الأرشيفبساط الريح

السيد يفتتح موسم المحاسبة – عبدالله قمح

 

كان وقع كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مساء الجمعة قاسيًا.

 

يُقال، أنّ مجموعة لا بأس بها من حلفاءِ الحزب بدا وقع الكلام عليها كمَن سقطَ على رأسهِ كوبًا من المياه “المغليّة”، حتى أنّ البعض لجأ ليلًا إلى “الخطوط الساخنة” المفتوحة مع الحزب لمعرفةِ المقصودين من كلامِ السيّد بالضبطِ.

 

لا بأس بجردةٍ على تصريحاتِ وإصداراتِ الأيّام الماضية، إذ انكبّ قسمٌ من الحلفاءِ لفهمِ ما إذا كانوا مدرجين على “النشرة الاتهامية” أو ارتكبوا أي خطأ أو تصريح بحق المقاومة في مكانٍ ما حتى عَلَت نبرة السيد المعروف عنه اتزانه السياسي وغير السياسي، فأظهرَ نصرالله في تلك الليلة نسخة تكاد تكون مختلفة عمّا عهدناها عنه وأقرب إلى تدشين مرحلة جديدة في التعامل.

 

لا شك أن ثمة تصرفات دفعت نصراالله إلى الخروج من دائرة الرصانة المعروفة عنه نحو توجيه الكلام بالإصبع وضمن إيقاعٍ شديدٍ.

 

في العادة، كان حزب الله يعتمد “القناة الخلفية” في حال ارادَ توجيه اللوم أو النصح لأحدٍ من حلفائهِ، وغالبًا كان يتجاوز مسألة اللّوم في كثيرٍ من المواقفِ على اعتبار أنّه لا يُمارس هذه “الثقافة مع الحلفاء”، لكن هذه المرّة، اختار أن لا يكون المسرح خلف الابواب الموصدة بل في الهواء الطلق بعدما طاول الموس الذقن وغدت المسألة علنية ومشرَّعة على القيل والقال الذي يمسّ بهيبةِ الحزب وسمعتهِ قبل أيّ شيءٍ آخر.

 

على الأرجح، أنّ بعض الحلفاء قد تجاوزَ الخطوط الحمراء في التعامل مع حزب الله وهذا واضحٌ من نبرةِ السيد، لكن من الواضحِ أنّ تعاطي نصرالله مع المسألة في قالبٍ مختلفٍ واختياره الكلام في العلن ينطوي على رسائل شديدة البلاغة يُفهَم منها أنّ حزب الله لم يعد ذلك الحزب الذي يسكت عن ضيمٍ يصدر بحقهِ، ومن الآن وصاعدًا سيستخدم وسيلة المواجهة العلنية وسيحتكم إلى منطق المحاكمة أمام الجمهور في حال استدعى الأمر ذلك.

 

“مضبطة اتهامٍ” طويلة أخذنا كلام السيّد نحوها، ضمَّت شركاء واصدقاء وحلفاء ومقرَّبين، لكن أيًّا من تلك الأسماء لم يقبل أحد من مسؤولي حزب الله الجزم أنّها مقصودة بحرفٍ بل ردّوا السائلين إلى صاحب الكلام علّه يمتلك الاجابة، تاركًا للجميع الغوصِ في تشكيلةٍ عريضةٍ من الأسماءِ.

 

وحين أدركَ حشدٌ من المسؤولين أنّ بعض الحلفاء “ضربتهم الريبة” من كلام السيد، شعروا بالقلقِ من أن يكونوا من بين المقصودين ما سيُسبّب حرجًا أمام جمهورهم أو أهلهم أو جمهور المقاومة ككلّ، وبعدما زادَ الالتباس عليهم بفعل ما بدأ يُطرَح عبر وسائل التواصل الاجتماعي من تفسيراتٍ “غامضةٍ” لكلام نصرالله، تكفّل المسؤولون بتهدئةِ روعِ السائلين واستفساراتهم، فيما يبدو أنّ البعض الذي ظنَّ أنّه المقصود لاذَ بالصمتِ وهذا أبلغ موقف!

 

بصرفِ النظر عمّا قصده نصرالله بكلامهِ، يبدو من الواضحِ أنّ حزب الله قد غادرَ ضفة الصمتِ والوقوفِ عند خاطر الحلفاءِ (أو بعضهم) مقابل الخوضِ في طريق تطبيق بنودٍ جديدة أو قواعد “اشتباكٍ” مختلفة للتحالف ترعى مبدأ الخصوصية، بعدما وجدَ أن سياسة الصمت التي كانت معتمدة لديه أضحت خاصرة رخوة يستسهل البعض قنصه منها.

 

من الواضح أن قبل كلام السيد نصرالله شيء وبعده شيء آخر. ضمن أجواء حزب الله يجري تناول عبارات تؤدي كلها إلى فهم أن الحزب يتّجه إلى اعتماد سياسة تعامل جديدة مع حلفائه وأصدقائه وغيرهم، حيث أنّ مرحلة الصمت والعفو عند المقدرة انتهت لمصلحة صون النفس، والعنوان “لا جراح بعد اليوم”.

 

هذا سيشمل بالطبع أدبيات جديدة يفترض أن حزب الله قد أنتهى من صوغها وهو في وارد تعميمها على الجميع، فالمرحلة اليوم هي مرحلة مواجهة مكتملة الصورة والمعالم ولا تقبل القسمة على إثنين وبالتالي ليس مقبولًا وجود صنوفٍ “متذبذبة” أو تعمل على إثارة التشكيك ضمن البيئة.

 

لكن طبعًا بالنسبة إلى حزب الله من قصد بكلام السيد لا يصلح أن يعتبر منذ الآن وصاعدًا من جماعة “الخوارج” بل على العكس، قد يصلح هذا الكلام لإعادة ترشيد النفس ومحاكمتها تمهيدًا للعودة إلى جادة الصواب.

 

المشكلة هنا ليست في إبداء الموقف الاعتراضي على حزب الله، فثمة أكثر من حليفٍ يخالفه الرأي ويفصحون عن ما لديهم خلال الاجتماعات، لكن ما حُفِرَ عميقًا لدى حزب الله واستدعى تدخل السيد شخصيًّا، لجوء البعض منهم إلى صوغ المفردات التشكيكية بدور حزب الله لم يكن ملف العميل عامر الفاخوري آخرها ما أثار التباسًا لدى القاعدة وحقنها على نحوٍ لم ينجح حتى العدو في حرفها بهذا الاتجاه، وهنا كان مربط الفرس بالنسبة إلى قيادة حزب الله.

 

طبعًا يعتبر حزب الله هذا الامر بمثابة خط أحمر، فهو جهدَ وعمل طويلًا من أجل بناء وترسيخ قاعدة الثقة بينه وبين جمهوره التي يمتاز بها حتى أن العدو يحسده عليها، وإنطلاقًا من هذه القاعدة حزب الله ليس في وارد التخلي عن هذا المكسب أو السماح لأحدٍ بهزه أو محاولة هزه حتى.

 

خلاصة كلام السيد افتتاحية لموسمٍ جديدٍ من العلاقةِ وسيناريو آخر في التعامل وقاعدة على أمل إتباعِ فحوها: من لديه أيّ استفسار فأهلًا وسهلًا به طارحًا مستفسرًا ونحن من السامعين، أما من غايته إطلاق الاتهامات والتشكيك فليعذرنا.

 

 

 

 

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح