الأخبارعربي وعالمي

ناتو بعرب وليس ناتو عربي – عادل سماره

  تجزئة الجغرافيا تقود إلى تجزئة التحليل فالموقف وهي بالطبع تجزئة ما لا يُجزّىء، هذا ما تلجأ إليه صغريات الأنظمة لتعمية الشعب عن تمريرمشاريع وتنازلات لم تكن من عندياتها. بل إن أنظمة التبعية لا عنديات لها أصلا لأنها تصنيع مركز النظام الرأسمالي العالم وما الحديث عن استقلالية نسبية لبعض هذه سوى لستر العورات. فما يسمح لها بالإمعان فيه هو القمع وتسهيل نهب الثروة وتفكيك اي مشترك عربي واحتراب الأنظمة مع بعضها، وبكلام آخر، هذه الأنظمة تتمثل الدور الإمبريالي في وطنها.
من هنا اعتمدت بالمقابل مدرسة النظام العالمي العالم كوحدة واحدة  ومن ثم ننزل إلى جغرافيا هذا الحدث أو ذاك.
هكذا نتناول ما يزعم بعض الحكام العرب وخاصة في الأردن بأنهم يصوغون تحالفاً لهم أو لما يسمونه “ناتو عربي” و  “المنطقة” هروبا من تسمية الوطن العربي.
ولعل اللافت أكثر أن التسمية نفسها تحمل مضمون التبعية ولعب دور أدوات في التقسيم الإمبريالي للعمل في الوطن العربي خاصة. وهذا بخلاف تسميات مشاريع أخرى لنفس الهدف ومن نفس المشرف ولكن بتسميات خبيثة واقل وقاحة مثل” التحالف العربي” ضد اليمن، أو “تحالف بلاد الشام” بدون سوريا بل ضد سوريا!
ولم يكن لهؤلاء أن يصدعوا بهذه التسمية الصارخة في إذلال الأمة “ناتو عربي”  لولا أنهم :
·      في وضع مريح جدا من حيث غياب قوى الثورة
·      أو لأنهم في قلق حاد لاغتنام لحظة انهيار حركة التحرر العربية قبل أن تسترد أنفاسها بعد الربيع الخريفي.
 وسواء كان الدافع هذه أو تلك وهما متواشجتان، فإن طرح هذا الحلف هو مثابة إعلان، لأول مرة، عدوان ثلاثي ضد الأمة العربية:
·      عدوان إمبريالي
·      عدوان صهيوني
·      وعدوان التوابع.
وهذا يؤكد أن المشروع ليس محلياً قط ولكنه مخصص ضد المحلي العربي.
 
لماذا الإعلان من نظام الأردن؟
 
هل يمكن القول بأن لهذا النظام ثقلا قياديا في المشرق بل الوطن العربي؟ لا يوجد ما يوحي بذلك لا من حيث تاريخ دور النظام ولا الكتلة البشرية، هذا إذا كانت تدعمه ولا من حيث القوة الاقتصادية ولا العسكرية…الخ
نجد الإجابة في التاريخ. فهذا النظام القطري الذي بدأ كإمارة وجرى نفخها لمملكة كي تبتلع المشردين الفلسطينيين هذه الإمارة  منحة من وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل منذ 1921، والرجل من ضواري الإمبريللية لقرابة نصف قرن. ولا ننسى أنه هو الذي أفتى بإقامة جامعة الدول العربية وجرى تصميم بنيتها بحيث تبقى كل دولة قطر مستقلا/منفصلا عن الآخر أي في مشروع لتأبيد التجزئة العربية. فالنظام الذي يقبل شروط الجامعة لا يحق له ضم آخر. وبناء على هذا الأساس وصلت الجامعة إلى استدعاء إرهاب مجلس الأمن الدولي لاحتلال العراق، ليبيا وسوريا…الخ.
من يتابع تاريخ الحركة الوطنية الأردنية يجد أن مسيرة النظام كانت بتشغيل بريطاني وجرى توريثها للإمبريالية الأمريكية دون التوقف عن الاستفادة من الاستعمار المهزوم.
وكما هو متعارف، فهذا النظام بدأ مثابة سور شرقي للكيان قبل إعلانه.
واليوم، بعد ماراثون التطبيع الرسمي والثقافوي من كثير من العرب صار لا بد من تغيير دور النظام بمعنى أن هناك ما يمكن له أن يقدمه. وليس أمهر من الإمبريالية في استحلاب التوابع.
هنا يصير لازماً العودة للنظام العالمي حيث هذا النظام التابع له دور في الوطن ودور إقليمي وهما يندمجان في النظام العالمي.
وإذا كان الإجهاز على المقاومة الفلسطينية ببناها المعلنة قد حصل عبر التسوية والاستدوال، فإن إنجاز هذه المهمة الجريمة يشترط الكشف عن الحرب على محور المقاومة عربيا وإقليمياً. فلم يغب قط عن مؤسسي الكيان القول بأن الكيان في خطر طالما سوريا لم تتفكك.
ورغم ضعف الحركة الوطنية في الأردن ورغم عدم تبلور حركة وطنية فلسطينية أردنية، فإن هذا النظام يخشى الشعب، ولذا قام بتزنير نفسه بجيش أمريكي. هذا رغم أنه يقوم دوما ب “فلترة” قيادات الجيش ورشوتها بالأعطيات. فجيش العدو الأمريكي في الأردن يتمتع بنفس الامتيازات التي يتمتع بها في كوريا الجنوبية اليابان. وهذا الجيش حاشا لله أن يكون لخدمة النظام بل لخدمة دوره. كما ان صلاحياته لا تؤخذ من الجيش الأردني ولا يحق للجيش الأردني اعتراضه!
لذا، بدأ حديث النظام منذ احد عشر عاما ضد ما أسماه “الهلال الشيعي” وفي هذا إيحاء بأكثر من هلال ومن ثم أكثر من إسلام. وقريبا سنجدالهلال الإبراهيمي!
لنلاحظ أن الأمريكي لم يكتفي بغرفة موك ولا بتدريب الإرهابيين ضد سوريا والعراق بل انزل جيوشا لا يُعرف عددها، وعلى ضوء ذلك بدأ النظام في الحديث عن خطر إيراني في سوريا نظرا لربما إنكفاء روسي في سوريا، والمبالغة بخطر التهريب  ومن ثم حربا ضد سوريا بسبب التهريب ضد سوريا! هذا وكأن التهريب من الأردن إلى سوريا لم يكن حتى بداية العدوان الأخير ضد سوريا!
هنا يتضح دور هذا النظام كرأس حربة أمام الجيش الأمريكي بداية من جنوب سوريا وتقاطعا مع داعش في إدلب والكر/صهاينة في الشمال هذا إلى جانب خدمة تفجير الجنوب للكيان الصهيوني ناهيك عن عدوانه المتواصل ضد سوريا.
 
 اطراف التحالف؟
 
هنا يتضح ما هو “الناتو العربي” وهو إسم غطاء ليس فقط لكونه أداة امريكية بل صهيونية وتركية معاً بهدف تدمير سوريا. فهو بتمويل إماراتي سعودي وبجيش أمريكي وتركي وصهيوني. والحديث عن أنه مكون من جيش نظام مصر والأردن وبعض القطريات العربية ليس سوى تغطية لمكوناته العدوانية الأساسية.
ورغم مزاعم ملك الأردن أن هذا التحالف ليس ضد أحد، فإن هذا الزعم مثابة استخفاف بوعي الشعب أو من طراز “عنزة ولو طارت”
فهل يعقل إقامة تحالف ضد سوريا بدون الكيان وتركيا؟ وإذا لم يكن هذا الناتو ضد أحد فما ضرورته؟ فالتحالفات هي في افضل أحوالها دفاعية، فإذا لم يكن هذ ضد محور المقاومة، ف ضد من إذن والكيان ضمنه؟
هل هو ضد إثيوبيا بينما النظام المصري يُلهي الشعب إلى أن يكتمل سد النهضة ليقول بأن تدميره سيُغرق مصر!
لم يكن لمجرد الحديث عن هذا المحور أن يحصل لولا   تهالك الوضع الرسمي العربي ولجم الشعب العربي بالأمن والقمع والتجويع لينشغل كل فرد بلقمة عيشه.
إن أساس هذه السياسة هي تجويف الوعي لتجريف الثروة وصولا طبعا إلى تأبيد الكيان.
ليس هدفنا هنا التركيز على دور روسيا وإمكاناتها علماً بأنها في وضع مرتاح في أوكرانيا وتسبب في إشكالات حقيقية للغرب وخاصة أوروبا.
لا شك ان من أهداف هذا الناتو تسييل الطاقة من الوطن العربي لإسعاف أوروبا، ولكن هذا أحد أهداف هذا التحالف وليس الوحيد.
من اللافت أن هذه الأنظمة العربية  ممعنة في خيانة الأمة. وهي بدل ان تستغل تراخي قبضة الإمبريالية عن العالم لتحقق شروط علاقة افضل أو الذهاب شرقا، تقدم للعدو كل إمكانات الأمة لنجاته واستعادة قبضته.
والحقيقة أن هذه الأنظمة وهي فاشية بلا مواربة، لكنها من الطراز العدو لوطنه. فالفاشيات المعروفة وطنية وتطمع في دور إمبريالي.
هذه الأنظمة من نمط السلطة عدو الأمة. فهي تشن حربا أهلية طبقية ضد المجتمعات العربية باستمرار، وتعمق التخلف.
ودورها الأساس في اللحظة هو اجتثاث المقاومة، وصولا كما اشرنا إلى تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك سوريا ومحاصرة إيران.
هنا يمكن طرح السؤال التالي وهو إشكالية نظرية لعل في الطرح تسهيلاً للفهم.
هل هذا العدوان من مختلف صانعيه والشركاء فيه هو بدافع من المستوى السياسي أم المصلحي المادي؟ ايهما العامل الحاسم. يرى كثيرون، وخاصة المتأثرين بألثوسير أن السياسي هو الأساس وأن الاقتصادي يأتي ليحسم في النهاية. ونعتقد بأن هذا ليس تحليلاً قائم على المادية التاريخية. صحيح أنه يأخذ العامل الذاتي كثيرا بالاعتبار، ولكن السياسي والثقافي…الخ ليست سوى طربوشا يغطي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها الصراع وهو المصالح الاقتصادية التي ورائها دوما النالس الطبقات. صحيح أن الناس تعلن عن الصراع سياسياً، ولكن ما الأمر الذي يقوم عليه راس المال غير التراكم والتراكم علاقة اجتماعية مادية في الأساس والنهاية.
بقي أن نقول بأن الوطن مقبل على حرب طبقية قومية معولمة. ونحن إذ نعلم أننا لم نصل بعد مرحلة القدرة على الانتصار، ولكننا نرى ان الحياة مقاومة، وبأن محور المقاومة قوي لمجرد وجوده.
يكفي أن ننتبه لحقيقة هامة وهي أنه قبل الربيع الخريفي كانت في واجهة الوطن أنظمة التبعية والاستخذاء والانكماش القطري والتحلُقات الطائفية وتراجع كثير من الحزبيين وتساقط مثقفين… الطابور السادس الثقافي. لكن اليوم هناك قطب المقاومة قطب الثورة المضادة وهذا ما يجب تشغيله بالاشتباك وصولا إلى طبقات شعبية مشتبكة ضد:
·      إرهاب قوى الدين السياسي /الاستشراق الإرهابي
·      وضد فلول استدخال الهزيمة ومنهم  كثير من القوى اليسارية والشيوعىية والقومية.

https://kanaanonline.org