من هنا وهناك

وفد أمني إداري ميداني مصري في غزة  لضمان تنفيذ اتفاق المصالحة – د/ إبراهيم ابراش

لأول مرة منذ سنوات يبدي الفلسطينيون في قطاع غزة اهتماما بما يجري في مصر من حوارات سياسية شاملة ومنها ملف المصالحة . يمكن تفسير هذا الاهتمام لأن الأمور الحياتية في قطاع غزة لم تعد تُحتمل وباتوا كالغريق الذي يتشبث بقشة وكل ما يأملون أن تؤدي المصالحة لتسهيلات تخفف معاناتهم كزيادة ساعات الكهرباء أو تسهيلات على معبر رفح أو عودة السلطة لدفع الرواتب أو التراجع عن الخصومات . ولكن أيضا يمكن تفسيره بمعطيات سياسية ترتبط بالتغيير الذي طرأ على حركة حماس واستعدادها ليس فقط للتجاوب مع المطالب المصرية ومبادرة الرئيس أبو مازن بل أيضا استعدادها للدخول في أية عملية تسوية قادمة في الشرق الأوسط .

قد يفسر البعض هذه المرونة عند حركة حماس بالبراغماتية أو الذرائعية والنفعية ،بمعنى أنها تناور فقط حتى تمر عاصفة التحولات في المنطقة التي لا تجري حسب ما تشتهي سفنها . ربما لا يخلو الأمر من مناورة ولكننا نعتقد أن تغييرا حقيقيا طرأ على حركة حماس وخصوصا بعد حرب 2014 وتوقيع الهدنة مع إسرائيل ،ونقل مقر القرار السياسي الحمساوي من الخارج إلى الداخل وتولي السنوار زمام الأمور الميدانية في قطاع غزة ، ولأن مصر اليوم ليست مصر قبل سنوات .

خلال رعاية مصر لجلسات المصالحة منذ عام 2009 لم تكن جادة في التعامل مع ملف المصالحة ولم تكن تعتبر إنجاز المصالحة الفلسطينية اختبارا لمكانتها وحضورها العربي والدولي ، كما كانت منشغلة بقضايا أخرى تراها أكثر أهمية ،ومن هنا لاحظنا سكوتها على ممارسات الأطراف الفلسطينية عندما كانوا يتعاملون مع ملف المصالحة باستخفاف أو ينقلون ملف المصالحة من بلد إلى آخر حتى لأطراف معادية لمصر .

الأمور تغيرت في الفترة الأخيرة بالنسبة لكل الأطراف وخصوصا بالنسبة لمصر . فلأول مرة تضرب مصر على الطاولة وتعلن نفاذ صبرها على عبثية الفلسطينيين في التعامل مع ملف المصالحة ،وكانت واضحة مع حركتي حماس وفتح في اللقاءات الأخيرة في القاهرة بأنها ستأخذ على عاتقها مهمة إصلاح البيت الفلسطيني وفرض رؤيتها ومن لا يتجاوب معها فهناك بدائل عنه وليتحمل المسؤولية .

بالعودة إلى ما جرى خلال الأيام الاخيرة في القاهرة ، يبدو أن مصر استعادت دورها في استلام زمام ملف المصالحة الفلسطينية ويتبدى ذلك من خلال نجاحها في إقناع حماس بالتجاوب مع (مبادرة الرئيس أبو مازن) فيما يتعلق بحل اللجنة الإدارية تمهيدا للنظر في اجراءات الرئيس تجاه موظفي غزة والسماح لحكومة الوفاق بممارسة عملها في القطاع ثم استكمال تنفيذ اتفاق القاهرة لعام 2011 .

لا نقلل من قيمة ما تم إنجازه ومصر مشكورة على جهودها ، ولكن ما تم إنجازه حتى الآن هو إزالة عقبة إضافية ظهرت منذ سنة أمام المصالحة وهي تشكيل حركة حماس لجنة لإدارة قطاع غزة ورد الرئيس بإجراءات عقابية وبطرح مبادرة ،وفي نظرنا لا ترقى لدرجة مبادرة بل كانت ردة فعل ارتجالية وانفعالية وغير مدروسة جيدا وتعكس غياب رؤية استراتيجية للتعامل مع قطاع غزة .

صحيح أن ما تسمى بمبادرة الرئيس تقول بأن السلطة ستتراجع عن إجراءاتها إذا ما حلت حماس اللجنة الإدارية ،وها قد تجاوبت حماس مع ( مبادرة الرئيس) نظريا ومن خلال بيان وهي خطوة من حماس تعبر عن الذكاء وحسن إدارة الأزمة وعن إحساس بالمسؤولية .لكن حتى لو تراجع الرئيس عن قراراته العقابية فإن الأمور ستعود إلى ما قبل سنة أي قبل تشكيل حماس للجنة الإدارية ،إي إلى الانقسام الذي استمر لعشرة سنوات قبل تشكيل اللجنة .

حتى تنجح الجهود ويتم استكمال خطوة حل حماس للجنة الإدارية ،نتمنى على مصر العربية وكما منحت ضمانات لحركة حماس أن تمنح ضمانات لحكومة الوفاق الوطني حتى تتمكن من ممارسة صلاحياتها في قطاع غزة ولا يحدث معها ما حدث قبل ذلك عندما تم الاعتداء على بعض الوزراء وتم منع آخرين من مغادرة الفندق في غزة .

هذه الضمانات أن يحضر وفد أمني إداري مصري إلى قطاع غزة فورا ويشرف مباشرة وبالتنسيق مع لجنة تتشكل من ممثلين عن كل القوى السياسية على استلام الحكومة لمقراتها كخطوة أولى ثم استكمال تنفيذ بنود اتفاق المصالحة  2011  .

د/ إبراهيم ابراش

Ibrahemibrach1@gmail.com