الأرشيفوقفة عز

من ذكريات المخيم والطفولة: الأستاذ محمود دهشة – نضال حمد

الأستاذ الطيب محمود دهشة هو جزء من ذاكرتي المخيمية والمدرسية. وهو أيضاً كان إبناً لسيدة قريبتنا من مخيمنا عين الحلوة في الجنوب اللبناني بجوار مدينة صيدا التاريخية.

ولد الأستاذ في قرية “طيطبة” الجليلية المجاورة لبلدة الصفصاف في أعالي الجليل الفلسطيني المحتل، على سفح الجرمق قرب مدينة صفد العريقة والساحرة.

بلدة طيطبة بعد احتلالها من قبل العصابات اليهودية الصهيونية سنة ١٩٤٨ تم تحويلها الى حديقة طبيعية، منتزه عام، حيث يأتي الزوار ليقضون بعض الوقت تحت ظلال الأشجار الوارفة، بحيث يمكنهم شواء اللحوم، مثلما شووا لحوم السكان الأصليين الفلسطينيين سنة النكبة ١٩٤٨.

كما كل اللاجئين الفلسطينيين وجد الأستاذ محمود دهشة نفسه لاجئاً مع عائلته في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. ولكنه كما غالبية أبناء جيله من اللاجئين الفلسطينيين الأوائل، بعد أن نما قليلاً وأصبح صبياً، فشاباً أدرك أن فلسطين التي ضاعت وسرقت واحتلت، لن تعود بدون العلم والكفاح. وأدرك أيضاً منذ الصغر والبدايات في المدرسة أنه كي يتمكن هو وأهله وشعبه من العودة اليها، عليه التوجه نحو العلم، فسلاح العلم والمعرفة، يضاهي بقوته كل أنواع الأسلحة الأخرى بما فيها بنادق ورشاشات ومدافع المعركة وميادين القتال الحربية.

بعد أن أكمل دراسته وتخرج تم تعيينه مدرساً في مدرسة قبية الابتدائية بمخيم عين الحلوة. وكنت أحد تلامذته من الصف الأول حتى الصف السادس، يعني طيلة المرحلة الابتدائية في مدرسة قبية.

لقد كان الأستاذ محمود دهشة رحمه الله انساناً متسامحاً وطيباً ومعلماً محبوباً. بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة الابتدائية رأيته عدة مرات في المخيم. ولكن بعدما أنهيت المدرسة المتوسطة التكميلية في مدرسة حطين بالمخيم، لم ألتق به. ثم بعد غزو لبنان في مثل هذه الأيام من صيف سنة 1982، لم أره ولا مرة ولا أعرف بالضبط متى وأين توفي وحتى أين تم دفنه.

كنت كلما زرت دار شقيقته المرحومة أم محمد حمد زوجة العم الراحل نمر حمد “أبو محمد” في مخيم اليرموك وذلك عقب حصار بيروت سنة 1982. وبعد عودتي من رحلة العلاج في ايطاليا. وفي السنوات التي تلت ذلك. كنت أعود بالذاكرة الى المخيم والمدرسة والأستاذ محمود دهشة. فقد كان هناك شبه كبير بين العمة المرحومة أم محمد وشقيقها الأستاذ المرحوم محمود دهشة. رحمهما الله ورحم والدتهما الحاجة زهيا حمد.

رحم الله الأستاذ محمود دهشة وكل الأساتذة والمعلمين والمعلمات الذين واللواتي علمونا فك الحرف، وصنعوا مِنا نواة لمستقبل القضية الفلسطينية. وجعلوا مِنا طلاباً ناجحين، فرجالاً للمستقبل، مثلما نحن عليه اليوم. فقد كان لهم الفضل في تعليمنا وتثقيفنا وتدرسينا وتعزيز وعينا وثقافتنا الوطنية والعلمية والتاريخية.

16-7-2021

الأستاذ محمود دهشة – نضال حمد