الأرشيفوقفة عز

مقهى أبو دياب العلي والشهيد الشاعر نوح ابراهيم الحلقة 12

ذكريات وحكايات مخيم عين الحلوة

في مقهى أبو دياب العلي الذي أصبح مثل نادي ثقافي أو سياسي للختايرة والرجال والشباب والشبيبة، كان يلتقي كل هؤلاء يومياً أو بشكل شبه يومي. في كل يوم كانت فلسطين وقضايا الأمة حاضرة معهم ومع ورق الشدة والألعاب الأخرى المختلفة. كذلك مع فنجاين القهوة وكبايات الشاي ومع ومع مواقد الفحم والجمر وأباريق القهوة والشاي. كذلك مع سجائر اللف العربية ومع سجائر “طاتلي” و”بافرا” و”أوكي” وعلى ما أذكر ربما كان هناك نوعين سجائر “طاتلي” واحد يسمى”طاتلي عريضة” والثاني “طاتلي رفيعة” الأكثر شهرة في ذلك الوقت من الزمن.

حفظ الصديق دياب العلي الذي حظاه الله بنعمة التعرف على أجيال مختلفة من رواد مقهى والده في ذلك الزمن المخيمي المثير،  كثير من الحكايات والتواريخ. كما قال أنه تعلم الكثير عن فلسطين والكفاح من عمه المرحوم دياب الصقر (المنشية) والآخرين من ختايرة ورجالات ثوارات وكفاح شعب فلسطين.

لمن لا يعرف من الجيل الصاعد فقد ولد شاعر الثورة نوح ابراهيم وفنان القدس وفلسطين الأول في حي وادي النسناس في حيفا من أم يونانية وأب فلسطيني. التحق بثورة القسام في سن مبكرة نتيجة إعجابه وتأثره الشديد بالشيخ عز الدين القسام. فكان يرافقه خلال تجواله على المدن والبلدات الفلسطينية.

قامت قوات الاحتلال الاستعماري البريطاني في شهر شباط/فبراير عام 1937 باعتقاله وايداعه في في سجن المزرعة ثم في سجن عكا، عقب انتشار أنشودته “دبّرها يا مستر دل” التي سخر فيها من الجنرال “دِل” عند تعيينه من قبل بريطانيا كقائد عام للجيش البريطاني في فلسطين لقمع الثورة. لكن حتى الجنرال “دِل” أعجب بنوح ابراهيم وأمر باطلاق سراحه من السجن بعد خمسة أشهر من اعتقاله. فعاد الشاعر والتحق بالثورة والثوار.

هناك من قال على مسامعي ذات مرة من المرات أن شاعر ومغني الصفصاف، الشهيد محمد محمود ناصر الزغموت، الذي استشهد نتيجة استهدافه من طائرة صهيونية، كان أول شهيد يوم سقوط ومجزرة الصفصاف في 28-10-1948. قد شارك لبعض الوقت في القدس مع فرقة الشاعر الشهيد نوح ابراهيم. لاحظوا ولاحظن أن الشاعرين الشهيدين استشهدا في الجليل بطريقة مشابهة الأول نوح ابراهيم بقصف طائرة بريطانية والثاني محمد الزغموت بقصف طائرة صهيونية. وبنفس اليوم والشهر مع فارق عشر سنوات بينهما. نوح ابراهيم في 28-10-1938 ومحمد الزغموت في 28-10-1948.

قال دياب العلي أنه تعلم من عمه دياب الصقر أن ثورة القسام أدركت أهمية الاعلام حينها، فكان هناك دور هام للشاعر الشاب نوح ابراهيم، الذي نظم القصائد وألَفَ بيتاً من الشعر هو التالي:

 حطة وعقال بعشر قروش

والنذل لابس طربوش

انتشر هذا البيت حيث غناه الشهيد الشاعر نوح ابراهيم فبات بعد الأغنية حتى خواجات وأفندية مدن لساحل الفلسطيني يلبسون الحطة والعقال تضامنا مع الثوار. كيف لا وهي كانت ثورة كل الشعب العربي الفلسطيني من الناقورة شمالاً وحتى أم الرشراش في أقصى جنوب فلسطين.

استشهد نوح ابراهيم مع ثلاثة من الثوار عندما كان عمره لا يتجاوز الـ 25 عامًا بعد التحاقه بالثورة حاملًا سلاحه الأقوى صوته وشعره وقلمه. هاجمه البريطانيون في موقع حرشي يسمى “الصنيبعة” بالقرب من بلدة “طمرة” الجليلية وبلدتي “كابول وكوكب ابو الهيجاء”. ترجّل الفرسان الأربعة ليستريحوا قليلاً ففاجأتهم قوة عسكرية بريطانية مدعومة بطائرات من سلاح الجو الملكي الاستعماري البريطاني، فسقط الشاعر نوح ابراهيم شهيدًا مع رفاقه الثلاثة وهم: محمد خضر قبلاوي وعزّ الدين خلايلة وأبو رعد (من الثوار السوريين الذين تطوّعوا مع القسام)، مساء يوم  28\10\1938 وألقى الإنجليز جثثهم في بئر. قام أهل قرية طمرة وحملوا جثث الشهداء إلى الجامع القديم بالقرية، وصلوا عليهم صلاة الجنازة، ودفنوهم في طمرة في المقبرة القديمة في البلدة، وقد أقيم لهم نصب تذكاريّ في القرية عام 1986.

ما فعله أهالي طمرة فعله أيضا في نفس الفترة من سنة 1938 أهالي دير حنا يوم استهدفت طائرة بريطانية مجموعة من ثوار الجليل كان فيها ثلاثة من الصفصاف اثنان من عائلتنا حمد وثالث من آل يونس وآخرين من عكبرة وطيطبة وبريا والخ. دفنهم أهالي دير حنا في مغارة قرب البلدة في موقع يسمى وادي الفطير. طلب مني دار عمتي في دير حنا أسماء الشهداء فأرسلتها لهم .أقام أهالي البلدة نصباً تذكاريا للشهداء وقائدهم الشهيد أبو صوله حمد. شقيق العم أبو علي عليوة حمد وعم الشهيد الضابط عدنان حمد الذي كنا ذكرناه في حلقة سابقة.

أغنية الحطة والعقال والطربوش لنوح ابراهيم قلبت الأوضاع في فلسطين خصوصا في المدن الساحلية، حيث كان يسود لبس الطربوش بين أهل المدن، بينما المجاهدين كانوا جلهم من البدو والفلاحين وكانوا يرتدون الحطة والعقال، لذلك كان من السهل القبض عليهم في مدن الساحل في حال حدوث هجمات للثوار. بسبب ذلك أصدرت قيادة الثورة تعميماً على كل الشعب الفلسطيني بارتداء الحطة والعقال لكي تحمي الثوار وتجنبهم الاعتقال أو الاغتيال.

يتبع: اعداد نضال حمد وموقع الصفصاف. في 1-12-2021