فيلم بولندي “اسرائيلي” أمريكي قصير…
تبرئة نتنياهو وحمايته من الاعتقال.
في تصريحين خطيرين للرئيس البولندي اندريه دودا ولرئيس الوزراء دوناد توسك أدارا فيه طهيهما لقرارا محكمة العدل الدولية باعتقال نتنياهو على خلفية ارتكابه جرائم حرب وابادة في غزة. رحب كلاهما بحضور الارهابي والمجرم نتنياهو وأي شخصية “اسرائيلية” أخرى فعاليات إحياء ذكرى تحرير معسكر اوشفتس نهاية الشهر الجاري. هذا يعني ان بولندا تخالف اتفاقية روما التي وقعت عليها وهي ملزمة بمودب ذلك باعتقال نتنياهو وغالانت في حال دخلا الأراضي البولندية، وأكثر من ذلك تسليمهما الى محكمة العدل الدولية لحبسهما ومحاكمتها كما جرت العادة مع مجرمي الحرب من النازيين وغيرهم.
بيان مجلس الوزراء البولندي يدل على انحياز حكومة ورئاسة بولندا الى جانب مجرمي الحرب على حساب الضحايا الفلسطينيين وبشكل لا انساني وغير حضاري على الاطلاق. بيان فيه كم هائل من الخذلان والتواطؤ والاستهتار بخيوات الشعوب والأمم وومئات آلاف المقتولين والمفقودين والجرحى والمعتقلين والمختطفين من الفلسطينيين في غزة. وفيه كثير من اللامبالاة والاستخفاف بعقول البولنديين أولاً، ما يجعلنا نطرح سؤالاً على الشعب البولندي: هل هذه الحكومة ومعها الرئيس(الذي لا يحبها وهي بالمثل لا تحبه) يمثلون مصلحة شعبكم البولندي الذي ضحى وناضل لأجل الحرية بعد ١٢٣ عاماً من الاحتلالات والويلات؟
واضح انه لا استقلالية ولا مبادئ أو أخلاق وةمشاعر انسانية للسياسيين والحكام في بولندا، فإملاءات الاللوبيات اليهودية الصهيونية ومعها الادارة الأمريكية لها تأثير يفوق الخيال وكل التوقعات. تفعل مفعولها مثل السحر فينقلب الحمل الوديع الى وحشٍ ضارٍ والسياسي الى بوق اعلامي ينفخ الكذب ويعممه حتى هو نفسه في النهاية يصدق كذبه.
بعيداً عن الأمريكان والروس والصهاينة والألمان والفلسطينيين واوربان هنغاريا ومجموعة أصدقاء نتنياهو في اوروبا الشرقية سابقاً… أليس من المفترض بحكومة تمثل شعب عانى كثيراً من الابادة والاحتلال أن تكون أكثر حكمة وانسانية وتعاطفاً مع الضحايا؟ أليس من المفترض أن لا تكون منحازة ووقحة ومنافقة وكاذبة بهذا الشكل المخجل؟ أليس من المفترض ان تلتزم بالقانون الدولي الانساني وبالاتفاقيات التي وقعت عليها؟
عار على الحكومة والرئاسة وكل ما نطقتا به تبريراً لنتنياهو وجرائمه ضد الانسانية ونكرانا لقرار محكمة العدل الدولية الذي أدانه هو ووزير دفاعه الأسبق غالانت. فبولندا كما ذكرنا دولة موقعة على اتفاقية روما الخاصة بمجرمي الحرب. وعضو في الاتحاد الأوروبي الذي يلزم كل دوله باعتقال نتنياهو ومجرمي الحرب “الاسرائيليين”. لذا كان من المفترض بحكومة بولندا أن تشعر أكثر مع غزة ومع الضحايا الفلسطينيين خاصة ان معسكر اوشفتس النازي حيث حصلت الابادة التي قام بها النازيون، موجود على أرضها، فهناك أبيد مواطنو بولندا من اليهود وغير اليهود البولنديين، هؤلاء لم يكونوا “اسرائيليين” ولا “صهاينة” ولا من مواطني دولة لم تكن أصلاً موجودة في ذلك الوقت.
أنتم تقومون بتعمية أبصار الناس ونقلها من التعايش والتآخي والصداقة والتضامن والانسانية الى العداء والعنصرية والهمجية.
أنتم تعلمون الناس فن العبودية والخنوع والنفاق وفن الخروج من العلاقات الدولية القانونية والشرائع البشرية التي تساوي بالعدل كل الأمم والشعوب الى غابة مظلمة يفترس فيها القوي الضعيف.
أنتم مثال على نوعية غير حضارية مشبعة بالكذب والنفاق والتشويه والتزوير والانقلاب على المعايير الاخلاقية والقوانين الدولية والعلاقات الانسانية.
منذ ان اتخذت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها باتهام نتنياهو وغالانت وطلب اعتقالهما كتبت عدة مرات أن دولا عديدة سوف تخضع للضغط الصهيوني وللابتزاز الأمريكي. لأنها مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية ومنذ تبدل النظام السياسي في شرق اوروبا، صارت حليفة وتابعة بشكل أعمى للسياسة الأمريكية. كما وقلت وكتبت في مقالات عديدة أنهم سوف يغيرون القوانين والاتفاقيات الدولية لأجل انقاذ “الاسرائيليين” ومنع وصولهم الى نفس مصير مجرمي الحرب النازيين. ما فاجأني هي حكومة بولندا التي قفزت رئاسة الوزراء عن خلافاتها التي لا تعد ولا تحصى مع رئيس البلاد، واتفقا سوية على استقبال وحماية نتنياهو والتنكر لمحكمة العدل الدولية وللقانون الدولي، و… والكذب على الشعب البولندي والعالم. فقد كنت أظن ان الالتفاف على القرار وتجاهله سيبدأ أوروبياً من ألمانيا أو المجر، لكننا نشاهد فيلم بولندي أمريكي “اسرائيلي” قصير، يعلن افتتاح مهرجان تبرئة نتنياهو وافشال قرار محكمة العدل الدولية. في الختام تابعت النقاش المحتدم على صفحات التواصل الاجتماعي وشاركت به معبراً عن غضبي وعن رأيي، بالنهاية أولادي بولنديين ،انا اشعر بانتماء للأصدقاء وللصديقات في بولندا، الذين عشت وأعيش معهم في بولندا والنرويج منذ عشرات السنين. أعلم علم اليقين أن قرار الرئاسة والحكومة أثار الرأي العام البولندي ومن يقفون الى جانب الفلسطينيين… ولازالت النقاشات حوله محتدمة في مواقع التواصل الاجتماعي وسوف تبقى مستمرة لفترة من الزمن حسب معرفتي بالبولنديين، وسوف تؤثر على الحياة السياسية في بولندا مستقبلاً.
نضال حمد
٩ يناير ٢٠٢٤
