بساط الريح

استهداف الجيوش قديم قِدَم مصر – عادل سمارة

من تهالك الحزبية وتسمين الطابور السادس

تحدث كثير من المحللين العرب خلال ربيع الخراب العربي عن استهداف جيوش الجمهوريات العربية. وسبق ذلك وضع قيود على الجيش العراقي بعد إخراجه من الكويت 1991، وإعادة احتلالها أمريكيا وكمبرادوريا وعائلياً، قيوداً قد تكون نفس التي فرضها العدوان البريطاني الفرنسي على مصر بعد هزيمة جيش محمد علي 1840 كما وصف ذلك مكسيم رودنسون في كتابه (الإسلام والراسمالية) حيث تم تصغير الجيش عددا ورتبا وتسليحا.
كما قام الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 بتفكيك الجيش العراقي كليا، وتقزيمه إلى مجرد شرطة محلية. ومن يتابع النضال العراقي لتحرير البلد من داعش يلاحظ أن الجيش العراقي لم يستعيد عافيته بعد.

في هذا السياق، وجدت من المفيد تذكير القارىء العربي بأن الاستهداف الحالي للجيوش الوطنية في الجمهوريات العربية  أمر يرتد إلى حقب تاريخية سحيقة استفادت منها حديثاً الثورة المضادة بقيادة الإمبريالية والصهيونية وكذلك أنظمة التبعية العربية.
كما أن ما يوازي سياسة الثورة المضادة تجاه الجيوش الوطنية خطورة هي تلك الحملة من مثقفي الطابور السادس ضد هذه الجيوش ونعتها بالعسكر وحكم العسكر…الخ وذلك لتجريد هذه الجمهوريات من القوة الأقدر على حماية الوطن.
ولعل في كل هذا إضاءة على المعضلة الكبرى في الجمهوريات في الوطن العربي والمجسدة في:
      وجود أحزاب ضعيفة وخاصة القومية والشيوعية إلى الحد الذي عجزت فيه عن تفجير الوضع الآسن من جهة وعن دفع الحراك أو الإرهاضات الشعبية العربية إلى مداها الاجتماعي السياسي المطلوب.
      وجود الحزب او الثقافة المضادة للثورة، أي مثقفي الطابور السادس الثقافي الذين التصقوا بالأنظمة وخاصة الريعية النفطية فكانوا حزب الثورة المضادة المسلح بأدوات التبعية  والصهينة.
      تفرد الجيش بأنه القوة المنظمة الوحيدة، وهو أمر قديم على اية حال، مما جعله هدفاً للثورة المضادة، ليس لجذريته بالطبع (كجنرالات) ولكن لوطنيته على الأقل لأن هدف الثورة المضادة هي تفتيت مختلف البنى في الوطن العربي أي السياسية والثقافية والقومية والجغرافية بالطبع.
صحيح أن الأنظمة العربية في الجمهوريات قد غربلت هذا الحزب القوي  الأوحد – الجيش- من العناصر الثورية بالمعنيين القومي/الوحدوي  والشيوعي، ولكنها لم تفرغه من محتواه الوطني، وهذا ما جعله قيد استهداف الثورة المضادة، لأن هذه الثورة المضادة من الاستهداف بحيث تصل اجتثاث الوطن نفسه.
طبعاً، نذكر جيوش وأحزاب ومثقفي الجمهوريات فقط، لأن الأنظمة الملكية نفطية وصحراوية بلا نفط والمشيخات الريعية لا تقع ضمن دائرة العروبة اساساً. كما أنها لا تقع تحت اي تقييم علم اجتماع سياسي لخلوها من الحزبية والبرلمانية والنقابات والاتحادات المجتمعية عموما، والحريات والتنمية والتصنيع والاستقلال فما بالك بتحرر المرأة…الخ. بل هي محكومة بأنظمة هي جزء من الثورة المضادة. وأبعد من ذلك  فقد أصبحت أوكاراً للطابور السادس الثقافي الذي قدم للثورة المضادة أيما خدمة. كما انها مولدة قوى التكفير فكريا والقتل عمليا .

في كتابه، “المجتمع المصري والجيش”، دار الطليعة ، بيروت 1968، ترجمة محمود حداد و ميخائيل خوري) أورد  انور عبد الملك ما يضيىء بشكل واضح على ما يجري اليوم ضد جيوش العراق، ليبيا، سوريا اليمن وحتى مصر. يقول عبد الملك:

“…إنها الحقبة الفرعونية الكبرى : قوة الدولة، انشاء الامبراطورية، ازدهار الاقتصاد عظمة الفنون. ومنذ تلك الحقبة ارتبط  مصير الجيش بمصير البلاد الاقتصادي والاجتماعي. وكان نزع الصفة الوطنية عن الجيش  المصري في عهد  “بستاميك” (663-609- قبل المسيح )  فاتحة الاجتياح الفارسي واليوناني والروماني. وأقام جيش الاحتلال  البيزنطي رقابة بوليسية على  البلاد بعد ان قسمها الى خمس  ولايات: اوغستامنيك، اركاديا، تيباييدة، ليبيا، مصر. وعندما وصل جنود عمرو  في القرن السابع الميلادي  استقبلهم الشعب استقبال المحررين. وفي عام 1097، هاجمت الحملة الصليبية الأولى سوريا. وكانت سلالة الأيوبيين في مصر  (1171-1250)  قد اعادت  الجيش الى الحكم، لا سيما صلاح الدين  الذي عرف  ان يحيط اتراكه  واكراده  من الجنود بمساندة الشعب. .. وهكذا في فترات الاستقلال او الكفاح للحصول عليه او فترات الازدهار ،  لعب الجيش دورا وطنيا اساسيا  في المجتمع المصري، كما ظهر ذلك في عهد المملكة القديمة والمملكة المتوسطة ، ثم في عهد محمد علي. ولكنه كان يكلف بمهمات شرطة داخلية كلما وقعت مصر في قبضة فاتح اجنبي : من آخر البطالسة الى الفتح العربي ، ثم في عهد الاحتلال البريطاني بنوع خاص” ( ص 340 و ص 342).
يردنا هذا التحليل المكثف والألمعي للراحل الوطني والعروبي بحرارة إلى كثير من أطروحات مفكرين مصريين مؤخرا بشكل خاص، حيث يركزون على أهمية دور الجيش المصري منذ ثورة 1952، واستهداف هذا الجيش، وكذلك المشكلة التي وقعت فيها مصر سواء في فترة حكم السادات ومبارك ومرسي والسيسي.
إنها مشكلة السلطة في مصر (الطبقة الحاكمة المالكة) لا مشكلة الجيش حيث تمت عملية ممنهجة من النظام الحاكم لتقزيم دور الجيش المصري وحصره بعيدا عن البعد القومي العربي وحتى عن كرامة مصر الوطنية بسبب اتفاقات كامب ديفيد. وهي سياسة مقصود بها القضاء على دور مصر في الأمن القومي العربي الذي كلما كان مهددا أو مخترقا، فذلك يعني هشاشة بنية  مصر السياسية المجتمعية والاقتصادية بالطبع، وتهميش دورها القيادي لتكون تابعة لمخططات الإمبريالية بل وحتى لسياسات كيانات عربية تابعة ومحكومة ومتآمرة، سواء السعودية، أو الإمارات، أو قطر.
لذا، نجد استخدام الجيش الأردني لتهديد سوريا، ولا نجد دوراً للجيش المصري في مساندة سوريا، بل ونكتفي بأن النظام المصري لم يقم بدفع الجيش المصري ضد سوريا كما حاول الرئيس السابق محمد مرسي.  وهو الجيش الذي كانت له اليد الطولى في حماية الثورة اليمنية في عهد الجنرال عبد الله السلال ضد التدخل الأمريكي /السعودي ضد الثورة 1963-1967.  إن توريط قوات مصرية ،مباشرة او لا مباشرة، ضد الشعب اليمني ، أو ضد قطر كقاعدة للإمبريالية ولصالح رباعي محاصرة قطر الأكثر “عراقة” من قطر في التبعية هي إهانة للجندية المصرية توازي الاجتثاث.

ليس الهدف من هذا الطرح عسكرة المجتمع واعتماد الجيش بديلا للعمل الثوري والمجتمعي، ولكن في وطن هو قيد الاستهداف في التاريخين القديم والحديث من جهة، وحينما تكون السلطة موهوبة من العدو لطبقة بل حتى شريحة كمبرادورية معينة لا تغادرها الخيانة، يغدو الجيش الملاذ الأخير ضد وجود نظام محلي معادٍ للشعب والوطن.