عربي وعالمي

“انقلاب في القصر “

وصف الكاتب البريطاني المعروف والخبير في شؤون الشرق الأوسط ديفيد هيرست القرارات الملكية الأخيرة في السعودية بأنها “انقلاب داخل القصر”، مؤكدا أنها تدل على أن الملك سلمان بن عبد العزيز يقوم تدريجيا بتنصيب ابنه محمد ملكا الذي هو ولي ولي العهد، متجاوزا بذلك ولي العهد الأمير محمد بن نايف الذي يتم استئصال رجاله من السلطة والحكم في المملكة.

ونشر مقال هيرست الذي وضع له عنوانا يقول: (انقلاب في قصر آل سعود)، مستعرضا فيه جملة من الحلقات التي تؤدي في النهاية إلى تنصيب الأمير محمد بن سلمان ملكا على السعودية، فيما لفت هيرست إلى أن القرارات الملكية تضمنت إعفاء وزير من منصبه وإحالته على التحقيق بتهم الفساد لأنه عين ابنه في وظيفة حكومية، في الوقت الذي عين فيه الملك ابنه الأصغر خالد سفيرا للمملكة في الولايات المتحدة.

وقال هيرست في مقاله إن “أي أمير سعودي يحتاج إلى رضى ثلاثة مصادر للقوة حتى يصبح ملكاً، وهي من حيث الأهمية: الولايات المتحدة الأمريكية، والعائلة الحاكمة السعودية والشعب السعودي، رغم أن الأخير يأتي في ذيل أي حسابات تذكر”.

وبحسب هيرست فإن أربعة فصول قام بها الملك سلمان حتى الآن لتنصيب ابنه محمد ملكا، أما الأول فهو أنه تخلص من كل الرجال المحسوبين على الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز من داخل الديوان الملكي، وأولهم رئيس الديوان خالد التويجري، فيما تجلى الفصل الثاني في قرار الإطاحة بالأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد ليتم تنصيب محمد بن نايف بدلاً منه، ومحمد بن سلمان وليا لولي العهد، وهنا يلفت هيرست إلى المشهد الشهير لمحمد بن سلمان مقبلا يد ابن عمه محمد بن نايف، لكن هيرست يعلق على ذلك في مقاله بالقول: “لكن محمد بن سلمان سرعان ما تعلم كيف يعض اليد التي قبلها”.

ويسرد هيرست في مقاله المطول كيف استفاد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد من الأوضاع في المملكة، وهو الذي كان يعاني من “ضغينة” بينه وبين الأمير محمد بن نايف، ليلتف على الأخير ويدخل القصر الملكي السعودي عبر محمد بن سلمان، حيث تحالف كلاهما ضد بن نايف، وكل منهما له السبب الذي يدفعه للرغبة بالتخلص من الأمير محمد بن نايف.

أما المشهد الثالث، أو الفصل الثالث من تنصيب محمد بن سلمان ملكا، فيقول هيرست إنه جاء في أربعين مرسوماً أصدرها الملك يوم السبت الماضي، كان أهمها على الإطلاق هو ذلك المرسوم الذي استهدف استعادة شعبية محمد بن سلمان من خلال إعادة البدلات المادية لموظفي القطاع العام ولأفراد القوات المسلحة التي كانت “رؤية 2030” قد اقتطعتها منهم.

ويقول هيرست إن “من عجائب الدهر أن يُسند الفضل في عودتها إلى محمد بن سلمان رغم أنه هو الذي أمر بحرمانهم منها بادئ ذي بدء. لعل المقصود من ذلك هو المضي قدما نحو المزيد من تقليص دور ابن عمه محمد بن نايف”.

وفي المراسيم الأخرى –بحسب هيرست- ورد النص على تعيين شقيق محمد بن سلمان الأصغر، واسمه خالد، سفيرا لدى الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن خبرته الوحيدة في الدبلوماسية الدولية لا تتجاوز قيادة طائرة “إف 16” بوصفه طيارا حربيا، معتبرا أن “من المثير للغرابة أن نفس رزمة المراسيم تضمنت طرد أحد الوزراء من عمله والتحقيق معه لأنه وظف أحد أبنائه. من الواضح أن هذه القاعدة لا تنطبق على آل سعود”.

ويلفت هيرست إلى تعيين شقيق محمد بن سلمان الآخر، وهو الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير دولة لشؤون الطاقة، كما صدر الأمر بتعيين فرد آخر من أفراد العائلة القريبين من محمد بن سلمان، وهو ابن أخيه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، نائبا لحاكم المنطقة الشرقية المعروفة بثرائها النفطي، علماً بأن حاكم تلك المنطقة هو سعود بن نايف، شقيق محمد بن نايف، الأمر الذي يعني أن تنصيب هذا الأمير نائباً للحاكم يأتي بمثابة تضييق للخناق على رقبة ولي العهد.

واشتملت المراسيم كذلك على تعيين عشرات آخرين من أعضاء العائلة الحاكمة في مناصب مهمة (في المناطق الإدارية للمملكة)، وكل ذلك بهدف تعزيز موقف محمد بن سلمان داخل العائلة وتمكينه من إحكام قبضته عليها، كما يرى الكاتب البريطاني الخبير بشؤون الشرق الأوسط.

ويرى هيرست أنه بالقرارات الملكية التي صدرت يكون محمد بن سلمان قد حقق الشروط الثلاثة لتنصيبه ملكا، فقد تحقق الوصول إلى واشنطن، وتم شراء ولاء العائلة، وأدخلت السعادة إلى قلوب عامة الناس، إلا أنه وبالرغم من كل ذلك، يظل محمد بن نايف عقبة في طريق محمد بن سلمان.

ويقول هيرست إن “المرسوم المهم الذي شكل انقلابا ناعما على محمد بن نايف لم يكن له أدنى علاقة باليمن. إنه المرسوم الخاص بإنشاء مركز للأمن القومي تحت إشراف الديوان الملكي. ستكون هذه المؤسسة هي المنافس المباشر لوزارة الداخلية التي يرأسها ابن عمه محمد بن نايف. المثير في الأمر أن الكيان الجديد يخضع للديوان الملكي بشكل مباشر، والديوان يديره ويتحكم به محمد بن سلمان”.

ويضيف: “عندما اضطر محمد بن سلمان إلى الاستقالة (اسميا) من رئاسة الديوان الملكي ليصبح ولياً لولي العهد حرص على أن يترك خلفه من يضمن من خلاله الاستمرار في التحكم بمقاليد الأمور. ذلك الرجل هو سعود القحطاني، والذي سرعان ما اكتسب شهرة بأنه التويجري رقم 2”.

ويشير هيرست إلى أن “الكاتب السعودي تركي الروقي، مؤسس صحيفة الوئام، اتهم القحطاني بأنه يتصرف كما لو كان صنارة انترنيت ويشن الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد أهداف معينة ولترهيب المخالفين”. وزعم الروقي أن القحطاني يملك جيشا من المخترقين “الهاكرز” وأنه يستهدف المواقع بالتهكير والتشهير وتشويه سمعة الكثير من المواطنين.

ومضى الروقي في ادعائه قائلا: “لقد تمادى الرجل كثيرا، وذهب ضحيته الكثير من شباب البلد، وتسبب في توتير العلاقة بين صناع القرار وأبناء الشعب، وامتهن حصانة ورزانة المؤسسات الحكومية ورجال الدولة”.

عربي21

اترك تعليقاً