عربي وعالمي

سقوط الطائرة (الإسرائيلية) أقل من ربيع مقاوم وعلى مقربة من خريف صهيوني

فيصل جلول

 
لا يحتاج المرء إلى جهود جبّارة للاستنتاج بأن تآكُل الردع الإسرائيلي المتواصل في المجابهة مع محور المقاومة ينطوي على وعود سيّئة لموقع ومستقبل الدولة العبرية في منطقتنا. فقد نشأت لحماية المصالح البريطانية على طريق الهند الشرقية وتعزّز دورها في حماية الإمدادات النفطية إلى الغرب، وكانت قاعدة مُتقدّمة في الشرق الأوسط لحماية المصالح الغربية خلال الحرب الباردة. وها هي اليوم تحتاج إلى الغرب لحمايتها بعد أن فقدت القسم الأكبر من أدوارها..

يبدو أن سقوط الطائرة الصهيونية ينطوي على مؤشّرات أساسية في هذه المرحلة من مراحل الصِراع مع (إسرائيل) هل يستدعي إسقاط طائرة حربية (اسرائيلية) احتفالات عارِمة في الشوارع ومدائِح وخُطَب تعظيم؟هل عدنا لتغليب أفعال التفضيل المُطلَقة على أفعال الموضوعية والتروّي والاحتمالات والنسبية؟ أم إننا كنا نعوم في بحورها ، فما أن سقطت الطائرة الصهيونية حتى استسلمنا لرغبوية فائضة عن الحدث ونتائجه؟ هذا النوع من الأسئلة استدرجته المُجابهة (الاسرائيلية) المحدودة مع محور المقاومة الأسبوع الماضي والتي تميّزت بإسقاط طائرة ” إف 16 ” (إسرائيلية) في الجليل الفلسطيني. 

إذا كان صحيحاً أن سنونوة واحدة لا تكفي للتبشير بربيع طال انتظاره بعد شتاء قارِس، فالصحيح أيضاً أن  سقوط طائرة حربية واحدة لا يكفي للتبشير بقهر الصهيونية ومن ثم إخراج مفاتيح المنازل الفلسطينية القديمة من مخابئها تمهيداً للعودة إلى فلسطين، ناهيك عن أن سقوط الطائرة انتهى إلى التهدئة والانضباط تحت سقف حدث، لا يرغب محور المقاومة، ولا صهاينة تل أبيب بالطبع، بتحويله إلى فعل حرب شاملة، ولهذا الانضباط دلالة مهمة في سياق المُجابهة.

بالمقابل إذا كان سقوط الطائرة لا يكفي حقاً للتبشير بزوال دولة (إسرائيل) وليس بوليصة تأمين للانتصار عليها في الحرب المقبلة، فإنه ينطوي على مؤشّرات شديدة الأهمية في الصراع العربي (الاسرائيلي) قد تكون في لاوعي العرب عموماً والفلسطينيين بخاصة هي نفسها حمّالة الاستنتاجات الرغبوية بالانتصار العارم واليقين القاطِع بزوال دولة (إسرائيل)، عِلماً أن الرغبة الجامِحة في اللاوعي العربي بزوالها ومن ثم إسقاط هذه الرغبة على فعل حربي محدود الحجم، لا تستدعي الإدانة ولا السخرية، ذلك لأن الأحداث الكبيرة في التاريخ ارتسمت أولاً في لاوعي الناس وكانت حلماً كامِناً في مخيّلتهم، قبل أن تتحوّل إلى وقائع بيّنة.

 بعيداً عن الاتجاهات  المُبالغة في تقدير الحدث، يبدو لي أن سقوط الطائرة الصهيونية ينطوي على مؤشّرات أساسية في هذه المرحلة من مراحل الصِراع مع إسرائيل يمكن حصرها في الخطوط التالية:

أولاً: ألحقَ سقوط الطائرة أذى بأسطورة سلاح الجو (الاسرائيلي) الذي خرج بأقل الخسائر من حروب لبنان وغزّة. كان السلاح الوحيد الرادِع  في عُرف الصهاينة بعد خروجه سالماً من اختبار ناجح في حرب العام 1956 ، وتحوّله إلى أسطورة في حرب حزيران عام 1967 واستعادته لزِمام المبادرة  في حرب تشرين الأول  أكتوبر عام 1973 رغم الإصابات الخطيرة التي تعرَّض لها. وكان دوره غالباً في حرب جنوب لبنان عام 1978  وفي اجتياح بيروت عام 1982، ناهيك عن  مئات الغارات التي كانت تتسبّب بأضرار لا تُحصى، مادية ومعنوية  للعرب وللفلسطينيين. وإذا كانت طائرة الأمس ليست الأولى التي تسقط في مُجابهة مع الصهيانة ، فإنها الأولى التي تحطّمت جرّاء مناورة حربية جديدة تُفصِح عن احتمال سقوط طائرات أخرى وبالتالي قَهْر أسطورة السلاح الذي تسبّب بهزائمنا المُهينة.

ثانياً: جاء إسقاط الطائرة  ليقطع مع سلسة طويلة من الغارات الجوّية الصهيونية الشنيعة داخل سوريا والتي كانت تنتهي بالحديث عن رد ٍلا يأتي في “المكان والزمان المناسب”. فإذا بهذا الرد الصريح يُطابق وعوداً طال انتظارها ويَعِد بردود مُماثلة في المستقبل يمكن أخذها على محمِل الجدّ.

ثالثاً: يُبيّن الحدث أن سلاح الطيران (الاسرائيلي) وربما الأميركي الذي بات مُعرّضاً للإصابة ما عاد يتمتّع  بأثر مُطلَق في التدخّل في مسار الأحداث في سوريا ، وبالتالي العودة بالصراع  في هذا البلد إلى الوراء.
رابعاً: يوحي بأن روسيا قد لعبت دوراً ما في هذه العملية، رداً على إسقاط طائرة حربية روسية في ريف إدلب، وبما يتعدّى ذلك إلى التصميم على حماية الإنجازات الروسية في سوريا والشرق الأوسط.
خامساً: يوحي إسقاط الطائرة بامتلاك محور المقاومة وسائل تحطيم الطائرات الحديثة، وهي لا تقتصر على  صواريخ أرض جو، وإنما تشمل تقنيات القتال والمناورة وهذا تطوّر بالغ الأهمية.

سادساً: قد يؤدّي إسقاط الطائرة إلى تأجيل الحرب المقبلة مع محور المقاومة وإلى إضعاف وعود الدمار الشامل (الاسرائيلية) التي تستند في القسم الأكبر منها إلى سلاح الطيران الذي لن يفقد أهميته، لكنه ما عاد يتمتّع  بتفوّق كاسِح  وبقُدرة  مُطلًقة على العدوان من دون رد.

سابعاً: إن قياس الحال المعنوية (للإسرائيليين) الذين تدافعوا بعد سقوط الطائرة نحو الملاجىء في حين حافظ اللبنانيون والفلسطينيون على إيقاع حياتهم اليومية، من شأنه أن يُضعِف فُرَص اندلاع الحرب في المدى القريب. وتذهب  تصريحات المسؤولين الصهاينة الداعية إلى التهدئة واستعانتهم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لضبط التوتّر في الاتجاه نفسه ، وبالتالي القول بأن الحرب المقبلة  ليست على الأبواب .

ثامناً: يطرح إسقاط الطائرة الصهيونية سؤالاً عن توازن السلاح بين محور المقاومة وإسرائيل من دون أن يحمل جواباً حاسِماً، فإذا ما تبيّن في مجابهات مقبلة أن لدى المقاومين القدرة على التصدّي الناجِح للغارات الجوّية (الاسرائيلية)، فهذا يُفضي إلى تعديل أساسي في ميزان التسلّح والقدرة على الردع وفي شروط الحرب المقبلة. فقد بات معروفاً أن سلاح البر (الاسرائيلي) خَسِرَ تفوّقه في حروب جنوب لبنان الأخيرة وحربيّ غزّة، وأن سلاح البحرية الصهيوني يمكن مجابهته وردعه بنجاح، وهذا ينطبق على وسائل الاستطلاع والمعلوماتية التي ما عادت تتمتّع بتفوّق مُطلَق. إن دخول سلاح الجو (الاسرائيلي) اختبار التفوّق الأسبوع الماضي وخسارته الواضحة، يعني أن موازين القوى بين محور المقاومة و(إسرائيل) قد تدخل منعطفاً جديداً ومصيراً مختلفاً لشؤون الحرب والسلام في الشرق الأوسط.

لا يحتاج المرء إلى جهود جبّارة  للاستنتاج بأن تآكُل الردع (الاسرائيلي) المتواصل في المجابهة مع محور المقاومة ينطوي على وعود سيّئة لموقع ومستقبل الدولة العبرية في منطقتنا. فقد نشأت لحماية المصالح البريطانية على طريق الهند الشرقية وتعزّز دورها في حماية الإمدادات النفطية إلى الغرب، وكانت قاعدة مُتقدّمة في الشرق الأوسط لحماية المصالح الغربية خلال الحرب الباردة. وهاهي اليوم تحتاج إلى الغرب لحمايتها بعد أن فقدت القسم الأكبر من أدوارها..

نعم إن سقوط طائرة حربية (إسرائيلية) لا يكفي للتبشير بسقوط الردع الصهيوني وانهيار الدفاعات (الاسرائيلية)، لكنه دليل لا يُخطىء على هذا الاتجاه.

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الصفصاف وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

فيصل جلول
باحث لبناني مقيم في فرنسا