%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%B1-%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9%D8%8C-%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%81%D8%8C-1988

 

■ ■ ■

 

ملحق 4

تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني (24 إبريل 1996)

 

أجرى المجلس الوطني الفلسطيني، في جلسته المنعقدة في 24 إبريل 1996، تعديلات جسيمة وجذرية على مواد الميثاق الوطني الفلسطيني، ثمّ صادق المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في غزة بتاريخ 14/2/1998 على هذه التعديلات. قد جاء تعديل الميثاق لينسف ثوابت الكفاح الفلسطيني على مدى أكثر من قرن وليكرس التنازلات الكارثية التي قدمتها القيادة الفلسطينية خلال العقود السابقة.

 

كانت حركة التحرير الوطنية الفلسطينية قد أثمرت، قبل هذا التعديل، ميثاقين منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وهما:

1) الميثاق القومي الفلسطيني الذي أقره المؤتمر الوطني الفلسطيني في دورته الأولى في القدس بتاريخ 28/5/ إلى 2/6/1964، وأعلن خلالها عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية.

2) الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تم إقراره في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة بين 7 – 10 أكتوبر 1968، ليحل محل الميثاق القومي الفلسطيني.

 

وقد شكّل تعديل الميثاق وإلغاء العديد من مواده الجوهرية والأساسية، التطور الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية منذ عام 1964، وتمثّل بالإعلان الصريح عن إلغاء جوهر الميثاق الوطني الفلسطيني، عبر إلغاء المواد الأساسية انصياعاً لإملاءات الكيان الصهيوني والإمبريالية الأميركية.

المقدمات السياسية والتاريخية لتعديل الميثاق (24 إبريل 1996)

قرر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الحادية والعشرين المنعقدة بين 22-25 نيسان 1996، تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أُقرّ في 7 أكتوبر 1968. وخلال هذه الدورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة خاصة مساء يوم 24/4/1996 حيث وافق على تعديل الميثاق والذي حاز على موافقة 504 صوتاً وعارض النص 54 صوتاً وامتنع عن التصويت 14 صوتاً.

وفي فقرة “نص التعديل” أشار المجلس الوطني إلى المبادئ على استند عليها في تعديل الميثاق، والتي استندت إلى مسيرة امتدت عقوداً طويلة من التنازلات والتراجع كنا قد أشرنا إليها في أكثر من موقع، والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية ( راجع النص الكامل في المرجع (3) أدناه):

(1) أنه (المجلس الوطني) ينطلق من وثيقة إعلان الاستقلال والبيان السياسي (المعتمدين في الدورة التاسعة عشرة المنعقدة في الجزائر في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988).

(2) وأنه استند إلى مقدمة اتفاق إعلان المبادئ (اتفاقيات أوسلو) الموقع في واشنطن في 13 سبتمبر 1993

(3) كما استند إلى الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة الخاصة بقضية فلسطين.

(4) وأكد على التزامات منظمة التحرير الفلسطينية الواردة في (1) اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو والاتفاق الموقع في القاهرة و(2) وموافقة المجلس المركزي ل م.ت.ف. عليه، و(3) رسائل الاعتراف الموقعة بين الكيان الصهيوني وم.ت.ف.

المصادقة على تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني (14 فبراير 1998)

صادق المجلس الوطني الفلسطيني في اجتماعه الذي عُقد في غزة بتاريخ 14/2/1998م على إلغاء العديد من مواد الميثاق الوطني الفلسطيني وتعديل بعضها الآخر. وقد مسّ هذا التعديل ما مجموع 27 مادة حيث تم إلغاء 12 مادة، وحذف مقاطع من 15 مادة أخرى. ونورد فيما يلي أرقام المواد التي ألغيت من الميثاق الوطني الفلسطيني، وكذلك أرقام المواد التي تم تعديلها:

 

المواد الملغاة هي: 6، 7، 8، 9، 10، 15، 19، 20، 21، 22، 23، 30

 

أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي: 1، 2، 3، 4، 5، 11، 13، 14، 16، 17، 18، 25، 26، 27، 29

 

نسوق، فيما يلي، باختصار مضامين بعض المواد الملغاة من الميثاق الوطني، كي ندرك أن إلغاء هذه المواد وتعديل غيرها، قد ألغ حقاً الثوابت الوطنية والقومية الأساسية التي أجمع عليها شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية على مدى مسيرته الكفاحية، كما أن هذه التغييرات تلغي عملياً منظمة التحرير الفلسطينية ومشروع تحرير فلسطين برمته.

 

مضامين أهم المواد التي تم إلغاؤها:

 

المادة 7: الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخي بفلسطين.

المادة 8: إن التناقض الأساسي في مرحلة التحرير الوطني هو بين الصهيونية والاستعمار من جهة، وبين الشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية.

المادة 9: الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وهو بذلك إستراتيجية وليس تكتيكاً.

المادة 10: العمل الفدائي يشكل نواة حرب التحرير الشعبية الفلسطينية، وهذا يقتضي تصعيده وتعبئة كافة الطاقات الجماهيرية الفلسطينية.

المادة 15: تحرير فلسطين هو واجب قومي لرد الغزوة الصهيونية والإمبريالية عن الوطن العربي الكبير.

المادة 19: رفض قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 واعتبار قيام “إسرائيل” باطلاً من أساسه.

المادة 20: اعتبار كلاً من تصريح بلفور وصك الانتداب، وما ترتب عليهما، باطلين.

واعتبار اليهودية ديناً وليست قومية ذات وجود مستقل، وكذلك، فإن اليهود ليسوا شعباً واحداً له شخصيته المستقلة، وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها.

المادة 21: رفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً.

المادة 22: الصهيونية حركة سياسية مرتبطة بالإمبريالية العالمية، وهي حركة عنصرية عدوانية توسعية استيطانية.

 

المراجع:

 

1) الميثاق القومي الفلسطيني، تم إقراره في دورة المجلس الوطني الفلسطيني 2 حزيران 1964.

الرابط في “مؤسسة الدرسات الفلسطينية”

 

https://oldwebsite.palestine-studies.org/sites/default/files/uploads/files/28-5-1964b.pdf

 

الرابط في “الموسوعة الفلسطينية”

 

https://www.palestinapedia.net/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-1964/

 

2) الميثاق الوطني الفلسطيني (7 أكتوبر 1968)

 

https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4921

 

3) نص قرار تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني

 

الدورة الواحد والعشرون | مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (wafa.ps)

 

4) موقع الرئاسة الفلسطينية

 

https://wafa.ps/