الأرشيفثقافة وفن

مهرجان تكاذب يجمع (إسرائيليين) وعرباً في فرنسا: – رشيد وحتي

مهرجان تكاذب يجمع (إسرائيليين) وعرباً في فرنسا: عندما يذرف الجلّاد دمعةً في راحة المطبّعين!

 رشيد وحتي  

 لا تصالح/ ولو منحوك الذَّهب» (أمل دنقل)

 

سقطت ذراعك فالتقطها. وسقطت قربك فالتقطني. وَاضرِب عدوَّك بي» (محمود درويش).

 

هذه هي المقدمات التي وضعها الشعراء العرب لصراعنا الفكري مع الصهاينة، تضاف إليها الأسباب الرئيسة لاغتيال غسان كنفاني وانتشاء غولدا مايير به: وضع اللبنة الأولى لتفكيك الخطاب الصهيوني على مستواه الثقافي.

فالتطبيع عريق عراقة المقاومة والأمنِ الثقافيَّيْن العربيين، لكنَّ حصار بيروت 82 وسقوط بغداد عجَّلا في انحسار العمق الاستراتيجي للفلسطينيين وهرولة البعض لنيل رضى العدو الصهيوني، لتكتمل همروجة الرقص على جثة الضحية مع اشتداد الحرب والحصار على محور المقاومة من جهة، ومحاولة تمرير صفقة القرن من جهة أخرى.

من إفرازات هذا الصراع وآلياته الرئيسة مهرجانات ومنتديات فنية وثقافية تقام في أوروبا وأميركا لاستقطاب العرب و(الإسرائيليين) تحتَ مسمى السلام وثقافة السلام، في ما يمكن وصفه بحفلة تكاذب يحاول فيها الشعراء الصهاينة أن يظهروا بمظاهر الحِملان الوديعة المعادية للصهيونية والمحبة للوئام بين كل شعوب العالَم، بينما يحاول المتهافتون من الشعراء العرب الظهور بمظهر المتحضِّر، السَّمح، المتقبِّل للآخر، ولو بنى هذا الآخر كيانه على دماء وجماجم الفلسطينيين.

 

بيارو مانزوني «براز المثقف» (1961)

 

وتعتبر مجريات الدورة الأخيرة من «مهرجان الشعر» في مدينة سيت الفرنسية الذي اختتم قبل أيام حاملاً «الشعر طريق السلام»، آخر ما جادَ به هذا المستنقع، إذ لم يتورّع «ممثل» العراق في المهرجان بالتفاخر بأخذ صور مع ممثلة «إسرائيل» في جلسة مقهى، على خطى النائب مثال الألوسي، وتيارات عراقية عريضة، تدعو لفتح خطوط التواصل الكامل مع الصهاينة. للإشارة، فنخبة كبيرة من الشعراء العرب مدعوون شبه دائمين لهذا المهرجان (أدونيس، صلاح ستيتية…)، كما أن بعضهم الآخر عضو دائم في لجنة تنسيقه الدولية (صلاح ستيتية مرة أخرى، محمد بنيس، أنطوان جوكي، فينوس خوري غاتا، غسان زقطان).

بالاطلاع على برنامج الدورة، تلفت نقطتان أكثر من غيرهما: الإشارة إلى ممثلة إيران الشاعرة والمترجمة مريم حيدري كأهوازية؛ و«ممثلة إسرائيل» تال نيتزان، كمناضلة أدبية من أجل السلام وكحاصلة على جائزتي وزارة الثقافة (الإسرائيلية) والجامعة العبرية للقدس! طبعاً، تمّ تناسي أنّها مجنّدة سابقة في الجيش الصهيوني!

قبل أن يحاول المثقف «الإسرائيلي» الانفتاح على المثقف العربي، عليه أولاً أن يقنع حُكَّامه بالتخلي عن سياسة تقتيل الفلسطينيين، ويقدّم نقداً ذاتياً لممارساته عند تجنيده في جيش الاحتلال، فكثير من مُتَبَاكيهُم (عاموس عوز، غروسمان، يهوشع) لا يذرف الدمعة إلا بتذكره لماضي ما اقترفه تجاه الفلسطينيين في عقدة ذنب يتم تناسيها مع سقوط أول قذيفة على مُسْتَوْطِن. مهما بدا هذا المثقف «التقدمي اليساري» معادياً للصهيونية، يبقى صهيوني الجوهرِ عندما يشتد الصراع. الأخطر أن الجهات الغربية، بمثل هذه الخطوات، تحاول أن تفرض على العالم العربي ممثليه الثقافيين وأن تصنعَ وجوهه الفكرية البارزة، وليس بعيداً عن ذلك ما حاولته مجلة Le Nouveau Magazine Littéraire الفرنسية، في عددها لكانون الثاني (يناير) 2019، ضمن محور «الـ 35 مفكراً الأكثر تأثيراً في العالم». إذ اعتبرت المغربي طه عبد الرحمن، المعروف بتكفيره للحداثة الغربية ولمعالم التحديث في العالم العربي، الوجه الأبرز للفكر العربي. فلا بأس من دعم الغرب لـ «داعش» وجبهة «النصرة»، رغم ميولهما التكفيرية الواضحة، ما دامتا ضد أي حركة تنويرية في العالم العربي، ما دامتا ذراعاً عسكرية لتدمير العمران العربي وإجهاض تصدي حركة التحرر الوطني للتبعية الاقتصادية والسياسية والفكرية. «ما يتبقى يؤسسه الشعراء» (هولدرلين)، ويحاول المطبِّعون تهديمَه!

 

https://www.nouveau-magazine-litteraire.com/taha-abderrahman-maroc-1944

 

http://www.sete.voixvivesmediterranee.com/Edition/Poetes_invites/

 

المشاركون في الدورة 

أعضاء لجنة التنسيق الدولية لـ «مهرجان سيت» من الدول العربية والإسلامية هم: صلاح ستيتية، رئيساً شرفياً (لبنان)؛ سافو، راعيةً (المغرب فرنسا)، محمد بنيس (المغرب)، أنطوان جوكي، فينوس خوري غاتا (لبنان)، غسان زقطان (فلسطين)، أزدمير إنجه (تركيا). أما المشاركون من هذه الدول في دورة 2019 التي اختتمت قبل أيام، فهم: ليساندري كولا (ألبانيا)، سعاد لعبيز (الجزائر)، هشام الصباحي (مصر)، حيدر الفيحان (العراق)، مريم حيدري (إيران)، صلاح ستيتية، فينوس خوري غاتا، محمد وهبة (لبنان)، محمود عبد الغني، محمد العمراوي (المغرب)، أنس العيلة (فلسطين)، ميس الريم قرفول (سوريا)، آدم فتحي (تونس)، إمري كلتكين (تركيا).

حصان طروادة 

من صفحة الشاعر الفلسطيني النيكاراغوي فخري رطروط على فايسبوك: «قبل سنوات تمت دعوة الشاعر (الإسرائيلي) أميري أور إلى مهرجان جراناد، طبعاً أميري أور مختص بالقارة اللاتينية، وين ما في تجمع ونشاط شعري تجده، أميري شاعر إنساني مسالم حبَّاب، يدعم السلام، يساري، و.. ولديه مدرسة لتعليم الأطفال العرب و(الإسرائيليين) الشعر. المهم حين صعد على المنصة خلعنا قصيدتين واحدة عن النازية وتوحشها، والثانية عن الفلسطينيين المتوحشين في القدس وعنوانها «في انتظار البرابرة». طبعاً إذا جلس معك على الطاولة، سيريك قناع حمامة السلام. إذا صعد المنصة، سيريك قناع ضابط الموساد.

هذا كان ردي على الشاعرة سعاد لعبيز (المدعوة الجزائرية لـ «مهرجان سيت»): مشكلتنا سيدتي ليست مع «مهرجان سيت»، مهرجان مثله مثل غيره، بل تكاد معظم مهرجانات الشعر في العالم تحت قبضة الشعراء (الإسرائيليين)، مشكلتنا مع الحمقى من الشعراء العرب الذين يتم استخدامهم كحصان طروادة لاقتحام الثقافة في هذا الشرق. لا يكفي أن تكون الشاعرة طال نتسال أو تال (ممثلة إسرائيل في المهرجان) امرأة جيدة، هذا لا يكفي، وليس ذريعة ليختلط الحابل بالنابل، وليجلس الجميع مع الجميع تحت ذريعة أن هذا شاعر إنساني، هل تدعم هذه الطال حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة؟ هل لديها الجرأة للتوقيع على بيان يدعم حق اللاجئين الفلسطينيين، كما طرح الشاعر الفلسطيني زكريا محمد ذات مرة بموضوع مماثل. ما قالته في المهرجان أمامكم عن خجلها من الانتماء إلى (إسرائيل)، هل تستطيع التصريح بذلك علناً في قناة تلفزيون؟ اسأليها أين خدمت خدمتها العسكرية الإجبارية ما دامت تخجل من دولة الاحتلال، لمَ لا تعود إلى الدولة التي جاءت منها؟ اسأليها ما الجنسية الثانية التي تحملها؟».

 

 

الاخبار اللبنانية

 

 

 

 

عالهامش

 

كتب زكريا محمد: تطبيع بالألاعيب 

شاركت قبل سنين في مهرجان ميديلين الشعري في كولومبيا. وكان مدعوا إلى المهرجان أيضا شاعر (إسرائيلي)، يدعي أنه يساري، ويدعى (أميري أور). وفي بداية المهرجان أتي إلي أحد المنظمين ليسألني إن كنت أوافق على القراءة مع السيد أور. قلت له: إلا هذا. إياكم وأن تفعلوا ذلك.
اعتذر الرجل وقال لي: كما تريد، لن يحصل إلا ما تريد. ونسيت الأمر.

لكن في الأمسية الختامية، حيث يقرأ الشعراء كلهم، يخرج الشعراء للقراءة على مجموعات. توضع كل مجموعة معا على طاولة. وأخبرت من قبل أحد الأصدقاء أنه جرى ترتيب الأمر بحيث أكون والسيد أور على طاولة واحدة، بل وأن كرسيي سيكون قرب كرسيه.

شعرت بالغضب. وقلت: حسنا سنرى. نادوا على الأسماء فجلس الشعراء على الطاولة، وظل مكاني أنا خاليا. لم اجلس في المكان المخصص. ظللت بين الجمهور. وأحس المنظمون بأنني لا أقبل باللعبة، وبأنني قد أفجرها علنا. فبحثوا عني واعتذروا. لم أجلس على الطاولة ولا على الكرسي، بل ذهبت للقراءة وحدي، ومن دون طاولة، بعد أن أنهى الشعراء جميعا قراءاتهم. يعني: اختتمت الحفل. وخابت جهود أميري أور.

وفي العشاء، العشاء الأخير للمهرجان، تقدم أور مني بصفاقة لكي (يعاتبني). فقلت له: ألا تخجل من نفسك وأنت تدبر هذه المؤامرات؟ أنا لم آت إلى ميديلين كي أوقع معك اتفاقات سلام مثل اتفاق أوسلو. لو كنت أريد ذلك للقيتك في تل أبيب أو رام الله، فالمسافة أقرب. أنا جئت هنا من أجل الشعر. مع ذلك، فأنا على استعداد لأن أقرأ معك الليلة هنا إن وقعت معي على بيان فيه نقطة واحدة: المطالبة بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها. هل توقع على مثل هذا البيان؟ 

رد بقوله: عودة اللاجئين تشكل خطرا على إسرائيل. قلت له: إذا كانت عودة لاجيء مسخم مسكين في عين الحلوة بلبنان تشكل خطرا عليك وعلى إسرائيل، وهي حق مشروع له، فمعنى هذا أن دولة (إسرائيل) خطأ كبير وغير شرعي، ويجب أن لا تكون موجودة.
وانتهى الأمر.

بعد سنوات أرسل لي أميري أور طلب صداقة على الفيسبوك، فتجاهلته وحذفت طلبه. فهذا شخص مكلف رسميا في ما يبدو من جهة حكومية (إسرائيلية ) بالبحث عن المطبعين واصطيادهم.

أما مناسبة الكلام فهو ما كتبه رشيد وحتي في صحيفة الأخبار حول مهرجان سيت والتطبيع.

Zakaria Mohammed