من هنا وهناك

من إنتصار ايار عام 2000 الى انتصارات القلمون وما بعدها – بقلم : أكرم عبيد

من إنتصار ايار عام

2000 الى انتصارات القلمون وما بعدها

بقلم : أكرم عبيد

إن التاريخ لا تصنعه الصدفة و لا هرولة المهرولين المفرطين المستسلمين بل تصنعه إرادة المقاومين وعظمة الشهداء الذين يسطرون أروع الملاحم الكفاحية في حياة شعبهم وأمتهم ليخلدهم التاريخ في ذاكرة الأمة.

نعم لقد تمكن أبطال المقاومة الوطنية اللبنانية من مراكمة الإنجازات في مواجهة العدو الصهيوني حتى توّجت في الخامس والعشرين من أيار عام 2000 بالملحمة الكبرى التي تمثلت بدحر قوات الاحتلال الصهيوني عن معظم الاراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب اللبناني المقاوم فاستحق هذا اليوم المشهود أن يكون عيداً للمقاومة والتحرير صنعه رجال المقاومة الوطنية اللبنانية بكل قدرة واقتدار لتثبت للعدو قبل الصديق والشقيق أن نهج المقاومة هو الخيار الاستراتيجي الوحيد القادر على كسر شوكة العدو الصهيوني المحتل الذي لا يعرف إلاّ لغة القوة بعدما فكك حزب الله بقيادته التاريخية بقيادة سماحة السيد حسن نصر الله كل المعادلات الصهيونية العنصرية الوهمية ومحرماتها بدعم ومساندة كل شرفاء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم وفي مقدمتها سورية الصمود وإيران وشركاء الدم من المقاومين الفلسطينيين.

وهذا ما هيأ أسباب النصر العظيم في يوم التحرير وتألق حزب الله المقاوم ليقود المسيرة الكفاحية للمقاومة الشعبية اللبنانية المسلحة ويستعيد أمجاد الفاتحين من عظماء الأمة بعدما فرض الهزيمة العسكرية الكبرى على مجرمي حرب الصهاينة تحت ضربات المقاومة التي مرغت أنف جنرالاتهم للمرة الاولى في وحل الجنوب المحرر خلال فترة زمنية قصيرة من عمر المقاومة . 

نعم لقد تحمل حزب الله المقاوم عظيم المسؤولية الوطنية والقومية والأخلاقية ليتعملق في قراءة الأحداث وتحليل أبعادها وتفكيك ألغازها المستعصية وكشف معالم أسرارها ليشخص طبيعة العوامل المؤثرة في مسيرة الصراع العربي الصهيوني ووضع الخطط التكتيكية والاستراتيجية في العمليات العسكرية المميزة والنوعية في مواجهة العدو المحتل بشكل مباشر من جهة والاهتمام بأوضاع الجبهة الداخلية من جانب اخر لتوحيدها من اجل حماية ظهر المقاومة بعد تحديد معالم التغيرات النوعية في واقع المجتمع المفكك و المنهار والإصرار على الانتقال من مظاهر الضعف والتشتت إلى حشد كل الطاقات و الإمكانيات المقاومة والعمل بعقلية جماعية واعية ومنفتحة تجاوزت كل الصغائر و نقاط الخلاف والبحث عن نقاط اللقاء مع الاحزاب والقوى اللبنانية المقاومة لتوحيد الأداة المقاومة في حدود معادلة وطنية وحدت الشعب والجيش والمقاومة بدعم ومساندة السلطة اللبنانية بقيادة الرئيس لحود والتفاف الجماهير حولها لتعزيز الوحدة الوطنية التي حددت أولويات الصراع الإستراتيجي مع الغزاة المحتلين وشركائهم الأمريكان والانتقال السريع من قوة لبنان في ضعفه إلى قوة لبنان في مقاومته ووحدته الوطنية.

 وهذا ما جعل حزب الله المقاوم يظهر قدرة واقتدار عظيمين في التقاط دقائق الظروف وتشخيص ملابساتها واستيعاب الواقع بكل تجلياته وتناقضاته وتعقيداته ليحدد بشكل واضح وصريح.

ماذا يريد من هذه المقاومة  وما هي حدود أهدافها التكتيكية والإستراتيجية في زمن الانهيار العربي الرسمي لمعظم الأنظمة العربية المتصهينة ؟

لذلك فقد واجهت المقاومة خلال مسيرتها الكفاحية الاختبار تلو الاختبار والمواجهة بعد المواجهة بعدما حاول البعض حرف بوصلتها عن الهدف الاساس في تحرير الجنوب وما بعد الجنوب الى معارك جانبية إمتدت من الداخل اللبناني الى المحيط الاقليمي وكأن المقاومة أصبحت هي المشكلة بالنسبة للبعض من القوى والاحزاب والانظمة العربية المتصهينة وليس الاحتلال الصهيوني الذي خطط لاستثمار عملائه الصغار في المنطقة ليثأر من انتصارات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واصبحت المقاومة وحاضنتها سورية ومحورها المقاوم في عيون البعض من الانظمة العربية والاحزاب والقوى المتصهينة هي العدو الصهيوني الذي يغتصب وليس ارضنا وحقوقنا الوطنية في فلسطين والجولان وكل ذرة مقدسة ما زالت محتلة في الجنوب اللبناني المقاوم .

لهذا السبب تعمد العدو الصهيوأمريكي إستثمار الاوضاع العربية الرسمية الصعبة لصياغة ما يسمى الربيع العربي وتصديره لبعض الشعوب العربية على قاعدة تعميم ثقافة الفتنة الطائفية والمذهبية لقلب معادلة الصراع العربي الصهيوني من صراع عربي صهيوني الى صراع عربي إيراني ليتمكن من تفكيك قوى المقاومة وفك ارتباطها بحاضتها سورية وداعمها الاستراتيجي الجمهورية الاسلامية الايرانية لتقسيم المقسم وتفتيت المنطقةعلى اساس سايكس بيكو جديدة ولكن بمفاهيم ومقايس صهيوامريكية ليتمكن من تصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة لتحقيق اهدافهم الاستعمارية القديمة الجديدة وفي مقدمتها ما يسمى النظام الشرق اوسطي الكبير.

لذلك فقد أكدت الاحداث اللاحقة ان انتصار العام 2000 لم يكن مصادفة او استثناء بل تعبيراً لنهج إستراتيجي مقاوم التزم منذ اللحظة الاولى لإنطلاقة حزب الله بتعيم ثقافة المقاومة والصمود في مواجهة كل اشكال العدوان والاحتلال وفي مقدمتها الاحتلال الصهيوني .

 وقد تجسدت هذه المعادلة على ارض الواقع في الانتصار العظيم في  حرب تموز عام 2006  بالإضافة لدحر العصابات الوهابية التكفيرية في القصير قبل عامين بالإضافة لحربين آثمين على قطاع غزة حيث أظهرت المقاومة الفلسطينية الباسلة وحاضنتها الشعبية صموداً ارتقى الى مستوى الانتصار.

لذلك ليس غريباً ولا مستغربا على جحافل حزب الله المقاوم مشاركة الجيش العربي السوري في تنفيذ عملية مهمة لتحرير معظم جرود القلمون من أيدي العصابات الوهابية التكفيرية الارهابية في الذكرى الخامسة عشرة ليوم التحرير مماد اعاد لنا ولكل شرفاء الامة واحرار العالم صور الانتصارات المتتالية التي تمثلت بيوم التحرير في العام 2000 مع اختلاف الفارق بين قدرات المقاومة مابين اليوم والامس وهذا ما يحمل  دلالات قد لا تنتهي في المنظور الامني الاستراتيجي لدى مجرمي الجرب الصهاينة ولا سيما إن قيادات العدو الصهيوني كانت وما زالت تثير الزوابع الاعلامية حول قدرات المقاومة التسليحية وخاصة ما تملكه من منظومات صاروخية طويلة المدى من نماذج مختلفة وحول تكتيكاتها العسكرية التي ارعبتهم بعد البحث عن  إنفاق يعتقدون ان المقاومة حفرتها تحت تحت المستوطنات الصهيونية شمال فلسطين المحتلة كمقدمة لإجتياحها وتحريرها بالقوة.
لذلك من  من حق مجرمي الحرب الصهاينة ان يتضاعف قلقهم وهواجسهم بعد معركة  القلمون حول قدرة حزب الله على “اجتياح” الجليل وتحرير بسرعة قياسية هذه المعادلة التي وعد بها الامين العام للحزب سماحة السيد حسن نصر الله يوماًفما انجزته المقاومة في القلمون يعطي صورة مصغرة عمّا قد يحدث مستقبلاً ويشكل مناورة حية لتحرير منطقة لا تتشابه جغرافياً مع الجليل فحسب بل أشد قساوة ووعورة منه.

 فقد أثبتت المقاومة مرة جديدة في القلمون كما في القصير سابقاً، ان بامكانها التماهي مع طبيعة المعركة وجغرافيتها والتحول من استراتيجية الدفاع الى استراتيجية الهجوم وان بامكانها إبداع نظرية عسكرية جديدة تتمثل في ترويض ودمج الاطر الكلاسيكية التقليدية التي تعتمدها الجيوش النظامية مع حرب العصابات واستخدام تكتيكات عسكرية جديدة تجعلها تصنف كأول مدرسة عسكرية عالمية تمارس هذا النوع من القتال. وتجعل تجربتها فريدة من نوعها وتستحق الدراسة  في أكبر المدارس العسكرية العالمية .

وهذا ما يؤكد ان المقاومة  كانت وما زالت وستكون ثابتة على جوزيتها وقادرة على صنع الانتصار تلو الآخر ولديها من القدرات والإمكانيات ما يجعلها قادرة على ردع أي عدوان صهيوني جديدوالرد عليه الصاع صاعين مهما كان صغيراً او كبير وخاصة انها ما زالت تخوض المعارك الى جانب الجيش العربي السوري في مواجهة العصابات الوهابية التكفيرية التي تعتبر الوجه الاخر للوجة الاجرامي للحركة الصهيونية العالمية .

لذلك فان المقاومة تنبهت منذ اللحظة الاولى لمعركة القلمون للهجمة الاعلامية الشرسة التي شنتها الوسائل الإعلامية المتصهينة على محور المقاومة فتمت مواجهتها بشكل علمي وعملي بعدما ابدعت في المعركة الاخيرة في نفس السياق ولكن في عدة اتجاهات من اهمها :

– أن المقاومة إمتلكت زمام المبادرة وتحكمت بكل مفاصلها وكسبت نصف معركة القلمون ضد التكفيريين قبل بدئها .

– لقد تصرفت بسرعية قياسية في مهاجمة العصابات الوهابية مما صدم قيادة العدو الصهيوني التي كانت ترصد المقاومين وهم يتحركون بأمن وأمان في مرتفعات جرود عرسال لملاحقة فلول العصابات الوهابية التكفيرية وسحقها بسرعة قياسية وبخسائر بشرية قليلة جداً من الشهداء والجرحى .

– لقد فجعت القيادات الصهيونية واجهزتها المخابراتية بقدرات المقاومة وإمكانياتها مما سيفرض عليها إعادة قراءة المشهد في القلمون بكل تفاصيله ومعطياته وتداعياته في الداخل والخارج .

وإنطلقاً من هذه المعادلة فأن معطيات اليوم التي بنيت على انتصار المقاومة شكلت المقدمة الاولى من الانتصارات المتتالية على ما يسمى الجيش الذي لا يقهر والتي شكلت درسا قاسيا وبليغا لمجرمي الحرب الصهاينة أفقدهم توازنهم أمام القطعان الصهيونية المستوردة في كيانهم المصطنع في فلسطين المحتلة ودرسا أبلغ لأدواتهم من الأنظمة العربية المتصهينة التي لم ترق لهم هذه الانتصارات التي أحرجهم بامتياز أمام شعوبهم التي تتطلع بكل فخر واعتزاز لهذه الإنتصارات التي تعتبر المقدمة لتحرير كل الاراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها فلسطين كل فلسطين والجولان العربي السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوربا في الجنوب اللبناني المقاوم  .

 akramobeid@hotmail.com

 

اترك تعليقاً