وقفة عز

يسرقون الوطن بعد أن سرقوا المنفى

نضال حمد

اللصوص في المجتمع أشكال وأصناف منهم اللص الظريف ومنهم الآخر الخفيف، منهم من يسرق الأغنياء ليطعم الفقراء كما كان يفعل روبن هود وكما فعل من قبله الشعراء الصعاليك ،مثل تأبط شرا والشنفرة وديك الجن الحمصي وغيرهم من صعاليك العرب.

من اللصوص أيضا أفراد كانوا يسرقون لأن السرقة هوايتهم أو غايتهم، ومنهم من ورث اللصوصية ومهنة السرقة أبا عن جد، ومنهم من تعلمها في كنف هذه الحياة، حيث الفارق بين الشعوب والدول والأفراد يعتبر فارقا كبيرا يتفاوت حجمه بحسب المنطقة والمكان.

كانت لغالبية اللصوص نهايات ليست كما البدايات فمنهم من قضى بقية عمره في السجن ومنهم من نجا بماله وعياله وبدأ حياة جديدة… ومنهم من قُتل كما حصل مع اللص الذي ذكرت وكالات الأنباء أنه وقع من على سطح أحد البيوت القديمة التي تعود للعصور الوسطى، حيث استقر بين جدارين لمنزلين قديمين في المنطقة التاريخية بوسط أمستردام.

 

كان هذا اللص ينوي سرقة إحدى الشقق القريبة عندما حضرت الشرطة إلى المكان مما اضطره للهرب ليلا على السطوح، لكن هروبه من قبضة العدالة الأرضية أوقعه في قبضة العدالة الإلهية.

 

مات هذا اللص ميتة غريبة وغير مسبوقة، فالمعروف أن اللص يموت رميا بالرصاص أو بشظايا القنابل، ويموت أيضا غرقا أو خنقا أو حرقا، أو بالوقوع من السطح على الأرض، أو بطرق وسبل أخرى، لكن أن يعلق بين جدارين تاريخيين قديمين ومن ثم تكون نهايته هناك، فهذه ميتة فعلا عجيبة وتستحق دخول موسوعة جينيس من بابه الواسع.

 

هذا من ناحية اللصوص في أمستردام العريقة أما اللصوص في بلادنا فلازالوا يسرقون وينهبون ويسطون على كل ما يقع تحت أياديهم من منهوبات كأنهم نار مشتعلة تلتهم كل ما يقع عندها. من لصوصنا من أصبح رئيسا أو نائب رئيس، ورئيس برلمان ورئيس وزراء ووزير ونائب وزير ومدير وزارة أو مؤسسة وطنية أو بنك تابع للدولة… نِعمَ المناصب عندنا وفي حكوماتنا ودولنا وبلادنا، جاهزة لكل لص ثوري أو وطني … مثلا في فلسطين الذي كان يبيع الأرض للمستوطنين ويعمل في بناء المستوطنات وشق الطرقات أصبح وزيرا للبلديات أو للأشغال العامة، وأقام الكسارات والمعامل لكي يتابع تكسير كل ما هو صحيح وسليم في البلاد، وظل هذا اللص وزيرا حتى آخر لحظة من عمر وحياة الحكومة العقبة التي انتهت كما جاءت قبل إعلان حالة الطوارئ فحكومة الطوارئ.

أما اللص الذي كان يأخذ نسبة من الضرائب لجيبه الخاص عبر هيمنته وسيطرته على الحواجز الفلسطينية العتيدة عند معابر ايريتز ورفح وغيرها، فبدلا من محاسبته ترقى رتبة ليصبح وزيرا، وحافظ على أملاكه ومنهوباته وثروته التي جمعها بحبات عرقه التي تتساقط بدلا من الدمع على ضياع الثورة والقضية والوطن.

أما الآخر الذي كان على شاكلة العقيد أبو المعابر، فالوزير أبو الأمن الداخلي، صار مستشارا ومبعوثا يمثل الرئاسة وينقل رسائلها.. ونِعْمَ الخيار يا ختيار ويا أيها السادة…

أما الآخرون من عصابة 13 أيلول الأسود فلا زالوا ينهبون ويسلبون وبإسم الضحايا يتحدثون ويتفاهمون.

 

هذا عن اللصوص داخل أراضينا الفلسطينية المحتلة أما خارجها فهناك أصناف شبيهة من اللصوص الذين يمتصون دم الناس ويسلبونهم حقوقهم.

 

إذن اللصوصية أصبحت صفة ونجومية، و أصبحت مهنة وطنية و ثورية في زمن ثورات القرود العصرية، وفي زمن العودة إلى الوطن من بوابات ليست بأيدينا وبواسطة تصريح من الاحتلال.

 

الفرق بين اللصوص في بلادنا العربية المحتلة وبين اللصوص في زمان روبن هود أو تأبط شرا أن لصوص بلادنا هذه الأيام يسرقون الفقراء من أجل أن يصبحوا هم و آلهم وأتباعهم أغنياء، أما لصوص عصر روبن هود كانوا يقومون بأعمالهم احتجاجا على العوز والفقر والحكم السيئ والتسلط  والظلم من قبل الحكام على المحكومين. كما كان تأبط شرا و الشنفرة ورفاقهم يسرقون من اجل أن يأكلوا ويسدوا رمق الجياع والفقراء من المحتاجين في مناطقهم وزمانهم.

 

في هذه الأيام حشر اللصوص بعضهم بين جدارين تاريخيين في الوطن العربي الكبير، فجداري فلسطين والعراق ليسا إلا بداية يوم الحشر للصوص الغزاة، الذين جاؤوا مع اللصوص المحليين ليحولوا بلادنا لمرتع للشركات التي تسلب خيرات بلادنا، وتقوم بتنفيذ مشاريع هي بالأصل سياسية وأمنية تصب في النهاية في خدمة اللص الأكبر في المنطقة، كيان الصهاينة.

 

فاللصوص من العراقيين الذين يعملون مع اللصوص من الأمريكان والبريطانيين ويقدمون التسهيلات والخدمات (لإسرائيل) ليسوا أحسن حالا من المحتلين، فهم أسوأ لأنهم يشاركون بسرقة وطنهم …

 هؤلاء الذين وصفهم صديقي الروائي العراقي المقيم في النرويج حمزة الحسن بلصوص الوطن ولصوص المنفى، حيث قال أنهم سرقوا الوطن وسرقوا المنفى.

 

لصوص الوطن والمنفى كثر وهم موجودون في عالمنا الصغير، فوق الأرض وتحتها وعلى الإنترنت وفي وسائل الإعلام ومراكز صنع القرار، لهم دورهم اللصوصي المُعَد من أجل سرقة الوطن وسرقة المنفى وتخريب الشتات والاستيلاء على السلطة.

إنهم يسرقون أحلام الشهداء والضحايا وتضحياتهم، ومن ثم يتحولون إلى شهود زور، والى رؤوس قيادية حتى رؤوس البصل أصلح حالا منها وأطيب رائحة.

 

يسرقون الوطن بعد أن سرقوا المنفى

نضال حمد

20-04-2007