الأخبارالأرشيف

سوريا: حين تتكاثر الطوابير…إشتبك وهَدِّف بوعي – عادل سمارة

كل نقد جائز، والنقد مهماز التقدم، والجرأة على النقد مقدمة للجرأة على الانتصار “تجرَّأ على النصر-ماو تسي تونغ” أو بالحد الأدنى مارس ثقافة الاحتجاج. ولكن!

إذا تربى المرء على نقد الآخرين وعدم مسائلة نفسه، أو على تكفير الآخرين والرضى برياضة الصلاة، أو على تعبئة لا وطنية ولا قومية ولا طبقية، بل دين سياسي،وإذا تربى على ماركسية مضروبة غربيا وتروتسكياً ، وإذا تربى على طائفية من اي لون ونوع، وإذا تربى على وهم عبقرية الكيان أو استحالة هزيمة الغرب الراسمالي الدموي، أو على أن لتركيا حق الخلافة رغم غوصها في تحالف دوني كأداة امريكية صهيونية، أو على أن حكام السعودية لهم حق الإشراف على مكة والمدينة وبالتالي لم يجرؤ على الدعوة لمقاطعة الحج طالما هم يدنسون المكان، وإذا تربى على أن الكنيسة اليونانية هي سيدة على الأرثوذكس العرب ولم يجرؤ على مقاطعة الكنيسة ليجفف شرايين ثيوفوليس الذي باع املاك الطائفة للكيان،ولم يجرؤ على أن يحرج سلطات اوسلو ووادي عربة في صمتهما عن البيع،أو إذا نقد كل حاكم عربي وتورط في دفاع قطري عن بلده التي ربما وضعها اسوأ ممن ينقدهن ، أو تخاذل في كشف مخاطر قطر أو الإمارات لأنه يتمول من إحداهما أو كلتيهما،أو إذا مالأ فضائية ما كي يلمع على شاشتها او يقبض منها ، وحتى إذا تربى تربية برِّية عادية على إعفاء نفسه من اي واجب …الخ، كل هذه وغيرها حالات من الغوص في قيعان لا قرار لها. وهي حالات وفَّرَ “الفيس بوك” لها فرصة النهش على حساب مناخ التوعية.

داعي هذا القول هو الجدل الذي يحصل “فقط” أو غالبا حينما يعتدي الكيان على سوريا، وخاصة من يقولون، لماذا لا ترد سوريا، ومتى سترد، او يعتبرون رفضنا لما يدعون له وقت القتال دعوة خاطئة…الخ. وقد يزعجه أكثر بأن نعود ونؤكد بأن سوريا كل يوم في قتال.

إجابتنا هذه ليست لكل الناس، بل لمن لديهم وعي وانتماء عروبي فقط. معذرة لمن ليسوا ضمن هذا الموقف، فهم ليسوا ضمنه، ولأن من لا ينتمي عروبيا، لن يفهم بان سوريا تقاتل عن فلسطين وعن الدار البيضاء وعن صنعاء. لا يفهم أن تصفية الجمهوريات الحقيقية هو استمرار لتصفية القضية الفلسطينية، وتصفية فلسطين تصفية للعروبة، اي لكل قطر عربي من اليمن إلى موريتانيا. فالمسألة مترابطة وتبادلية.

وبالطبع، لا نوجه هذا القول لمن يرون سوريا أمة منفردة متفرِّدة، أو الهلال الخصيب، او وادي النيل أو الجزيرة العربية أو المغارب العربية، كل كتلة أو حتى قطر منفصل عن الكل. لا معنى لمجادلة هؤلاء. هذا دون أن نتوجه لمن يرون الحليف اقرب من الشقيق ويلومون الحليف لماذا لا يقفز من طهران ليقاتل في يافا، وهو لن يفعل لأن هذا ليس واجبه.

لا نقصد بهذا الانتماء العروبي أي مستوى عاطفي، بل القدرة على رؤية تاريخ التناقض مع الغرب الراسمالي،بل مع الثورة المضادة:

· الغرب الرأسمالي بثلاثيته(امريكا واوروبا واليابان)

· الكيان الصهيوني

· كتلة الأعداء مكونة من أنظمة الرجعية والتبعية والريعية وخاصة النفطية
· الطابور السادس الثقافي بتمفصلاته: لبرالي، ما بعد حداثي، دين سياسي، متمركس، قومي شكلاً قطري جوهراً، أو قطري مباشرة.

نقصد بتاريخ التناقض تجسده في مخطط ومؤامرات وعدوان الثورة المضادة ضد الوطن العربي لتجزئته وتنصيب أدوات تحكمه لصالح الغرب وخلق الكيان كذلك. من يرفض هذا التحليل، فعلى رَسْله. وتحديداً من لا يؤمن بوطن عربي وأمة عربية، فعليه، أن يتوقف عند هذا السطر.

إنه مخطط بدأ منذ انتقال اوروبا إلى الراسمالية التجارية قبل اكثر من 300 سنة.

أذكر هذا الأمر التاريخي لأن من ينتمي يجب أن يقرأ ويتابع، لا أن يرمي كلمة هنا وأخرى هناك على الفيس ومن ثم يشترط أن نرد عليه. ليس شرطا الرد. أحيانا لا نرد على البعض لأن ما كتبه مناكفة أو ساذج، أو حتى معادٍ أو الأسوأ، اي قُطْري مقيت يتوجع ويتلوى بتناقضاته الذاتية. وعليه، لكل شخص حق التعليق او الرد، لكن ليس من حقه علينا أن نرد أو نجيبه. لأن لكل منا مشاغله وله الحق في تحديد أولوية الرد.

من هذا المدخل، أي تاريخ النظام الراسمالي المعاصر، منه فقط يمكن للمرء فهم لماذا لا تستطيع سوريا وحدها الرد على الكيان ليس فقط لأن العدوان المعولم متواصل ضدها، بل اساسا لأن هذا العدوان اجتمعت فيه معظم بغايا وأوغاد الأرض ولم تتوقف بعد.

أما لماذا أوجه حديثي للمنتمين والشرفاء وليس إلى المناكفين/ات او المضادين أو القطريين، أي الذين يرون في القطر الذي هم منه نهاية العالم ومفصولا عن الوطن العربي، ويحترفون نهش كل قطر ما خلا القطر الذي هم منه. او ينقدون ويدعمون ويطربون بنقد كل الكون باستثناء بلدهم.

أي باختصار، هؤلاء مثار متاعب وإهلاك وقت، ومن هنا، كما يقولون في العراق: “الله وياهم”.

ما أود الوصول إليه بعد كل هذا، هو غير كل هذا، بمعنى:

في الوقت الذي يتم فيه العدوان على سوريا، أو على اليمن، أو اي قطر عربي: أنت يا من تعلق او تدعو للرد ماذا تعمل؟ حتى لو كنت في سوريا نفسها، أو فلسطين نفسها أو اليمن نفسه أو العراق أو ليبيا نفسها…الخ.

خلال العدوان أو ما بين عدوان وعدوان، إذا كنت من المنتمين والشرفاء الذين نتحدث إليهم:

هل أكلت اليوم منتجات هذا العدو أو ذاك؟

هل اشتريت علبة من سجائرهم؟

هل شربت أي نوع من عصائرهم أو حتى كحولهم؟

هل اشتريت من أقمشتهم؟

هل تحدثت لزوجتك أن لا تشتري مساحيقهم، أو لإبنك بأن يقاطع كل هؤلاء؟

هل كتبت تحريضا ضد بضائعهم؟

كيف يستقيم موقفك وعقلك حين تتأسى بسبب حصول العدوان، ثم تشتري منتجاتهم ومن ثم تفرِّغ كل موقفك بكتابة جملة: اين الرد؟ أو تعتبر من ينقد سلبيتك قامعا أو مستبداً!

حين يكون الاشتباك، لا التحريض على الرد هو المطلوب، بل المطلوب أن تأخذ درساً تعبويا لتكون دائما في حالة اشتباك مع الأعداء طبقا لوضعك، إمكانياتك، ظروفك حتى لو بالقول، حينها أنت قوي، رغم كل ما يقال عن العروبة انها في وهن وضعف. تخيل لو تم إمطار مؤسسة غربية أو صهيونية أو نفطية بالحجارة، تخيل كم أنت صاحب موقف وتاثير. بكلام آخر، مارس وشارك في إيذاء الأعداء تشعر بذاتك بموقفك بكرامتك، وحينها تفهم أن الرد ضد عدوان على بغداد أو الرباط أو القدس أو الضاحية هو مشترك وعروبي لأن العدوان على الجميع، ومن حقنا أن نرد أين نستطيع طالما أنك تعتبر العروبة ثقافة ووجودا وتاريخا وهدفا وأملاً مشتركا في كل الوطن ولكل القوميات والإثنيات فيه.

كلما تصاغرت جغرافية انتمائك، كلما تصاغر حُلمُك، وكلما كنت ممتعاً للعدو أكثر، دون أن تدري، وإن كنت تدري فكارثة كبرى.

لن تتذوق طعم معنى هذا الكلام إن لم تمارس الرد، إن لم تشارك في الإشتباك. كن مواطنا مشتبكا طبقا لظرفك، بل حتى ليومك، اي في كل يوم حتى لو بالتفكير، إشتبك مع العدو دائماً، وحين يعتدي هنا أو هناك، لا تخطىء التهديف، واصل اشتباكك معه.إشتبك حتى بالتفكير تشعر بقيمتك.