الأرشيفمن هنا وهناك

ناجي العلي وحديث لم ينشر . لا أرسم إشارة النصر إنها مضللة – نجوى ضاهر‎

في الساعة الخامسة في الثاني والعشرين من شهر تموز الفائت وقبل سبعة وعشرين عاما أي في عام 1987 إخترقت رأسه رصاصة طائشة من الجهة اليسرى ، وخرجت من خده الأيمن وبعد ثمانية وثلاثين يوما من الإصابة أسلم الروح .. إنه صاحب الجسد النحيل المحير الذي يطرح علامات إستفهام متلاحقة رغم بساطته ، قال عنه الشاعر إنه خبزنا اليومي صعلوك يصطاد الحقيقة بمهارة نادرة ، وحذرنا منه لأن الكون عنده أصغر من فلسطين ، وفلسطين عنده هي المخيم ، لأنه إبن المخيم ، عين الحلوة ، الذي لم يرسمه بريشة بل رسمه كما يجرح بسكين ، نقل لنا مآسيه ومعاناة شعبه بمهارة نادرة إنه إسمنا الحركي ، كما قال عنه طلال سلمان ، قتل بكاتم صوت رخيص أمسكته يد مستأجرة أشد رخصا وخيانة .

وفي ذكرى إستشهاده اليوم ماذا نقول ؟ أنعيد البحث في أرشيف سيرته ؟رأينا تجاوز ذلك وإستسماح قانون حقوق الملكية الفكرية ونشر حوار عفوي لم ينشر سابقا إلا بإسمي  في جريدة الخليج الإماراتية قبل سنوات طوال مع طلاب جامعة العين خلال  إستضافته وإقامته معرضا خاصا في كلية الطالبات ، تحدث ناجي يومذاك كثيرا في شريط تسجيل ما زلت أحتفظ به وأعيد الإنصات إليه كلما ضاقت المرحلة مرات ومرات لأرى عن قرب أحلامه وتطلعاته ورسوماته فقال وتساءلت في داخلي عن هذا الفعل الماضي الذي كتبته قال هل غاب ناجي فعلا وتلمست  في ذاكرة الحاضر من كلماته وجدارياته أن ناجي يقول دوما كل صباح وليس قال …

بداية تحدث ناجي عن دور الطلاب التأثيري في المجتمع حيث شدد أن لهذه الفئة دورها المعروف في كل المجتمعات على الصعيد النضالي والإجتماعي ، وأكد أهمية أن تمتلك الفتاة الوعي بشكل خاص فهي الأم التي ستربي الأجيال في المستقبل ولا يمكن إنكار هذا الدور الجوهري والمهم ، وحين نؤكد خصوصية هذا الدور لا يعني ذلك أننا نفصل بين دورها ومكانتها في المجتمع وبين الدور الرجل في المقابل ، ولا يعني أني أتحيز لدور المرأة ، لكن الفتاة الواعية كونها ستصبح أما في المستقبل فإنها هي من يبشرنا بموسم حصاد مثمر على مستوى الأبناء ، وقولنا هذا لا يلغي أهمية دور الأب في التربية ولا يعني أننا نريد تغييب هذا الدور . وشخصيا ، حين ألتقي بطلاب وطالبات على درجة من الوعي سواء في جامعة الكويت أو العين أو بيروت أو أي جامعة عربية فإن هذا الأمر يفرحني ويبشر بالأمل ودور الجماهير الطلابية مسألة لا جدال فيها ، فحين كان مثلا يصدر تصريح خاطئ سابقا بحق القضية الفلسطينية كان الطلاب والطالبات في الجامعات هم أول فئة تعلن رفضها وإحتجاجها على ذلك ، كان صوت الجماهير الطلابية يهدر في شوارع العواصم العربية .ويكمل ناجي قائلا ، الشباب هم أساس المجتمع مضبوط ولا لأ .. هادا الحكي صحيح وصرنا للأسف نفتقد تأكيد هذا الدور .. ويتابع طبعا بالنسبة للدور النضالي فإنه يختلف حسب الموقع ، ففي دول المواجهة مثلا يكتسب دور الطلاب أهمية خاصة ، وأحب أن أؤكد أنه مهما تعاظمت أساليب القمع وتنوعت أدواتها فإن حالة الوعي تقهرها بدون أدنى شك وتقف لها بالمرصاد ، ويقول أنا ما بدي أبعد عن السؤال حول أهمية دور الطلاب بس أنا عموما ، بحب ألتقي بكل الناس ، حتى اللي بيكره قضيتي ، بس مش عدوها وهناك فرق ، لأنو في ناس كتير بتكرهها لأنها ما عندهاش وعي كافي ، وكل يوم بشوف زيي زي أي مواطن عربي أمور بتحزني بتخص إهتمامات بعض فئات شعبنا ، بس هاي المظاهر مش هي سبب زيادة إنفعالاتي ، أنا طبيعة حكيي وحركاتي إنفعالية ، إذا بتلاحظوا نفسي حامي دايما ومرتي بتنعرني ( تنهرني ) في جلساتنا مع الأصدقاء وكل اللي بختلف معهم وبتطلب مني أهدي على الموجة الخفيفة ، وعن حب الوطن بيقول ناجي ، أنا بستغرب بعض الناس كيف بيفكروا تجاه هادا الموضوع ، بيعتقدوا أنو اللي بيكتب قصيدة عصماء أو بيرسم كاريكاتير يشتم في أو يوضح موقف سياسي أو اللي بيحارب هو بس الوطني والباقي يمكن ينحط بخانة العميل ، هادا الفرز الضحل اللي بيحدد حب الوطن بيضحكني مع إني أكتر واحد بيشتم الناس العوج ، يمكن تستغربوا إني بيحس حتى الشخص اللي بيمر عن إشارة المرور الحمرا بدون مبالاة وبعنجهية بيتآمر على قضيتنا كعرب الأنسانية ، حتى الإنسان اللي ما بيهتم بصحتو ( صحيح أنا معلول ) بس مش لأني ما بهتم بصحتي معناتو أنا صح ، هاي الغيرة برأيي لازم تكون موجودة عند كل إنسان عربي لأنها بترتبط بالحضارة ، أنا مقتنع إنو إحنا لازم نكون أول إشي حضاريين بتصرفاتنا ، قبل ما ندعي الوطنية ونحجم معناها ومفهومها في إطار ضيق هو الجعجعة بس .. وبيكمل ناجي حكيو التلقائي العميق وبيقول : تصوروا مبارح دكتور بالجامعة إستهزأ  وقال شو يعني جاي يعمل معرض كاريكاتير ، قضيتنا الفلسطينية صغرت لهاي الدرجة حتى نمثلها  ونعكسها بكم رسمة كاريكاتير ! أنا صح بحترم رأي كل شخص لكني بتأسف لأنو حكى رأيو من ورا ظهري ، ليش ما إجا وحكى معي بالشارع ، بالمقهى الجامعي ، الكلمة سلاح والفكر سلاح والقضية عندي إلها قدسية وبسمحش لشحطة قلم تمسها ومن هون لازم نركز على أهمية هاي الأدوار للمعلم ، فيا ترى هيك عينات شو بدها تطلع أجيال ؟ يمكن تقولوا الموضوع مش بهالأهمية بس هوة موضوع بغاية الخطورة الوطنية بيتعلق بنظرة جيل بحالو لدور الكلمة والرسمة والموقف .. مش كلنا لازم نكون محاربين يعني وكل واحد بيحارب بطريقتو وحسب إمكانياتو وهادا التنظير بيقتلني لأنو مدمر للقضية ، وما أشطرنا بالحكي والتنظير .. وعن الرقابة الصحفية على رسوماتو بيقول ناجي : فش حدا بيراقبني أو بيصادر رأيي أو موقفي اللي بعبر عنو من خلال رسوماتي ، ولما برسم ما بفكرإذا كانت الرسومات راح ترضي وتناسب سياسة الجريدة ومكان النشر ، بدهاش تنزل عمرو ما حدا نزلها ، أنا برسم علشان أريح ضميري وأوصل للناس رسالة بعتبرها أمانة برقبتي ، والكاريكتير فن إلو تأثير رهيب على الناس ، في بعض مدراء التحرير الموظفين كانوا يطالبوني إني أطيرها شوي ، وأنا بفضل عدم النشر على أني أطريها أو أغير التعليق أو الرسمة ، ومن خلال المعارض اللي نظمناها شعرت بأهمية هادا الفن للناس كبار وصغار كانوا يتمعنوا بالرسومات ، مرة واحد قالي مرة ، مبارح شفت رسمة عدد شعرات حنظلة فيها 13شعرة واليوم شفت لوحة فيها 12 شعرة ، بيضحك ناجي وبيقولوا يا عمي حنظلة زي بقية الناس شعرو كت ( تساقط ) من القهر على حال الأمة ، وفي واحد شاب طلب مني مرة أرسملو حنظلة ليحتفظ في كذكرى فرسمتو وبعد شوي رجع وقال لي أصحابي بيضحكوا علي لأنك رسمت إلي حنظلة مزور ما إلوش رقعة على كتفو ، هاي الملاحظات التفصيلية بتؤكد إهتمام الناس بفن الكاريكاتير ككل والحال نفسو مع رسومات زملائي بهادا المجال .. وبالنسبة للمعارض كتير بيقلقني إفتتاحية المعرض وإختيار اللوحة المعبرة عن كتير من المعاني ، وعلشان هيك مبارح قعدت أفكر كتير باللوحة اللي بدي أحطها على مدخل وأخيرا إخترت رسمة لإنسان غرقان ببحر من علامات الإستفهام والأسئلة وآخر لوحة كانت عبارة عن بوستر رسمت فيها شريط شائك مقطوع طرف منو وطالعة منو نبتة خضرة تعبير عن الأمل رغم الأشواك ، لكن الأمل موجود بدون مبالغة ، ومع الحقيقة لأني ما بحب أبالغ في جرعات التفاؤل لأني بحس إني بضحك على الناس ..عمري مثلا ما رسمت إشارات النصر بعتبرها شغلة مضللة بتخدر الناس ، الحقيقة صحيح بتوجع لكن دايما الأمل موجود دون مبالغة وتضخيم وبيبقى بحدود التفعيل والتحريك للفعل …وعن الأشياء اللي بتستفزوا بيقول ناجي : كتير من الناس بيزعلوا مني مش فاهميني كويس ، مثلا بعضهم بيقولي ، أستاذ أرسم إلى رسمة ، وهم حاملين ورقة وقلم وأنا برد عليهم أولا أنا مش أستاذ وما برسم حسب الطلب وما بحب حدا يملي علي زي ما بيقول المثل ( لا تقول للمغني غني ) ولا بحياتي رسمت رسمة كاملة بناء على طلب من أحد ، رئيس تحرير ، مدير تحرير ، مش عن وقاحة ، بس أنا بعيش حالة إستثنائية لما برسم بأضرب راسي بالحيط حتى تولد الفكرة ، ومع الوقت والتجربة والمراس بيمتلك الفنان مفاتيح ذهنية بحيث يبقى العمل الفني حالة ولادة بمعنى الكلمة ، مرات تنقش الفكرة ، مرات تجتر أشياء مكررة ، بأساليب مختلفة ورغم كل ذلك بنحاول ما نكون ممجوجين .. لكن ماذا عن حنظلة سأله أحد الطلاب ، فيقول ناجي :  سؤال كتير بيتردد ، ليش حنظلة داير وشو ؟ يا جماعة حنظلة بينظر للأمام أنتو دايرين إلو ظهوركم ، حنظلة لم أرسمه بدافع الفذلكة أو العبثية، والإنسان اللي على علاقة حميمة مع حنظلة يقدر يستشف إذا كان عم بيبكي إذا كانت عيونه عم تدمع… إذا كان غضبان، مع أنو مش شايف وجهو، وأفضل من حلل وكشف عن شخصية حنظلة الشاعر العراقي الكبير بلند الحيدري كتب عن حنظلة وقال أنه يتطلع للأمام، يؤرخ، يسجل، يتبنى القضايا، يعرف أصدقاءه من أعدائه.. يجذب اهتمام الناس للقضايا لأنه يتفاعل مع الأحداث والذي يستخف في موقف حنظلة قال بلند أنه هو من  يدير ظهره له

حتى (التكتيفة) اللي كتفتوا إياها في حرب أكتوبر جاءت لتدل على أنه بريء من التسوية، زي الطفل الحردان من أمه لأنها ما أعطته الحلوى، عندما أقوم بتحريك حنظلة لا أفعل ذلك عن افتعال. كان حنظلة في السابق يتكلم مع نكسون باللغة الإنجليزية، يلعب مع أطفال مخيم تل الزعتر في لبنان، يقطع النهر، يغني طاق طاق طاقية، أنا بلا هوية، يهزج ويقول ويحكي.. ولكن وقت الجد يكون حنظلة في موقعه، ويتفاعل مع الناس، أنا لا أحرك حنظلة كالبهلوان أو المهرج، حنظلة له كرامته وهو ليس أراجوز، وليس توم وجيري، ويوجد كثير ممن انتقده بحدة وقال عنو أنو ما بيضحك للرغيف السخن أي أنه غير مرح مع أنهم لم يروا وجهه وأنا أحب أن أقول لهؤلاء حنظلة يعبر عن واقعنا الغير مرح على ما أعتقد وهو في النهاية ليس مهرجاً عند أحد  كما أن البعض قال عني إني لا أطور في رسوماتي وأقول لهؤلاء ، كيف أتطور بدون أن أتنفس حرية ، وعن رمز الهلال الذي يتكرر في جدارياته يقول ناجي :: رسمت الهلال تشكيليا ، أنا لست عالم فلك ولا أتغزل بالقمر ، الهلال رمز للمنطقة الإسلامية وهناك رسامين أجانب عبروا عن المنطقة بهذا الرمز ، وفي أوقات كانت أمريكا في عز طحشتها على المنطقة ، حاولت إستخدام كل الوسائل لإستفزاز المشاعر الدينية ، للأسف مرة ناس بيقولوا عني إني يساري ، ومرة نصراني ، مع أنو أمي إسمها فاطمة وحجيت مرتين ، أنا من جماعة سبارتاكوس من الذين صلبوا وظلموا عبر التاريخ وأي واحد بيمس قضيتي ، راح أنتقدو في رسوماتي مهما كانت ديانتو لأنو الدين يجب أن ألا يجير لغير صالح القضية وكفانا كلمات الحق الظاهرية التي يريد الكثير منها الباطل . ويعود ناجي للحديث عن دمه ( فن الكاريكاتير ) فيقول : الكاركاتير بالنسبة لي ليس خاضعا لمزاجي أنه واجب وأمانة وأنا لن أكون يوما ماكينة مشروب أمريكي ( كولا ) تضع بها أي عملة ليرة ، درهم فتخرج عبوة المشروب .. الفنان يحاول أن يوظف كل شئ من أجل توصيل الرسالة الأساسية ، وفي ختام حديثه الطازج دوما حتى هذه اللحظة يقول ناجي :: أؤمن بالأخلاق جدا وأكره كره العمى كل شاب يعاكس فتاة في الشارع حتى لو إني لا أعرفها أتمنى أن أوجه له ضربة قاضية على وجهه ، كذلك الشاب الذي يلوث سمعة من أحبته وفي نفس الوقت أكره المطالبة بالأخلاق لفئات معينة ومحاكمتهم إذا أساءوا في هذا الجانب لأنهم فقراء فقط ويجب أن نطالب بكشف كل اللاأخلاقيين سواء كانوا أغنياء أو فقراء ولنغتال المثل الذي يقول أن شيئين في الحياة لا أحد يعرف بهما موت الفقير وفساد الغني …. ونترككم مع قمح الكلمات التي دوما تلد سنابل مثمرة مبادئ  ترشد كل هالك في عالم مرتبك من خطاياه نحو جوهر الحياة الحقيقي ..

ناجي العلي وحديث لم ينشر . لا أرسم إشارة النصر إنها مضللة – نجوى ضاهر

اترك تعليقاً