facebook

أحقاً العرب واليهود أبناء عمومة؟! – أحمد الدَبَشْ

«إن العرب واليهود أبناء عم من الناحية العنصرية.. »، بهذه الجملة الخطيرة وبهذا الجزم القاطع يخاطب فيصل بن الحسين الهاشمي الذي كان سيصبح ملكا علي العراق فيما بعد ــ يخاطب القاضي الأمريكي اليهودي فرانكفورتر في عام 1919. ويعود نفس المتحدث إلى نفس الفكرة ليؤكدها في مؤتمر الصلح بباريس في نفس العام فيعلن أن «هناك صلات وثيقة من القرابة والدم بين العرب واليهود، كما أنه ليس ثمة تعارض واضح في الصفات المميزة للشعبين». وبعد نصف قرن من هذه التصريحات التى تصدر على مستوى القيادة السياسية ولكنها تتكلم، كما لو بلسان الانثروبولوجيين، تعود نفس النغمة لترتفع على نفس المستوي وبنفس اللسان، حين أعلن السعودي فيصل أثناء زيارته للولايات المتحدة في العام الأخير أنه لا يكن شيئاً ضد اليهود (يقصد تميزاً لهم عن الصهيونيين)، «لأننا أبناء عمومة في الدم».

وهذا حسين الأردن يأتى بعده ليعلن أخيراً: «إن العرب واليهود عاشوا مراحل طويلة في التاريخ جنبا إلي جنب وفي صداقة وتعاون كأقارب وجيران». وتبعه في ذلك الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز، من خلال تصريحاته لصحيفة «واشنطن بوست» في 17 أيلول/ سبتمبر 1969م، التصريحات التي تناقلتها عدد من الصحف العربية ومنها «الحياة» البيروتية بقوله:«إنّنا واليهود أبناء عم خلّص، ولن نرضى بقذفهم في البحر كما يقول البعض، بل نريد التعايش معهم بسلام»!.. واستدرك يقول:«إنّنا واليهود ننتمي إلى «سام» وتجمعنا السامية كما تعلمون، إضافة إلى روابط قرابة الوطن، فبلادنا منبع اليهود الأول الذي منه انتشر اليهود الى كافة أصقاع العالم».

ويعود ويكرر هذه الفكرة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، فقد نقلت صحيفة «فانيشال تايمز» في 06 كانون ثان/ يناير 2012 م،عن الحاخام مارك سشنير، نائب رئيس الكونجرس اليهودى العالمى، قوله، أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قال له مازحاً: «هناك خلافات بين العرب واليهود، لكننا أبناء عمومة، فى إشارة إلى الجذور السامية المشتركة».

هذه التلفيقات والمفاهيم المغلوطة نفسها تُدرس اليوم في الجامعات والكليات كحقائق تاريخية دون أن يناقش أحد هذا الادعاء الزائف؛ لأن الأساتذة الذين يضعون كتب التاريخ القديم هم على الأكثر من خريجي المدرسة التوراتية، فهل حقاً نحن وهم ابناء عمومه؟! هل فعلا اننا نتشارك في الدم؟!

ينبغى أن نلفت الأنتباه إلى أن هناك علاقة حتمية بين الدراسة الأنثروبولوجية وبين الجانب السياسي، فقد سخرت الحركة الصهيونية الأبحاث الأنثروبولوجية ورتبت نتائجها مسبقاً بحيث تخدم دعاواهم الاستعمارية في فلسطين.
إن «النقاوة الجنسية» المزعومة لليهود إنما هى محض «خرافة» كما يعبر ربلي، والواقع أن هذه قضية لم تعد، بل لم تكن قط، موضع جدل بين العلماء. فقد أكد رينان (Ernest Renan) سنة 1883: «ليس هناك نمط يهودي بل هناك أنماط يهودية». ولخص رافائيل باتال جدلاً مريراً عريق القدم في العبارة التالية: «أظهرت نتائج أبحاث علم الأجناس البشرية أنه ــ خلافاً للرأى الشائع ــ ليس هناك جنس يهودي حيث تدل قياسات الأجسام البشرية التى أجريت على مجموعة من اليهود أنهم يختلفون بعضهم عن بعض اختلافاً بيناً في كل الخصائص الجسدية الهامة: القامة ــ الوزن ــ لون البشرة ــ الدليل الرأسى ــ الدليل الوجهى ــ فصائل الدم … الخ». يقول العلامة لامبروزو: «إن اليهود المعاصرين أقرب إلى الجنس الآري منهم إلى أي جنس آخر، وإنهم طائفة دينية تميزت بمميزات اجتماعية واقتصادية. وانضم إليها عبر القرون أناس ينتمون إلى شتى الأجناس البشرية، وبينهم عدد من سكان الحبشة، ومن الألمان الآريين، ومن التاميل من الأقوام الهندية، ومن الخزر من الجنس المنغولي، الذين تحولوا كما يقول المؤرخ اليهودي ابن ميمون إلى اليهودية في القرن العاشر، ثم دفعتهم الهجرات البشرية إلى أوروبا الوسطى والغربية. وقد أكد ذلك علماء بايولوجيون كثيرون منهم الأستاذ جوزفيتيش أستاذ علم الانسان في الجامعة العبرية نفسها، فقد أجرى عدة تجارب بايولوجية على المهاجرين اليهود إلى (إسرائيل) وسجل النتائج التي توصل إليها في كتاب بَيّن فيه أن اليهود ليسوا شعباً واحداً، بل طائفة دينية تضم جماعات مختلفة من الناس، اعتنقوا ديناً واحداً، فنسبة ضئيلة من يهود الأقطار العربية هم من نسل يعقوب واسحق. أما يهود أوروبا الشرقية فينتسبون إلى قبائل الخزر، وأما يهود أوروبا فمن أصل أوروبي صميم وقد اعتنقوا الدين اليهودي بعد القرن الثالث الميلادي على أيدى مبشرين من اليهود».

وإلى نفس المدرسة والرأى ينتمى مؤلفو كتاب «نحن الأوروبيين»، وهم جوليان مكسلي وهارون وكار سوندرز: «إن اليهود ـ هكذا يؤكدون ــ من أصل مختلط، وقد ظلوا باستمرار يزدادون اختلاطاً». ثم يضيفون «كان هناك دائما قدر معين من التزاوج بين اليهود وغير اليهود من سكان البلاد التى أقاموا فيها… بحيث إن عدداً من الجينات المستمدة من اليهود المهاجرين يتوزع بين مجموعة السكان. وإن المجتمعات اليهودية أصبحت تشبه السكان المحليين في كثير من الخصائص. وبهذه الطريقة أصبح يهود افريقيا وشرق أوروبا وإسبانيا والبرتغال… الخ مختلفين بوضوح عن بعضهم البعض في النمط الجسمى». يؤكد نفس الكتاب الفكرة في موضع آخر قائلين: «والنتيجة أن يهود المناطق المختلفة ليسوا متماثلين جينياً وأن السكان اليهود في كل بلد يتداخلون ويتشابكون مع غير اليهود في كل صفة يمكن تصورها. وكلمة يهودي صحيحة كوصف اجتماعى ــ دينى أو شبه قومى أكثر منها كتعبير انثولوجى. فى أى معنى جينى (ولو أن هذا لا يقصد به أن اليهود أمة بالمعنى المفهوم للكلمة). وكثير من الصفات «اليهودية» هي بلا شك نتاج التقاليد والتربية اليهودية خاصة رد الفعل ضد الضغط الخارجى والاضطهاد أكثر منه نتاج الوراثة».

مرة ثالثة يضغط هؤلاء المؤلفون على نفس الانتهاء فيقولون إن: «ما احتفظوا به وورثوه ليس «صفات جنسية» بل تقاليد دينية واجتماعية. فاليهود لا يؤلفون جنساً محدداً وإنما مجتمع يشكل جماعة شبة قومية ذات أساس ديني قوي وتقاليد تاريخية خاصة. وإنه لخطأ غير مشروع أن نتكلم عن «جنس يهودي» تماماً كما لو تكلمنا عن جنس أرى».

يقول الأستاذ يوجين بيتار: «إن اليهود يعودون إلى طائفة دينية وهيأة اجتماعية دخلتها عناصر من أجناس متباينة ألصقوا أنفسهم بها وأتى هؤلاء المتهودون من كل السلالات البشرية كفلاشا الحبشة والألمان الجرمانيين والتاميل ــ اليهود السود ــ والهنود والخزر والأتراك». ثم يضيف إلى ذلك قوله: «ومن المستحيل أن نتصور أن اليهود ذوي الشعر الأشقر أو الكستنائي، والعيون الصافية اللون، الذين نلقاهم كثيراً في أوروبا يمتون بصلة القرابة ــ قرابة الدم ــ إلى أولئك (الإسرائيليين) القدماء الذين كانوا يعيشون بجوار الأردن».

ولكن إذا كان اليهود المعاصرين ليسوا أحفاد القبيلة التوراتية، فمن أين أتوا؟! في العام 1976 ألقى آرثر كوستلر قنبلته الأدبية التي حملت العنوان «القبيلة الثالثة عشرة»، والتي ترجمت إلى لغات عديدة وأثارت موجة من ردود الفعل المتباينة. أوضح فيها أثر الخزر في تكوين اليهود المعاصرين، وخلاصة ما ينتهي إليه أن «غالبية اليهود العصريين ليسوا من أصل فلسطيني بل من أصل قوقازى. فإن التيار الأساسى للهجرات اليهودية لم يتدفق من البحر المتوسط عبر فرنسا وألمانيا إلى الشرق ثم العودة مرة أخرى، بل اتجه التيار على نحو ثابت إلى الغرب من القوقاز عبر أوكرانيا إلى بولنده ومن هناك إلى أواسط أوروبا ــ وعندما نشأت في بولنده تلك المستوطنات الجماعية التى لم يسبق لها مثيل، لم يكن هناك في الغرب أعداد من اليهود تكفى لتفسير هذه الظاهرة، على حين كان هناك في الشرق أمة بأسرها تتحرك نحو حدود جديدة. وبطبيعة الحال سوف يكون من الحماقة أن ننكر أن يهوداً من أصل مختلف أيضاً في المجتمع اليهودي الكائن في عالم اليوم، ومن المستحيل أن نحدد النسبة العددية لمساهمة الخزر إلى مساهمات الساميين وغيرهم، ولكن ما تجمع من البراهين يجعل المرء ميالاً إلى الاتفاق مع إجماع المؤرخين البولنديين على أنه (في الأزمنة المبكرة نشأت الكتلة الأساسية من اليهود أصلاً من بلاد الخزر) ومن ثم تكون مساهمة الخزر في التركيب الوراثي لليهود مساهمة جوهرية بل ومهيمنة في كل الاحتمالات».

فقد كانت قبائل الخزر أكبر الكتل المتهودة، فقد اعتنق أهلها الديانة اليهودية في العصور الوسطى، وأقدم معلوماتنا عن انتشار اليهودية في الخزر وصلتنا من الرحالة العربي ابن فضلان، الذي أوفده الخليفة العباسي المقتدر بالله عام 309 ه‍ / 921 م، في بعثة إلى ملك الصقالبة [البلغار]. وتحدث المسعودي مطولاً عن تهوّد ملك الخزر (الخاقان). الذي تم في عهد هارون الرشيد (103 ـ 170 هـ‍) (686 ـ 809 م). وتدل الحوادث التاريخية على أن اليهودية لم يكتب لها أن تدوم في الخزر حيث جاءت حملة الروس بعد حوالي قرن ونصف من دخول اليهودية إلى الخزر، فقضت على مملكة الخزر بأكملها وتشرد أهلها وانتشر معظم اليهود في روسيا وأوروبا الشرقية. وقد أورد خبر هذه الغزوة واجتياح الروس لمنطقة نهر أتل، ابن حوقل، فعيّن تاريخها في سنة (358 هـ‍ / 968 م).

وتخريجاً من هذا وترتيباً عليه، تسقط أى دعاوى قرابة دم بين العرب واليهود، فاليهود اليوم هم قبائل «الخزر»، لحماً ودماً. ولا يمكن أن يكون يهود «الخزر» أقارب العرب!

كاتِب وباحِث فلسطيني في التاريخِ القديمِ\